الإمساك من أكثر مشاكل الجهاز الهضمي شيوعا

فهم آلية حصوله مفتاح العلاج والوقاية .. وقلة تناول الألياف الغذائية وممارسة الرياضة أهم أسبابه

TT

تجري حاليا في جامعة نيوكاسيل دراسة واسعة حول الإمساك هي الأفضل حتى اليوم من ناحية الإعداد، وتُنتظر نتائجها بفارغ الصبر من قبل المراقبين الطبيين، وتشمل الدراسة حوالي 2000 شخص، وتهدف الى فهم أسبابه وأفضل طرق علاجه. الإمساك من أكثر مشاكل الجهاز الهضمي شيوعاً في كافة الأعمار ولدى كلا الجنسين. ففي بريطانيا، يصيب واحداً بين كل خمسة أشخاص بالغين، ويكلف علاجه فيها ما يربو على 50 مليون جنيه. أما في الولايات المتحدة وحدها، فتتم 2.5 مليون زيارة إلى الطبيب سنوياً للشكوى من الإمساك، ويعاني منه بحسب الإحصاءات الرسمية للمؤسسة القومية للصحة، حوالي 4.5 مليون إنسان، وأن النساء يشكون منه أكثر من الرجال، خاصة بين كبار السن.

الإمساك عبارة عن بطء حركة مرور الفضلات في القولون، مما يسبب جفافها وصعوبة إخراجها، حيث يمتص القولون معظم السوائل نتيجة ضعف قوة عضلاته إما لا إرادياً أو إرادياً، عبر حبس إخراج الفضلات لمدة طويلة، وبشكل متكرر مما يجعل عضلات فتحة الشرج تقوم بذلك لوحدها، الأمر الذي يحدث صعوبات في إخراج الفضلات لاحقاً.

ما هو الطبيعي لعملية الإخراج يختلف من إنسان إلى آخر، فالإخراج ثلاث مرات في اليوم أو مرة كل ثلاثة أيام، هو ضمن الطبيعي بالتعريف الطبي، كما تقول إحدى النشرات الحديثة لجامعة هارفارد الأميركية، وكل إنسان له معرفة شخصية بما هو طبيعي بالنسبة له كم عدد المرات في اليوم أو كل كم يوم يذهب الى الحمام للإخراج، لذا فإنه بغاية الأهمية التنبه الى أن تكوين الفضلات، خاصة صلابتها وصعوبة بذل الجهد في إخراجها وتغير العادة التي تعود عليها وظهور أعراض مصاحبة كألم البطن وغيره، هو ما يهم عند الحديث عن الإمساك وقبل الذهاب الى الطبيب للشكوى منه.

هناك أسباب مفهومة للإمساك، وبالتالي يمكن التعامل معها لتسهيل عملية الإخراج، ومن أهمها:

1 ـ قلة تناول الألياف الغذائية، فالألياف الغذائية توجد في المنتجات النباتية فقط، وقلة تناولها والإكثار في نفس الوقت من تناول الدهون كما في اللحوم ومشتقات الألبان، سبب من أهم أسباب نشوء حالة تجعل من الصعب إخراج الفضلات الجافة نسبياً.

2 ـ قلة تناول السوائل، كالماء والعصير مما يسهم في جفاف الفضلات في القولون. ويختلف تأثير تناول السوائل المحتوية على الكافيين بين الناس، فمنهم من يسبب جفاف الفضلات لديهم ومنهم لا يؤثر عليه، وليس هناك نصيحة طبية واضحة بخصوصه كالقهوة مثلاً دون الشاي الذي يحتوى على مواد قابضة بذاته.

3 ـ انخفاض المجهود البدني، اذ ان قلة ممارسة الرياضة البدنية تقلل من دوافع تحريك الأمعاء ولها آلية وعملية معقدة في الحصول جزء منها متعلق بحركة عضلات جدار البطن الخارجية وتنميتها، لكن الملاحظ أن من يمارسون الرياضة أقل شكوى من الإمساك، لكن العكس غير واضح بمعنى أن هل ممارسة الرياضة علاج لحالة الإمساك إذا حصلت.

4 ـ الأدوية، اذ تؤثر الأدوية التي يتناولها المرء بانتظام أو بشكل عارض في حركة الأمعاء وكثرة امتصاص السوائل من الفضلات في الجهاز الهضمي. فمسكنات الألم، ومخففات حموضة المعدة المحتوية على الألمونيوم كالشراب الأبيض المشهور والمختلف الأسماء التجارية، ومضادات المغص، ومضادات الاكتئاب والصرع، وحبوب الحديد ومدرات البول وغيرها من أدوية القلب وضغط الدم كلها وغيرها قد تسبب الإمساك. ومن المهم أن يستعرض الطبيب كافة العلاجات في بحثه عن سبب إمساك شخص ما.

5 ـ حالة القولون العصبي، وهي بحد ذاتها سبب شائع لحالات الإمساك في أوقات إضافة الى أوقات أخرى يعاني فيها المريض من الإسهال.

6 ـ سوء استخدام الملينات، وعموماً فإن هناك جدلا حول تأثير الاستخدام الطويل أو الكثير والمتكرر للأدوية الملينة في نشوء حالة من الإمساك المزمن والأمر يبدو منطقياً وكثير من الشواهد تدل عليه.

7 ـ تغير نمط الحياة، وهي جملة عامة يُعنى بها التغيرات كالحمل نتيجة تغيرات الهورمونات أثناءه أو بتأثير تضخم حجم الرحم، كما أن التقدم في العمر أو السفر بالطائرة أو تغير النمط الغذائي لأنواع الأطعمة المتناولة وغيرها من التغيرات، كلها قد تؤدي الى إصابة المرء بالإمساك.

8 ـ الإهمال، وهو سبب قلما يلتفت إليه من يعاني من الإمساك لأن إهمال الذهاب الى الحمام لفترات طويلة وبشكل متكرر يؤدي الى تعود الأمعاء وعضلاتها على الكسل ومن ثم ظهور الإمساك.

9 ـ وهناك مجموعة من الأمراض تصاحبها حالة الإمساك كالأمراض العصبية مثل باركنسون، وإصابات الحبل الشوكي، إضافة الى العديد من الاضطرابات الهورمونية ككسل الغدة الدرقية أو مرض السكري، كذلك يصاحب العديد من الأمراض المزمنة كالفشل الكلوي وفشل الكبد، وتؤثر العديد من الأمراض الروماتزمية ذات طبيعة الاضطراب في مناعة الجسم عبر آليات معقدة في حصول الإمساك.

10 ـ الإمساك المزمن: وهي من الحالات النادرة التي يستمر الإمساك فيها لسنوات دونما أي سبب، وهي غالباً في النساء. ويصعب علاج هؤلاء مهما حاول الأطباء بكل الوسائل المتاحة، لأن أسبابها وإن كانت مجهولة، لكنها مرتبطة باضطرابات وظيفية تتأثر بالهرمونات والأعصاب والعضلات في القولون أو المستقيم أو فتحة الشرج. إهمال التشخيص غالب الحصول، فلا الطبيب ولا المريض يبذلان جهداً في معرفة السبب برغم الأهمية القصوى لهذا، خاصة لدى كبار السن. والحقيقة أن من أراد الوصول الى السبب، فإن سلسلة من الفحوص يجب إجراؤها، لأن أهمية الأمر لا تتعلق بالإمساك كعرض يشكو منه إنسان ما، بل هو ألا تكون هناك أسباب مرضية مؤثرة على سلامة الإنسان لا يتنبه اليها المريض ولا الطبيب.

والقائمة المتقدمة للأسباب هي ما يدندن حولها بحث الطبيب وفحوصه، والفحص السريري مهم للبطن وفتحة الشرج، إضافة الى فحص الجسم بشكل عام بحثاً عن الأمراض المسببة له، فربما يأتي المرء يشكو من إمساك ويكون التشخيص هو أن الأمر نتيجة فشل الغدة الدرقية وهكذا. المقصود أن الإمساك لا يجب إهمال إجراء الفحوص الطبية له، كتحليل الدم الخفي في البراز ومنظار القولون وغيرها.

وأساس العلاج هو قطع السبب إن وُجد، فمن المهم أن يتم تشخيص السبب الأساسي لأن الإمساك كما تقدم له أسباب ترتبط بأمراض أخرى، وبعد استثناء وجودها فقط يبدأ علاج الإمساك كحالة منفصلة، وحينها يلجأ المرء الى تغيرات نمط الحياة من الرياضة والتعود على تمرينات إخراج الفضلات بشكل طبيعي وإضافات الغذاء المسهلة للخروج، ثم بعد هذا كله استخدام الأدوية. كما أن مما هو ملاحظ أن دور فائدة الرياضة هو أمر محتمل الفائدة، وحتى لو لم يساعد على تخفيف الإمساك، فإن من المهم ممارستها لفوائدها الصحية على الجسم ككل، التي تواترت الدراسات في إثباتها.

من الضروري دوماً تحاشي تناول الأدوية أياً كانت ما لم تكن هناك ضرورة، والضرورة تفرضها جملة أمور أهمها فشل الوسائل غير الدوائية في تحقيق التخلص من المشكلة، إضافة الى قرار الطبيب المبني على المعرفة أن الدواء يجب البدء فيه مبكراً. واستخدام الحقنات الشرجية له ضوابط، أهمها ألا يكون السبب في الإمساك متعلقا بأمراض مرتبطة بالعمليات الجراحية وتحت الإشراف الطبي حينها، ولا يلجأ إليها إلا بعد فشل الملينات وتستخدم لفترات قصيرة، وبالأنواع الطبية المعدة لهذا الغرض أي ليس الحقنات المعدة منزلياً كالصابون وغيره.

* الأساس عدم اللجوء للأدوية الملينة إلا عند الضرورة > الأساس هو عدم اللجوء الى الادوية الملينة إلا عند الحاجة والضرورة. وبشكل عام فإنها تقسم الى أربعة أنواع، بحسب طريقة العمل، وهي:

1 ـ ملينات زيادة كتلة الفضلات في القولون: وهي أكثر أدوية الإمساك أماناً ويمكن تناولها لفترات طويلة، خاصة منها ما هو طبيعي كنخالات الحبوب النباتية المختلفة، لأنها تعمل على إثارة الأمعاء كي تزيد من حركتها الدافعة للفضلات الغذائية فيها عبر زيادة حجمها وكتلتها، ولذا تحتاج الى الإكثار من شرب الماء. وهناك أنواع تجارية عديدة لا طائل من الدعاية لأي منها، لأنها تتشابه في المفعول.

2 ـ ملينات ترطيب الفضلات: كي يسهل إخراجها وتستخدم مواد البرافيين وشبيهاتها فيها، ومنها ما هو حبوب كمركبات مادة دوكيسات الآمنة حتى لو اُستخدمت لفترات طويلة، ومنها الزيوت الطبيعية للثمار النباتية أو الزيوت المعدنية المصنعة، وهي ما تُؤخذ كحبوب أو تحميلة أو حقن شرجية ويجب التقليل من استخدامها إلا لضرورة، والأسباب عديدة وراء هذا أهمها أنها ربما تؤثر على امتصاص الأمعاء لبعض الفيتامينات المهمة للجسم.

3 ـ الملينات المؤثرة على الضغط الأزموزي للفضلات الغذائية: ويقصد بها المواد التي تؤثر على نسب المركبات الكيميائية في خليط مواد الفضلات في القولون، وبالتالي فإن وجودها يرفع الضغط الذي يجبر أغشية القولون على إفراز السوائل في محاولة لتخفيف هذا الارتفاع في الضغط الأزموزي (وأشبه ما يكون هذا في حالة وضع ملح على الخضار الطازجة المقطعة وتركها لفترة، فنجد أن الماء تسرب من قطع الخضار لمعادلة الملوحة العالية التي تسببت في رفع الضغط الأزموزي حول قطع الخضار). والمواد المستخدمة لهذا الغرض في علاج الإمساك كثيرة منها مادة اللكتوز (وهي مادة مصنعة شبيهة بالسكريات في الحليب)، وأملاح المغنيسيوم وأملاح الفوسفات (المستخدمة في تنظيف الأمعاء قبل فحوص الأشعة الملونة أو المناظير). ويوجد بعضها كمستحضرات تؤخذ عن طريق الفم، والبعض الآخر كحقن شرجية، ويجب عدم الإكثار منها إلا لضرورة.

4 ـ ملينات الإثارة المباشرة لحركة الأمعاء: وهي ما يؤدي الإكثار أو طول أمد تناولها الى اعتماد الإنسان والقولون عليها، وهناك من يشير الى أنها ربما تؤثر على أعصاب القولون، ودراسات أخرى تنكر ذلك، لكن المتفق عليه ضرورة قصر استخدامها للضرورة ولفترة محدودة. ومن أمثلتها الطبيعية زيت الخروع وحبوب أو مطحون أوراق السنامكي، أما الأمثلة الدوائية المصنعة مثل مادة بيساكودايل أو ديلكولاكس وتحاميل الغليسيرول.