أزمة منتصف العمر .. جسمية أم نفسية؟

سن اليأس لدى النساء ظاهرة طبيعية .. وسن الأربعين مرحلة فاصلة لدى الرجال

TT

سن اليأس كمفهوم هو تلك النقطة الحرجة من حياة المرأة عندما تتوقف الدورة الطمثية بشكل كامل منهية قدرة المرأة على الإنجاب، وهذه هي المرحلة النهائية لعملية حيوية تتجلى بنقصٍ في إفراز الهورمونات الأنثوية من المبيض.

وسن الأربعين بشكل عام مرحلة مهمة في حياة الإنسان، سواء كان رجلاً أو امرأة، فهي مرحلة النضوج الفكري والقدرة على التحمل، وهي المرحلة التي يبدأ فيها الاستقرار الأسري والعملي، إلا أنها تفتقر، عند البعض، إلى عامل مهم جدا وهو النشاط العاطفي بين الزوجين.

فعندما يكبر الأبناء وتهدأ عاصفة الحياة تبرد المشاعر تدريجيا، وذلك بفعل الطبيعة الفسيولوجية للرجل والمرأة، ويقل مستوى الاهتمام بالعلاقات الخاصة، ويصبح لدى البعض تضخيم للاهتمامات الأخرى.

وعندما نفكر في هذه الأزمة العاطفية التي قد تصيب بعض الأزواج، فإننا بالتأكيد لا نستطيع أن نلقي باللائمة على جنس دون آخر، فلربما اشترك الزوجان في نفس الأسباب، وربما كان احدهما أكثر تسببا في المشكلة، لكن الحديث بشكل العموميات قد يساعد في فهم هذه الأزمة وطرق التعامل معها. فكما أن للرجال سلوكيات وفكرا معينا بعد سن الأربعين أو كما يحلو للبعض تسميته (أزمة منتصف العمر)، فإن للمرأة أزمة في العمر نفسه، وهي عملية نفسية بحتة ولا علاقة لها بالجانب الفسيولوجي والغريزي، لكنها قد تكون محاولات لترقيع الذات ورأب ما تصدع منه فيما يخص الجانب الجنسي والعلاقات الجنسية.

بعض الأزواج ذكورا أو إناثا ينظر إلى الحياة بنظرة رومانسية خيالية وليس على واقع الحال، فقد تحلم الزوجة بأن يكون زوجها دائما ذلك العاشق المتيم الولهان وتعيش في ذلك الخيال الوردي من دون إدراك لتغير نمط الحياة وإيقاعها وأن المشاعر الجياشة مع مرور الوقت تتحول إلى مشاعر اقل تأججا عاطفيا ويزيد مستوى العلاقات الحميمية والحب والمودة. ولربما أحدث ذلك أزمة بين الأزواج، خصوصا النساء لأنهن أكثر حساسية للأمور العاطفية والتأثر الوجداني.

تقول الدكتورة فاطمة إعلاو، استشارية أمراض النساء والولادة في مستشفى المستقبل: في حقيقة الأمر تبدأ هذه المرحلة الحيوية لدى المرأة قبل 3 الى 5 سنوات من توقف الدورة الطمثية، وتدعى هذه الفترة بمرحلة ما قبل سن اليأس. ويعتبر سن اليأس كاملاً عندما يمضي على انقطاع الدورة الطمثية أكثر من سنة، ويحدث هذا بعمر 50 تقريبا، ويختلف سن اليأس من امرأة لأخرى، مثل الاختلاف المشاهد في بدء الدورة الطمثية في مرحلة البلوغ.

وسن اليأس كمصطلح يشير إلى آخر مرة تحدث فيها الدورة الشهرية بعد سنة من توقفها.

وتضيف أن هناك أربعة أنواع من سن اليأس:

1 ـ سن اليأس طبيعي: ويحدث تلقائياً نظراً لوصول المبايض إلى حد معين لا تستطيع بعده أن تؤدي وظيفتها، وهذا يبدأ غالباً خلال فترة من 40 الى 50 سنة.

2 ـ سن اليأس المبكر: ويشير إلى حدوث توقف في المبيض ووظائفه قبل سن الأربعين.

3 ـ سن اليأس المتأخر: وهو ما يشير إلى توقف الدورة الشهرية بعد سن الخمسين.

4 ـ سن اليأس الاصطناعي: وفيه تتوقف المبايض عن أداء وظيفتها نتيجة لاستئصال المبايض أو نتيجة للعلاج الإشعاعي.

الأعراض:

* شعور بالحرارة في الوجه والرقبة والصدر، وقد تمتد لتشمل كل أنحاء الجسم، ويصاحبها احمرار مع ارتفاع درجة الحرارة وزيادة العرق، وقد يتكرر ذلك عدة مرات في الليل والنهار، ويبدأ بأشهر قبل سن اليأس.

* شعور سريع بالتعب والإرهاق والاجهاد، العصبية والنرفزة مع اضطراب النوم، فقدان الشهية وعدم الرغبة بالقيام بأي عمل حتى لو كان روتينياً.

* أما عن الأعراض المهبلية فتكون نتيجة نقص هورمون الاستروجين، فيظهر جفاف في المهبل مما يؤدي للشعور بالحرقة والكآبة، كذلك تظهر التجاعيد على الجلد. وقد يؤدي نقص الاستروجين مستقبلاً إلى أمراض القلب والذبحة الصدرية، وتنخر وهشاشة العظام، آلام الظهر، قصر القامة، قلق وشعور بالكآبة نتيجة لعدم القدرة على الإنجاب، كذلك تصبح المرأة أقل جاذبية، وقد تزداد الشكوك والوسوسة عند بعض النساء. وتتراوح حدة هذه الأعراض من امرأة لأخرى، تبعاً لبعض العوامل التي تؤثر في هذه التحولات، ومنها:

1ـ العوامل الشخصية للمرأة ودوافعها النفسية في فترات حياتها المختلفة قبل دخولها مرحلة سن توقف الطمث.

2ـ عدد فترات الحمل والإنجاب، فكلما زادت خصوبة المرأة، تأخر حدوث سن توقف الطمث إلى حد ما.

3 ـ عمل المرأة، فمشاكل هذه الفترة تكون أكثر حدة عند ربّات البيوت من النساء العاملات.

4 ـ سن الزواج، فكلما تأخر سن الزواج، تقدم سن توقف الطمث.

علم النفس يؤكد على أن النظرة الصحيحة إلى الواقع وعدم تضخيم بعض الأمور أو تحجيم بعضها الآخر ومحاولة إدراك خبايا النفس الإنسانية عوامل مهمة للوصول إلى السلام مع النفس والسلام مع الآخرين، فالذي ينظر إلى المشكلة من زاوية ضيقة أو يؤولها بما لا تحتمل أو يبحث عن الحلول من دون محاولة التحليل المنطقي ووضع الأمور في نصابها الصحيح سيجد نفسه في وضع نفسي غير مريح. إذاً مع هذه المقدمة لعلنا نستطيع إدراك سر الاهتمام المبالغ فيه أحيانا من الأناقة والعناية بالبشرة والماكياج وعمليات شد الجلد وعلاج الترهل وغير ذلك مما يدور في عالم حواء. يعلق الدكتور محمد عبد الله شاووش، استشاري الطب النفسي، على ذلك قائلاً: يظل الاعتدال مطلبا أساسيا، مع أن التجمل للزوج واجب تقره كل الأعراف، لكن عندما يكون في سن متأخرة نسبيا ومبالغاً فيه يفوق تحديات الزمن، وعندما يكون ذلك السلوك طارئا في ما بعد الأربعين من دون الالتفات إلى السلوكيات التجميلية سابقا، فإن الأمر يحتاج إلى دراسة وتحليل وفهم جوانبه النفسية. فالسلوك دون إعمال الفكر محاولات يائسة ولا تجدي كثيرا في جذب الشريك، بينما السلوك المبني على الفكر والإدراك المعرفي يكونان مؤثرين ودقيقي النتائج.

ومن المعلوم أن في الإنسان أبعاداً ثلاثة، وهي: الفكر والعاطفة والسلوك، وهذه الثلاثية إذا لم تتوازن وطغى أحدها على الآخر، فإن ذلك سيخل بالنتائج، لذلك يجب على المرأة خصوصا التركيز على الإدراك الواعي الناضج للمشكلة وفهم جوانبها الفسيولوجية والنفسية والديناميكية والتغيرات التي تحدث خلال تعاقب السنين وألا يقتصر الأمر على عمل المحسنات كسلوك أحادي.

ويضيف بأن تفهم الزوجين لمعنى الشراكة والاحترام المتبادل والتخطيط لحياة سعيدة والاستمتاع بكل مرحلة من مراحل العمر بما يصلح لها ويضفي عليها رونقا خاصا وجمالا يتناسب مع طبيعتها يجعل الحياة أكثر إمتاعا وأناقة وجمالا وإحساسا. ويجب أن يكون لدى الزوجين القدرة على التحليل المنطقي والاستنباط الصحيح والسلوك المتوافق مع الظروف، الذي لا يعتمد على ردات الفعل، بل على الاحتياج الفعلي والواقعي.

إن مشكلة الزوجات، في الوطن العربي، بفعل ثقافة المجتمع بأنهن جبلن على عدم القدرة في التعبير عن الذات بالطرق المباشرة، لذلك فإن الغالب منهن يعبرن عن أنفسهن بطرق مختلفة تتفاوت بين الإفراط في المشاعر والتفريط بها، بيد أن التعبير باللغة التي يفهمها ذلك المجتمع الذكوري، وهي لغة الجسد أي بظهور أعراض جسدية وبين أفكار ركبت للمشاعر والانفعالات بشكل مرضي يؤدي بالتالي إلى ظهور زمرة من السلوكيات الغريبة التي لا يستطيع العقل الباطن كبح جماحها فتخرج متلونة، معلولة.

إن الرجل في المجتمعات العربية يتحمل المسؤولية الكبرى في جعل المرأة كائنا مظلوما يئن تحت القهر الرجولي وقساوة تعامله وسلوكيات الرجل ومشاعره التي لم تتعود على التنازل وتقدير الشريك واحترامه، وهي السبب في استجداء المرأة لعدد من السلوكيات المختلفة والمبتذلة أحيانا لمحاولة إبقاء الرجل في وضعه الذي لا يخل بمكانته النفسية والاجتماعية والبقاء في كنف العش السعيد، لذلك نجد المرأة فقط هي التي تجتهد في الملبس والتجمل والتحسن وإنقاص الوزن وأن تكون بشرتها نضرة ورائحتها عطرة وبيتها يتسم بالترتيب والتغيير. توضح الدكتورة فاطمة إعلاو أن بعض النساء يَجْتَزْنَ مرحلة سن اليأس بسهولة من دون الشعور بأي إزعاج، بينما تكون الهبات الساخنة وتبدلات المزاج والأرق وآلام ما قبل العادة الشهرية عبئاًً دائماً عند بعضهن. وهؤلاء يَحْتجن إلى:

1 ـ المعالجة الهورمونية المعيضة: ويقوم هذا المبدأ على إعطاء الهورمونات المعيضة للاستروجين، وغالباً ما يعطى على صورة حبوب، وقد يستخدم على هيئة مراهم مهبلية أو رقع جلدية.

لكن الدراسات أثبتت أن العلاج بالاستروجين بجرعات عالية يحرض الطبقة الداخلية للرحم على النمو، فتتسلخ وتسقط أثناء الإحاضة، وهذا النمو قد يستمر بشكل عشوائي مخترقاً آلية التحكم الخلوي مؤدياً إلى حدوث السرطان، لذلك فإنه يوصف بمقادير منخفضة، وقليلاً ما يوصف لوحده خاصة عند النساء اللواتي ما زلن يحتفظن بالرحم.

2 ـ العقار Evista يمتاز بتركيبته الكيمائية غير الهورمونية التي تحمل الخصائص المفيدة للاستروجين كقدرته على زيادة كثافة العظم وتقليل الإصابة بالكسور، كذلك يساعد على تخفيض نسبة الكوليسترول في الدم، الذي قد يتسبب في الجلطات القلبية والدماغية عند ارتفاعه.

3 ـ العلاج النباتي الوقائي:

ينصح باستخدام فول الصويا بكميات كبيرة يومياً كما أثبتت الدراسات فوائد البطاطس والعنب والمرامية والينسون وبذرة الكتان في التحكم في أعراض سن اليأس.

4 ـ للنساء الراغبات في التخفيف من معاناتهن من دون أي مخاطرة يمكن اعتبار التقنيات الذهنية والجسدية كخيار فعال، إذ قد تخفف من حدة أعراض سن اليأس الأساسية. فتلجأ معظم البرامج الذهنية والجسدية إلى التمارين والتغذية الصحيحة والمعالجة السلوكية المعرفية من أجل مواجهة تغيرات المزاج التي يسببها سن اليأس.

ومن الجانب النفسي يؤكد الدكتور محمد شاووش، بأن الرجل يتحمل مسؤولية كبيرة بأنانيته، إلا أن المرأة أيضا تتحمل مسؤولية الإذعان المرضي والاستسلام الذي يخل بمستقبل العلاقة الزوجية، باعتبار علاقة شراكة، فعلى كل شريك النظر إلى العلاقة بعمق أكثر والإبداع والتفنن لتحسينها والبعد عن حب الاستئثار ونزعة التملك وأن يقدم كل واحد لشريكه الحب والمشاعر والتنازلات وحسن الظن وحسن الأناقة واللياقة. ونذكر بالمقولة الذهبية «إذا أردت أن تأخذ فاعط شريكك بنفس القدر».