مرضى باركنسون معرضون لمضاعفات يجب الوقاية منها

يعانون من تدن ملحوظ في قوة عظام الحوض والعمود الفقري مقارنة بأقرانهم الأصحاء

TT

ضمن الجهود العلمية الموجهة لمعرفة أسباب ضعف بنية العظم وسهولة حصول حالات الكسور فيه، نشرت مجلة المجمع الأميركي لطب المتقدمين في العمر، دراسة في عدد أواخر أكتوبر (تشرين الاول)، تتحدث عن دور مهم للإصابة بمرض باركنسون العصبي في زيادة عرضة الإصابة أيضاً بهشاشة العظام، ليس كحالة مصاحبة، بل كنتيجة ومضاعفة مرضية لهذا المرض العصبي. ولقد تبين أن المتقدمين في العمر من مرضى باركنسون لديهم تدن في محتوى العظم من المعادن والأملاح المكونة لبنيته، مما يطرح على الأطباء ضرورة أخذ هذا الاحتمال في الحسبان عند متابعتهم لمرضى باركنسون، بإجراء فحوص هشاشة العظام أيضاً.

ولقد نظر الباحثون في مجموعة تقارب 6000 شخص ممن تجاوزوا الخامسة والستين من العمر، بينهم مرضى مصابون بباركنسون وآخرون سليمون منه، وذلك بغية معرفة مدى قوة العظم لديهم وعلاقة ذلك بمرض باركنسون. ووجدوا أمرين مهمين حقيقة: الأول، أن هناك تدنيا ملحوظا بدرجة واضحة في قوة عظام الحوض والعمود الفقري مقارنة بغيرهم في نفس العمر. والثاني، أن معدل خطورة التعرض للإصابة بحالات التعثر والسقوط وما ينتج عنها من كسور عظمية هي في واقع الحال لدى مرضى باركنسون ثلاثة أضعاف ما هو معرض له أيضاً أقرانهم في نفس السن من السليمين من هذا المرض.

وأضاف الباحثون بأن الدراسة شملت في غالبية الأشخاص المشاركين فيها أفراداً من المجتمع هم من الرجال البيض الأصحاء، مما يعني أنها لم تشمل المقيمين في دور كبار السن أو النساء أو من أعراق مختلفة أو حتى كثير من مرضى باركنسون ممن تقدم لديهم المرض، ما يشير إلى أن النسبة ستكون أعلى والمشكلة ستبدو بشكل أوضح وأعمق لو شملت هذه المجموعات من الناس.

وتقترح الدراسة أن يحرص مرضى باركنسون على سؤال طبيبهم أن يتحرى حالة بنية العظم لديهم، وأن يهتموا بممارسة الرياضة البدنية التي من المعروف أنها تنشط الدورة الدموية وتزيد من تدفق الدم إلى العظام وبالتالي تسهم في تغذية العظم بشكل جيد يتيح له أن يحصل على المواد اللازمة لبنائه وترميمه بصفة متواصلة، كذلك عليهم كما يقول الباحثون، أن يبدوا مزيداً من الاهتمام بالتغذية اليومية وتضمين وجبات طعامهم العناصر الضرورية لصحة العظم، خصوصاً الكالسيوم وفيتامين «دي» و«كي».

باركنسون مرض عصبي يمكن معالجته بكفاءة وتقليل آثاره على صحة الإنسان ونشاطه اليومي، لكن من المحال حتى اليوم الشفاء منه بالكلية، وتزداد الإصابة به مع تقدم العمر، فيصيب 6 من كل 1000 شخص ما بين 65 و69، وترتفع نسبة الإصابة لتصل 30 لكل 1000 شخص لدى من هم فوق الثمانين من العمر، لكن بدايات المرض في غالب الأحوال وتحديداً في حالة مرض باركنسون المجهولة السبب، وهي الأكثر شيوعاً، فإنها تبدأ في مراحل أبكر من العمر، أي حوالي الخامسة والأربعين.

الوراثة لا تلعب دوراً ذا شأن في نشوء المرض، كما أن حالات المرض الناجمة عن التهابات قشرة الدماغ قلّت في الآونة الأخيرة مقارنة بالعقود الماضية، وتحصل من آن لآخر إصابة البعض بحالات غير مستديمة من مرض باركنسون نتيجة تناول بعض الأدوية كالأدوية المانعة للقيء وبعض الحالات النفسية، لكن الحالة غالباً ما تختفي بزوال تأثير الدواء على الدماغ، كما أن كثرة التعرض لإصابات في الرأس كما يحصل لدى بعض لاعبي الملاكمة أو غيرها أيضاً تؤدي إلى مرض باركنسون. ويبقى السبب الرئيسي اليوم في الإصابة بالمرض هي ما يطلق عليه «حالات مرض باركنسون غير معروفة السبب».

الأعراض المرضية تشمل أربعة عناصر رئيسية، وهي: الرعشة، تيبس العضلات Rigidity، بطء الحركة، وفقدان توازن الجسم، وربما يحصل نقص طفيف في القدرات الذهنية. ويعتبر تشخيص وجود المرض سهلا جداً عند اجتماع العناصر السابقة في مريض ما، لكن المشكلة عند وجود أحدها فقط أو تشخيص المرض في بداياته.

الرعشة هي من النوع الذي يكون في حال عدم الحركة والسكون، فحينما لا يقوم باستخدام يده في عمل أي شيء يتحرك إبهامه وأصابع يده على هيئة رعشة بتكرار نفس الحركة بإيقاع منتظم يزيد عند التوتر النفسي، ويخف كثيراً عند بدء حركة معينة كالتقاط ملعقة أو قلم أو غيره من الحركات.

وتنتج هذه الحالة المرضية عن نقص في إفراز مادة دوبامين Dopamine، وهي إحدى المواد التي تعمل على توصيل الرسائل والتعليمات بين خلايا الدماغ k، فنقصها في جزء من الدماغ يطلق عليه منطقة المادة السوداء التي تزداد سواداً عند فحصها نتيجة حصول مجموعة من التغيرات في تركيبتها وتلف الخلايا فيها، مما يخل بالتوازن بين شد الحبل وإرخائه في ما يخص حالة عضلات الجسم، فكما هو معروف هناك توازن في تحكم خلايا الدماغ بوضعية عضلات الجسم من الانقباض والانبساط في حال السكون، كذلك في حال الحركة مما ينتج عنه تيبس العضلات.

من هنا فإن العلاج متجه إما إلى توفير مادة دوبامين للدماغ، أو تقليل أو قطع الطريق على مادة أستايل كولين المعاكسة التأثير. وهناك مجموعة من الأدوية المستخدمة، كما أن هناك عدة طرق جراحية، إضافة إلى استخدام تقنيات متقدمة من جهاز تنظيم عمل الدماغ التي تحدثت عنها في ملحق الصحة في «الشرق الأوسط» قبل بضعة أشهر.

الملاكم الأسطورة محمد علي كلاي ومرض باركنسون > لعل من أشهر مرضى باركنسون الملاكم العالمي السابق محمد علي كلاي، الذي يُعتقد أن سبب إصابته بهذا المرض هو تكرار تعرضه للضربات المباشرة على الرأس أثناء ممارسته ما يُطلق عليه رياضة لعبة الملاكمة، تلك التي أبعد ما تكون عن روح الرياضة وغاياتها النبيلة في تهذيب النفس وتنمية الجسم واكتسابه الصحة والعافية. وأوضح ما كان المرض عليه في مراحله المتقدمة حينما كان المرء يرى وجه كلاي خالياً من أي تعبير ينم عن الفرح أو الغضب أو التعجب أو الاستفهام، وهو ما يطلق عليه طبياً «وجه القناع» Mask Face لدى مرضى باركنسون، وينتج عن تيبس عضلات الوجه. كما أنه كان بطيء المشي والحركة أثناء اشعاله شعلة الألعاب الاولمبية في دورة سيدني، وأثناء ذلك لم تكن أطرافه العلوية من العضد والساعد واليد تتحرك بطريقة طبيعية كما هو حال كل الناس حينما يتحرك الطرف العلوي الأيمن إلى الأمام مع حركة القدم اليمنى إلى الأمام وفي نفس الوقت يتحرك الطرف العلوي الأيسر إلى الخلف، وهكذا مع كل خطوة. إضافة إلى ما لوحظ عليه من اختلال التوازن أثناء المشي أو القيام من وضع الجلوس. ومن سمعه يتحدث فلا بد أنه لاحظ أن خروج الكلمات منه كان بطريقة تتسم بنبرة واحدة لا تعلو أو تهبط كما هو الطبيعي لدى كل الناس.