أمراض القلب.. السبب الرئيسي للوفيات في الدول النامية عام 2010

نحو 5000 طفل يولدون بعيوب خلقية في القلب بالسعودية سنويا

TT

تُخْتَتَم اليوم الخميس أعمال المؤتمر السنوي الرابع لأمراض وجراحة القلب الذي نظمه مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بجدة وافتتح الاثنين الماضي، بمشـاركة دوليـة ومحلية كبيرة.

وأوضح الدكتور طارق لنجاوي المدير العام التنفيذي للمستشفى ان المؤتمر حظي بدعم كبير ورعاية كريمة من الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة، وشارك فيه الدكتور حسين جزائري المدير العام الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية الذي أعطى نبذة عن دور المنظمة في مكـافحة أمراض الصمامـات القلبية، بالإضـافة إلى الداعية المعـروف الأستاذ عمرو خالد، الذي تحدث عن أمراض القلب والوقاية منها من منظور إسلامي.

وناقش المؤتمر آخر المستجدات والأبحاث في علاج أمراض القلب، وشارك فيه أبرز العلماء السعوديين وأكثر من خمسة عشر من العلماء والأطباء البارزين في مجال أمراض القلب من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.

وذكر الدكتور ناصر عبد الله مهدي رئيس قسم القلب بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بجدة، ورئيس اللجنة المنظمة للمؤتمر، أن الإحصاءات العالمية تشير إلى حدوث 16.7 مليون حالة وفاة بسبب أمراض القلب في العالم في عام 2003، وتشير أيضاً الى ارتفاع نسبة الوفاة بسبب أمراض القلب في الدول النامية حيث يتوقع الزيادة بنسبة 120% للنسـاء و135% للرجال خلال الـ20 سنة القادمة.

وحسب التقديرات، ففي العام 2010 ستكون أمراض القلب هي السبب الرئيسي للوفيات في هذه الدول، أما في السعودية فإن النسبة غير محددة ولكنها لا تختلف عن باقي الدول النامية حيث تظل هناك عوامل تساهم في رفع الإصابة بأمراض القلب كارتفاع الضغط والسكر والكوليسترول والتدخين وزيادة الوزن.

واضاف الدكتور مهدي أن أمراض القلب من الأمراض التي يمكن تجنبها بالوقاية الأولية المبنية على أسس علمية حديثة، وهناك تحديات كبيرة لأطباء القلب لخفض نسبة الإصابة بأمراض القلب عن طريق العلاج الدوائي وخفض نسبة الكوليسترول والسكر وعلاج ارتفاع ضغط الدم، حيث أصبح هناك تقدم كبير في طرق العلاج خلال العقدين الماضيين.

ومن هذا المنطلق جاء المؤتمر ليضم نخبة مميزة من ذوي الاختصاص في مجالات القلب المختلفة على مستوى العالم لمناقشة وإبراز التقنيات الحديثة والخبرات العلمية في هذا المجال، حيث قُدمت أوراق عمل عديدة من مراكز عالمية لها أبحاث وتجارب في مجال أمراض وجراحة القلب. وكان من أهمها العيوب الخلقية أو التشوهات الخلقية للأطفال وللبالغين.

تطرق المؤتمر إلى مواضيع أخرى مثل استعراض النتائج السريرية في مجال القسطرة وكذلك الخلايا الجذعية في علاج أمراض القلب خاصة هبوط وظائف القلب، هذا بالإضافة إلى ورش عمل في تخصصات عديدة.

أمراض القلب الخلقية: أصبحت أمراض القلب الخلقية لدى الأطفال تشكل هاجسا كبيرا لدى الكثير من الناس خاصة بعد تزايد أعدادها، ليس في السعودية فحسب، ولكن في كثير من الدول الأخرى وما تسببه من معاناة كبيرة للطفل ولأسرته.

الأستاذ الدكتور محمد عمر جلال اختصاصي أمراض القلب عند الأطفال بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بجدة، يوضح أن نسبة أمراض القلب الخلقية لدى الأطفال تتراوح بين 8 ـ 12 طفلا لكل ألف مولود، أي ان حوالي 1% من الأطفال حديثي الولادة على مستوى العالم لديهم أمراض خلقية في القلب، وهذه نسبة قليلة نسبيا، ومع هذا لا بد أن نعلم أن الأمراض الخلقية في القلب لدى الأطفال من أهم الأمراض التي تؤدي للوفاة في سن الطفولة إذا لم تعالج علاجا مناسبا وبالسرعة المطلوبة.

وللأسف لا تتوفر إحصائيات بهذا الخصوص في العالم العربي، ولذلك ينبغي على المسؤولين عن الصحة في هذه الدول الاهتمام بعملية تعداد هذه الأمراض وذلك لأهمية معرفتها ومعرفة بعض الأسباب التي قد تكون وراء ظهورها.

وبالنسبة للسعودية نستطيع أن نعرف بشكل تقريبي هذه الأعداد حيث أوردت إحدى المجلات الطبية قبل عدة سنوات بحثا يتضمن حالات الولادة في المملكة والتي تصل إلى حوالي (600) ألف حالة في السنة وحيث ان نسبة الأمراض الخلقية إلى عدد الولادة هي حوالي (1%) وبحسبة بسيطة يمكن القول إن عدد المواليد المصابين بأمراض خلقية في القلب بالمملكة في حدود (4000 ـ 5000) مولود جديد سنويا.

وهناك تصور يؤكد أن ثلث هؤلاء المواليد يحتاجون إلى علاج سريع خلال الأيام الأولى من ولادتهم، والثلث الآخر يحتاج إلى العلاج خلال السنوات الأولى من حياته، أما الثلث الأخير فقد لا يحتاج إلى العلاج بمعنى انه يتم شفاؤه تلقائيا أو يحتاج للعلاج في سنين متأخرة من عمره.

هل نسبة الأمراض الخلقية في القلب لدى الأطفال في الدول العربية أكثر منها في بلدان أخرى؟ يقول الدكتور محمد عمر جلال: أعتقد شخصيا نعم، وذلك لأن نسبة زواج الأقارب في الدول العربية كبيرة وتتراوح بين 25 ـ وأكثر من 60% في بعض الأماكن، وهذا بدون شك قد يؤدي إلى زيادة نسبة الأمراض الخلقية في القلب لدى الأطفال، إضافة إلى بعض الأسباب الأخرى منها التهابات أو أمراض تعرضت لها الأم في أول ثمانية أسابيع من الحمل، أو لأدوية لها تأثير سلبي على هذا الموضوع وأيضا الأشعة السينية التي تؤثر على قلب الأجنة.

ومن أكثر الأمراض الخلقية المعروفة والشائعة بين الأطفال الثقب بين البطينين الأيمن والأيسر وقد تكون نسبته أكثر من (20%)، ويجب أن نعرف أن الثقب بين البطينين يختلف من طفل إلى آخر فهناك ثقب صغير وهناك آخر يغلق بدون أي تدخل علاجي، وهناك أنواع أخرى يتم غلقها جراحيا وهذا يحتاج إلى أطباء متخصصين حتى يتم تحديد المشكلة وعلاجها بدقة كبيرة.

وهناك أمراض أخرى خلقية تصيب قلب الطفل في حوالي (60%) من الحالات تعتبر نسبيا سهلة العلاج لأنها تكون منفردة وغير مصحوبة بأخطاء خلقية أخرى ومنها الفتحة بين الأذينين والتي تصل نسبتها إلى (10%)، ضيق الشريان الأورطي (10%)، ضيق الصمام الأورطي (7%)، ضيق الصمام الرئوي (10%)، كذلك رباعية فالوب تعد من الأمراض الشائعة في القلب عند الأطفال والتي تصل نسبتها إلى (10%). واصبح علاج أغلبية هذه الأمراض ممكنا وسهلا في ظل وجود القفزة العلمية والطبية الكبيرة التي تشهدها السعودية سواء في الكوادر الطبية أو التقنية أو التجهيزات الخاصة بمثل هذه العمليات الصعبة.

بالنسبة لـ 40% الأخرى فإنها تتكون من عيوب خلقية معقدة أي أكثر من عيب خلقي في الحالة الواحدة، وفي هذه الحالات لا بد من علاجها بأكثر من عملية جراحية.

أعراض أمراض القلب الخلقية التي تصيب الأطفال: في الأشهر الأولى من الحياة يلاحظ على هؤلاء الأطفال شحوب وعدم الرغبة في الأكل وإصابتهم بعرق شديد في بعض الأحيان، وهناك أعراض أخرى مثل زرقان في الشفاه عند البكاء الحاد، وهنا يجب أن يكون الوالدان يقظين لهذه الأعراض ومقارنتها مع الأطفال الأصحاء ومن ثم عرض الطفل على الطبيب المتخصص ليتم وصف العلاج والتشخيص المناسب لكل حالة بشكل مبكر. ما هي العلاجات المتفق عليها للأمراض الخلقية في القلب عند الأطفال؟ يمكن القول إن الانتظار في بعض هذه العيوب هو الحل المناسب لأن هناك عيوبا قد تتحسن لوحدها، وفي أحيان أخرى هناك علاج بالأدوية لتقوية عضلات القلب، وأيضا هناك علاج بالقسطرة التداخلية إضافة إلى العمليات الجراحية، وأصبحت نسبة نجاح هذه العلاجات سواء بالأدوية أو القسطرة أو الجراحة تصل إلى (95%).

أصبح هناك علاج لكل مراحل العمر ابتداء من يوم الولادة وذلك باستخدام أدوية حديثة واستخدام تقنية القسطرة التي فتحت بابا كبيرا من النجاح لمرضى القلب سواء الكبار أو الصغار إضافة إلى التدخل الجراحي والذي شهد كذلك، خلال العقدين الماضيين، تطورا كبيرا مما ساهم في زيادة نسبة علاج أمراض القلب حتى أصبح هناك عمليات جراحية تتم للجنين قبل الولادة.

* الجمعية العربية لأمراض القلب الخلقية > نظراً لما تشكله أمراض القلب لدى الأطفال من أهمية كبيرة وتستلزم توعية المجتمع وهيئات التمريض لسد النقص في التوعية لدى فئات كبيرة من المجتمع، فقد أنشئت هذه الجمعية قبل ثلاث سنوات تقريبا. ومن أهم أهدافها عمل مسح شامل للأطفال المصابين بأمراض خلقية في الدول العربية لمعرفة العدد الحقيقي لهؤلاء الأطفال. وهذا يساعد في نجاح الخطة العلاجية لهؤلاء المرضى، وعمل الكشف الدوري عليهم في الأشهر الأولى من العمر لاكتشاف هذه العيوب مبكراً وعلاجها في الوقت المناسب.

لقد بدأت عمليات القلب في السعودية منذ الثمانينات، خاصة ما يتعلق منها بالأطفال حيث ان هؤلاء الأطفال أصبحوا الآن كبارا و بحاجة إلى مراكز طبية متخصصة لمتابعة حالتهم الصحية وهذا ما جعل مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بجدة ينشئ مركزاً يُعني بمرضى القلب الكبار أطلق عليه «مركز جدة للأمراض الخلقية لدى الكبار» ويعتبر الأول على مستوى السعودية والشرق الأوسط. وحيث ان هناك آلاف المرضى، بالسعودية وبكثير من الدول العربية، هم فوق العشرين من العمر ولديهم أمراض خلقية في القلب ولم تكتشف بعد ولم يتم علاجها، فإن هذا المركز يعتني ضمن أهدافه بصحة هؤلاء المرضى الذين لديهم عيوب خلقية كبرت معهم ولم تعالج في السابق أو تم علاجها ولكن تحتاج إلى المتابعة المستمرة، حيث ان الطفولة لها أمراض ومشاكل تختلف عن سن البلوغ وما بعده.