قل لي في أي الأحياء تسكن أقل لك ما هي أمراضك

دراسات طبية تطرح دور الجيران في سمنة الأطفال وأمراض القلب لدى الكبار

TT

يبدو أن الدراسات الطبية منهمكة في إثبات الأمثال الشعبية القديمة كالقول بأن الجار قبل الدار، وربما لن تنصح بأن يصبر الواحد منا على جار السوء، أو لعلها ستوصي ضمن الإرشادات الطبية حول كيفية تخفيف وزن الأطفال أو الوقاية من أمراض شرايين القلب بأن يرأف الجار بجاره كأحد وسائل الوقاية من الأمراض في سلوك نمط الحياة الصحية! في عدد يناير (كانون الثاني) من مجلة مدونات طب الأطفال والمراهقين الأميركية طرحت الدكتورة جولي ليمنغ من جامعة متشغن في أنا أربر بولاية متشغن الأميركية دراسة تقول إن الأطفال ممن يعيشون ضمن أحياء تتسم الحياة فيها بالخطورة نتيجة الجيرة، هم عرضة بأن يكونوا بدينين أكثر مما لو عاشوا في أجواء آمنة من الجيران وسكان الحي.

الباحثة وفريقها وجدوا أن الأطفال في سن السابعة من العمر ممن يشعر ذووهم أن الجيرة من حولهم غير آمنة عرضة بنسبة أربعة أضعاف أن يكون لديهم زيادة في الوزن مقارنة بغيرهم. ورغم أن الدراسة لم تبحث عن التعليل العلمي والمنطقي للأمر إلا أن الباحثين قالوا إنه ربما كان السبب هو خوف الآباء والأمهات على أطفالهم، مما يدفعهم إلى منعهم من اللعب خارج المنزل أو ممارسة الرياضة البدنية في الساحات المجاورة داخل الحي، الأمر الذي يعرضهم للإصابة بالسمنة. كما أضافت الدكتورة ليمنغ أن البقاء الطويل الممل داخل المنزل لساعات طوال والخوف من الخروج منه للهو واللعب يدفع الأطفال إلى قضاء أوقات أطول في مشاهدة التلفزيون وتناول الأطعمة بشكل أكبر هذا بالإضافة إلى التعود على الخمول والكسل.

البحث في الدراسة شمل حوالي 800 طفل يعيشون في 10 أماكن في الولايات المتحدة، تنوعت المجتمعات فيها ما بين مدن ومناطق ريفية. وكان ضمن استبيان البحث سؤال ذويهم عن مدى شعورهم بالأمان من نوعية الجيران حولهم في الأحياء التي يسكنون، ومدى قناعتهم بدور رجال الشرطة في حمايتهم، وهل ثمة مشاكل سبق لهم التعرض لها نتيجة وجود مروجي المخدرات أو العصابات وغيرها في تلك الأحياء.

وبنتيجة البحث تبين أن 10% من الأطفال لديهم زيادة في الوزن، وغالبيتهم من الذين يعيشون في مناطق غير آمنة. ورغم الأخذ في عين الاعتبار نوع العرق الذي يتحدر منه الأطفال والمستوى التعليمي للأمهات والحالة الأسرية من الطلاق وغيره فإن ربع الأطفال الذين يعيشون ضمن جيرة خطيرة، على حسب تقويم الوالدين، كانت لديهم سمنة بنسبة أربعة أضعاف ممن يعيشون في مناطق آمنة.

الباحثة طرحت بالنتيجة أن الحاجة ماسة إلى أن تكون هناك طريقة خلاقة في تخطيط بناء المجتمعات وقوانين الأحياء لجعل الشوارع أكثر أماناً كأحد الحلول المطروحة للتخفيف من مشكلة سمنة الأطفال في الولايات المتحدة، لأن مقدار أمان الجوار يحدد مدى ممارسة الأطفال للنشاط البدني والرياضة على حد قولها. إضافة إلى الإنارة الجيدة للشوارع وتنظيفها من تراكم المخلفات وإنشاء ساحات للعب قرب المنازل وغيرها من الوسائل التي تُعطي الوالدين شعوراً بالأمان يدفعهما إلى السماح للأطفال باللعب والرياضة خارج المنزل، او على أقل تقدير أن يصحب أحد الوالدين الأطفال أثناء اللعب خارج المنزل.

في المقابل طرح الباحثون من السويد الأمر من جهة صحة الكبار والبالغين. فالحالة المادية للجيران تؤثر في مدى عرضة الإصابة بأمراض شرايين القلب.

ففي دراسة شملت 3610 اشخاص ممن يعيشون في المناطق المحيطة بالعاصمة السويدية استكهولم، تبين أن الذين يقطنون الأحياء ذات المستوى المادي المتدني هم عرضة بشكل أعلى للإصابة بالجلطات القلبية مقارنة بالأحياء الأكثر رقياً. وهذا المستوى الأعلى في الخطورة لا علاقة له بالمستوى المادي للمريض نفسه أو درجة تعليمه أو نوع عمله كما أشارت إليه في السابق كثير من الدراسات.

الدراسة التي نشرتها المجلة الأميركية «علم الأوبئة» طرحت دور شكل ونمط حياة الجيران بناء على دخلهم المادي في صحة الفرد الساكن في تلك المنطقة. وإن كان من المعلوم أن تدني المستوى المعيشي أو التعليمي يؤدي إلى ارتفاع الإصابة بأمراض الشرايين القلبية عبر زيادة نسبة التدخين، وقلة النشاط، وبالتالي السمنة، وغيرها من العوامل النفسية والجسدية وتدني مستوى الثقافة الصحية والمتابعة الطبية، فإن الدراسة لا تتحدث عن بيان أو تأكيد كل هذا، بل تطرق أمراً مخالفاً تماماً.

الذي يقوله الباحثون من السويد دقيق جداً وهو أن الأشخاص أياً كانوا حينما يعيشون في منطقة ما فإن ذلك سيشكل سلوكياتهم وتصرفاتهم التي تترك وتطبع آثاراً على الصحة إضافة إلى أمور أخرى، بغض النظر عن الدخل المادي حتى لو كان مقداره في تصاعد مستمر كما يقول الباحثون، وأن عامل الجيرة هو شيء قوي الأثر حتى على الصحة. إضافة إلى أن البنية التحتية والخدمات في الأحياء والمناطق المختلفة هما أيضاً من ضمن العوامل المؤثرة على القلب وسلامته.

الدراسة التي أجرتها الدكتورة مارية ستجراني من جامعة استكهولم قامت بتحليل المعلومات ومقارنتها بـ 3610 أشخاص من متوسطي العمر والكبار ممن أصيبوا اخيراً بجلطة قلبية بحالة من هم سليمان من أمراض القلب.

حالة الجيرة كانت إحدى النقاط التي تناولتها الدراسة، وعرفها الباحثون بمقدار مستوى الدخل الطبيعي المتوقع للمنطقة السكنية، ثم النظر في الاختلاف بين السكان في ذلك، سواء أكان يجمعهم نفس مقدار الدخل الطبيعي للمنطقة السكنية أو ضمت المنطقة تبايناً واضحاً في مقدار دخلهم المادي أي أناساً فقراء وآخرين متوسطي الدخل أو أغنياء.

وبالنتيجة وجد الباحثون أن النساء اللائي يعشن في المناطق ذات الدخل المتدني لمن حولهن من الجيران هن عرضة بنسبة 88% للإصابة بأمراض القلب أكثر من النساء اللائي يعشن في مناطق ذات دخل مادي عال متجانس للسكان فيها. أما نسبة عرضة تأثر الرجال بالأمر فكانت أقل أي حوالي 52%.

وكانت هناك مؤشرات على أن الفروق في الدخل المادي للجيران أمر مهم من ناحية تأثيره على صحة القلب. فالرجال الذين يعيشون في مناطق معظم سكانها دخلهم متدن عرضة بشكل أكبر للإصابة بأمراض شرايين القلب أكثر من عرضة إصابة الرجال حينما يعيشون في مناطق مختلطة يُوجد فيها جيران ذوو دخل عال ضمن سكان دخلهم متدن.

الدراسة مثيرة ليس للجدل الاجتماعي أو الثقافي أو الاقتصادي أو التربوي، بل حتى الطبي. وتحتاج إلي مزيد من الدراسات المكملة لفهم الأسباب والتعليل للفروق في المستوى الصحي لأمراض أخرى بناء علي العيش بين جيران مختلفي مقدار الدخل. والموضوع ليس جديداً من النواحي غير الطبية، لكن أن تأتي دراسة تعزز ما سبق أن طرحته دراسات اجتماعية وتربوية هو الجديد. ويمكن للدراسة أن ينظر إليها بشكل سلبي كأن تُعتبر من الدراسات التي تعمق الفروق الاجتماعية والتمييز بين الناس بناء على دخلهم المادي وتجنب السكن بينهم بكل تبعات هذه الأفكار، ويمكن أن ينظر إليها بإيجابية حول بحث تقريب الناس في السكن بين من يتباين دخلهم المادي ومدى فائدة التعاون في العادات الصحية وغيرها. وللحديث بقية عند الباحثين ولن يقف الأمر عند هذا الحد وهذه النتائج، كذلك بالنسبة لملحق الصحة بـ «الشرق الأوسط»، إذْ لنا عودة للموضوع.