البنزين أحد أهم عناصر التلوث غير المرئية

يتسرب إلى جسم الإنسان نحو نخاع العظم ومن المواد التي ثبت تأثيرها في نشوء السرطان

TT

ضمن جهود وكالة حماية البيئة الأميركية، تم في عام 2005 تحديد أكثر الأماكن تلوثاً بالمخلفات الضارة بالصحة وذلك لوضعها في قائمة الأولويات القومية بهدف توجيه الجهود الفيدرالية طويلة الأمد للتنقية وتنظيف البيئة منها، وكان البنزين أحد أهم العناصر الملوثة للبيئة والذي تم التعرف على وجوده بنسبة عالية في 1001 موقع من أصل 1662 موقعاً ضمتها القائمة، ما يعني انتشار احتمالات تأثر الصحة العامة للكثيرين نظراً لوجوده في غالب المناطق. وللتعريف بالبنزين وآثاره الصحية أصدر مكتب التسجيل لوكالة المواد السامة بأتلانتا التابع لإدارة الصحة والخدمات الإنسانية في الولايات المتحدة تقريراً للتعريف بالبنزين وآثاره الصحية، تضمن معلومات هي المرجع الرئيس في هذا المقال.

البنزين أو ما يُطلق عليه أحياناً البنزول هو سائل سهل الاشتعال لا لون له وذو رائحة مقبولة، قادر على التبخر سريعاً في الهواء أو الذوبان قليلاً في الماء. فأي امرئ منا يستطيع تميز رائحته في الهواء عند وجوده بنسبة تتراوح ما بين 1.5 إلى 4.7 جزء من البنزين لكل مليون جزء من الهواء أو ما يُعبر عنه بوحدة «بي بي أم»، وفي الماء عند 2 «بي بي أم»، ولتقريب الأمر للتصور فإن درجة 1 لكل مليون جزء من الماء هي ما يحصل عند ذوبان قطرة واحدة من البنزين في 40 جالونا من الماء. وهو يُوجد في الهواء والماء والتربة من مصادر صناعية أو مصادر طبيعية.

المصدر الرئيس اليوم للبنزين هو البترول، ويوجد في أول وأعلى 20 منتجاً كيميائياً مما يتم إنتاجه في الدول الصناعية، كما في صناعات البلاستيك والنايلون والألياف الصناعية والمواد المُلمعة والأصباغ والمبيدات الحشرية والمذيبات الصناعية وحتى الأدوية. ولعل من أهم مصادره الطبيعية هي الغازات المتصاعدة في أبخرة البراكين وفي حرائق الغابات. وهناك مصادر استهلاكية كالغازات المنبعثة من عوادم السيارات والأبخرة في محطات الوقود أو ما يتسرب من خزانات الوقود في المحطات الفرعية إلى أنابيب المياه أو التربة وكذلك دخان سجائر التبغ.

حينما يوجد البنزين في الهواء فإنه يتفاعل مع مركبات كيميائية أخرى فيه ويتحلل خلال أيام، أو أنه بفعل تساقط الأمطار أو الثلوج يترسب في التربة أو مصادر المياه الطبيعية، وآنذاك ـ أي في التربة أو المياه ـ فإنه يأخذ وقتاً طويلاً كي يتحلل. ومن المهم التنبه إلى أن البنزين لا يتركز في الحالات الطبيعية في أنسجة وثمار النباتات أو في الحيوانات ومنتجاتها.

* التعرض للبنزين كل منا معرض لكميات ضئيلة من البنزين يومياً في حياتنا العادية، وغالبها يتم بسبب استنشاق الهواء الملوث. لكن وجود مصادر لكميات عالية من البنزين يُعرض أياً منا لكميات عالية أيضاً منه، كما يحصل داخل المنازل عند التدخين أو استخدام الصمغ الصناعي في تثبيت السجاد أو من طبقة الأثاث اللامعة أو من المذيبات الصناعية، وحتى في مواقف السيارات أو الأماكن ذات الكثافة العالية من أبخرة عوادم السيارات أو المصانع القريبة.

ولو نظرنا إلى الأمر بشكل أدق نجد أن أهم مصادر تعرض الفرد العادي في الدول الغربية كالولايات المتحدة للبنزين هي تدخين سجائر التبغ، إذْ تمثل نسبة 50% منها، أما عوادم السيارات ومن المصانع فتمثل 20% فقط. والكمية التي تدخل الجسم لدى من يُدخن 32 سيجارة يومياً هي حوالي 1.8 مليغرام، أي عشرة أضعاف ما يتعرض له الشخص غير المدخن والذي يعيش في نفس البيئة!. ولذا فإن البنزين يدخل الجسم إما عبر استنشاق الهواء الملوث ومن ثم إلى الرئة، وإما إلى الجهاز الهضمي عبر شرب الماء الملوث، وإما عبر الجلد حينما يلامس المواد المحتوية على البنزين. من كل هذه البوابات يتسرب إلينا البنزين ليأخذ طريقه إلى الدم، ومنه يسري إلى أنحاء الجسم لتختزن كميات منه في نخاع العظم وفي الأنسجة الشحمية. المشكلة ليست في كل هذا فحسب بل حينما تتحلل مركبات البنزين خاصة في الكبد ونخاع العظم لتنتج عنها مواد ضارة أخرى، تبقى في الجسم مدة قصيرة أي حوالي يومين ليتم بعد هذا إخراجها مع البول.

إن هناك عوامل تحدد مدى احتمال تعرض المرء لآثار البنزين الصحية بعد دخوله الجسم، لعل أهمها هي الكمية المتناولة وطول مدة التعرض له، فكلما طالت مدة التعرض ظهرت الآثار الصحية الضارة وإن كانت الكمية ضئيلة نسبياً، وكلما ارتفعت كمية البنزين في الهواء المستنشق ـ أي حوالي 10,000 إلى 20,000 بي بي أم، ولو لوقت قصير لا يتجاوز الخمس أو العشر دقائق فإن الآثار قد تصل إلى حد الوفاة. التعرض المفاجئ لكميات أقل ـ أي حوالي 700 إلى 3,000 بي بي أم قد يؤدي إلى الدوخة وتسارع نبضات القلب والتشويش الذهني والنعاس وربما فقدان الوعي. كما أن تناول مأكولات أو مشروبات ملوثة قد يسبب قيئاً أو حرقةً في المعدة إضافة إلى الأعراض المتقدمة على الدماغ والوعي. كما أن وقوع البنزين على الجلد يسبب احمراراً وتسلخا جلديا، وأما على العين فقد يسبب تلفاً في القرنية وأجزاء العين الخارجية الأخرى.

* تأثيرات ضارة وجود البنزين في نخاع العظم يؤثر سلباً على وظيفته الأساسية وهي إنتاج الخلايا الدموية بما قد يؤدي إلى فقر الدم واختلال جهاز مناعة الجسم خاصة ضد الخلايا السرطانية والميكروبات الشديدة. والمشكلة قد لا تقتصر على هذا بل ربما تنشأ أنواع من سرطان الأعضاء المنتجة لمكونات الدم كاللوكيميا أو ما يُطلق عليه بالترجمة العلمية العربية «مرض ابيضاض الدم» وخاصة الأنواع الحادة منها، ولذا تعتبر الوكالة الدولية لأبحاث السرطان وإدارة الخدمات الصحية والإنسانية في الولايات المتحدة أن البنزين أحد المواد الثابت تأثيرها في نشوء السرطان لدى الإنسان.

تأثر الأعضاء التناسلية وقدرات الإخصاب أيضاً أحد نتائج التعرض للبنزين، فالنساء العاملات في المصانع والمتعرضات لكميات عالية من البنزين، غالباً يعاني الكثير منهن من اضطرابات في الدورة الشهرية وضمور في المبايض، ومن غير الواضح تبعات هذا على الإنسان، لكن الدراسات على الحيوانات أثبتت أن ثمة ارتفاعاً في حالات نقص وزن المواليد وتأخر نمو العظم إضافة إلى تلف في نخاع العظم.

الوقاية هي أساس العلاج، فالتدخين والغازولين هما أهم مصادر البنزين كما تقدم، لذا فالامتناع عن التدخين وعدم التدخين في المنازل حيث الأطفال وكبار السن أمر ضروري، كما أن تجنب السكن قرب محطات الوقود أو وضع المدارس أو ملاعب الأطفال بجوارها أمر يُسهم في التخفيف من آثارها على الصحة والسلامة أيضاً.

وبالرغم من وجود طرق للمختبرات للكشف عن البنزين في هواء الزفير أو في الدم أو الكشف عن المواد التي يتحلل إليها البنزين داخل الجسم إلا أن الفائدة العملية لها محدودة إلا في حالات التعرض المفاجئ لكميات عالية وإجراء التحاليل مباشرة.

البنزين أحد المواد الملوثة للبيئة والتي يجب الحذر في التعامل معها للوقاية من آثارها الصحية وهو ما تتضافر الجهود من جهات عدة في تحقيق ذلك.