كهربائية الحيوانات المنوية.. تحدد نشاطها

التيار الكهربائي الساري في ذيلها يرصد قدراتها العالية على الإخصاب

TT

النجاح المذهل وغير المسبوق للعلماء من مستشفى الأطفال التابع لكلية الطب بجامعة هارفارد في بوسطن بالولايات المتحدة، حول دراسة كهرباء الحيوانات المنوية، فتح الباب على مصراعيه للبدء في إنتاج نوع جديد من وسائل منع الحمل التي سيتناولها الرجال دون النساء، كما أنعش آمالاً قديمة عن استخدام وسائل تُمكن فقط الحيوانات المنوية الأنثوية أو الذكرية من تلقيح البويضة بغية اختيار الزوجين لجنس المولود.

وقد أعلن الباحثون أنهم قاموا بتنفيذ عمليات ذات تقنية معقدة في دراسة كهرباء أجزاء الخلايا الحية المتناهية في الصغر، تمكنوا من خلالها من رصد والتقاط مقدار الشحنات الكهربائية السارية في ما بين داخل خلية الحيوان المنوي الواحدة وخارجه عبر غشائه الخارجي، وعلى وجه التحديد تلك التي تسري عبر غشاء ذيله.

* كشف علمي

* وكان الإعلان عن النتائج هذه قد تضمنه البحث المنشور في عدد التاسع من فبراير (شباط) الحالي لمجلة «نيتشر» العلمية كحدث علمي يتم لأول مرة، وهو ما يأتي في سياق سلسلة من الأبحاث تعود بنا الى الثمانينات من القرن الماضي، فالدراسات الطبية العلمية تحدثت عن دور فاعل للقدرات الكهربائية النشطة للحيوان المنوي وذلك في تحديد مساره لرحلة تلقيح البويضة الأنثوية داخل الرحم أو أنابيب فالوب. وأولى المحاولات الجادة لدراسة كهرباء الحيوان المنوي تمت في عام 1985، لكن لم يتمكن حينها العلماء ومن ضمنهم الدكتور يوري كيريتشوك والدكتورة بيستي نافارو من تحقيق النجاح، والسبب كان صعوبات تقنية نظراً للتراكيب الدقيقة والمتينة والصلبة التي تحيط بهيكلية خلية الحيوان المنوي الواحد، الأمر الذي لم يكن بمقدور العلماء في ذاك الحين وضع قطب يرصد التيار الكهربائي في المنطقة الصغيرة والضيقة بين الغشاء الخارجي والغشاء الداخلي المتين البنية والشديد الالتصاق مع الغشاء الخارجي، وهو ما نجح العلماء في القيام به اخيراً.

* كهرباء الحيوان المنوي

* أهمية النجاح الأخير تكمن في أنه مكن العلماء من تحديد دور نوع مهم من البروتينات يدعى «كاتسبير»، الذي يلعب أهمية حيوية في قدرات الحيوان المنوي على تلقيح البويضة. وكان الباحثون في مختبر الدكتور ديفيد كالفام بمستشفى الأطفال في بوسطن بالتعاون مع الباحثين من جامعة جنوب غربي تكساس وجامعة واشنطن قد تمكنوا في عام 2001 من اكتشاف بروتين «كاتسبير» الموجود فقط في ذيل الحيوان المنوي الناضج والمكتمل النمو، ووجدوا حينها أمراً مهماً هو أن الحيوانات المنوية التي تفتقر الى هذا البروتين غير قادرة تماماً على تلقيح البويضة. وبالدراسة المتعمقة تبين أن افتقارها لهذا البروتين يجعل الحيوانات المنوية غير قادرة على السباحة وقطع رحلة بلوغ البويضة، كما أنها أيضاً غير قادرة على اختراق الأغشية الواقية الصلبة للبويضة قبل تلقيحها. لكن الذي لم يتضح منذ ذاك الحين هو دور بروتين «كاتسبير» في اكتمال نمو الحيوان المنوي، ولماذا يظهر في ذيله فقط، وما هي الآلية التي بها يلعب بروتين «كاتسبير» دوراً في حرمان أو منح القوة الحركية للحيوان المنوي؟

والإجابة أتت من خلال تجارب الدكتور كيريتشوك والدكتورة نافارو بإشراف البروفسور ديفيد كالفام، إذ تمكنوا عبر دراسة النشاط الكهربائي للحيوان المنوي وخاصة في ذيله من فهم دور بروتين «كاتسبير» الذي تمثل في أن هذا البروتين حينما يكون الحيوان المنوي في وسط قلوي، كما لدى مهبل ورحم المرأة، فإنه يعمل كمفتاح لفتح أو إغلاق بوابات خاصة في الغشاء الخارجي لذيل خلية الحيوان المنوي. وتعمل هذه البوابات على تمكين أيونات الكالسيوم من الدخول الى ذيل الحيوان المنوي، الأمر الذي يُحدث تكوين تيار من الشحنات الكهربائية تتمكن به بروتينات جهاز تحريك الذيل من النشاط والعمل، وبالتالي يصبح بمقدور الحيوان المنوي الانطلاق في رحلة البحث عن البويضة.

وبعبارة أخرى فإن بروتين «كاتسبير» يعمل على فتح بوابة دخول الوقود الكهربائي الى جهاز محرك الدفع الحركي في ذيل الحيوان المنوي أو سفينة الحيوان المنوي السابحة داخل الرحم وصولاً الى ميناء البويضة، كما يعطي الحيوان المنوي طاقة دفع مُحركة تمكنه من اختراق أغشية البويضة ثم بعد ذلك تلقيحها.

ومن المعروف أن على الحيوان المنوي، بعد وضعه في المهبل، قطع مسافة طويلة جداً بالنسبة الى حجمه المتناهي في الصغر، وذلك للانتقال من المهبل الى الرحم عبر بوابة مغلقة نسبياً وهي عنق الرحم. وهذه المنطقة بالإضافة الى ضيقها كعنق الزجاجة فإنها مليئة بسائل يفرزه عنق الرحم ذو طبيعة كثيفة الكتلة. الأمر الذي يتطلب عوامل وقدرات عدة لدى الحيوان المنوي تمكنه من تجاوزها، أحدها أن تكون قوة اندفاع وحركة الحيوان المنوي كبيرة.

* جاذبية غامضة

* ثم بعدها يصعد عبر تجويف الرحم بحثاً عن البويضة، وهنا غموض علمي شديد حول ما هو الشيء في البويضة الذي يعمل على جذب الحيوان المنوي، وإن كانت نظريات عدة مطروحة اليوم أهمها أن هناك مواد كيميائية تفرزها البويضة وتميزها الحيوانات المنوية تعمل على تنبيهها الى مكان البويضة. ومن بين ملايين ما يُوضع من الحيوانات المنوية في المهبل أثناء الجماع الواحد، فإن حوالي 200 فقط منها يصل لملاقاة البويضة، مع العلم بأن الحيوانات المنوية تستطيع العيش والحياة في الوسط القلوي داخل مهبل ورحم المرأة وقادرة بالتالي على تلقيح البويضة مدة قد تصل الى 5 أيام من بعد وضعها في المهبل، بخلاف ما لو تم وضعها في الخارج فإنه قدرتها على الإخصاب تزول خلال ساعات معدودة.

قدرة الحيوان المنوي على السير والإبحار تتم بحركة الذيل، الذي يشبه حركة ذيل السمكة أو غيرها من المخلوقات البحرية. والحركة في الجسم، أياً كان، وفي أي عضو منه، كالعضلات أو القلب أو الأمعاء، تعتمد بالدرجة الأولى على وجود تيار كهربائي يعمل كوقود محرك لإنتاج طاقة تغذي العضلات أو غيرها. والكهرباء تُعتبر ـ إن صحت العبارة ـ إنتاج مُصنع محلي في كل خلية، بمعنى أن تراكيب دقيقة في جدران الخلايا العضلية أو الحيوان المنوي أو أي خلية أخرى في الجسم تعمل على فتح بوابات معينة في جدرانها. هذه البوابات حينما تفتح فإنها تسمح لأيونات عناصر معينة أن تدخل إما الى الخلية أو أن تخرج منها، وبالتالي يتكون فرق بين كمية الشحنات الكهربائية في ما بين داخل أو خارج الخلية. والعناصر تحديدا تشمل بالدرجة الأولى الكالسيوم والبوتاسيوم والصوديوم.

* دراسات مستقبلية

* الدراسة الجديدة من كلية طب هارفارد العريقة تعمقت في آلية تكوين التيار الكهربائي داخل الجهاز المحرك لوسيلة تجديفه ألا وهو ذيل الحيوان المنوي الذي بموجب سلامة وقوة تغذيته بالكهرباء تتمكن الحيوانات المنوية من السير ومواصلة ذلك دون إبطاء أو فتور. وتقول لنا الدراسة إن ما يحدد تكوين التيار الكهربائي الدافع لحركة الحيوان المنوي هو توفر بروتينات «كاتسبير» على أغشيته الخارجية. ويصف البروفسور كالفام النتائج برمتها والآفاق التي تبدو نتيجة لها بأن الأمر أشبه ما يكون باكتشاف غرفة جديدة في هرم سحيق القدم، لأن أحداً لم ير من قبل أو يحلل وضع الأنشطة داخل الحيوان المنوي وخاصة كهرباءه، وهو ما نقوم به اليوم في أبحاثنا على حد قوله.

الدراسات المستقبلية يجب أن تتعمق في فهم آليات عمل أجزاء الحيوان المنوي، الذي هو كائن صغير للغاية لكنه ضمن عمره القصير يقوم بمهام كبيرة وكثيرة لا يتخيل تشعبها وتعقيدها الكثير منا. ولذا فإن نظام الطاقة المُحركة من الرأس وحتى نهاية الذيل يحتاج الى دراسة لفهم آليات عدة في الخصوبة والعقم والتلقيح لدى الرجال، وتأثيرات أداء الحيوان المنوي لوظائفه على خصوبة المرأة.

كما أن مسألة أن تتم إثارة عمل بروتين «كاتسبير» في الظروف القلوية داخل الحيوان المنوي دون غيرها كما يقول الدكتور كيريتشوك يجب أن يتم الاهتمام به، والبعض يعتقد أن السبب هو تأثير مواد كيميائية تفرزها البويضة ويميزها الحيوان المنوي، على حد قوله، دون تعليق منه. لكن هذا التعليل لبدء النشاط بفعل تأثير البويضة لا يبدو منطقياً في ظل ما هو معروف من نشاط للحيوان المنوي داخل الرحم والمهبل في غياب البويضة أصلاً لدى المرأة لظروف طبيعية أو غير طبيعية.

وطرح الدكتور كيريتشوك أهمية توسع الدراسات الكهربائية هذه لتشمل منطقة رأس الحيوان المنوي حيث يشير الباحثون الى وجود بوابات لتدفق الكالسيوم داخل رأسه لا علاقة لها ببروتين «كاتسبير»، وذلك لفهم دورها في افراز رأس الحيوان المنوي أنزيمات تعمل على إذابة الأغشية المتينة المغلفة للبويضة.

الاكتشاف العلمي هذا أكثر من رائع، والفوائد الطبية التطبيقية على السليمين أو المرضى أو في وسائل العلاج متعددة، منها ما يتعلق بوسائل منع الحمل الرجالية، ومنها ما يمكن الاستفادة منه في علاج أسباب كثيرة للعقم والمتعلقة بقوة الحيوانات المنوية أو ضعف حركتها، وغيرها كثير مما قد تفتح آفاقه الاستفادة التطبيقية من النتائج هذه. لكنني سأعرض أمرين مهمين، وهما:

* الرجل ومنع الحمل

* النتائج المتقدمة طرحت على الباحثين أفكاراً أفضل حول وسيلة من الممكن عقلاً أن تكون أحد أنجح وسائل منع الحمل، لكن على الرجال أن يتناولوها وليس النساء. وذلك عبر التعامل مع قدرات الحيوانات المنوية على الحركة واختراق البويضة، فمعرفتنا أن ثمة هناك مادة كيميائية تُوجد في ذيل الحيوان المنوي تعمل في حال وجوده داخل وسط قلوي على بدء نشاط تيار كهربائي يعمل كقوة دافعة لانطلاق هذا الحيوان المنوي، هو ما يُمكن الاستفادة منه لوضع طريقة رجالية لمنع الحمل.

من المعروف أنه حتى اليوم لا تُوجد وسيلة ناجحة في منع الحمل موجهة بالدرجة الأولى نحو قدرات الحيوانات المنوية على تلقيح البويضة. وما تفتقت عنه أذهان العلماء حتى اليوم لا يعدو كونه مُزاحا في التعامل مع الأمر. وأعني الطريقة الجراحية في ربط الحبل المنوي الصاعد من الخصية لقطع الطريق على وصول الحيوانات المنوية الى البروستاتا، أو طريقة استخدام النساء الموضعي للمادة القاتلة للحيوانات المنوية داخل المهبل، أو حتى استخدام الواقي الذكري الذي سبق لي الحديث عنه في ملحق الصحة بـ«الشرق الأوسط» قبل عدة أشهر، وقلت حينها إن استخدامه كمانع للحمل أصبح غاية ثانوية إزاء الغاية الأهم اليوم ألا وهي منع انتقال الأمراض الجنسية المعدية بأنواعها من الميكروبات، تلك التي تزداد كل يوم غرابة على الأطباء من ناحية النوع أو مقاومة العلاجات المتوفرة أو الانتشار.

السذاجة في وسائل منع الحمل الرجالية من غير المقبول أن تستمر مع كل التقدم العلمي اليوم. ولأسباب عدة فإن الضرورة تفرض وجود شيء ما يُسهم فيه الرجل لمنع الحمل، لعل أهمها هو حينما لا تكون صحة المرأة تسمح لها بتناول الحبوب المانعة للحمل أو وضع اللولب، لأن الحديث عن حبوب منع الحمل يجب أن يعود الى أصوله، فأضرارها على المرأة والمخاطر الصحية الناجمة عن طول استخدامها تتطلب البحث عن أدوية غير تلك التي تتعامل مع منع خروج البويضة عبر إحداث خلل غير طبيعي في نظام هرمونات جسم المرأة بكل الآثار السيئة على صحتها. ولعل أحدها هو ما يتعامل مع الحيوانات المنوية ويعطل قدرات التلقيح أو الحركة فيها، سواء كشيء يتناوله الرجل وهو الأقرب منطقياً على ضوء النتائج الأخيرة، أو ربما تتناوله المرأة وهو الأبعد احتمالاً. هذا بالإضافة الى اختيار منع الحمل ربما يكون رغبة من قبل الرجل دون المرأة، مما يحتم أن يكون الأمر بمقدور الرجل ضمانه عبر تناوله ما يحقق هذه الغاية إن شاء.

ولذا يقترح الباحثون من هارفارد الاهتمام بالأمر، واتخاذه مجالاً للبحث عن وسيلة لمنع الحمل، إذ يقول البروفسور كالفام: إن التجارب دلت على أن غياب بروتين «كاتسبير» يؤدي الى فقدان الحيوانات المنوية قدرتها على التلقيح. وإضافت الدكتورة نفارو موضحة بقولها: إذا ما وجدنا مادة قادرة على تعطيل بروتين «كاتسبير» أصبح بالإمكان إنتاج مانع رجالي للحمل، فالباحثون من قبل لم يكن لديهم هدف واضح يوجهون الجهود نحوه بهدف تحقيق قدرة منع الحمل لدى الرجل، واليوم يبدو أن لدينا هدفاً معقولاً.

وبالفعل فقد بدأت إحدى شركات الأدوية تعاوناً مع مختبرات الدكتور كالفام للبحث عن عقار يحقق هذه الغاية، أي تعطيل بوابات «كاتسبير» للكالسيوم في الحيوان المنوي لكن دون التأثير على بوابات الكالسيوم العديدة في مناطق أخرى من الجسم.

* عقم الرجال

* الجانب الآخر من التطبيقات الطبية المحتملة للدراسة من هارفارد هو ما عبر عنه الدكتور ألن باسي من جامعة شيفلد بالمملكة المتحدة من أن ذيل الحيوان المنوي هو آلة غاية في تعقيد الأداء وفي دقة التركيب، ونحن بحاجة ملحة لفهمه على مستوى الجزيئات والمركبات الكيميائية في تكوينه. وبحث هارفارد هو خطوة صحيحة للأمام في هذا الاتجاه، فنحن نعلم بحسب قوله أن الحركة النشطة للذيل هي خطوة مهمة في نجاح إتمام عملية التلقيح، ونتوقع بالتالي أن بعضاً ممن يعانون من صعوبات في الإنجاب أن يكون هذا هو السبب، مما سيكون بإمكاننا أن نشخصه. وأضاف إن من المؤمل أن يسهم هذا الاكتشاف في فهم الآلية التي تجذب وتوجه الحيوانات المنوية للقاء البويضة وتلقيحها، الأمر الذي لا يزال حتى اليوم غامضاً.

ويوضح البروفسور كالفام جانباً مهماً وهو أن هناك أربعة أنواع من بروتينات «كاتسبير» مختلفة في بعض نواحي التركيب الكيميائي، كلها لها دور في حركة ذيل الحيوان المنوي، وفهمها أساس لفهم بعض حالات عقم الرجال.

والباب اليوم مفتوح على مصراعيه بعد الخطوات المهمة التي خطاها الباحثون من هارفارد لدراسة جانب أساس في قدرات الحيوانات المنوية على تلقيح البويضة. والحقيقة أن الأبحاث والنظر الطبي سيتوجه نحو مجال مختلف تماماً عما كان في السابق، والتطبيقات الطبية ستشهد توسعاً ربما لم يكن يخطر على البال.

* تحليل السائل المنوي وتحديد نوعيته > كي يتمكن الرجل من أن يصبح أباً فإنه يحتاج الى الكثير من حيوانات منوية ذات نوعية عالية بنية وتركيباً، وقادرة على الحركة بسرعة عالية. وتُنتج الحيوانات المنوية في الخصيتين اللتين تستقران معلقتين داخل غشاء الصفن خارج الجسم كي تبقيا في درجة حرارة أقل من درجة حرارة الجسم الطبيعية، الأمر اللازم لإنتاج حيوانات منوية صحية وطبيعية. كما أن الخصيتين تنتجان الحيوانات المنوية باستمرار، وعند القذف يتشكل سائل المني من الحيوانات المنوية والسوائل المتجمعة من البروستاتا والحويصلات المنوية. وتخرج الحيوانات المنوية من الخصية ممتزجة بخلايا الدم الحمراء، وتتم تصفيتها في البروستاتا، ولذا حينما يكون هناك التهاب في البروستاتا فإن أحد علامات هذا الأمر أن لا يكون السائل المنوي ذا لون أبيض طبيعي. وتحليل السائل المنوي بغية تقييم قدر الإنجاب لدى الرجل يشمل ثلاثة أمور أساسية، وغالب الرجال يتمكن من الإنجاب إذا ما كان:

ـ عدد الحيوانات المنوية يتجاوز 20 مليون لكل مليلتر.

ـ وأكثر من 60% من الحيوانات المنوية نشطة في حركتها.

ـ وأكثر من 30% منها تمتلك شكلاً وبنية طبيعية.

والشكل الطبيعي لها هو رأس بيضاوي وذيل طويل، والطبيعي حينما يكون رأس الحيوان المنوي كبيراً أو صغيراً أو غير مستوي الأطراف، وحينما يكون الذيل إما ملتويا أو له ذيلان أو غير ذلك من الأشكال غير الطبيعية.

من بين 500 مليون حيوان منوي يقذفها الرجل يتمكن حيوان منوي واحد من تلقيح البويضة عادة، عند موافقة نزولها خلال 3 أيام من خروجها من المبيض ودخولها الى قناة فالوب في الرحم. وبرغم أن نقص عدد الحيوانات المنوية من أهم أسباب العقم لدى الرجال إلا أن ارتفاع عددها لا يعني بالضرورة ارتفاع احتمالات تلقيح البويضة. وتعد دوالي الخصية والتعرض للمواد الكيميائية كالتي في المبيدات الحشرية أو غيرها، أو التعرض للمواد المشعة أو الآثار الجانبية لبعض الأدوية إضافة الى عيوب الولادة أهم أسباب نقص عدد الحيوانات المنوية.

وكانت مجلة الإخصاب والعقم الأميركية قد نشرت في يونيو الماضي بحثاً للدكتور ليفيتوس يقول إن أفضل الحيوانات المنوية تكون في السائل المنوي المتكون بعد انقطاع الرجل عن القذف لمدة 24 ساعة خاصة لمن لديهم نقص في عدد الحيوانات المنوية، ليس هذا فحسب بل ان على من يريد منهم إجراء تحاليل السائل المنوي يجب عليه إعطاء عينة بعد الانقطاع لمدة يوم واحد فقط.

الدراسة برغم مخالفتها الظاهرية لنصائح منظمة الصحة العالمية إلا أنها كانت موجهة لمن لديهم نقص في عدد الحيوانات المنوية وليس الرجال السليمين من ذلك. وغالب عيادات العقم في العالم تتبع نصيحة منظمة الصحة العالمية بأن يتم إعطاء عينة السائل المنوي بعد امتناع ما بين يومين الى سبعة أيام عن القذف، لأن ذلك يؤثر على عدد الحيوانات المنوية ونسبة الطبيعي فيه منها وعلى حركتها.

الذي أكدته الدراسة التي شملت تحليل نتائج 9 آلاف عينة من السائل المنوي لحوالي 6 آلاف رجل هو أن نوعية السائل المنوي تختلف بين الرجال، من كان سليماً منهم فإن الحصول على أفضل نوعية من السائل المنوي يتم بعد الامتناع عن القذف لمدة 7 أيام، وتبدأ نوعية حيوانات السائل المنوي بالتدهور بعد 10 أيام من ذلك. ومن لديه اضطرابات في العدد أو الحركة فإن أفضل نوعية من السائل المنوي تتكون بعد الامتناع ليوم واحد، أما بعد يومين فإن نوعية السائل تبدأ بالتدهور.