السمنة .. هل هي مرض معد؟

دور محتمل لبعض أنواع الفيروسات في زيادة وزن الجسم

TT

النصائح الطبية اليوم حول الوقاية من السمنة والتي تشمل تقليل تناول الطعام وتنظيم أوقات الوجبات وممارسة الرياضة ربما لن تظل كذلك فقط، بل قد يُضيف إليها الأطباء في القريب العاجل نصيحة مثيرة للدهشة بغسل اليدين جيداً بالماء والصابون! والتعجب من هذه النصيحة قد يزول إذا عرفنا أن هناك أبحاثاً علمية قطعت أشواطاً بعيدة حول دور محتمل لبعض أنواع الفيروسات وخاصة أنواعاً من أدينوفايرس في زيادة وزن البشر.

* فيروسات السمنة

* وهناك اليوم العديد من المؤشرات بنتائج الدراسات العلمية على فيروسات مجموعة أدينوفايرس التي تبلغ حوالي 50 نوعاً تطرح أن أحد احتمالات انتشار السمنة بشكل وبائي اليوم في العالم هو بسبب عدوى فيروسية.

فقد عرضت الدكتورة ليه ويغهام في عدد شهر يناير (كانون الثاني) الماضي من مجلة «المجمع» الأميركي لعل وظائف الأعضاء دراسة حول هذه الفيروسات ودورها في نشوء السمنة لدى أنواع من الحيوانات.

فلقد وجد الباحثون من جامعة وسكنسن في مادسون بالولايات المتحدة أو فيروس أدينوفايرس البشري من نوع 37 يسبب السمنة لدى الدجاج، وهو ما تم بناء البحث فيه على نتائج دراسات سابقة لنوع 36 ونوع 5 من فيروسات أدينوفايرس البشرية على الحيوانات، وعلى وجه الخصوص تأثير نوع 36 من هذه الفيروسات على السمنة لدى البشر. الأمر الذي يحتاج بحسب قول الباحثين إجراء مزيد من البحث حول نوع 37 بعد النتائج غير الحاسمة لدراسات تمت حول دوره في السمنة البشرية، إضافة الى جلاء العلاقة برمتها بين الفيروسات والسمنة البشرية، وإجراء تحاليل على من هم مصابين بها ولديهم سمنة، ثم تطوير الأبحاث لإنتاج لقاح يقي منها وبالتالي من السمنة إن ثبت الأمر.

وعلق البروفسور فرانك غرينوي من جامعة ولاية لويزيانا على الدراسة في نفس المجلة العلمية قائلاً: إذا ما ثبت أن نوع 36 من فيروسات أدينوفايرس سبب في السمنة البشرية، فمن المنطقي أن يكون للقاح مضاد لها دور في تخفيف انتشار المشكلة، ويكون الحرص على أن يُغطي اللقاح كافة أنواع أدينوفايرس. واقترح البروفسور إجراء دراسة مقارنة لنسبة الأجسام المضادة التي يفرزها الجسم عادة لدى إصابته بفيروس ما، واتخاذها كمؤشر على دور الفيروسات هذه في ظهور السمنة بالمقارنة بين نسبة الأجسام المضادة هذه فيما بين البدينين وبين ذوي الوزن الطبيعي.

* سبب الوباء

* والحقيقة أن البحث في عوامل انتشار السمنة اليوم بشكل وبائي في العالم قد تطرق منذ زمن الى احتمال منطقي أن يكون للميكروبات وخاصة الفيروسات دوراً مؤثراً فيها، فمعدلات السمنة كما تشير الدكتورة ويغهام تضاعفت في السنوات الثلاثين الماضية في الولايات المتحدة وغيرها من مناطق العالم، وعلى وجه الخصوص بلغت ثلاثة أضعاف لدى الأطفال، وعلى حد قولها فإن باستثناء الأمراض المعدية لا يوجد مرض مزمن انتشر بهذه النسبة عالمياً من قبل، وأسباب الانتشار الوبائي هذا لا تزال حتى اليوم مبهمة.

وأضافت إن هذا التفكير ربما يظن البعض أنه يريح الناس وتفكيرهم كثيراً ويجعلهم أقل حماساً في التعامل السليم معها، وتقصد بذلك أن سبب السمنة خارج عن السيطرة حينما يكون نتيجة الإصابة بعدوى فيروسية، لكن الأمر قد لا يكون كذلك. وذكرت على سبيل المثال أننا كنا نعتقد في السابق أن قرحة المعدة منتشرة بشكل واسع نتيجة زيادة ضغوط الحياة المعاصرة، لكن الأبحاث الذكية وجدت أن السبب هو ميكروب نتيجة الإصابة ببكتيريا هيليكوبكتر بايلوري أو بكتيريا المعدة الحلزونية.

وأكدت أن الارتفاع المتزامن في مناطق شتى من العالم للسمنة من الصعب على العلماء بمكان تقبل أن سببه هو مجرد زيادة تناول الطعام أو قلة ممارسة الرياضة، وهنا قد يكون لدور محتمل للميكروبات تعليل مقبول، وتصبح الإجابة عن حقيقة تأثير فيروسات أدينوفايرس في السمنة العالمية ضرورة ملحة للبحث العلمي.

وكانت نظرية دور الميكروبات في السمنة قد طرحت قبل عدة عقود حينما لاحظ الدكتور نيكهيل دهيراندهار من جامعة ولاية لويزيانا إبان عمله في الهند سابقاً أن إصابة الدجاج بأحد فيروسات الطيور من نوع أدينوفايرس قد أدت الى أن يصبح الدجاج المصاب أكثر سمنة من الدجاج السليم، وهذه النظرية ربما تعلل السمنة بين من يعيشون في مناطق فقيرة حيث لا يمكن بحال تعليل ذلك بقلة النشاط البدني أو الراحة وكثرة الأكل. ومنذ ذلك الحين والدراسات تشير الى انتشار نوع 36 بين المصابين بالسمنة. لكن ما يزيد الأمر تعقيداً هو ما أشارت إليه الدكتورة ويغهام بقولها إن مجرد إصابة الإنسان أو الحيوان بالفيروس لا تعني بالضرورة ظهور السمنة، وهو ما نجهل سببه أيضاً. ولذا عند تعليل الآلية التي تظهر السمنة تقول إنه ربما أن مدة الإصابة أو دور الفيروس في إثارة الرغبة في الإكثار من تناول الطعام أحد الأسباب على حد قولها.

وربما أيضاً إثارة الخمول والكسل وقلة الرغبة في ممارسة الرياضة والنشاط البدني أيضاً.

وتشير أيضاً الى أنه حتى اليوم لا يوجد تحليل بسيط للدم للكشف عن وجود الإصابة السابقة بالفيروس وهو ما يجب تطويره.

هذا الجانب من الأبحاث يطرق سبباً محتملاً واعداً قد يجعل في حال ثبوته من الممكن وقف المد الوبائي غير المنظور للسمنة في العالم وخاصة بين الأطفال.

* تعامل الناس مع مشكلة زيادة الوزن > بالرغم من كثرة التحذيرات الطبية عن آثار السمنة قريبة وبعيدة المدى على الصحة فإن الفهم السليم لكيفية معرفة الإنسان لما هو طبيعي أو غير طبيعي منها لا يزال دون المستوى المطلوب ناهيك عن التفاعل السليم مع هذه المشكلة الصحية العالمية.

وتشير الإحصائيات الحديثة الى أن فهم كيفية حساب الوزن وتطبيق الناس لذلك على أنفسهم لا يزال يخضع للمنطق القديم بحساب الوزن مجرداً. والذي عليه الأطباء وأخصائيو التغذية اليوم هو حساب مقدار نسبة مؤشر كتلة الجسم، وذلك لمعرفة الطبيعي من غيره في وزن الجسم.

ويتم حساب مؤشر كتلة الجسم بمعرفة أمرين، الأول وزن الجسم بالكيلوغرام، ومعرفة الطول بالمتر. ويستطيع المرء أن يحسب نسبته بقسمة الوزن بالكيلوغرام على مربع الطول بالمتر. فلو كان وزن الجسم 90 كيلو غراما، والطول هو 1.6 متر، فإن مؤشر كتلة الجسم هو 35.

والطبيعي أن يكون مؤشر كتلة الجسم ما بين 20 الى 25. وما كان أقل من 20 يُعتبر نقص في الوزن عن المعدل الطبيعي. وما كان بين 26 الى 30 هو زيادة في الوزن. وبين 31 و40% هو سمنة بالتعريف الطبي. أما فوق 41 فهو سمنة مفرطة.

وتشير الإحصائيات الى أن نسبة مهمة من الذين لديهم سمنة يظنون أن الأمر مجرد زيادة في الوزن، وفي حين يعتقد 40% أنهم فوق المعدل الطبيعي فإن 60% حقيقة هم كذلك، وفي حين يعتقد 53% أنهم طبيعيون فإن 39% فقط هم كذلك.

ويتم حساب حاجة الجسم من طاقات الكالوري (السعرات الحرارية) بالنسبة للإنسان العادي البالغ أي غير الأطفال أو الرياضيين حسب مقدار نشاطهم البدني، فالشخص الذي لا يمارس مجهوداً بدنياً رياضياً يحتاج الى حوالي 24 كالوري لكل كيلوغرام من وزن جسمه الطبيعي (أي بالنسبة لما يجب أن يكون عليه بحسب طوله). فلو كان وزنه 70 كيلو غراما وذلك مناسب لطوله فإنه يحتاج من الغذاء حوالي 1600 كالوري يومياً. ومن يمارس يومياً هرولة لمدة 20 دقيقة فإنه يحتاج 33 كالوري لكل كيلوغرام من وزن جسمه الطبيعي، أي لو كان وزنه 70 كيلوغرام فإنه يحتاج الى 2300 كالوري يومياً.

وكمية الكالوري في الأطعمة تُحسب بأن كل غرام من البروتينات والسكريات في الوجبات الغذائية يعطي حوالي 4.2 كالوري، أما الغرام من الدهون فيعطي 4.8 كالوري.

وعلى سبيل المثال، فإن بحسب نصائح رابطة القلب الأميركية تُحسب حاجة الدهون اليومية من الوجبات الغذائية بنسبة 30% منها، أي أن من حاجته الإجمالية من طاقة الغذاء 1600 كالوري عليه تناول 55 غراما فقط من الدهون يومياً، ومن حاجته الى 2300 كالوري يومياً عليه تناول حوالي 70 غراما فقط من الدهون يومياً، وأكثرها يجب أن تكون من الدهون غير المشبعة، أي غير ذات مصادر حيوانية.