فك رموز شفرات علاج الروماتزم بالذهب

باحثو هارفارد يجدون تعليلا للغز الذي حير العلماء 75 عاما

TT

تستخدم مركبات الذهب في علاج الحمى الرثوية أو الروماتزمية وغيرها من أمراض اضطرابات مناعة الجسم منذ ما يزيد عن 75 عاماً، لكن آلية فائدتها العلاجية ظلت غامضة. والباحثون من كلية الطب بجامعة هارفارد تمكنوا بالصدفة اخيراً من إيجاد تعليل لهذه القدرة العلاجية. وبحسب بحث نشره العلماء في عدد أواخر فبراير الماضي من مجلة الكيمياء الحيوية الطبيعية الأميركية فإن أنواعاً معينة من مركبات الذهب والبلاتين تعمل على تجريد أجزاء خاصة في البكتيريا والفيروسات من إثارة مركبات بروتينية محددة، تُعتبر مفاتيح تنشيط جهاز مناعة الجسم.

ويحكي الدكتور برين ديدكير القصة قائلاً حينما كنا نبحث عن دواء جديد لعلاج أمراض الاضطراب الذاتي للمناعة، وجدنا بدلاً من ذلك كيفية حصول التأثير العلاجي للذهب. والذي يحصل عادة في الجسم أن أجزاء من جهاز المناعة لديها قدرات على ملاحظة واكتشاف وجود الأشياء الغريبة في الجسم، كالبكتيريا والفيروسات. وتتعرف مركبات أو أجزاء بروتينات المناعة المكملة على وجود هذه الأجسام الغريبة من ملاحظتها بروتينات معينة ضمن تراكيب جدران الفيروسات أو البكتيريا، الأمر الذي يؤدي حال حصوله إلى إثارة سلسلة من التفاعلات التي يبدأ على إثرها جهاز المناعة بالتحرك للقضاء على الجسم الغريب. الإرباك أو الخلل الذي يحصل في حالات أمراض الاضطراب الذاتي للمناعة هو أن هذه البروتينات الجوالة والمتخصصة في ملاحظة الأجسام الغريبة تتعرف بشكل خاطئ إلى الأجزاء الطبيعية في خلايا جسم الإنسان على أنها أجسام غريبة وليست جزءا من الجسم، وبالتالي تثير جهاز المناعة بكاملة لمحاربة أجزاء من الجسم نفسه. وهو ما يحصل في الحمى الرثوية الروماتزمية أو مرض الذئبية الحمراء أو سكري الأطفال وغيرها. وعادة ما تتوفر مجموعات مختلفة من العلاجات الدوائية التي بمجملها تحاول أن تُهدئ من تفاعل الجسم وتمنع جهاز المناعة من تدمير أعضاء الجسم. وواحدة من العلاجات القديمة هي حقنات الذهب التي تؤخذ عميقاً في العضل، وأثبتت لسنوات فاعلية في تخفيف حدة تطور المرض وهجماته على المفاصل وتدميره محتوياتها من غضاريف وعظم وباقي الأنسجة.

الذي حصل في البحث أن العلماء كانوا يبحثون في تأثير أحد أدوية علاج السرطان والتي يستخدم البلاتين فيها وهو عقار سيزبلاتين. ووجدوا تأثيره على أجزاء بروتينات المناعة. ومن ثم فكر الباحثون في عقار آخر مكون بالأصل من عناصر معدن ثقيل شبيه بالبلاتين وهو الذهب. لذا حينما درسوا مركبات الذهب العلاجية تبين لهم نفس طريقة التأثير. والحقيقة أن دور الذهب في علاج أمراض الجسم شيء قديم، فلقد سبق للطبيب الألماني روبرت كوخ عام 1890 أن أثبت تأثير الذهب في القضاء على بكتيريا الدرن أو السل. ونتيجة لملاحظات طبية عدة حول علاقة السل بحمى الرثوية أو روماتزم المفاصل، فإن العلماء بدأوا باستخدام الذهب في علاج مشاكل المفاصل هذه، وطور الأمر الدكتور الفرنسي جاكوز فروستر عام 1930، واستمر الأمر لعقود عدة. لكن تأخر استفادة المريض عادة عدة أشهر والآثار الجانبية للذهب وظهور أدوية جديدة، كلها عوامل قللت في العقد الماضي من استخدامه، لكنه لا يزال يُستخدم في كثير من دول العالم حتى اليوم.

والدراسة الجديدة من هارفارد حول آلية عمله، تعيد مجدداً طرح ضرورة الاستفادة منه، وكذلك تتيح للباحثين فرصة أفضل في إنتاج جيل جديد من أدوية الذهب موجهة بشكل أفضل وكمية أقل نحو أماكن الخلل في جهاز مناعة الجسم، وبالتالي الحصول على الفائدة وتقليل احتمالات ظهور الآثار الجانبية لها.