ضغوط العمل.. لا ترفع ضغط الدم

رغم تأكيد الدراسات على وجود رابطة بين توتر الأعمال وبين أمراض شرايين القلب

TT

يبدو أن الباحثين في الولايات المتحدة يعتقدون أن من غير الصحيح القول بأن التعرض لضغوط العمل أو ممارسة أعمال ذات طبيعة تبعث التوتر في النفس، هي سبب في نشوء الإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم. وللوصول الى هذه النتيجة فإنهم تكبدوا عناء مراجعة أكثر من 48 دراسة طبية شملت بالجملة أكثر من 100 ألف شخص، وفق ما نشرته مجلة ارتفاع ضغط الدم التابعة للرابطة الأميركية للقلب في عددها الأخير.

وتعد هذه الدراسة واحدة من الدراسات الطبية المفيدة جداً في تبنيها المنهج العلمي في التحليل والتمحيص لنتائج الدراسات التي تم نشرها في السابق حول جوانب طبية يعتقد الكثير من الأطباء أو الناس أنها من المُسلمات العلمية ولا مجال لمناقشتها. وهي في هذا أسوة بالتي راجعت تأثير تناول البيض مثلاً ووجدت أنه لا يرفع من نسبة الكوليسترول في الدم، أو التي راجعت تأثير تناول القهوة ووجدت أنه يفيد القلب ولا يضره، وغيرها.

وأكدت نتائج أبحاث العلماء من المؤسسة القومية الأميركية للقلب والرئة والدم والمؤسسة القومية الأميركية للصحة أن اتباع سلوكيات صحية في الحياة اليومية يعمل على خفض مؤثر في مقدار ارتفاع ضغط الدم، بغض النظر عن تناول أدوية خفض ارتفاعه. ضغط العمل

* الامر الذي دفع الدكتور صموئيل مان، الباحث الرئيس في دراسة المراجعة، من كلية مييل كورنل للطب بولاية نيويورك، للبحث في الأمر وتحليل مجمل نتائج الدراسات السابقة، هو دراسة سابقة للباحثين من فرنسا نُشرت في عام 2003، وتميزت بدقة مواصفات خطة بحثها وتحليل نتائجها، وبينت في نتائجها أن لا علاقة بين توتر العمل وارتفاع ضغط الدم المرضي. وحينما راجع مجمل نتائج 48 دراسة والكيفية التي تم البحث فيها، وجد عدة نقاط في بعضها لا يمكن بها استخلاص نتيجة علاقة قوية بين كلا الأمرين، كتركيز بعضها على مقدار ضغط الدم الانبساطي أو رقم المقام في قراءة ضغط الدم دون احتساب لتأثير على الضغط الانقباضي أو رقم البسط. وبعض من الدراسات وجد علاقة بين بعض مجموعات الناس دون عامتهم، وهو ما اختلفت نتائجه بين دراسة وأخرى. ولذا خلص الى أن العلاقة ضعيفة بين ضغط العمل وارتفاع ضغط الدم المرضي مما هو ظاهر في الدراسات التي تمت خلال السنوات العشر الماضية. لكنه أعاد التأكيد على أن الدراسات الطبية السابقة ربطت بشكل قوي بين ضغط وتوتر العمل وبين أمراض شرايين القلب بالعموم، ولكن ليس بينه وبين ارتفاع ضغط الدم وإن كان أحد عوامل خطورة الإصابة بأمراض شرايين القلب. وتوتر أو ضغط العمل وإن كان ربما سبباً في رفع مقدار ضغط الدم بشكل مرضي لدى قلة من الناس، فإن أسباب ارتفاع ضغط الدم في 40% من الحالات هي ذات علاقة بالجينات والوراثة، و 40% مرتبطة بشكل تلقائي لارتفاع وزن الجسم أو قلة النشاط البدني أو تناول وجبات غذائية سيئة المحتوى والكمية في الأنواع الصحية من الطعام أو التأثر لدى البعض بزيادة تناول الملح، بينما يرتفع ضغط الدم لدى 20% من المرضى نتيجة لأسباب متنوعة أخرى.

سلوكيات صحية

* إلى هذا، أشارت دراسة طبية مهمة تُدعى دراسة بريميير للباحثين من المؤسسة القومية الأميركية للقلب والرئة والدم ومن المؤسسة القومية للصحة في الولايات المتحدة حول تأثيرات تعديل عناصر سلوكيات نمط الحياة نحو المسلك الصحي، بأن هذه التعديلات الصحية تؤدي الى نتائج إيجابية مهمة وثابتة علمياً في خفض مقدار ضغط الدم.

وقد تبين من النتائج لمتابعة أكثر من 800 شخص من الذكور والإناث ممن تجاوزت أعمارهم 25 سنة، وممن هم أيضاً مصابون إما:

ـ بالمرحلة الأولى من ارتفاع ضغط الدم أي ما كان مقدار الضغط الانقباضي ما بين 140 الى 159 مليمتر زئبق، أو الانبساطي ما بين 90 الى 95 مليمتر زئبق.

ـ أو لديهم ما يُسمى بمرحلة بداية ارتفاع ضغط الدم، أي الانقباضي من 120 الى 139 والانبساطي من 80 الى 89 مليمتر زئبق.

ـ وممن لا يتناولون كلهم أية أدوية لمعالجة هذه الأرقام غير الطبيعية لمقدار ضغط الدم.

فإن اتباع سلوكيات صحية في نمط التغذية وفق ما يُعرف بحمية داش، وسلوكيات صحية بالنسبة الى الجهد البدني الرياضي اليومي، يؤديان بالجملة الى خفض معدلات ارتفاع مقدار ضغط الدم من 37% الى 22%.

هل يغير مريض ضغط الدم عمله الضاغط عليه نفسياً؟

* يوضح الدكتور صموئيل مان، الباحث الرئيس في دراسة المراجعة، من كلية مييل كورنل للطب بولاية نيويورك أنه مما لا شك فيه أن لحظات التعرض للضغط والتوتر النفسي يصحبهما ارتفاع في ضغط الدم، لكن لا يوجد أي دليل علمي، على حد قوله، بأن هذا الارتفاع المؤقت سيؤدي الى ارتفاع الضغط بشكل مزمن والى ظهور مرض ارتفاع ضغط الدم، وهو ما حاول البعض إثباته دون نجاح طوال الأربعين سنة الماضية. وأضاف أنه بالرغم من أن التعرض لضغط وتوتر العمل الوظيفي له آثار سلبية على الصحة، إلا أن ارتفاع ضغط الدم بشكل مرضي مزمن ليس أحدها. وهناك على حد وصفه علاقة طردية بين ضغط الدم وتوتر العمل وبين الصداع أو القلق أو الاكتئاب. أما أن يترك أحد ما عمله المسبب للتوتر والضغط النفسي بسبب الخوف من ارتفاع ضغط الدم أو صعوبة معالجته نتيجة للاستمرار فيه فليس سبباً كافياً لذلك، بل لو أنه يسبب له صداعاً متواصلاً أو اضطرابات في النوم أو قلقاً مفرطاً، فربما كان ذلك سبباً مقنعاً لترك عمله هذا والبحث عن آخر أقل توتيراً وضغطاً نفسياً.

والنتيجة التي يتبناها الدكتور مان من نتائج دراسته هي عدم نصح مريض ارتفاع ضغط الدم بترك عمله ذي الطبيعة الضاغطة والموترة نفسياً.

سلوكيات نمط الحياة الصحية تقلل الحاجة للأدوية

* تضع دراسة بريميير المنشورة في عدد ابريل من مجلة مدونات الطب الباطني التابعة للرابطة الأميركية للطب الباطني مزيداً من التأكيد على أهمية جوانب معينة من الحياة اليومية، تؤثر إيجاباً في حال تعديلها نحو الأكثر صواباً، وسلباً في حال إهمالها. وأهمها هو وزن الجسم والرياضة البدنية وتحسين نوعية وكميات الوجبات الغذائية كخفض تناول الدهون والإكثار من تناول الفواكه والخضار وضبط كمية تناول الملح، كما تقول ذلك الدكتورة إليزابيث نبيل مديرة المؤسسة القومية للقلب والرئة والدم بالولايات المتحدة. التي أضافت في معرض التعليق على الإحصاءات الحديثة التي تقول بأن واحداً من بين كل ثلاثة أشخاص بالغين في الولايات المتحدة يعاني من ارتفاع ضغط الدم، وأن حوالي 60 مليون شخص آخر لديهم ما يُعرف بمرحلة بداية ارتفاع ضغط الدم، المتقدمة التعريف، قالت بأن الدراسة بالنسبة لهؤلاء الملايين تمثل إثباتاً علمياً على أن بإمكانهم المحافظة على مقدار ضغط دمهم ضمن الطبيعي قبل الحاجة الى تناول الأدوية بإتباع سلوكيات صحية في نمط الحياة اليومية.

وتمثلت السلوكيات الصحية التي اتبعها المشاركون بثلاثة أمور، هي:

أولاً خفض الوزن بمقدار 6 كيلوغرامات تقريباً على أقل تقدير.

ثانياً الرياضة لمدة 3 ساعات أسبوعياً من المجهود البدني ذي الدرجة المتوسطة. ثالثاً حمية داش، التي تشمل عدم تجاوز تناول كمية 2.3 غرام من ملح الطعام يومياً، أي حوالي ملعقة شاي صغيرة، وزيادة تناول الفاكهة والخضار الى ما بين 9 الى 12 حصة غذائية، وتناول من 2 الى 3 حصص من مشتقات الألبان قليلة الدسم، عدم تجاوز كمية الدهون المتناولة يومياً عن نسبة 25% من كمية طاقة الغذاء في وجبات الطعام اليومية.