للنساء الحوامل.. إحذرن معلبات التونا

البعض يُنادي بالامتناع عن تناولها وقاية من التلوث الزئبقي

TT

نظراً للتغلغل العميق والواسع الانتشار للزئبق، تتعالى من حين لآخر التحذيرات الطبية، وتقارير هيئات حماية المستهلك، وحتى خُطب وبرامج عمل المتنافسين على شغل المقاعد في شؤون الخدمات العامة، حول المخاطر الصحية لعنصر الزئبق. والسبب هو أن مادة الموضوع إعلامية من الطراز الأول في جذب الانتباه والإشعار بالاهتمام بالشأن الصحي العام، وإبداء روح عالية في رعاية سلامة البيئة.

ومع إعادة تثبيت الأنظمة الجديدة المقترحة للإدارة الأميركية الحالية حول نظافة الهواء من الزئبق في 31 من شهر مايو الماضي، بعد الفراغ من إعدادها في مارس من عام 2005، والتي تُعد الأولى علي الإطلاق للعمل علي تقليل تلوث الهواء بسبب تسرب الزئبق من أدخنة مولدات الطاقة الكهربائية، ظهرت العديد من التحذيرات الطبية ومن المراكز العلمية ومن هيئات حماية المستهلك لإعطاء مزيد من الدعم للأنظمة الجديدة، التي من المتوقع في حال العمل بها كاملة تخفيض نسبة تسريب الزئبق بمقدار يتجاوز 90% بحلول عام 2015. من المعلوم أن أدخنة المولدات هذه تتسبب في أكثر من 40% من مصادر التلوث الزئبقي العالمي.

وفي السادس من يونيو الحالي انضمت اللجان العلمية الرئيسية في ولاية بنسلفانيا إلى جهود أكثر من 120 هيئة ومنظمة تهتم بالشأن الصحي العام، والدفاع عن الأطفال، وحماية البيئة، وحقوق المرأة وغيرها من الاهتمامات، وتنادى الباحثون والمتخصصون في الطب، بغية إعطاء مزيد من الدعم للقوانين الجديدة التي تقدمت بها الإدارة الحكومية لحماية البيئة في خضم المحاولات الجارية للبدء في تطبيقها.

وفي السابع من هذا الشهر أعلن المسؤولون في اتحاد حماية المستهلك قرارهم دعم حملة للنصح بامتناع تناول الحوامل لأسماك التونة المعلبة بناء على النتائج العلمية لهيئات حماية المستهلك وأحدث الاختبارات لإدارة الغذاء والدواء الأميركية.

* جدل لا بد أن ينقضي

* ما يجري هذه الأيام يثير انتباه المراقبين الطبيين في كافة أرجاء العالم، والجدل الدائر في الولايات المتحدة حول الزئبق تحول من جدل علمي في المختبرات وعلى صفحات المجلات الطبية وقاعات المحاضرات، ليخطو خطوات متقدمة جداً تطال المصانع وغيرها من مصادر تسريب الزئبق وتلويثه للبيئات البرية والبحرية.

مشروع القوانين الجديدة لتنقية الهواء من الزئبق، وخاصة من مولدات الطاقة التي تستخدم الفحم الحجري، هي واحدة من سلسلة إجراءات كان الوسط الطبي قد بدأ في تبنيها مبكراً، وقام بتطبيقها قبل غيره، للحد من استخدامات الزئبق في الحياة العامة بغية الحيلولة دون تمادي التلوث به. وما استبدال الأجهزة الإلكترونية بتلك التي تستخدم الزئبق في قياس حرارة الجسم أو مقدار ضغط الدم، كما في السابق، إلا جانب صغير وبدائي في هذا الجهد.

وإعادة تثبيت عرض قوانين الأنظمة الجديدة من قبل الإدارة الحكومية لحماية البيئة، تأتي بعد تعديلات تقنية وتقديم مزيد من الإيضاحات حول جوانبها وآليات تطبيقها، في استجابة للاستفسارات الموجهة إليها. وبعد الذي تم تلقيه في فترة عام من استقبال تعليقات الناس من حين طرح مشروع الأنظمة الجديدة العام الماضي، وبمراجعتها بطريقة تصف مصادر الإدارة أنها تمت بعناية ودقة، وخاصة في ما يتعلق حول أي البنود ستكون الأنظمة الجديدة، فإن الإدارة أعادت تثبيت طرح تنظيم تسريب الزئبق من مولدات الطاقة تحت البند 112 من تشريعات نظافة الهواء كما طرح في السابق، أي أن تنظيم مسألة الزئبق ستنضم إلي قوانين أخرى مثل تنظيف الهواء من الديزل في الطرقات وغيرها.

والمقترحات المقدمة للإقرار هي عالية الفائدة في رفع مستوى حماية البيئة وتحسين المستوى الصحي وإعطاء مزيد من الفرص لتطوير تقنيات جديدة في الصناعة أقل تأثيراً علي البيئة. لكن كثيراً من الباحثين والعلماء شكوا من أنه ربما لا يلتفت أعضاء الكونغرس إلى المعلومات الطبية الواضحة حول ضرر الزئبق. وهو ما عبرت عنه جان جاريت مساعدة مدير مؤسسة مستقبل مواطني بنسلفانيا بقولها إن هناك إجماعاً علمياً وطبياً واسعاً على أن الزئبق له أضرار حقيقية على أدمغة الأطفال وتطور نموها، لكن للأسف فإن البعض في الكونغرس سمعوا مرافعات من لا يوافقون رأي أغلبية الوسط الطبي في هذا الموضوع الحيوي.

ومن بنسلفانيا قدم أكثر من خمسين من العلماء والمتخصصون في الطب رسالة لدعم هذه الخطوات الجديدة للحد من التلوث الزئبقي. وقال الدكتور جيمس جونز من الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال: إننا كلما أسرعنا وسرنا قدماً كان بالإمكان حماية الأطفال بشكل أكبر من آثار الزئبق.

وقالت كاثرين لوصن مديرة مشروع الأطفال الأصحاء وعضو الرابطة الأميركية للإعاقة التعليمية، إن الزئبق سم على الجهاز العصبي، لأنه مادة تتلف أو تدمر أو تُخل بوظائف الأنسجة العصبية. وتعرض الأجنة لكميات ولو ضئيلة يُمكن أن تعيق نمو الدماغ وبقية أجزاء الجهاز العصبي. وغالباً ما يبدو الأطفال طبيعيين في الشهور الأولى من العمر، إلا أن الآثار ستبدو عليهم في المراحل التالية من العمر، خاصة من نواحي التركيز الذهني أو الحركات الدقيقة التي تتطلب توازنا وانتظام إيقاع حركات الجسم، إضافة إلي الإبصار، مما يُكلف برامج تعليمهم ويضع عبئاً اجتماعياً مُضافاً.

* الحوامل والتونا المعلبة

* أثارت مجدداً مجلة تقرير المستهلك الصادرة عن اتحاد حماية المستهلك في الولايات المتحدة موضوع تناول الحوامل للأسماك ولمعلبات سمك التونا تحديداً. وكانت غاية في الصرامة حينما نصحت الأمهات الحوامل بعد تناولها مطلقاً. والسبب هو الدعم القوي الذي قدمته نتائج تحاليل مختبرات إدارة الغذاء والدواء لعينات من معلبات التونا.

وكانت تحاليل اتحاد حماية المستهلك قد أكدت أن 15% من التونا الخفيفة المعلبة مما كانت تظن إدارة الغذاء والدواء أنها مخفوضة المحتوى من الزئبق هي في الحقيقة عالية المحتوى منه. وهو ما عادت الإدارة المذكورة إلى التراجع عنه بعد إعادة فحص العينات لنوعيات ما بين عام 2001 و2005، وأشارت إلى أن 6% منها، أي مما قالت أنه مخفوض المحتوى من الزئبق، هي في الواقع عالية المحتوى منه.

التفسير من قبل اتحاد حماية المستهلك لنتائج التحاليل الجديدة لم تتقبله إدارة الغذاء والدواء ولا شركات صناعة معلبات التونا. وتحديداً أعلنت الإدارة أنها ليست بصدد إعلان تحذير للناس من تناول معلبات التونا بناء علي نتائج التحاليل. وأكد ديفيد أشيسن رئيس القسم الطبي بالإدارة، وقال إن ما نفعله هو إعطاء نصيحة توازن بين فوائد تناول الأسماك وبين مخاطر الزئبق فيها. وذلك في إشارة منه لما سبق لوكالة حماية البيئة وإدارة الغذاء والدواء إعلانه قبل عامين في نصيحة للمستهلكين حول الأسماك والزئبق، وفيها أن معلبات التونا الخفيفة المتوفرة في الأسواق الأميركية تمتاز بأنها قليلة المحتوى من الزئبق، وأيضاً تنبيهها السابق بأن علي مجموعات محددة من الناس ذوي الحساسية وشدة التأثر من الزئبق انتقاء تناول التونا الخفيفة دون بقية أنواع المنتجات البحرية عالية المحتوى من الزئبق، وتحديداً وفق ارشادات وكالة حماية البيئة وإدارة الغذاء والدواء الأميركيتين، هم الحوامل والمرضعات والنساء، في عمر وظروف تحتمل الحمل في أي وقت، والأطفال أيضاً. مثل سمك القرش والماكريل وغيرهما.

ومن المعلوم أن الأسماك كلما زاد عمرها وكبر حجمها زادت نسبة الزئبق فيها وخاصة في جلدها حيث يتركز زيت السمك. وكذلك أنواع معينة منها كالقرش والماكريل دون أنواع أخرى كالربيان أو السلمون أو التونا الخفيفة، وفي بحار دون بحار أيضاً. ودافعت مؤسسة التونا في الولايات المتحدة، وهي التي تضم منتجي التونا عن النوعيات التي تستخدمها في تعليب سمك التونا الخفيفة، وقالت إن النصيحة هذه من حماية المستهلك تضر ضررا بالغاً لأنها غير سليمة.

وكانت لويس سوليفيان، وزيرة الصحة الأميركية السابقة والمستشارة الحالية لمؤسسة التونا المتقدمة، في تعليقها شديد اللهجة عند نقد النصيحة الجديدة قائلة لا أعلم أي دعم علمي ينصح بما تقوله المجلة، ووصفتها بأنها نصيحة تضر بالصحة.

* التونا والنساء

* مسلسل تلفزيوني ممل ذلك الذي تتناول حلقاته فصول الأخذ والرد في السجلات الدائرة منذ زمن طويل حول تناول النساء أو الأطفال للأسماك والتونا على وجه الخصوص. والباحثون الطبيون والأطباء والناس هم في الحقيقة واقعون في متاهة مصطنعة من قبل هيئات حماية المستهلك وحماية البيئة وإدارات تنظيم استهلاك المواد الغذائية والشركات المنتجة والمصدرة للأسماك بكافة أشكال تقديمها للبيع سواء الطازجة أو المعلبة، وسواء أيضاً المُنتجة في مزارع تربية الأسماك أو تلك المستخرجة من البحار بكافة أنواعها الضحلة أو العميقة.

والأمور ببساطة مجردة، هي أن من يتولون الإشراف علي الصحة وعلاج الأجسام من الأمراض ووقايتهم منها، أي فريق الأطباء يقولون كلاماً غاية في الوضوح، قوامه ثلاثة نقاطة:

الأولى في التونا والنساء: أن الأسماك تحتوي عناصر غذائية ممتازة لا غنى للإنسان عنها. والحاجة هنا هي للحوامل والمرضعات والأجنة والأطفال والشباب والبالغين والمتقدمين في العمر من الجنسين.

والثانية أن المنتجات البحرية عرضة لترسب كميات متفاوتة من مادة الزئبق. تختلف على حسب نوع السمكة وعمرها وأجزائها والمنطقة التي نشأت فيها.

والثالثة أن مادة الزئبق السمكية هذه هي في وضعية كيميائية تمكنها من التغلغل في أنسجة الجسم والقيام بعمليات إتلاف عضوية في البنية والوظيفة، وذلك في أنسجة حساسة كالدماغ والقلب.

والمنطق في نظر المستهلك والذي يتوقعه من شركات الإنتاج والهيئات التي تراقب مدى التزامها بضوابط حماية صحة المستهلك، هو أن تلتزم بتوفير الأمان للمنتجات البحرية كي يتناولها الناس بكل اطمئنان.

لكن المأمول أحياناً ضرب من الخيال. وهذه إشكالية التونا والنساء، فالهيئات الطبية وحماية المستهلك حينما رأت أن التونا الخفيفة محببة للناس ويُمكن توفيرها كمعلبات يسهل تناولها في أي وقت، وهي بالأصل منتج سمكي ضروري للجسم وعلى كل الناس تناوله، واجهتهم مشكلة في تأمين هذا الصنف من الأسماك بنوعية قليلة المحتوى من الزئبق. والضوابط التي وُضعت في اختيار النوعية من أسماك التونا المتعددة كان المرجو أن يتم تحقيق المُراد منها للمستهلك بكل أمان.

والنقاش الدائر والتطرف الحاصل في النصائح الغذائية العامة ما هو إلا نتيجة عدم وضوح بيانات تحاليل محتويات المنتجات الغذائية، وإلا لو أن ثمة شفافية في المعلومات منذ البداية لما وصل الحال بمجلة حماية المستهلك إلي التعبير عن الشك العميق في نتائج التحاليل المتضاربة، وبالتالي تبنيها النصيحة على غير أساس علمي ثابت بسلوك الطريق الأسلم لوقاية الحوامل وأجنتهن من تناول معلبات، أقل ما تُوصف بأن نتائج تحليل محتواها من الزئبق السام تتفاوت وتختلف من فترة إلي أخرى من نفس مصدر إجراء التحاليل، وأيضاً التي لا يلتزم منتجوها باستخدام نوعيات محددة من أسماك التونا متفق علي أن محتواها الطبيعي من الزئبق دون استخدام أنواع رخيصة في التعليب معروف أنها عالية السموم الزئبقية وذلك دون تنبيه المستهلكين خاصة من هم بأشد الحاجة إلى تجنبها.