الجرعات الكبيرة من فيتامين «بي» لا تعالج أمراض القلب

فرضية رائعة حول دور «هوموسيستين» في حدوثها يدحضها الواقع

TT

* بعد ولادة عسيرة، بل ومستعصية تقريبا، ظهرت فرضية الـ«هوموسيستين» Homocysteine التي تبناها بعض الاطباء والباحثين، بل حتى افراد من الجمهور، آملين في علاج رخيص وبسيط لامراض القلب. واستنادا الى هذه النظرية فان «هوموسيستين»، الذي هو منتج ثانوي ينتج عن هضم البروتينات، يقوم بتدمير الاوعية الدموية ويساهم في عملية انسداد الشرايين التي تعرف بـ «تصلب الشرايين». وإذا كانت هذه النظرية صحيحة فإن تخفيض مستويات «هوموسيستين» في الدم عن طريق جرعات ثلاثية من فيتامينات «بي» سيقود الى مكافحة تصلب الشرايين.

لكن ثمة مشكلة صغيرة وهي أن مثل هذه الاستراتيجية لا تنفع في منع النوبات القلبية والسكتات الدماغية والانواع الاخرى من امراض القلب والشرايين. وقد اظهرت ثلاث تجارب واختبارات كبيرة قدمت اثنتان منها الى الاجتماع السنوي للكلية الاميركية لامراض القلب ونشرت في 13 إبريل الماضي في مجلة «نيو إنغلند جورنال أوف ميديسن»، أظهرت أن لا فائدة من الجرعات الكبيرة لفيتامينات «بي». فهل حان الوقت إذاً للتوقف عن القلق الذي يساور البعض في ما يتعلق بال «هوموسيستين»؟ ان هذا يعتمد على وجهة نظر الفرد.

* إشارات مختلفة شملت التجارب الثلاث الكبيرة 13 ألف متطوع نجا بعضهم من النوبات القلبية والسكتات الدماغية، في حين كان يعاني البعض الاخر من ذبحة قلبية مستقرة (ألم في الصدر)، أو من أمراض في الشرايين الطرفية، أو من اشارات أخرى تنم عن شرايين مسدودة بالكوليسترول، أو من داء السكري الذي يؤدي عادة الى أمراض قلبية. وكانت لأغلبيتهم مستويات عادية من «هوموسيستين». وتناول نصفهم جرعات عالية من حامض الفوليك وفيتاميني «بي» 6 و«بي 12»، في حين تناول نصفهم اقراصاً وهمية، وجرت متابعتهم سنوات عدة.

وظهر ان الذين تناولوا فيتامينات «بي» انتهوا بمستويات من «هوموسيستين» تقل بنسبة 30 في المائة عن النسبة التي كانوا عليها يوم شرعوا في التجربة. ومع ذلك ظلت النوبات والسكتات شائعة لدى الذين تناولوا فيتامينات «بي»، مثل أولئك الذين كانوا يتناولون الاقراص الوهمية.

في هذا الوقت اقترحت دراسة، أن زيادة طفيفة من حامض الفوليك في الوجبات الغذائية قد تقي القلب من النوبات والسكتات. وفي عام 1998 نصت قوانين جديدة في الولايات المتحدة وكندا على وجوب تعزيز الطحين ومنتجات القمح الاخرى بحامض الفوليك. ومنذ ذلك الحين انخفضت معدلات «هوموسيستين» في الدم في هذين البلدين، ولكن ليس في انجلترا وويلز، حيث لم يكن تعزيز الغذاء بحامض الفوليك مطلوبا. والاكثر من ذلك أنه منذ العام 1998 انخفضت معدلات الوفيات من السكتات القلبية في الولايات المتحدة وكندا مقارنة بانجلترا وويلز.

وقد بين «هوموسيستين» في المختبرات أيضا، انه مضر للاوعية الدموية لانه يشجع عمليات الاكسدة والالتهابات وتشكيل الخثرات الدموية وانتشار الخلايا داخل الشرايين. أما على صعيد الاشخاص فقد أظهرت دراسات المتابعة الطويلة الامد أن أولئك الاشخاص الذين يعانون من معدلات مرتفعة من «هوموسيستين» هم الاكثر عرضة لتطور أمراض القلب لديهم من أولئك الذين يملكون معدلات منخفضة.

* شروحات متناقضة

* أين تكمن الحقيقة إذاً؟ لا مجال للجدال أن النتيجة الاساسية لهذه التجارب والاختبارات هي ان تخفيض معدلات «هوموسيستين» لا يحول دون النوبات أو السكتات القلبية لدى الاشخاص الذين يملكون معدلات عادية من «هوموسيستين» الذين يشكون من أمراض قلبية. لكن المشكلة هي في الشرح والتأويل، وفي حالة الشرح المباشر، فان «هوموسيستين» لا يشترك بشكل مباشر في أمراض القلب، لكنه اشبه بالمتفرج الذي يقف على الهامش، فعندما تصاب بالحمى والحرارة العالية فان قرصا من الاسبرين، أو الايبوبروفين قد يخفض درجة الحرارة، لكنه لا يعالج العدوى التي سببتها. وقد يكون من الممكن أن «هوموسيستين» هو أشبه بالحرارة، أو الحمى العالية، لا العدوى ذاتها.

وقد يكون ممكنا ان تخفيض «هوموسيستين» يساعد في منع الاصابة بالامراض القلبية، لكنه لا يساعد كثيرا إذا ما انتشرت البقع الترسبية للكوليسترول داخل الشرايين.

ويثير الباحثون إمكانية أخرى اكثر شؤما، وهي أن الجرعات العالية من فيتامينات «بي» التي استخدمت في التجارب قد زادت من تلف الشرايين التي كان من المفروض أن تحول دونه، إذ ان الكثير من حامض الفوليك وفيتامين «بي 12» قد ينشط أو يوقف عمل الجينات المتورطة في انتاج البقع الترسبية من الكوليسترول. كما أن كميات كبيرة من الفيتامينات هذه قد توقف انتاج أوكسيدات النتريك، وهي أجزاء صغيرة تحتاجها الشرايين لضبط تدفق الدم.

الى أين يقودنا ذلك؟ في العام 1870 أطلق الفيلسوف ـ العالم ثوماس هنري هاكسلي نكتة مفادها أن «المأساة الكبرى للعلوم هي قتل فرضية رائعة جميلة بالحقيقة الثابتة البشعة»، فبالنسبة الى فرضية الـ «هوموسيستين» فان الحقيقة البشعة، هي أن تناول جرعات عالية من فيتامينات «بي» لتخفيض الـ «هوموسيستين» لا ينفع الاشخاص الذين يعانون سلفا من الامراض القلبية، كما، إذا كانت فيتامينات «بي» قد تعمل على منع السكتات، والنوبات القلبية، خاصة بالنسبة الى الذين يعانون من معدلات عالية من «هوموسيستين»، هو أمر ينبغي إثباته. أما بالنسبة الى يومنا هذا فان الحفاظ على ضغط دم منخفض والاهتمام بعوامل الخطورة الاخرى من شأنهما أن يوفرا للناس أفضل جزاء، بدلا من القلق والتفكير في ما يتعلق بمعدلات الـ «هوموسيستين».

« خدمة هارفارد الطبية ـ الحقوق: 2006 بريزدانت أند فيلوز ـ كلية هارفارد