اختبارات اللعاب تتعرف على «بصمة» السرطان الخفية

أبحاث لتطوير طرق تستطيع الكشف على نشاط الجينات وترصد المرض مبكرا

TT

التقنيات الحديثة تكشف وبشكل متزايد، عن اسرار الجسم البشري عبر تحليل اصغر كميات السوائل الموجودة فيه مثل الدم او سائل النخاع الشوكي. الا ان ذلك يتطلب استخدام الإبر ومن ثم تعرض المرضى للآلام.

وهنا، كما يطرح عدد من الباحثين، يظهر اللعاب بوصفه مادة خام يسهل استخلاصها من دون حدوث أي تدخل في الجسم البشري، واختبارها لرصد مختلف الامراض من العدوى الفيروسية وحتى السرطان.

وقد طرح الى الاسواق اختبار اجازته وكالة الغذاء والدواء الاميركية لرصد فيروس «اتش آي في» المسبب لمرض الإيدز، بينما تستخدم شركة جينزايم Genzyme للتقنيات الحيوية، ومقرها في كمبردج بولاية ماساشوسيتس، عينات من اللعاب لرصد الجينات المسببة لمرض تليف الانسجة. ومن جهته خصص معهد ابحاث الاسنان والوجه والجمجمة (التابع لمعاهد الصحة الوطنية) 85 مليون دولار لأبحاث على التشخيص بواسطة اللعاب.

* خصائص اللعاب

* اللعاب، الذي تفرزه بالطبع الغدد اللعابية، خليط من الماء، والموسين (او المخاطين) mucin (وهو العنصر الاساسي في تركيب المخاط)، ومن اجزاء صغيرة من بطانة الفم، والأميلاز amylase وهو إنزيم هضمي، وعدد من المواد الاخرى. ويفرز الانسان عادة عدة «اقداح» منه، وبذلك تظل افواهنا لطيفة ورطبة، ويصبح الهضم اكثر سهولة.

الا ان اللعاب يمتلك ايضا خصائص مناعية، فهو يحتوي على عدد كبير من خلايا الدم البيضاء والاجسام المضادة التي نجد مثيلاتها في الدم. ويمكن استخدام الاجسام المضادة لرصد انواع العدوى، وليس تلك العدوى التي توجد داخل الفم وحده! الدكتور ديفيد تي. وونغ الباحث في جامعة كاليفورنيا في لوس انجليس يعكف على تطوير طريقة اختبار لرصد السرطان. وقد قدم وونغ وزملاؤه نتائج ابحاثهم عام 2004، بعد ان قاموا بمقارنة اللعاب المستخلص من افواه المصابين بسرطان الفم مع افواه الاشخاص الاصحاء. وكان لعاب المصابين بالسرطان حاويا لعلامات بيولوجية من حمض «آر ان ايه» لها علاقة بالسرطان.

«آر ان ايه» هو الجزيئة التي «تقرأ» الاوامر الموجودة في حمض «دي ان ايه» والجينات، وتوظفها بهدف تجميع البروتينات التي تتيح للجسم القيام بأعماله. ويهدف الاختبار الجديد هذا الى توفير الفرصة للاطباء لاجراء دراسة سريعة، وفي نفس الوقت، للآلاف من جزيئات «آر ان ايه» للتحقق من نشاط الجينات او خمول بعضها. ويولد «المخطط» الناتج عن هذه الاختبارات «بصمة» للسرطان الخفي! وحتى الآن لا يمكن التعرف على سرطان الفم الا بعد فحص طبيب الاسنان للمريض، الا ان وونغ يشير الى ان هؤلاء الاطباء لا يدققون احيانا فم مراجعيهم بالدقة الكافية. وعندما يوجهون عنايتهم فعلا، فانهم قد يغفلون عن رصد حالات السرطان. اما اختبار اللعاب فهو اكثر فاعلية.

والآن.. هل سيحل وعاء معقم وطبي مملوء بخلاصة اللعاب محل كيس صغير من الدم في عمليات الفحص والتشخيص؟ لا، على الاغلب.. على الاقل في الوقت الحاضر، فقد ظهرت هنا وهناك تباشير فجر كاذب، وعلى سبيل المثال عقد عدد من الباحثين آمالا عريضة على فحص اللعاب بهدف التعرف على إنزيم في الدماغ يسمى acetylcholinesterase الذي يعتقد انه يكشف عن مرض ألزهايمر (خرف الشيخوخة)، الا ان ذلك لم يحدث.

بل، وحتى ان اثبتت الدراسات بأن اختبارات فحص اللعاب موثوقة ويعتمد عليها، فإنها لن تنتشر بسرعة لأن كل المنظومة الطبية لا تزال معتمدة على طرق التشخيص بطريقة فحص الدم. ويدعو الدكتور وونغ الى الصبر ويقول: «لا يقدم أي منا أي اعلان (بالنجاح).. انها (الابحاث) ليست سوى فرصة علمية» متاحة.

وإن اعطي العالم فرصة للتفكير، فانه لن يتردد في ان يقذف ببصقة صغيرة بدلا من ان يوخز جسمه بإبرة لاستخلاص الدم، وعلى هذا الاساس وحده تعالوا نتمنى لاولئك الباحثين النجاح في مهمتهم.

« خدمة هارفارد الطبية» ـ الحقوق: 2006 بريزدانت أند فيلوز ـ كلية هارفارد