الكوليسترول وضرورة الوقاية منه في سن مبكرة

رصد أشكال من الجينات تقلل طبيعيا من مستوياته داخل الجسم

TT

* تقرير هارفارد

* عندما يتعلق الامر بالكوليسترول، تطرح تساؤلات عديدة مثل: كم هي المدة التي ظلت فيها مستوياته قيد السيطرة والتحكم، ومتى شرع في التحكم فيها؟ لأن ذلك امر مهم مماثل لأهمية وضرورة الوصول الى الدرجة الدنيا لمستوياته. وبالنسبة للسنوات القليلة الماضية كان السؤال الكبير الذي يراود الباحثين في شؤون الكوليسترول هو مدى الانخفاض الذي يمكن تحقيقه، ومتى ينبغي الشروع في التفكير في التحكم في الكوليسترول؟

الأبحاث الجديدة حول التحورات والتحولات، التي تؤثر على مستويات البروتين الشحمي المنخفض اللزوجة low-density lipoprotein (LDL) الذي يدعى بالكوليسترول السيئ ،في الدم ، قد يغير الآراء والاتجاهات في هذا الموضوع، والتي تشير الى أنه يجب الاهتمام كثيرا بمستويات الكوليسترول قبل الدخول في اواسط العمر، عندما يكون مفعوله في تلف الشرايين قد بدأ يظهر بنشاط وقوة. وقد تؤدي هذه الاتجاهات الى وضع إستراتيجيات جديدة لتوقيف مستويات الكوليسترول عند حدودها المرجوة.

* إنها الجينات

* عام 1999 وجد الباحثون الفرنسيون أن إمتدادا معينا في الكروموسوم 1 ، له علاقة بالمستويات العالية الطبيعية للشحوم المنخفضة اللزوجة في بعض الاشخاص. واشارت الاعمال الاضافية الى مصدر المشكلة، ألا وهو وجود تحور في أحد الجينات الخاصة بالبروبروتين proprotein convertase subtilisin/kexin 9، المسمى اختصارا PCSK9 .

وهذا ما دفع فريقاً من المركز الطبي في جامعة تكساس ساوث ويسترن للبحث عن أنواع مختلفة من PCSK9 ، الذي وجد ان ثلاثة منها تسبب إنخفاضا طبيعيا للشحوم المنخفضة اللزوجة، إثنان منها شائعة جدا لدى الاميركيين الافارقة الاصل، والثالث لدى الاميركيين الاوروبي الاصل. وتعمل هذه الاختلافات في الجينات ربما عن طريق زيادة عدد مستقبلات الشحوم المنخفضة اللزوجة في الكبد جاعلة منه، أي الكبد، أداة أفضل لسحب الشحوم الزائدة هذه من مجرى الدم.

وللتمعن في تأثير هذه الاختلافات في الجينات تحول الباحثون الى مؤشر في عالم البحوث الطويلة الذي يعتمد على المجتمعات المتعددة الثقافات، لدراسة أخطار الامراض القلبية وتصلب الشرايين. وقاموا باختبار عينات من الدم التي قام المتطوعون بتقديمها في بداية الدراسة، مع ملاحظة أي منهم قام بتطوير أمراض قلبية على مدى 15 سنة من الدراسة.

وكما هو متوقع فإن المتطوعين الذين يملكون واحدا من ثلاثة PCSK9 مختلفة كانوا يملكون مستويات من LDL أقل بنسبة 15 الى 30 في المائة من أولئك الذين يملكون مستويات طبيعية من PCSK9 . ولكن هل هذه المستويات المنخفضة من الشحوم المنخفضة اللزوجة يمكن أن تمثل وقاية ضد الامراض القلبية؟ السود في الولايات المتحدة من اولئك الذين يملكون واحدا من الجينات غير الاعتيادية، يتمتعون بنسبة 88 في المائة اقل، سواء في النوبات القلبية، أو الحاجة الى عمليات القلب المفتوح أو عمليات الرأب الوعائي، أو إنهم يتوفون من الامراض القلبية خلال فترة الـ 15 سنة، مقارنة مع أولئك الذين يملكون جين PCSK9 العادي. أما بين الاميركيين البيض فقد كان الانخفاض بنسبة 47 في المائة رغم أن العديد منهم، أي الذين يحملون هذا الشكل من الـ PCSK9، كانوا يعانون من زيادة في الوزن، أو من ضغط الدم المرتفع، أو من داء السكري، أو كانوا من المدخنين، وكلها عوامل خطورة كامنة للامراض القلبية.

المثير في هذه الدراسة هو العلاقة بين معدل الانخفاض المئوي في الشحوم السيئة المنخفضة اللزوجة الذي يسببه الجين والانخفاض في خطورة الاصابة بالامراض القلبية، فتناول عقار «ستاتن» لتخفيض الكوليسترول يقضي على مقدار من الشحم المنخفض اللزوجة في مجرى الدم. وكمعدل عام فإن تخفيضه بواسطة الستاتن بمقدار 39 مليغراما في الديسيلتر الواحد يخفض خطورة الاصابة بالامراض القلبية بنسبة 36 في المائة. ومع ذلك فإن وجود بعض أنواع PCSK9 لدى السود الذين تنخفض شحومهم المنخفضة اللزوجة بمقدار 38 مليغراما /ديسيليتر عن غيرهم من أقرانهم الذين يملكون جينا عاديا، فإن خطورة الامراض القلبية كانت منخفضة لديهم أكثر بنسبة 88 في المائة. ولكن هل هذا يعني أن ثمة شيئا خاصا في ما يتعلق بجينات PCSK9 المختلفة التي تجعلها أكثر قوة حتى من عقار ستاتن؟

ربما يوجد تفسير بسيط، وهو أن الشخص الذي يملك هذا النوع المختلف غير العادي من PCSK9، أو أي جين من شأنه أن يخفض بشكل طبيعي من الشحوم السيئة المنخفضة اللزوجة، يملك مستوى من الكوليسترول الأقل ضررا في مجرى الدم منذ ولادته. وهذا ما يحدد الفرق في عملية انسداد الشرايين التي تعرف بالتصلب والتي تعتمد بشكل اساسي على مستويات LDL هذه.

ونحن نفكر دائما بتصلب الشرايين كمرض يصيب متوسطي الاعمار والمسنين. الا انه يبدأ في الواقع في سن المراهقة والشباب ليزحف ببطء عبر الشرايين، لذلك من المنطقي أنه كلما كنت تملك نسبا منخفضة من LDL على فترات طويلة كلما كنت محصنا اكثر ضد النوبات والسكتات القلبية وأمراض الشرايين الطرفية والعواقب الاخرى لتصلب الشرايين.

* كشف مبكر

* من هنا فإن التوجيهات القومية تحث الجميع الذين يتجاوزون سن العشرين الكشف على الكوليسترول مرة كل خمس سنوات، وأكثر من ذلك بالنسبة الى الذين يملكون عوامل الخطورة للامراض القلبية مثل زيادة الوزن والتدخين وضغط الدم العالي والتاريخ العائلي والأمراض القلبية المبكرة. وفي الواقع لا يهتم اغلبية الناس بفحص الكوليسترول حتى يبلغوا منتصف العمر. لكن الابحاث الخاصة بـ PCSK9 والجينات الاخرى التي تؤثر على الشحوم الخفيفة اللزوجة تفترض خلاف ذلك، وجعلها مهمة عاجلة قبل ذلك.

وكانت مجلة «ساينس ماغازين» قد سألت مايكل براون وجوزف غولدشتاين اللذين فازا بجائزة نوبل عام 1985 في الطب لقيامهما بابراز العلاقة الجزيئية بين LDL وتصلب الشرايين، كتابة تعليق يتعلق باكتشافات PCSK9، فلاحظا أن الوفيات من جراء الامراض القلبية لها علاقة مباشرة بمعدل مستويات LDL. وأظهرت المعلومات الناتجة عن الدراسات الكلاسيكية للامراض القلبية في سبعة بلدان حدوث سبع وفيات من الامراض القلبية بين كل ألف شخص في اليابان، في حين كان معدل الـ LDL في وقت الدراسة أقل من 100ملغ/ديسيلتر، وصولا الى وفاة 50 شخصا في فنلندا بين كل ألف شخص في الوقت الذي كان فيه معدل LDL نحو 180 ملغ/ديسيلتر.

ويقول براون وغولدشتاين أن درء حدوث الامراض القلبية يعني التحكم بمستويات LDL قبل أن تسنح الفرصة لتصلب الشرايين لاحداث الكثير من الضرر. والبداية تكون في الوقاية باكرا الامر الذي يعني الحصول على فائدة كبرى من إبقاء LDL عند مستويات 100 ملغ/ديسيلتر بدلا من محاولة تخفيضها الى 70 في المائة، أو أقل كما هو الحال حاليا بالنسبة الى الاشخاص الذين يعانون من الأمراض القلبية.

وبالامكان المحافظة على LDL تحت مستوى 100ملغ/ديسيلتر عن طريق الشروع باكرا في سن صغيرة بتناول عقار ستاتن أو العقاقير الاخرى المخفضة للكوليسترول، لا سيما مع وجود الآن عقاقير ستاتن قوية منخفضة السعر من إنتاج وطني في الاسواق. لكن العلاج بالعقاقير على مدى الحياة ليس بالامر المرغوب. غير أن هناك أيضا خيارا خاليا من العقاقير، وقد يساعد اكثر بكثير من ضبط الكوليسترول في الجسم. إنه يبدأ مع الوجبات الغذائية الصحية الخالية من الدهون الحرة المشبعة الذي قوامه الحبوب الكاملة بدلا من الحبوب المصفاة المعالجة، مع الكثير من الخضروات والفواكه والتمارين الرياضية والمحافظة على الوزن الصحيح.

*خدمة هارفارد الطبية ـ الحقوق: 2005 بريزيدانت آند فيلوز ـ كلية هارفارد