القروح السريرية.. ومخاطرها

كانت السبب في وفاة الممثل سوبرمان وتظهر أكثر لدى المقعدين

TT

حينما راجع الباحثون من كندا الدراسات التي تمت حول الإصابة بالقروح السريرية، أدهشهم أن ثمة قليلا من الأدلة العلمية المتوفرة عن أفضل الطرق للوقاية منها. وقام الكنديون في بحثهم المنشور في عدد الأسبوع الحالي لمجلة الرابطة الأميركية للطب الباطني، بمراجعة ما تمت دراسته واختبار جدواه طوال الثلاثين سنة الماضية في سبل الوقاية من الإصابة بقروح الضغط الجلدية، التي يُطلق عليها القروح السريرية. وما استرعى انتباههم هو أن بمراجعة 59 دراسة، تبين أن المشمولين فيها لم يتجاوزا 14 ألف شخص، وهو ما لا يتناسب مع المدة الزمنية لإجراء العدد الكبير من الدراسات هذه، خاصة عند الأخذ بعين الاعتبار أهمية الموضوع وشيوع الإصابات به والكلفة المادية العالية المستنزفة في معالجة حالاتها.

والمعروف أن قروح الضغط أو القروح السريرية هو مصطلح لوصف طيف واسع من الإصابات التي تظهر على الجلد، بدءاً من تغير طفيف في لونه، ووصولاً إلى حد حصول قروح عميقة في الجلد تطال حتى مناطق العظم، التي تظهر بالتالي عارية للعيان. وهي تصيب المسنين ومن هم غير قادرين على التحرك أثناء الجلوس أو الاستلقاء على السرير، ويزداد الأمر سوءاً لدى من يُعانون من سلس في البول أو من لديهم خرف او تدهور في القدرات الذهنية. وعلق الدكتور مادهوري ريدي، الباحث الرئيس في الدراسة، والمتخصص في معالجة جروح المسنين والجروح المزمنة بمستشفى جامعة النساء في تورنتو بكندا بأن قروح الضغط شائعة في حالات مرضية مختلفة، ومرتبطة بآثار صحية سلبية على من يُصابون بها، إضافة إلى الكلفة المادية العالية لمعالجتها. وما وجدناه هو أن معظم ما تم نشره من الدراسات الطبية في وسائل منع الإصابة بها، كانت دراسات غير دقيقة من ناحية الإعداد، ولذا لم توفر لنا نتائج جيدة ذات قيمة في الدلالة، الأمر الذي يحول دون وضع إرشادات عملية تطبيقية لذلك.

* قروح الضغط

* وتُعرف المصادر الطبية، ومنها نشرات المؤسسة القومية للصحة في الولايات المتحدة، بأن قروح الضغط هي تعرض منطقة من الجلد للتلف حينما يبقى الإنسان على وضع واحد لمدة طويلة دون إزاحة منه لثقل جسمه على منطقة الجلد تلك. وغالباً ما يحصل ذلك حينما يستخدم الإنسان المُقعد الكرسي المتحرك أو يستلقي على السرير، وأحياناً الإنسان العادي حينما يبقى في نفس وضع السكون بعد العمليات الجراحية أو احدى الإصابات في الحوادث، فالضغط الثابت على الجلد يُقلل من تدفق الدم إليه ومن ثم تلف أنسجته.

وكان حادث السقوط الشهير عن صهوة الجواد الذي تعرض له الممثل العالمي كريستوفر رييف في عام 1995، السبب في إصابة ممثل شخصية سوبرمان السينمائية بشلل رباعي طال كل أطراف جسمه ليصبح بعدها مُقعداً عن الحركة يقضي وقته إما مستلقياً في السرير أو جالساً على الكرسي المتحرك. وبعد الحادث بعشرة أعوام تقريباً توفي نتيجة لمضاعفات القروح السريرية، مما لفت الأنظار إليها كأشد ما يُمكن أن يكون سبباً للوفاة لدى المقعدين في أي سن كانوا. وظهور القروح سهل جداً، إذْ لا يتطلب أكثر من إبقاء المريض المُقعد على السرير دون تحريك لمدة تتراوح ما بين ثلاث إلى ست ساعات. وتشلر الإحصائيات الى أن 60% منها تحصل لدى المرضى حين تنويمهم في المستشفى، وبالذات لدى المسنين أو مرضى السكري أو من لديهم أمراض في الشرايين. وغالباً ما تحصل في منطقة أسفل الظهر والكعب والمرفق، مما يعني في تلك الحالة ضرورة البقاء في المستشفى لمدة طويلة حتى تلتئم القروح تلك. هذا مع كل المعاناة من أنواع المضاعفات المحتملة في تلك الأثناء، وأهمها الالتهابات الميكروبية والوفاة نتيجة تسمم الدم بها.

لكن الإحصائيات الحديثة تضيف شيئا ذا أهمية من جوانب أخرى، إذْ تشير إلى أن أكثر من 5.2 مليون قرحة من هذا النوع تظهر سنوياً لدى المرضى المنومين في المستشفيات بالولايات المتحدة فقط، دون العدد الفعلي في بقية أرجاء العالم. وتُكلف الاقتصاد الأميركي ما يزيد عن 11 مليار دولار لإتمام معالجة المرضى بها.

* أسباب غير طبيعية

* يغير الواحد منا من جلسته على الكرسي أكثر من مرة خلال اجتماع أو لقاء واحد، وكذلك يتحرك أثناء جلوسه على كرسي السيارة، وفي الليل يتقلب ويتحرك النائم عشرات المرات. وفي كل يوم، وبدون أدنى تفكير، يقوم الإنسان السليم بمئات الحركات لتغيير وضعية الجسم أثناء ملامسة أسطح متعددة، كالكراسي أو الأسرة أو الأحذية أو غيرها، كل هذا في سبيل الوقاية مما لا يستطيع المقعدون، لأي سبب كان وفي أي عمر، القيام به بأنفسهم. لذا فإن عدم التحريك يعرض المقعدين، نتيجة الشلل أو الإصابة أو الأمراض المزمنة أو عدم الحركة، لخطر الإصابة بقروح الضغط.

إن عدم القدرة على التحريك الذاتي للجسم لأي سبب كان يرفع من احتمالات الإصابة بقروح الضغط. حتى لو كان عدم التحرك لفترات قصيرة كبعد العمليات الجراحية أو إصابات الحوادث. لكن الإصابة بالشلل الحركي نتيجة إصابات الجهاز العصبي تظل أهم عوامل خطورة الإصابة بقروح الضغط، ففي هذه الحالات تتلف قدرات الأعصاب على الإحساس، ما يعني الضغط على الجلد لفترات طويلة دون أن يتمكن الجسم من تنبيه الإنسان بضرورة تحريك نفسه، وحتى لو نبهه فلن يكون بمقدور المشلول أصلاً الحركة. كما أن إصابات الأعصاب تؤدي إلى رقة في سمك الجلد وقلة ترويته بالدم أصلاً، وخصوصاً لدى المسنين، ما يعني سهولة الإصابة بالقروح وأيضاً صعوبة الشفاء منها.

والقروح الجلدية هذه تنتج عن الضغط المتواصل على منطقة جلدية معينة من الجسم، مما يحرم الأنسجة في تلك المنطقة من تدفق وصول الأوكسجين وغيره من العناصر الغذائية، وبالتالي تلف الأنسجة فيها. وبالرغم من أن الضرر قد لا يستغرق بضع ساعات لحصوله، إلا أن ظهور علامات التلف الذي حصل بالفعل قد يستغرق لدى البعض بضعة أيام كي يبدو واضحاً للعيان، وربما يظهر سريعاً. ووفق ما يقوله المجمع الأميركي للشيخوخة فإن الضغط على الجلد وتهيجه بالاحتكاك مع أغطية الأسرة أو أجزاء الملابس عوامل تُهيئ لتلف الجلد وقطع تزويده بالدم. وإذا ما أُضيف لذلك زيادة الرطوبة في الجلد أو تهيجه بالبول عند من يعانون من سلس البول، وعلى وجه الخصوص لدى من لديهم بالأصل مشاكل في الأوعية الدموية وكفاءة تزويدها للجلد بالدم، فإن الظروف تتهيأ من جوانب شتى لحصول قروح الجلد.

* مراحل ومناطق

* وتشير نشرات لجنة الخبراء في هيئة الإرشاد القومي لقروح الضغط أن هنالك أربع مراحل لشدة نوعية القروح السريرية، وعرّفت كل منها بما يلي:

ـ المرحلة الأولى، وفيها يبدأ تكون القرحة بمنطقة من الجلد، تأخذ لوناً أحمر بشكل مستمر، وتثير رغبة في حكها أو شعوراً بالألم فيها. ولدى لمسها تبدو دافئة ولينة كملمس الأسفنج. وهي مرحلة يتأثر الجلد فيها بدرجة سطحية قابلة للزوال والعودة إلى الحالة الطبيعية في وقت قصير بمجرد تخفيف الضغط على منطقة الجلد تلك لإعطائها شيئاً من الراحة.

ـ المرحلة الثانية، وفيها يحصل تلف لجزء من طبقات الجلد. ويكون جرح القرحة مفتوحاً كخدش أو بثرة جلدية متقرحة، وتبدو المنطقة المُحيطة ذات لون أحمر وردي أو بنفسجي. وإذا ما تم تدارك الحالة فإن شفاء تغيرات الجلد هذه والتئام المناطق المتقرحة ممكن بالعناية السليمة وتخفيف الضغط عنها، لكنه يستغرق بعضاً من الوقت.

ـ المرحلة الثالثة، وفيها تطال القرحة والتلف الناجم عن حصولها جميع طبقات الجلد وصولاً إلى منطقة العضلات. ما يعني تلفاً وضرراً عميقاً بشكل فوهة حفرة عميقة في الجلد.

ـ المرحلة الرابعة، هي المرحلة الأخطر والمتقدمة في حصول التلف، حيث تزول طبقة واسعة من الجلد مع حصول تضرر متلف في العضلات والعظم وحتى الأجزاء الداعمة كالأوتار العضلية والأربطة والمفاصل. وهي مرحلة يصعب علاج القروح فيها، وقد تتسبب في التهابات على درجة عالية من الخطورة التي يُمكن أن تهدد حياة المريض بسهولة.

ويشير الباحثون من مايوكلينك إلى أن الشخص حينما يستخدم الكرسي المتحرك، تكون المناطق الأكثر عُرضة للإصابة بالقروح الناجمة عن الضغط على الجلد عند الجلوس طويلاً فيه هي مناطق أسفل الظهر والأرداف، وفي منطقة البروز الجلدي للكتف وفقرات الظهر، وفي مناطق العضد والفخذ الملامسة لظهر أو مقعد الكرسي المتحرك. أما حينما يستلقي على السرير، فإن جلد خلفية الرأس وصوان الأذن والأكتاف ومنطقة الأوراك والأرداف وأسفل الظهر وخلفية الركبتين والكعبين هي أكثر المناطق عُرضة للإصابة بقروح الضغط السريرية.

* وقاية ومعالجة

* واتباع سبل ذلك مُرهقة للجهاز التمريضي أو أفراد الأهل المتابعين للعناية بالمقعدين في أي سن كانوا، فإن المعالجة السليمة أيضاً مرهقة للأطباء والممرضين وللمريض نفسه. ولا يعلم حقيقة معنى هذا الكلام سوى من شاهد الحالات هذه، وعاصر الوقت الطويل لالتئام جروح القروح السريرية هذه.

وغالب حالات النوع الأول والثاني وحتى الثالث من أنواع القروح المتقدمة التصنيف يُمكن معالجتها دون الحاجة إلى أي عمليات جراحية، المعالجة الطبية تعتمد على تضافر جهود الأطباء مع جهاز التمريض والأخصائيين الاجتماعيين والعلاج الطبيعي والتغذية. وتتضمن وسائل مختلفة تُتبع جميعها جنباً إلى جنب في سبيل تسريع شفاء القروح، وهي:

ـ برنامج تغيير وضعية المريض بشكل مستمر ومتكرر كل ربع ساعة حينما يكون المُقعد على الكرسي المتحرك، وكل أقل من ساعتين حينما يكون مستلقياً على السرير. ومن ضمن ما يُفيد وضع منطقة القرحة الجلدية بعد تغطيتها بالضمادة الطبية على قطعة من شعر جلد الخروف المدبوغ أو أي شيء يوفر الدعامة لها، بغية تخفيف تأثير احتكاك الجلد عند تحريك المصاب.

ـ استخدام ما يُخفف تأثير ضغط الجسم على الجلد الملامس لسطح السرير أو مقعد الكرسي المتحرك. مثل وسائد خاصة أو أسرة ذات قدرة على تخفيف الضغط، وهي متوفرة لكنها مُكلفة مادياً، كالتي تستخدم الهواء أو الماء. وهناك تطورات تقنية عالية اليوم في أنواعها.

ـ تنظيف القروح ضمن برنامج طبي واضح، وتغطيتها بضمادة خاصة ونظيفة. وهي أمور يعتني بها الأطباء وجهاز التمريض.

ـ الاهتمام بالتغذية السليمة، والمتضمنة الفيتامينات والمعادن اللازمة للجسم. وترى بعض المصادر الطبية أن لفيتامين سي وعنصر الزنك مساهمة فاعلة في تسريع الشفاء، وهو ما عرضته سابقاً في ملحق الصحة بـ «الشرق الأوسط» عند حديثي عن الزنك. وتشمل العناية بالقروح من النوع الرابع وبعض من النوع الثالث الحاجة إلى عمليات جراحية لتنظيف الجروح من الأجزاء الجلدية التالفة وربما ترقيع الجلد وغير ذلك.

والواقع أن أحد المواضيع الطبية التي يقل طرقها في وسائل الإعلام وفي نفس الوقت يُعاني منها كثير من المسنين والمقعدين، في أي عمر كانوا، هي القروح الجلدية الناجمة عن تدني مستوى العناية الدائمة بهم. وهي ما تستدعي المعالجة الطويلة بينما لا تأخذ سوى ساعات قليلة للإصابة بها، وبالتالي تُكلف فواتير باهظة إما مادية أو على حساب صحة المريض والأهم سلامة حياته.

* التعامل السريع مع بوادر حصول القروح السريرية > حينما يتبين وجود قروح الضغط السريرية في احدى مناطق الجلد، فهناك بعض الخطوات التي يجب إجراؤها بسرعة. وتتضمن: ـ تخفيف الضغط والثقل عن منطقة الجلد تلك.

ـ معالجة منطقة الجلد المصابة وفق درجة التأثر فيها. وهو ما يتعامل الطبيب المتخصص معه ويُعطي توجيهاته حول العناية بها.

ـ منع تفاقم الوضع بحصول المزيد من الضرر، عبر إما الاحتكاك أو الإصابة المباشرة، مثل وضع قليل من البودرة لتقليل احتمالات تسلخ الجلد عند التحرك فوق السرير. وهناك العديد من الوسائل الطبية في أنواع عدة من الأسرة والمراتب وغيرها.

ـ الاهتمام بالتغذية ومعالجة أية اضطرابات مرضية أخرى قد تُسهم في إعاقة شفاء القروح. مثل مرض السكري وسوء التغذية أو غيرهما.

ـ لو كانت القروح من النوع الثاني أو ما هو أشد، فإن الطبيب سيزودك بتعليمات للعناية بالقروح المفتوحة مثل تنظيفها. ومن المهم جداً اتباع تعليمات الوقاية من إصابتها بالالتهابات الميكروبية.

ـ إبقاء منطقة القرحة الجلدية نظيفة وخالية من الأنسجة الميتة العالقة بها. حيث ستكون مرتعاً خصباً لنمو الميكروبات، ولا يتمكن الجسم من القضاء عليها آنذاك لأن الدم لن يصل إليها. ويجب تغطية القرحة الجلدية بضمادة مناسبة.

ـ من المهم عدم تدليك منطقة الجلد المتقرحة، لأن التدليك يُمكن أن يُتلف مزيداً من الأنسجة. كذلك عدم وضع وسائد على هيئة حلقة دائرية حول القرحة الجلدية، لأنها ستضغط على الأوعية الدموية المحيطة بالقرحة، وبالتالي لن يصل الدم إليها بشكل كاف لإتمام عملية التئام القرحة.

مراجعة الطبيب مباشرة حين ظهور رائحة نتنة من القرحة أو زيادة في الاحمرار والألم حولها أو أن الجلد فيها غدا أكثر دفئاً وانتفاخاً.