عدوى المستشفيات.. ومشاكلها

إصابات بالبكتيريا الفائقة وبعدوى الجهاز البولي وتسمم الدم.. وغسل اليدين أساس الوقاية

TT

تعتبر العدوى المكتسبة في المستشفيات من أكثر المشاكل خطورة، التي قد تصيب المرضى، خاصة كبار السن منهم وذوي المناعة المحدودة، والمرضى الذين هم في حاجة إلى علاج طويل الأمد مثل مرضى العناية المركزة ومرضى الحروق.

ويُعد الإهمال في اتباع الأساسيات الطبية في تطبيق تقنيات العلاج من العوامل المهمة التي قد تساعد على تعرض المرضى إلى العدوى من داخل المستشفى التي قد تؤدي إلى طول الإقامة وفتح المجال أمام أنواع أخرى من ميكروبات غالباً ما تكون أكثر ضراوة على مجابهة المضادات الحيوية والتسبب في إحداث أنواع أخرى من العدوى صعبة العلاج. ويرجع الإهمال أو القصور في اتباع الشروط الأساسية في العلاج الطبي إلى عدم دراية البعض بالأسس الصحيحة واللامبالاة من البعض الآخر مما يؤدي إلى مشاكل طبية يصعب علاجها.

* عدوى المستشفيات

* تحدث إلى «الشرق الأوسط» الدكتور محمد عبد الرحمن حلواني، رئيس قسم مكافحة العدوى بمستشفى الملك فهد العام بجدة، والاستشاري بمجلس تطوير الخدمات الصحية بمنطقة مكة المكرمة، معرفاً مكافحة العدوى المكتسبة في المستشفيات بأنها علم مستقل بذاته على الرغم من أنها تدخل في كل عمل أو إجراء طبي علاجي لأي مريض مهما كان سنه أو كانت حالته المرضية، وأكد أن غسل اليدين من قبل الطبيب، مثلا، قبل وبعد فحص المريض، هي الخطوة الأولى لمنع انتشار أي ميكروب من الطبيب إلى المرضى أو بين المرضى بشكل عام.

ولم تكن هذه الحقيقة معروفة حتى اكتشفت من قبل العالم الهنغاري سيميلويز في القرن التاسع عشر، الذي وجد أن النساء الحوامل اللائي أصبن بحمى النفاس بعد الولادة، كن قد تعرضن للكشف من قبل مجموعة من الأطباء لم يغسلوا أيديهم، واستنتج بعد دراسة أجراها أن اليدين هما العامل الأول في انتقال الميكروب إلى المرضى. ولم يعرف علم مكافحة العدوى في ذلك الوقت كعلم مستقل بل كان كجزء من الطب ثم أُدرج بعد ذلك تحت الطب الوقائيPreventive medicine إلى فترة ليست بالقصيرة، ثم أُدخل تحت تخصص الأمراض المعدية حتى أصبح علماً مستقلاً بذاته مع بداية التسعينات. ثم تطور هذا العلم بعد ذلك حتى أصبح له أساتذته ومعاهده المتخصصة حول العالم.

وتأتي أهمية العدوى المكتسبة في المستشفيات إلى عدة أسباب منها أن العدوى تزيد من خطر الوفاة ومضاعفات المرض وتزيد من مدة بقاء المريض في المستشفى وتؤثر بشكل كبير على جودة العمل الطبي والذي يحتاج فيه المريض المصاب إلى جهد أكبر للإشراف عليه ناهيك عن زيادة التكلفة وإشغال الأسرة.

* أنواعها ومصادرها

* من الممكن أن تنتقل جميع أنواع العدوى بين المرضى في المستشفى، إلا أن الأنواع الأساسية والأكثر ظهوراً هي عدوى الجهاز البولي، عدوى الجهاز التنفسي، تسمم الدم، وعدوى جروح العمليات. وتظهر دائماً أعراض العدوى المكتسبة داخل المستشفيات بعد 48 ساعة على الأقل من الدخول إلى المستشفى.

اما مصادر العدوى المكتسبة في المستشفيات، فهي خارجية Exogenous وهي من البيئة المحيطة بالمريض، او داخلية Endogenous من داخل جسم المريض، خاصة التجويف الفموي أو القولون بسبب احتوائهما على ميكروبات متعايشة بشكل طبيعيNormal flora.

وتعد المصادر الخارجية الأكثر شيوعاً في التسبب في العدوى وتصل إلى المريض عبر المرضى المخالطين أو من البيئة المحيطة أو عن طريق التعرض المباشر للأدوات الطبية الملوثة بالميكروبات أو غير المطهرة أو المعقمة بالشكل الصحيح. ويلعب العاملون في القطاع الصحي من أطباء وممرضين وفنيين الدور الأساسي في انتقال هذا النوع من العدوى بينما تبقى مصادر العدوى الداخلية قصراً وفي معظم الأحيان على مرضى العناية المركزة والمرضى ذوي الإقامة الطويلة الأمد في المستشفى. وتزداد المسؤولية على العاملين في القطاع الصحي بوجه عام نحو تطبيق الرعاية الصحية عند مواجهة مرضى مصابين بأنواع مختلفة من العدوى، لذا وجب عليهم تحديث معلوماتهم من حين إلى آخر والاتصال بالمتخصصين في هذا المجال والرجوع إلى أساسيات العمل لمعرفة كيفية التصرف في بعض الحالات الحرجة.

ومثلا ففي العمليات الجراحية مهما صغرت أو كبرت، تتفاوت نسبة تلوث الجروح اعتمادا على نوع العملية وطول مدتها وحالة المريض المناعية إضافة إلى الوسط المحيط. لذا كان لزاماً على الفريق الجراحي اتباع الوسائل الوقائية قبل وأثناء العملية. قد يظن البعض أن إهمال العناية بجروح العمليات بعد العملية هو ما يؤدي إلى التهاب هذه الجروح، بينما الحقيقة هي أن وقت إجراء العملية هو أحرج الأوقات بالنسبة للمريض، حيث يتم فيه تعرض الأنسجة الخالية من أي نوع من الميكروبات إلى أنواع مختلفة منها أثناء العملية مما قد يؤدي إلى حدوث بعض الالتهابات بعد فترة قصيرة من إغلاق الجرح معرضةً الجرح للفتح مرة أخرى والمريض لخطر المخدر الموضعي أو الكلي، ناهيك عن التعرض للمضادات الحيوية ذات التأثير الشديد على أعضاء الجسم المختلفة، وقد يصل الميكروب المسبب لعدوى الجروح مجرى الدم مسبباً تسمم الدم ومؤدياً إلى فشل الأعضاء ومن ثم الوفاة.

وينطبق القول على استخدام الأساسيات البسيطة للعلاج كإدخال القسطرة البولية مثلاً وإن كان هذا الاجراء من الإجراءات التي تعد بالروتينية الآن في معظم المستشفيات إلا أن القصور في اتباع الطرق الأساسية أو الإهمال فيها قد يؤديان إلى التهابات عديدة في الجهاز البولي قد يطول أو يصعب علاجها. ويبقى المرضى ناقصو المناعة وكبار السن هم الأكثر عرضة للإصابات المتعددة بعدوى المستشفيات والتي يقف أمامها الأطباء حائرين على كيفية اختيار العلاج المناسب والفعال، فمريض العناية المركزة المتقدم في العمر الذي لا تؤدي رئتاه وظيفتهما بشكل طبيعي وتم توصيله إلى جهاز التنفس الميكانيكي يكون أكثر المرضى قابلية للإصابة بالعدوى بسبب تعرض جسده، خاصة رئتيه إلى أجسام غريبة وهي الأنابيب البلاستكية المكونة لجهاز التنفس السهلة التلوث بالميكروبات.

لذا كان لا بد من العناية به وبشكل مركز وعدم لمس المريض أو مباشرته بأي شكل من الأشكال دون أخذ الحيطة الكاملة وغسل اليدين ثم لبس القفازات أثناء شفط أي إفرازات من صدره وقبل لمس أي مريض آخر أو حتى لمس جزء آخر من جسم نفس المريض المتصل بجهاز التنفس ومن ثم خلعها وغسل اليدين وذلك لقدرة الميكروبات المختلفة على الالتصاق بالأيدي والانتقال من منطقة إلى أخرى، سواء أكانت الأيدي مغطاة بالقفازات أو لم تكن. وينطبق القول أيضاً في عدم لمس أي من أدوات المريض بأيدٍ ملوثة، خاصة توصيلات المحاليل المختلفة الداخلة إلى جسده فقد تؤدي إلى دخول هذه الميكروبات إلى داخل جسم المريض محدثة عدوى شديدة قد تؤدي لا سمح الله إلى الوفاة السريعة.

* الوقاية من العدوى

* لا توجد هنا ـ مع الأسف الشديد ـ طريقة معينة توقف عدوى المستشفيات وانتشارها، إلا أن استخدام المعايير الوقائية اللازمة والتقصي الوبائي بشكل مستمر قد يخفض حتى 25% إلى 30% من هذه العدوى، ويبقى غسل الأيدي الطريقة الأكثر فعالية في خفض انتشار العدوى بين المرضى، يليه التدريب الفعال وأخذ الاحتياطات اللازمة في مجال مكافحة عدوى المستشفيات وعزل المرضى المصابين للحد من انتشار العدوى بينهم من العوامل المساعدة.

وأخيراً، فعلى العاملين في القطاع الصحي التكاتف مع بعضهم بعضا والعمل بروح الفريق الواحد وتبادل المعلومات وسؤال الاختصاصيين عن كيفية تفادي حدوث العدوى وأفضل طرق العلاج، خاصة فيما يخص استخدام المضادات الحيوية الواسعة الطيف Wide Spectrum Antibiotics أو حين وضع عدة مضادات حيوية لتعمل مع بعضها بعضا والرجوع دائماً إلى سياسات العمل الموضوعة للمستشفيات، وذلك في عدم صرف المضادات الحيوية عشوائياً وعدم علاج حالات التلوث السطحي بأي ميكروبColonization، بل علاج حالات العدوى فقط Infections Systemic، حيث ان التسرع في إعطاء المضادات الحيوية وعدم الخبرة في الاختيار قد يؤديان إلى نشوء سلالات ميكروبية مقاومة للمضادات الحيوية سريعة الانتشار مثل البكتيريا فائقة المقاومة للميثيسيلين (MRSA) Methicillin-Resistant Staphylococcus Aureus القادرة على الاستيطان داخل بيئة المستشفيات معرضة المرضى لخطر اكبر قد يستحيل معه العلاج.