ضع قليلا من الفيروسات على الهمبورغر قبل تناوله

السمّاق يحمي لحوم الدجاج من البكتيريا

TT

بعد أن نجحت المفاوضات الماراثونية بين الإنسان وبين بعض أنواع البكتيريا للوصول الى حالة من التعاون المشترك للعيش على سطح الأرض، تمكن العلماء أخيراً من بدء نوع جديد من الهدنة والتعاون المشترك مع الفيروسات.

وكان النجاح الذي توصل اليه العلماء سابقاً في كسب أنواع شتى من البكتيريا الصديقة كي تسهم في خدمة صحة الإنسان عند إضافتها الى مشتقات الألبان وغيرها من المنتجات الغذائية، قد زاد من نشاط الباحثين في استخدام الفيروسات أيضاً لنفس الغاية الصحية.

وفي الثامن عشر من شهر أغسطس (آب) الماضي أعطت إدارة الغذاء والدواء الأميركية موافقتها الأولى وغير المسبوقة عالمياً على إضافة الفيروسات الى اللحوم من أجل منع نمو البكتيريا فيها، وبالتالي حفظها من الفساد مدة أطول وبطريقة مضمونة.

ومع حمى البحث العلمي في أفضل وسائل حفظ اللحوم بطريقة طبيعية دون إضافة مواد حافظة صناعية، كان شهر أغسطس ربما «شهر أبحاث حفظ اللحوم». ومع إعلان إدارة الغذاء والدواء الأميركية المتقدم، أعلن الباحثون من تركيا أن إضافة منقوع مطحون السمّاق المعروف الى لحوم الطيور والدواجن يُطيل مدة حفظها لأكثر من سبعة أيام إضافية. وفيما انشغل الباحثون بمراجعة هذين الأمرين، طرح الباحثون في إسبانيا نتائج دراساتهم لطريقة أخرى وهي إضافة خلاصة ثمار العنب، الغنية بالمواد المضادة للأكسدة والألياف، الى اللحوم لزيادة مدة حفظها كبديل للمواد الحافظة الصناعية.

* فيروسات لحفظ اللحم

* وربما ليس ببعيد أن تحتفظ مستقبلاً ربات البيوت ضمن أوعية البهارات بوعاء مليء بالفيروسات كي تُضيفه الى اللحم قبل طهيه أو شوائه! وكانت إدارة الغذاء والدواء الأميركية قد أعلنت أن إضافة أنواع من الفيروسات القاتلة للبكتيريا الى اللحوم هو شيء آمن وجيد، وسمحت لإحدى الشركات الأميركية في بالتيمور بفعل ذلك.

ويعتبر إعلان الفيروسات كإضافة غذائية هو الأول من نوعه عالمياً. وهناك ستة أنواع من الفيروسات التي تمتلك قدرات طبيعية للقضاء على البكتيريا، قد أُعدت بطريقة يُمكن إضافتها الى اللحوم الباردة المدخنة لديك الحبش أو غيره من اللحوم كي تُطيل مدة حفظها زمنياً.

وهي فيروسات تُقاوم نمو وظهور بكتيريا من أنواع ليستيرا، التي تتسبب بنوع من الاتهابات البكتيرية التي تصيب الحوامل وحديثي الولادة من الأطفال، والبالغين ممن لديهم ضعف في جهاز مناعة الجسم. وهي مُؤثرة على الصحة لدرجة أن مركز السيطرة على الأمراض ومنع انتشارها تشير الى أن من بين 2500 شخص يُصابون بها فإن 500 شخص يُتوفون.

وطمأنت الإدارة بأن الإنسان لن يتأثر سلباً بهذه الفيروسات، في إشارة منها لتقارير سابقة حول السموم الناجمة عن تفاعل البكتيريا مع الفيروسات، والتي لم يثبت ضررها. وكانت إحدى الشركات الأميركية قد بدأت الأبحاث قبل أربع سنوات لتطوير فيروسات تواجه بكتيريا ليستيريا، ونجحت في ذلك. وبعد حصولها على موافقة إدارة الغذاء والدواء لإضافتها، تعتزم الشركة إجراء أبحاث على فيروسات تقضي على بكتيريا إي كولاي E. coli وسالمونيلاSalmonella الشائعتين والمتسببتين في أكثر حالات الإسهال البكتيري.

* السمّاق واللحوم

* من جهتهم، يُبدي الباحثون من جامعة كفكاس بتركيا نظرة مختلفة نحو إضافة الكثيرين لمسحوق السمّاق في أطباق الأطعمة المختلفة. ذلك أنهم لا يُفضلون إضافته الى أطباق الأطعمة فقط، ابتغاءً للطعم الحامض واللاذع له، بل يرون أن منقوع السمّاق المائي يُمكن أن يحمي قطع لحم الدجاج من نمو البكتيريا فيها والتي تُفسد اللحم عادة، وبالتالي تُطيل مدة صلاحية اللحم بطريقة طبيعية ودون استخدام مواد حافظة صناعية. ووجدوا أن معدل مدة بقاء أجنحة الدجاج بحالة جيدة تطول لمدة سبعة أيام فوق ما هو طبيعي عند إضافة منقوع السمّاق اليها، وتحديداً قبل تكاثر عدد بكتيريا إنتيروباكتيرياسيا Enterobacteriaceae.

وكان الباحثون قد قالوا عند إعلانهم في أغسطس الماضي إن اكتشاف هذه الطريقة الطبيعية لحفظ اللحوم يُمكن أن يُطور الجهود المبذولة اليوم للاستغناء عن إضافة مواد كيميائية للمحافظة عليها وحمايتها من الفساد. ويُعلل الباحثون الأمر بوجود مواد تانين في توت أو ثمار السمّاق، وهي مواد كيميائية متوفرة بغزارة في ثمار السمّاق وغيره من النباتات التي تمتلك خواص طبيعية من مضادات الأكسدة ومضادات نمو البكتيريا.

وقام العلماء بإعداد المنقوع عبر غمر ثماره، أو ما يُسمى بتوت السمّاق، في الماء النقي لمدة 12 ساعة، ثم بعد ذلك تصفيته، وتعقيمه من خلال الغلي.

وتمت مقارنة مفعول المنقوع هذا بمفعول إضافة كل من الماء النقي وحمض اللاكتيك lactic acid، كل منها على حدة الى أجنحة الدجاج الطازجة، وذلك وفق دراسة مقارنة منضبطة لمعرفة تأثير المواد الثلاث هذه على مدة الحفظ الزمنية لها. ونظر الباحثون، مرات عدة خلال الدراسة، في تركيز البكتيريا المفسدة للحم في أجنحة الدجاج للعينات الثلاث خلال مدة وصلت الى 14 يوما.

وما وجده الباحثون هو أن إضافة 12 ملليلتراً من منقوع السمّاق الى كل 100 غرام من لحم أجنحة الدجاج، كفيل بخفض تركيز الميكروبات المُفسدة له، وأيضاً إطالة مدة صلاحيتها للتناول والأكل.

ومع الارتفاع الحاد الحالي لحمض اللاكتيك في الأسواق العالمية، والرغبة المتزايدة من المستهلكين في البحث عن المنتجات الغذائية المحفوظة بمواد طبيعية، يرى الباحثون أن ثمة جدوى تستحق العناء في هذه الدراسة، وأيضاً في تطوير الأبحاث نحو تحديد تركيز المواد المستخلصة من السمّاق في تحقيق درجة جيدة من حفظ اللحوم عموماً.

* ألياف العنب

* الى هذا، يقول الباحثون من إسبانيا إنه يُمكن الاستفادة من مخلفات المواد المتبقية لدى إعداد عصير العنب، والغنية بالألياف ومضادات الأكسدة، كمصدر رخيص وصحي ومتوفر لمواد حافظة طبيعية للحوم بدلاً من المواد الصناعية الحافظة.

ووفق ما نشروه في عدد أغسطس من مجلة كيمياء الغذاء فإن مخلفات العنب ليست فقط تساهم في حفظ اللحوم لمدة أطول، بل إنها تُعطي اللحم فوائد صحية مضافة يستفيد الإنسان منها عند تناولها.

والمعروف أن عمليات الأكسدة للأطعمة تُؤدي الى تحلل كيميائي في محتوياتها وتركيبها، ما ينتج عنه تغير في الطعم واللون والرائحة لتلك اللحوم. والسبب في عُرضة اللحوم لتلك العمليات من الأكسدة هو وجود الدهون غير المشبعة فيها.

والأمر لو تأملنا شبيه بفساد الزيوت النباتية الغنية بالدهون غير المشبعة في غضون أشهر، وهو ما يزيد عند التعرض للضوء والحرارة وأوكسجين الهواء. والتي تعامل البشر معها بإضافة بعض من النباتات الغنية بالمواد المضادة للأكسدة الى أوعية حفظ الزيوت النباتية، ولذا نلحظ اختلافاً في طعم زيت الزيتون حينما يكون منفرداً أو زيت الزيتون المضاف الى ثمار الزيتون أو الى الزعتر أو غيره من الأجزاء النباتية.