ماذا لو تعرضت الحامل إلى حادث سير؟

فهم مضاعفات الإصابات يُبرر قرارات الأطباء الحاسمة لإنقاذ الأم والجنين

TT

إصابات الحوامل في حوادث السير أو في حالات العنف المنزلي، أحد المخاطر التي قد تتعرض لها الحامل. وقد تؤثر عليها هي أو على جنينها. ومن الضروري إدراك التصرف الأمثل بعد حوادث الإصابات بأنواعها للحوامل، وتفهم دواعي بعض القرارات الطبية السريعة والحاسمة في تلك الحالات. مما يُسهل على الأطباء فعل ما في وسعهم لإنقاذ حياة الأم أولاً، وبعد ذلك إنقاذ حياة الجنين بطريقة سليمة ودون تأخير لأي سبب كان. والموضوع ذو جوانب إنسانية وقانونية وطبية. خاصة حينما يطال الضرر الأم أو جنينها، وحينما أيضاً يتسبب التأخير في المعالجة الإسعافية، أو إهمال المُصابة وذويها لعرض الحالة على الخدمة الطبية الطارئة، أو عدم تجاوب الأم أو زوجها مع قرارات الأطباء الحاسمة، وتبعات ذلك كله على الأم أو الجنين. وحينما راجع الأطباء حالات تعرض الحوامل للإصابات واحتمالات الوفيّات نتيجة لها، أظهرت لهم الدراسات الإحصائية في بعض المجتمعات كالولايات المتحدة، أنها تطال 7% من السيدات الحوامل. وأن حوادث الإصابات هي السبب الأول في الوفيات بين الحوامل، إذا ما استثنينا أمراض الحمل أو مشاكله. كما أن نتائج إحصاء معدل وفيات الأجنة تراوح في الدراسات بين 4% إلى 38%. غالبها إما نتيجة لتلف في المشيمة أدى إلى انقطاع الدم عن الجنين، أو لحالات الصدمة، أي انخفاض ضغط الدم والنبض عند الأم، أو وفاة الأم نفسها.

والعنف المنزلي قضية شائكة للغاية. وإحصائيات الولايات المتحدة تشير إلى أن حوالي 25% من الحوامل يتعرضن لدرجات متفاوتة منه في أثناء فترة الحمل. ولا يعلم الأطباء إلا عن ما بين 4 إلى 10% منها. والحديث سيتركز حول حوادث السير وإصابات الحوامل فيها. ومما لاحظه الباحثون أن الجنين قد يتوفى حتى لو لم تُصب الأم مباشرة في بطنها أثناء الحادث. ما يعني ضرورة أن يتم إجراء فحص طبي شامل ودقيق للحوامل وأجنتهن بعد حوادث السير، بغض النظر عن مدى خطورة حادث السير نفسه.

* العناية بالحامل

* العناية بالحامل بعد الحادث مباشرة: هناك تسلسل لخطوات العناية الطبية بالحامل عند تعرضها لأحد حوادث السير، أياً كانت درجة الإصابة فيه. ويشمل مرحلتين من العناية الإسعافية.

« المرحلة الأولى: وتبدأ العناية بعناصر الحياة الأساسية في أسرع وقت ممكن بعد الحادث، للمحافظة على سلامة حياة الأم. ويشمل الفحص العام لمدى وعيها وسلامة مجرى التنفس وعملية تنفسها وحالة الدورة الدموية من خلال النبض وضربات القلب. وإن كان هناك أي تدهور في هذه الجوانب، فإن إجراءات الإسعاف الأولية تتجه نحو تسهيل عملية التنفس ورفع كفاءة أداء وحالة الدورة الدموية.

والالتفات للجنين يجب أن يبدأ فقط بعد التأكد من إجراء ما يلزم لتثبيت وضع حياة الأم. لأن بسلامة وكفاءة أجهزة جسمها تكون سلامة حياة الجنين. والحامل بعد الشهر الخامس من الحمل، يتضخم لديها حجم وثقل الرحم وما فيه من جنين ومشيمة وسائل أميوني، ما يعني أنها لو استلقت على ظهرها فإن الثقل سيقع على الأوردة التي تجلب الدم إلى القلب، وبالتالي سيقل الدم الوارد ومن ثم الصادر عن القلب عند نبضه بنسبة 30%، وعلى وجه الخصوص ما سيصل إلى الجنين. هذه الحقيقة تتطلب أن تهتم الحامل دائماً بتسهيل توفير الدم الكافي إلى الجنين من خلال استلقائها على جانبها الأيسر قليلاً، وهو ما يتأكد أيضاً وبشكل أكبر الاهتمام به عند التعامل مع حالات الحوادث، خاصة عند حصول نزيف مُصاحب أو انخفاض في ضغط الدم.

« المرحلة الثانية: وبعد الاطمئنان على أوليات حياة الأم نفسها، يُبدأ بالعناية وفق خطوات المرحلة الثانية. والتي تتضمن ثلاثة عناصر. الأول محاولة اكتشاف وتبين أي إصابات بالجروح والنزيف والكسور في أي من أجزاء جسم الأم، بدءا من الرأس وحتى القدم. والثاني فحص حالة الحمل. والثالث فحص حالة الجنين.

والملاحظ طبياً أن علامات الإصابة الظاهرية ونتائج الفحص الطبي للحامل نفسها مقارنة بالمرأة غير الحامل، لا يُمكن الاعتماد عليها وحدها في تقويم الآثار السلبية لإصابات الحوادث على عملية الحمل أو حالة الجنين الصحية، لأن نتائج قياس ضغط الدم لدى الأم لا تعكس بدقة تدفق الدم إلى الجنين أو وجود إصابات لديه. وعلى سبيل المثال، فإن الحامل يُمكن أن تفقد حوالي 30% من كمية الدم في جسمها «حوالي 2 لتر» قبل أن تبدأ عليها تغيرات في النبض أو ضغط الدم تدل على ذلك. وبالمقارنة مع النساء غير الحوامل، فإن إصابات المرأة غير الحامل أثناء الحوادث قد ينجم عنها ضرر بالغ على الأعضاء التي في البطن، وضرر أقل على الصدر أو الرأس. ومن بعد الشهر الثالث من الحمل، فإن الرحم لا يبقى ضمن نطاق منطقة الحوض، بل يُصبح أعلى، أي في البطن. ولذا فإنه معرض للضرر المباشر نتيجة إصابات البطن.

وتعتبر كسور الجمجمة أكثر أنواع إصابات الجنين المباشرة، واحتمالات وفاة الجنين آنذاك عالية، إذْ تصل إلى 42%. كما أن إصابات الرأس لدى الأم الحامل نفسها أو تأثر مستوى وعيها ذو تأثير عكسي على سلامة الجنين نفسه.

* سلامة الجنين

* خطوات وعناصر العناية بالجنين تبدأ من تقويم حيويته واستمرار حياته أولاً. والتأكد من سلامة المشيمة بنية ووظيفة ثانياً. ثم التأكد من سلامة الجنين بنية، أي خلوه من الإصابات الواضحة ثالثاً. ومتابعة رصد علامات حياته ونشاطه ورصد حال سكون أو انقباضات الرحم رابعاً.

وبالرغم من كل الاختلافات بين الباحثين، فإن تحديد علامات حيوية الجنين fetal viability تختلف من مكان لآخر وفق اعتبارات طبية واجتماعية لا مجال للاستطراد فيها ولا قدرة للجزم بالصواب منها. والمقصود بمصطلح حيوية الجنين هو مدى قابليته للعيش خارج الرحم إذا ما تم توليده ووُضع في العناية بالحاضنات داخل أقسام العناية المركزة بالأطفال الخُدج أي المولودين قبل الأوان. وترى كثير من المصادر الطبية أن بلوغ الجنين عمر ما بين 24 و26 أسبوعا، ووزنه حوالي 500 غرام، هما أكثر علامات حيوية الجنين. وهؤلاء الأجنة هم من تُجرى لهم المتابعة والرصد الطبي، وما دون ذلك لا ترى تلك المصادر من احتمال للنجاح في العناية بهم. والموضوع محل تنازع بين الأطباء وغيرهم.

ويتم فحص ورصد ضربات قلب الجنين باستخدام تقنية الدوبلر للأشعة فوق الصوتية أو بتصوير الأشعة ما فوق الصوتية. وحينما تختفي نبضات الجنين، لا يبدو أن ثمة داعيا للمحاولة الطبية في فعل أي شيء لإنقاذه لأن الدراسات أشارت إلى عدم جدوى ذلك. وعلى سبيل المثال فإن نتائج إحدى الدراسات أشارت إلى أن أحداً من الأجنة لم يعش لدى مجموعة بلغت أكثر من 440 حاملا تعرضن لإصابات حوادث حينما لم يتمكن الأطباء من رصد أي مؤشر على نبضات قلب الجنين بعد الحادث.

ومن الإجراءات الروتينية المراقبة الإلكترونية للجنين electronic fetal monitoring بشكل متواصل بعد تعرض الحامل لإصابة في الحوادث طالما كان الجنين حياً. والواجب إجراؤها مباشرة بعد التأكد من سلامة حياة الأم. وتتضمن رصد انقباضات الرحم ورصد نبضات قلب الجنين. وغالبا تتهتك المشيمة ويحدث انفكاكها عن موقع الالتصاق بدار الرحم، وبالتالي قصورها عن أداء وظيفتها في تزويد الجنين بالدم، يحصل عادة بعد الحادث مباشرة. وليس هناك اتفاق بين الأطباء على مدة استمرار تلك المراقبة، والغالب يقول أربع ساعات. لكن الاستمرار لمدة أكثر من 24 ساعة، وإن كان لا أدلة علمية على جدواه، ربما تفرضه بعض الحالات إما بسبب وجود اضطرابات في تحاليل الدم لدى الحامل أو نزيف مهبلي أو أن نوعية الحادث كانت شديدة أو استمرار انقباضات الرحم أو غير ذلك مما يلحظه الطبيب.

ولا تحصل مؤشرات تضرر المشيمة إلا في 52% من الحالات، كتمزق مبكر للأغشية المغلفة للجنين والسائل الأميوني، أو نزيف المهبل، أو ألم في الرحم. ومجرد إجراء الأشعة الصوتية لدراسة حالة المشيمة لا يكفي، لأنها غير دقيقة جداً في إيضاح وجود تهتك بالمشيمة لدى حوالي 70% من الحالات. بخلاف المراقبة الإلكترونية للجنين، فهي أدق من الأشعة الصوتية بمراحل في معرفة وجود تهتك المشيمة عبر رصد آثار قصور تزويد الجنين بالدم اللازم لحياته. وتهتك المشيمة في 48% من الحالات له تأثيرات عكسية سلبية على صحة الجنين وسلامته. وترتفع احتمالات التأثيرات العكسية على الجنين حينما يحصل تهتك المشيمة مصحوباً بانقباضات الرحم، حيث يُصبح حوالي 70%. ولا تدل الدراسات الطبية أن مجرد شعور الأم الحامل بانقباضات متفاوتة للرحم على أن للأمر عواقب سلبية وسيئة على الجنين. ومما يُطمئن الحوامل كثيراً أن تلك الانقباضات تختفي لدى 90% خلال بضع ساعات بعد الحادث. لكن من الضروري التنبه إلى ان بعضاً من الدراسات الطبية يشير إلى أن حصول ثمانية انقباضات أو أكثر في الساعة، لمدة تزيد عن أربع ساعات هو أحد علامات حصول تهتك في المشيمة. ومن المهم ملاحظة أن وجود تهتك شديد في المشيمة يفرض العمل على توليد الجنين الحي أسرع ما يُمكن، لأن الدراسات تقول لنا إن حوالي 70% من وفيات الأجنة داخل الرحم نتيجة للتهتك الشديد في المشيمة يُمكن تفاديها وإنقاذ حياة الأجنة عند إجراء العملية القيصرية لتوليد الجنين بعد الإصابة في الحادث وتشخيص وجود التهتك الشديد هذا في المشيمة مباشرة ودون تأخير.

* الحامل وربط حزام الأمان عند ركوب السيارة

* من الثابت أن ربط الحامل لحزام الامان عند ركوبها في أي من مقاعد السيارة أمر ضروري، ويُسهم في حماية الأم وحماية جنينها من إصابات الحوادث عند التعرض لها. والحزام يجب أن يكون من جزءين، حزام الحضن وحزام الكتفين.

وعلى الحامل أن تثبت حزام الحضن تحت البطن وفي منطقة مرتفعة ما أمكن من الفخذين. وتثبت حزام الكتفين ليمر الجزء العلوي منه فيما بين الثديين، والجزء السفلي منه لا يقع فوق البطن مباشرة بل إلى الجانب قليلاً. ويجب أن لا يكون الحزامان مشدودين على جسمها بإحكام.

ويرى كثير من الهيئات الصحية وهيئات سلامة الطرق السريعة في الولايات المتحدة أن وجود الكيس الهوائي للطوارئ أمام مقعد الحامل لا يضرها بل يُسهم في حماية الأم وجنينها حين الحاجة إليه.

كما وتشير تلك الهيئات إلى أن الدراسات لم تثبت أن مكانا دون مكان في السيارة هو أفضل لسلامة الأم أو الجنين عند حصول الحادث المروري، بخلاف الأطفال. أي أن لها الجلوس في المقاعد الأمامية أو قيادة السيارة. لكن من المعروف والثابت أن الجلوس في المقاعد الخلفية أقل ضرراً على الإنسان من المقاعد الأمامية عند الحوادث.