«أكتوز» علاج واعد لتقليل مضاعفات السكري على القلب

من فعاليات مؤتمر الرابطة الأوروبية لدراسة السكري

TT

تتجه أنظار العلماء نحو البحث عن أفضل وسائل معالجة مرض السكري، لكن ليس في تحقيق مجرد خفض لارتفاع نسبة السكر في الدم بقدر تحقيق فائدة أعظم للمرضى، وهي تخفيف حدة تداعيات المرض ومضاعفاته المستقبلية على أعضاء حيوية في الجسم، والقلب أحد أهمها.

وضمن فعاليات المؤتمر الثاني والأربعين للرابطة الأوروبية لدراسة السكري (EASD)، الذي عقد في الفترة بين الرابع عشر والسابع عشر من الشهر الحالي، في مدينتي كوبنهاغن بالدنمارك ومالمو بالسويد، عرضت مجموعة من الباحثين نتائج تناول عقار «أكتوز» ACTOS في تقليل مضاعفات مرض السكري على القلب.

ويُعتبر «أكتوز» المحتوي على عقار بيوغليتازون pioglitazone أحد الأدوية التي تُؤخذ عبر الفم في معالجة مرضى السكري. وتدور النقاشات العلمية حول جدواه في خفض خطورة الإصابة بالنوبات القلبية والسكتة الدماغية وأعراض أمراض الشرايين القلبية لدى مرضى السكري.

والمعروف أن أمراض الشرايين القلبية والدماغية هي السبب الرئيسي في الوفيات المبكرة لدى مرضى السكري، حيث ان من بين أكثر من 170 مليون إنسان مُصابين بهذا المرض في أنحاء العالم، فإن أمراض شرايين القلب بالذات مسؤولة عن نسبة وفيات هؤلاء في حوالي 70% منها.

ويقول الدكتور إيرلاند إيردمان في جامعة كولون بألمانيا، إننا نأمل أن نرى فوائد لعقار «أكتوز» تتجاوز مجرد تحقيق خفض لنسبة السكر في الدم. لأننا نعلم أن مرضى السكري عُرضة بدرجة تصل الى أربعة أضعاف للاصابة بأمراض شرايين القلب أو السكتة الدماغية مقارنة بمن هم سليمون من مرض السكري. والنتائج التي عُرضت في المؤتمر تُظهر بأن «أكتوز» يُمكن أن تكون له تأثيرات إيجابية من عدة نواح في أمراض شرايين القلب لدى من هم عرضة بدرجة عالية للإصابة بها من بين مرضى السكري.

* تقليل المضاعفات

* ووفق تعريفات المصطلحات الطبية ولغة التعبير بين الأطباء، فإن هناك ما يُسمى بالأحداث الهامة في مجريات سيرة إصابة إنسان ما بمرض ما. والنتائج من الدراسات حول عقار «أكتوز» أظهرت بأنه يُقلل من حصول الآثار السلبية للأحداث الهامة في مجريات سيرة الإصابة بأمراض الشرايين. وذلك مثل الإصابة بالنوبات القلبية، والسكتة الدماغية غير القاتلة، والأزمات الحادة الحصول في أمراض الشرايين القلبية كذلك نسبة الوفيات بين مرضى السكري بسبب أمراض الشرايين.

وهي عناصر مهمة في تقويم مضاعفات مرض السكري، وكذلك في تقويم دور المعالجات في تخفيف حصولها أو مدى عمق تداعياتها أو مقدار نتائجها.

وبالمقارنة مع أدوية وهمية ضمن دراسة «برو أكتف» الطبية، فإن تناول مرضى السكري لعقار «أكتوز» قلل من النوبات القلبية بنسبة تصل الى 23%، كذلك مُجمل الخطورة المشتركة لكل من الوفاة بسبب مرض شرايين القلب أو النوبات القلبية غير المميتة أو السكتة الدماغية غير المميتة، بنسبة 18%. وبالمقارنة مع بقية السليمين من مرض السكري، فإن مرضى النوع الثاني من السكري عرضة بشكل أكبر للإصابة بنوبة الجلطة القلبية، وبالتالي هم أيضاً عُرضة لتكرار الإصابة بها، وهنا فإن لـ «أكتوز» دوراً مهماً في تقليل احتمالات تكرار النوبات غير القاتلة منها بنسبة تصل الى 28%.

كذلك الحال مع تداعيات أمراض شرايين الدماغ، فمرضى السكري أكثر عرضة للإصابة بالسكتة الدماغية بدرجة تصل الى الضعف مقارنة مع غير مرضى السكري. وتشير الاحصاءات في الولايات المتحدة مثلاً، بأن من بين 750 ألف شخص يُصابون سنوياً بالسكتة الدماغية، فإن الى حد 14% منهم عُرضة لتكرار الإصابة بها خلال عام من السكتة الأولى. وفي هذا الأمر تُشير دراسات التحليل لتأثير «أكتوز» على معدل الإصابة بالسكتة الدماغية والنوبات القلبية، على النحو التالي:

ـ نسبة تكرار السكتة الدماغية تقل بمعدل 47%.

ـ الخطورة المشتركة لكل من الوفاة بسبب أمراض القلب أو السكتة الدماغية، تقل بنسبة 28%.

ـ لا تأثير لتناول عقار أكتوز على من لم يسبق لهم الإصابة بالسكتة الدماغية.

وهي ما تعني أن ثمة تأثيرا فاعلا ومتجها بشكل خاص نحو من سبق لديهم تأثر الدماغ بتداعيات أمراض الشرايين فيه.

* مؤشرات الدهون

* ومما تم عرضه في المؤتمر أن عقار «أكتوز» له تأثيرات إيجابية على عناصر اضطرابات الدهون لدى مرضى السكري، والتي تمثل أحد عوامل خطورة إصابة مرضى السكري بأمراض شرايين القلب، وهو مصطلح يُعنى به ارتفاع الدهون الثلاثية وتدني نسبة الكوليسترول الثقيل ومحافظة الكوليسترول الخفيف على نسبته الطبيعية. والمعروف ان ارتفاع الدهون الثلاثية أحد عوامل خطورة الإصابة بأمراض الشرايين بصفة مستقلة، أي بذاته ودون اضطراب عناصر الدهون والكوليسترول الأخرى. كذلك الحال مع تدني نسبة الكوليسترول الثقيل، حيث يُعتبر ارتفاع هذا النوع من الكوليسترول عاملاً يقي الإنسان من الإصابة بأمراض الشرايين، لذا فإن تدني نسبته مؤشر سيئ.

والذي دلت النتائج عليه هو أن «أكتوز» يُقلل من نسبة الدهون الثلاثية ويرفع من نسبة الكوليسترول الثقيل. وهو ما يبرر الى حد معتبر التغيرات الإيجابية السابقة في احتمالات السكتة الدماغية والنوبة القلبية والوفيات الناجمة عنهما عند تناول عقار «أكتوز».

وبالجملة فإن المؤشرات العديدة من نتائج بحث آثار تناول عقار «أكتوز» تدل على أن ثمة تأثيرات إيجابية على سلامة حياة مرضى السكري وتداعيات أمراض الشرايين، سواء في القلب أو الدماغ لديهم.

ولأن مرضى السكري عرضة بشكل عال لتداعيات أمراض الشرايين، فإن الغاية العلاجية تتجاوز بحكم المنطق مجرد ضبط نسبة سكر الدم، وإن كان أمراً غاية في الأهمية بذاته، الى تحقيق ما يُخفف من تداعيات مضاعفات السكري على الشرايين، خاصة نسبة الوفيات.

* دراسة لافتة

* ودراسة «برو أكتف» الأوروبية إحدى المحطات المهمة في دراسة تأثير عقارات معالجة مرض السكري. وهي دراسة مستقبلية استشرافية نظرت في فائدة عقار «أكتوز» لمعالجة السكري في مضاعفات أمراض الشرايين لدى مرضى السكري، وشملت حوالي 5300 شخص من مرضى السكري، الذين تقدم بهم المرض الى حد إصابتهم بأمراض الشرايين. وتمت فيها مقارنة تناول عقار «أكتوز» بتناول عقار وهمي من قبل مرضى السكري، بالإضافة الى تناول الأدوية المستخدمة حالياً في معالجة السكري وأمراض الشرايين وارتفاع الكوليسترول والدهون، وكذلك ضغط الدم، إضافة الى تطبيق استراتيجيات المتابعة الطبية من حمية غذائية وغيرها من سلوكيات نمط الحياة الصحية، بمعنى أن المرضى بالسكري هؤلاء والمُصابون بأمراض الشرايين تمت معالجتهم بالأصل بالطرق المتبعة والمعتادة، لكن قُسموا فوق هذا الى من تناول أيضاً «أكتوز» ومن تناول أيضاً عقاراً مزيفاً وذلك ابتغاء المقارنة بينهما.

وعقار «أكتوز» يعمل مباشرة في تخفيف حدة مقاومة خلايا الجسم وأنسجته لتأثير الأنسولين، أي في تخفيف ذلك التبلد والفتور الذي تُبديه الخلايا والأنسجة في الاستجابة للأنسولين. وهو ما يُعتبر عاملاً رئيساً في اضطرار البنكرياس لإفراز مزيد من الأنسولين وفي أيضاً التسبب في مضاعفات مرض السكري من نواح شتى في أمراض الشرايين القلبية. ويُؤخذ العقار بالفم مرة يومياً.

لكنه قد لا يُناسب جميع المرضى، لأنه مثلاً قد يتسبب في تدهور حالة منْ لديهم فشل وضعف في قوة القلب، كما يجب الحذر من تأثيراته، لدى قلة من المرضى على وظائف الكبد.

وهو أحد الأدوية اليابانية التي نالت موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية بعد النجاح في التجارب والدراسات التي قومت فاعليته وامان استخدام المرضى له في خفض نسبة سكر الدم.

* مرض وبائي بكل المقاييس

* معالجة السكري ليست فقط ضبط نسبة سكر الدم * النظرة الواقعية الى مرض السكري، تتضمن أمرين مهمين، وهما أن مرض السكري أصبح أحد الأوبئة العالمية، وأن المعالجة السليمة له لا تعني تحقيق النجاح في ضبط نسبة سكر الدم ضمن المعدلات الطبيعية له.

ولأسباب عديدة طالت البشر في كل مناطق العالم تقريباً، فإن الزيادة في عدد مرضى السكري خلال العشر سنوات الماضية تجاوزت نسبة 44% أي ان إجمالي العدد الحالي لمرضى السكري والمُقدر بحوالي 170 مليون شخص في العالم إنما حصل بانضمام حوالي 60 مليون إنسان لهذا النادي خلال الأعوام العشرة الماضية.

وما تتناقله الأوساط الطبية من نتائج الأبحاث وعمليات المسح الاحصائي العالمية، تشير الى أن احتمالات الزيادة في عدد المرضى بالسكري في مناطق العالم المختلفة هي أيضاً مختلفة، إذْ بحلول عام 2025، يتوقع الخبراء أن تحصل زيادة بنسبة 100% لما هو عليه الوضع اليوم في مناطق الشرق الأوسط وآسيا، وبنسبة 85% في أميركا الوسطى والجنوبية، وبنسبة 75% في مناطق غرب المحيط الهادئ. في حين لن تتجاوز النسبة 50% في أميركا الشمالية و20% في أوروبا. ما يعني أنها مشكلة ستطال الدول النامية بشكل يفوق طرقها لأبواب الدول المتقدمة صناعياً.

الى هنا ليس هناك مشكلة مقارنة بما هو أهم، فالخطر الحقيقي من مرض السكري، هو أن الوفيات لدى من هم مصابون به لا علاقة لها بمجرد ارتفاع أو انخفاض في نسبة سكر الدم، بل الأمر متعلق بجانب قلما يلتفت إليه المرضى وهو أمراض شرايين القلب. والدراسات والبحوث تؤكد حقيقة قاسية جداً وهي أن أكثر من 70% من وفيات مرضى السكري هي بسبب أمراض الشرايين في القلب. وهو السبب في أكثر من 45% من حالات الفشل الكلوي. وأن احتمال أن يضطر الأطباء الى بتر أحد الأطراف السفلية لمريض السكري تفوق 40 مرة احتمال أن يُجري الأطباء ذلك لمن هو سليم من مرض السكري.

المعلومة المؤلمة والقاسية هذه لا تُقال لزيادة معاناة المرضى بالسكري إضافة الى ما هم فيه، بل تُقال لتوجيههم نحو البحث عما فيه فائدتهم وتخفيف آثار المرض عليهم، ولتنبيه المشرفين على وضع الخطط الصحية نحو ما هو أهم في معالجة ومتابعة مرضى السكري.

لذا فإن مريض السكري، لا يجب أن تكون الأولوية محصورة لديه نحو مجرد ضبط نسبة سكر الدم ضمن المعدلات الطبيعية، ولا أن يكون همّ الطبيب المعالج وهيئات تقديم الرعاية الطبية تحقيق ذلك فقط بوصف أدوية خفض السكر في الدم أو توفيرها، بل الغاية ضبط الانفلات في عبث عوامل خطورة الإصابة بأمراض الشرايين في أجسام مرضى السكري.

من هنا فإن مثال الدراسة التي اخترتها من بين البحوث العديدة التي عُرضت في المؤتمر الأخير، إنما هو لعرض التوجه الصحيح الحالي لدى الباحثين نحو أدوية معالجة السكري المنقذة قدر الإمكان من مضاعفاته على الشرايين القلبية والدماغية.