جوز البقان يحمي من عمليات الأكسدة الضارة

غني بمواد مضادة لها

TT

في دراسة جديدة صدرت عن جامعة لومالندا بولاية كاليفورنيا الأميركية، يقول الباحثون بأن إضافة كمية من جوز البقان pecans بحجم ما يملأ كف اليد إلى وجبات الطعام المتناولة يومياً، كفيل بوقف وتثبيط مجريات عمليات الأكسدة الضارة.

وتعمل هذه العمليات بمحصلتها، على تثبيت وترسيخ ترسب الكوليسترول على جدران الشرايين، سواء تلك التي في القلب أو الدماغ أو مناطق أخرى من الجسم، وبالتالي تتسبب في نشوء تضيقات تعيق جريان الدم من خلالها في تلك الأعضاء، ما يعني الإصابة في مراحل متقدمة بالجلطات الدماغية أو القلبية أو في الأعضاء الأخرى. بالإضافة إلى تأثيرات عمليات الأكسدة في ظهور المركبات الكيميائية الضارة في الجسم، والمسببة للإصابة بأنواع شتى من السرطان وأعراض الشيخوخة وغيرها.

ويعتقد الباحثون أن جزءا كبيرا من آليات الحماية تلك تحدث بسبب توفر كميات عالية من فيتامين «إي» E. وأضافت الدكتورة إليا حداد، من قسم التغذية بالجامعة، أن الأغذية النباتية، وجوز البقان أحدها، هي مصدر غني بمركبات فايتو الكيميائية Phytochemicals، وهي مواد ذات تأثيرات فريدة ومفيدة في عمليات الجسم الحيوية.

وتحتوي ثمار مكسرات جوز البقان على هيئات مختلفة من فيتامين «إي»، والمعروفة باسم توكوفيرول، تعمل على وقاية الدهون من التأثر بعمليات الأكسدة، وبالتالي التغيرات التي تعتري بنيتها الكيميائية نتيجة تلك العملية. وجوز البقان تحديداً غني بنوع غاما توكوفيرول gamma tocopherol.

وتعقب الدكتورة حداد بالقول إنها، وفريق البحث معها، وجدت أن تناول جوز البقان يرفع من معدلات غاما توكوفيرول في الدم، ويقلل بالتالي من مؤشرات أكسدة الدهون في الدم.

والمعروف أن أكسدة الدهون، وهي عملية تحول رديف لأكسدة المعادن كالحديد والمؤدية إلى ظهور الصدأ، ذات تأثيرات بالغة على الصحة. وحينما يتأكسد الكوليسترول الخفيف الضار، فإن ترسبه داخل جدران الشرايين يغدو أكثر رسوخاً، وبالتالي يتكون تصلب الشرايين.

هذه النتائج حول جوز البقان نشرتها هذا الأسبوع مجلة أبحاث التغذية الأميركية في عددها الأخير، وهي ضمن دراسات المرحلة الثانية من مشروع أبحاث الفوائد الصحية لجوز البقان.

* خطوات ونتائج

* وقامت الدكتورة حداد بتحليل الدم لمجموعة من المشاركين بلغت 23 شخصا من الجنسين تتراوح أعمارهم ما بين 25 و50 سنة، حيث تناول المشاركون هؤلاء نوعين من الوجبات، إحداهما احتوت جوز البقان، والأخرى كانت خالية منه، لكن وجبات الطعام لكل المشاركين كانت وفق نوعية تغذية الخطوة الأولى Step I diet المنصوح بها من قِبل رابطة القلب الأميركية. وبعد أربعة أسابيع من تناول نصف المشاركين لأحد نوعي الوجبات تلك، تحولوا إلى النوع الاخر. أي أن كل المشاركين تناولوا أحد النوعين من الوجبات الخالية أو المحتوية على جوز البقان لمدة أربعة أسابيع.

ثم تم في المختبرات تحليل عينات من الدم أُخذت في فترات مختلفة أثناء الدراسة من كل المشاركين، وتبين من نتائجها أن مَن تناولوا الوجبات المحتوية على جوز البقان تدنت نسبة أكسدة الكوليسترول إلى حد حوالي 8% مقارنة بمن لم يتناولوه. وقياس نسبة الأكسدة كان وفق تحليل نتائج اختبار تابراس TBARS test،؟؟؟؟؟؟؟؟، الذي يحسب كمية المواد الناتجة عن حصول عمليات الأكسدة.

كما وجد الباحثون أن مستوى مواد توكوفيرول لفيتامين «إي» كانت أعلى بعدما اتبع المشاركون تغذية محتوية على جوز البقان، وتحديداً فإن نسبة غاما توكوفيرول ارتفعت بمقدار يفوق 10% لدى تناول جوز البقان. وخلص الباحثون إلى أن النتائج هذه تُعطي مزيداً من الأدلة على التأثيرات الحامية للجسم التي يؤمنها تناول جوز البقان من قِبل الأصحاء من الناس.

وبالإضافة إلى هذا الخفض في حصول عمليات أكسدة الكوليسترول، وجد الباحثون أن العديد من مواد فايتو الكيميائية في جوز البقان لها خصائص تحمي تراكيب كميات الدهون غير المشبعة العالية في ذلك النوع من المكسرات، إذْ من المعروف أن الدهون غير المشبعة عُرضة للتأكسد هي الأخرى، وبالتالي تحولها إلى أنواع مؤكسدة فاسدة أو «زنخة» إن صح التعبير، لكن وجود هذه المواد الطبيعية من نوعية فايو الكيميائية يعمل على المحافظة على تراكيب الدهون غير المشبعة في هيئة ثابتة كما هي، أي تمكينها من الوصول إلى الجسم وامتصاص الأمعاء لها بعد تناولها في هيئة طبيعية وسليمة.

وتقول الدكتورة حداد عن هذه النتيجة، إننا توصلنا إلى أنه بالرغم من احتواء جوز البقان على كميات عالية من الدهون غير المشبعة، التي ربما يعتقد البعض بأنها قد ترفع من مستوى عمليات الأكسدة في الدم، إلا أن عمليات الأكسدة تلك نتيجة توفر الدهون غير المشبعة لا تتم، بل على العكس، فإن عمليات الأكسدة للكوليسترول والدهون تنخفض في الدم.

* جوز البقان

* وتأتي هذه الدراسة بعد النتائج المثيرة ضمن مشروع أبحاث فوائد جوز البقان التي تم نشرها سابقاً في مجلة التغذية الأميركية للبروفيسور جون ساباتي من جامعة لومالندا، والتي وجد فيها أن جوز البقان يُخفض من نسبة الكوليسترول الخفيف الضار في الدم بنسبة تصل إلى حد 17%!، أي بنسبة تفوق ما يحققه اتباع الخطوة الأولى في الحمية الغذائية المنصوح بها من قِبل رابطة القلب الأميركية لخفض الكوليسترول. وأيضاً إلى خفض نسبة الكوليسترول الكلي في الدم بمعدل يصل إلى حوالي 12%، وهو أيضاً أعلى مما يحققه اتباع الخطوة الأولى من حمية الكوليسترول.

ويُعتبر المشروع نموذجاً لما يجب أن تتم الأبحاث حول أنواع شتى من المنتجات الغذائية، وسبق لملحق الصحة بـ «الشرق الأوسط»، عرض عدة نماذج من مشاريع الأبحاث هذه مثل مشروع أبحاث القرفة في الولايات المتحدة، الذي ينتهي بنهاية عام 2008، وغيرها من مشاريع الأبحاث.

وتحتوي ثمار مكسرات جوز البقان على العديد من المواد الغذائية النافعة للجسم كالبروتينات والدهون غير المشبعة الأحادية والعديدة، التي هي الدهون الصحية بكل المعايير، بالإضافة إلى الكربوهيدرات والألياف ومعادن الحديد والفوفسور والزنك والبوتاسيوم، وفيتامينات إيه وبي وسي وإي وغيرها من المركبات المضادة للأكسدة.

وكانت إدارة الغذاء والدواء الأميركية قد سمحت بإضافة تعليقات على منتجات جوز البقان، والعديد من المكسرات الأخرى، تبين فوائدها الصحية للقلب والشرايين، وهو ما يعني أن المنتجات الغذائية المفيدة للقلب يجب، وهو الواقع، أن تكون لذيذة الطعم فوق أنها مفيدة أيضاً، كالأسماك والفاكهة والخضار والزيوت النباتية الطبيعية والحبوب الكاملة غير المقشرة وغيرها.

وكمية الكربوهيدرات في جوز البقان منخفضة، حيث يحتوي حوالي 30 غراما منه على 4 غرامات فقط من الكربوهيدرات أو السكريات، ما يعني إمكانية تناولها من دون الخوف من الزيادة المباشرة في وزن الجسم.

ونوعية الزيوت في جوز البقان تتميز بأن 90% منها هي من نوع الدهون غير المشبعة، وتحديداً فإن 60% من الدهون غير المشبعة الأحادية، أي مثل زيت الزيتون، و30% من نوع الدهون غير المشبعة العديدة، مثل ما هو في زيت الذرة. ما يعني بعبارة أخرى أشد وضوحاً بأن جوز البقان غني بالدهون النافعة للقلب والمساهمة في خفض نسبة الكوليسترول الضار في الدم، وهو ما أثبتته الدراسات على الإنسان. كما أنه يُسهم في خفض احتمالات الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني الأكثر شيوعاً، خاصة بين النساء.

كما ان التحاليل أظهرت احتواء جوز البقان على أكثر من 19 عنصراً غذائياً نافعاً ما بين فيتامين ومعادن. وللتقريب، فإن 30 غراما منه تحتوي من معدن الزنك كمية أكبر من تلك التي تحتويها حوالي 120 غراما من لحم الدجاج.

وكمية الألياف التي في نفس الكمية من جوز البقان تعادل تلك التي تُؤمنها ثمرة كاملة من التفاح. ومعلوم فوائد تناول الألياف على الصحة، التي أهمها من دون منازع خفض امتصاص الأمعاء للكوليسترول وللسكريات، إضافة إلى تليين محتويات الأمعاء، وبالتالي تسهيل عملية إخراج الفضلات منها.

* مكسرات جوز البقان .. من العالم الجديد

* تشير المصادر التاريخية الى أن أصل جوز البقان هو الأجزاء الجنوبية الشرقية من أميركا الشمالية. ويصل طول الشجرة منها حوالي 40 متراً. وتنضج ثمارها في شهر أكتوبر (تشرين الاول). ويصل طول الثمرة البيضاوية الشكل إلى 6 سم، وعرضها حوالي 3 سم، وسُمكها حوالي 3 ملم.

ويمكن تناولها كمكسرات للتسلية، أو إضافتها إلى العديد من أطباق الحلويات أو السلطات، وبعض شركات إنتاج البوظة (الأيس كريم) الشهيرة في العالم، تُضيفه إلى أنواع الكاراميل بالحليب.

ويأتي من الولايات المتحدة حوالي 80% من الإنتاج العالمي البالغ ما بين 300 إلى 400 مليون رطل سنوياً، وثُمثل شجرتها شعار ولاية تكساس الأميركية. وتستحوذ ثمار جوز البقان على اهتمام الباحثين على مستوى العالم، نظراً لما أثبتته الدراسات من فوائد صحية للقلب. والأبحاث تلك مثال لعناية الشعوب المختلفة بما تنتجه أراضيها من ثمار نباتية وإخضاعها للدراسة والبحث. وهو ما سبق عرض عدة أمثلة منه في ملحق الصحة بـ «الشرق الأوسط»، آخرها كان قبل بضعة أسابيع عند عرض أبحاث الصنوبر وفوائده. وهو ما لعله يشحذ همة الباحثين في المناطق المختلفة من العالم لبحث فوائد النباتات المحلية في تلك المناطق.