كوب من الشاي يزيل عنك التوتر ويعدّل المزاج

دراسة دقيقة تشير إلى تقليله نسبة هرمون التوتر في الدم إضافة إلى حمايته للقلب

TT

ما يتفق عليه غالبية الناس نتيجة للخبرة والتجربة حول تأثير شرب الشاي في «تعديل المزاج» و«روقان البال» لديهم، يقول عنه الباحثون من جامعة يونيفرسيتي كوليدج اللندنية أنه صحيح علمياً، وقدموا أدلة قوية في إثباته. وكان الباحثون البريطانيون قد أعلنوا في الرابع من هذا الشهر أن التناول اليومي لأقداح من الشاي يساعد الإنسان على التخلص السريع من التأثيرات البدنية والنفسية لتوترات أحداث الحياة اليومية التي يتعرض لها الناس غالباً. وتأكد العلماء من هذا التأثير الإيجابي لشرب الشاي الأحمر عبر إسهامه في الانخفاض السريع لهرمون كورتيزول Cortisol. والمعروف أنه عند التعرض لحالات تبعث على التوتر فإن نسبة هرمون كورتزول ترتفع في الدم، وبالتالي يرتفع مقدار ضغط الدم ومعدل نبض القلب.

* دراسة دقيقة

* وتعتبر الدراسة المنشورة في مجلة علم الصيدلة احدى الدراسات العلمية الدقيقة في إثبات السبب الذي من أجله يُقبل الكثيرون على شرب الشاي في أوقات مختلفة من النهار، خاصة أثناء فترات الراحة خلال ساعات العمل الوظيفي.

وأثبت الباحثون في دراسة المقارنة هذه أن منْ يتناولوا تحديداً أربعة أكواب من الشاي يومياً لمدة ستة أسابيع، تكن نسبة هرمون التوتر أو هرمون كورتيزول في دمهم أقل بعيد التعرض لأحداث تبعث على التوتر في النفس والجسم، مقارنة بمن يتناولون شاياً مزيفاً وغير حقيقي. بمعنى أن شرب الشاي بذاته يعمل على اكتساب الإنسان ميزتين، الأولى تخليص الإنسان بسرعة من استمرارية حالة التوتر لديه، كما أنه فوق هذا يُعطي الجسم ثانياً مناعة ضد ارتفاع هرمون التوتر فيما لو تعرض المرء لأي حدث أو حالة تبعث على التوتر وارتفاع هرموناته في أي وقت كان.

* طريقة البحث وقام الباحثون في الدراسة بتقسيم مجموعة مكونة من 75 شخصا من صغار الذكور لمجموعتين، ومتابعتهم لمدة ستة أسابيع. وأُتيحت الفرصة لجميعهم تناول ما هم متعودون عليه من الشاي العادي أو القهوة أو المشروبات الأخرى المحتوية على مركب الكافيين. وبالإضافة إلى هذه المشروبات، أُعطي أفراد المجموعة الأولى مشروباً بطعم الفواكه مُضافاً إليه شايا أحمر بكل ما فيه من كافيين طبيعي. بينما أُعطي أفراد المجموعة الأخرى مشروب الفواكه المماثل، ومضافاً إليه نفس كمية الكافيين في المشروب الأول لكن ليس فيه شاي. أي أن أفراد كلتا المجموعتين تناولوا مشروباً بنفس اللون والطعم، وأيضاً بنفس كمية الكافيين، لكن أحدهما به شاي، بكل المركبات التي فيه، والآخر خال منه. والسبب الذي جعل الباحثين يلجأون إلى إضافة طعم الفواكه هو لإلغاء الطعم المباشر للشاي. وبالتالي إلغاء التأثيرات النفسية لطعم الشاي بذاته. وهو ما تعود عليه الكثيرون، وربطوا وجوده بالشعور بالراحة حين شربه. وهي طريقة دقيقة وذكية من قبل الباحثين. ثم تم تعريض أفراد كلتا المجموعتين لحالات تبعث على التوتر، ففي بعضها مثلاً تعرض المشاركون لأحد الظروف الموترة كالتهديد بفقدان الوظيفة، أو الاتهام بالسرقة أثناء التسوق في أحد المتاجر، أو أن ثمة مكروهاً أصاب أحد الأقارب العجزة في دور رعاية كبار السن. وأثناء تلك الحالات من التوتر أُجريت تحاليل لنسبة هرمون الكورتيزول والصفائح الدموية في الدم، إضافة إلى قياس مقدار ضغط الدم، وسؤالهم عن مدى تقييم كل واحد منهم لمدى ما يشعر به من توتر.

* نتائج مدهشة

* وتبين للباحثين من تحليل النتائج أن التعرض لمثل هذه الأحداث المثيرة قد تسبب في ارتفاع ضغط الدم ومعدل النبض عند جميع الأفراد في المجموعتين، واعتراف جميعهم بالشعور والمعاناة الحقيقية من التوتر. بمعنى أن الجميع، أي أفراد كلتا المجموعتين، قد شعروا بنفس المستوى من التوتر واضطربت لديهم مؤشرات ضغط الدم ونبض القلب. لكن الاختلاف فيما بين أفراد المجموعة الأولى عن الثانية ظهر بعد خمسين دقيقة من التعرض لتلك الأحداث المسببة للتوتر، إذْ تبين للباحثين أن نسبة هرمون كورتيزول قد انخفضت بنسبة عالية، وتحديداً بمعدل 47%، لدى من يشربون الشاي. بينما معدل الانخفاض في نسبة هذا الهرمون لدى من يشربون الشاي المزيف لم تتجاوز 27% خلال نفس المدة الزمنية ! ما يعني أن الارتفاع في هرمون كورتيزول الذي نتج عن التوتر قد انخفض وزال بشكل أكبر خلال أقل من ساعة لدى من يشربون الشاي الحقيقي مقارنة بمن يشربون الشاي المزيف، هذا بالرغم من أنهم كانوا يتناولون نفس الكمية من الكافيين.

كما ذكرت نتائج الدراسة أن انطباع الأفراد في مجموعة من يتناولون الشاي حول سرعة استرخائهم وتلاشي الشعور بالتوتر كان أكبر وفي غضون وقت أقصر، مقارنة بما أبداه أفراد مجموعة تناول الشاي المزيف. هذا مع العلم أن جميع الأفراد في المجموعتين لا يعلمون هل أن ما يشربونه من مشروب بنكهة الفواكه هو ممزوج مع الشاي الحقيقي أو أنه مع الشاي المزيف.

* حماية القلب

* ليس هذا فحسب، بل إن الباحثين اللندنيين لاحظوا تدني مؤشرات وعلامات رغبة الصفائح الدموية للالتصاق على بعضها البعض لدى من يشربون الشاي مقارنة بمن لا يشربونه. والمعروف أن التصاق الصفائح الدموية على بعضها البعض هو ما يسبب تكوين خثرة دموية تسد الشرايين التي في القلب وبالتالي تنجم عنها جلطة القلب. ولذا فإن ما يزيد في رغبة الصفائح للالتصاق على بعضها البعض، مثل النيكوتين أو وجود عمليات التهابات، يزيد من احتمالات التعرض للجلطات. وما يُقلل من رغبة الصفائح هذه، كتناول الأسبرين، يُقلل من احتمالات الإصابة بالجلطات. وتأثير الشاي الأحمر على الصفائح الدموية كما دلت عليه هذه الدراسة الجديدة، يُضاف إلى الملاحظات التي ذكرتها عدة دراسات سابقة والتي بمجمل نتائجها تُؤكد كثير من المصادر الطبية أن الشاي يعمل على حماية القلب وشرايينه لا إيذائهما كما كان يُظن من قبل.

* لماذا الشاي؟

* يقول البروفيسور ستبتو بأننا لا نعلم ما هي المواد التي يحتويها الشاي وتتسبب في تخفيف آثار التوتر النفسي وتسهيل الشعور بالراحة بعده. والشاي من الناحية الكيميائية غاية في التعقيد ويحتوي على كمية كبيرة من المواد المختلفة. ومن المعروف أن مواد كاتيشين catechins ومركبات فينول العديدة Polyphenols ومركبات فلافونايد Flavonoids والأحماض الأمينية وكلها متوفرة في الشاي، لديها تأثيرات إيجابية على المواد الكيميائية في الدماغ التي تعمل كموصلات للرسائل فيما بين خلايا الدماغ العصبية بعضها مع بعض. لكننا، كما يقول البروفيسور ستبتو، لا نعلم على وجه التحديد أياً منها هو السبب في هذه الآثار. وأضاف بأن نتائج الدراسة تؤكد على دور الشاي الإيجابي في تسريع التخلص من الشعور بالتوتر، والدراسات السابقة قد لاحظت أن استمرار الشعور بالتوتر لمدة طويلة بعد التعرض لأحداث الحياة اليومية الضاغطة هو عامل مهم في الإصابة بنوبات الجلطات القلبية. ما يعني على حد قوله أن هناك جوانب تطبيقية هامة لنتائج هذه الدراسة في المحافظة على صحة القلب.

* تناول الكافيين للسهر ليلا يؤثر سلبا على نوم النهار

* دراسة كندية تشير إلى أن له مضاعفاته الشديدة على عمق النوم

* أكد الباحثون من جامعة مونتريال بكندا، في دراستهم المنشورة في عدد أكتوبر الحالي من علم صيدلة الأعصاب والنفسية، أن تناول الناس للمشروبات المحتوية على الكافيين خلال العمل الليلي أو الدراسة في الليل، هو سلوك سيؤثر سلباً على نومهم أثناء نهار اليوم التالي.

وقالت الدكتورة جولي كارير من قسم النفسية بالجامعة: إننا نعلم أن ثمة تأثيرات مهمة للكافيين على نوم الليل، حيث انه يُطيل المدة اللازمة للاستغراق في النوم العميق، كما أنه يزيد من احتمالات الاستيقاظ ومدة ذلك، ويُقلل من مدة النوم العميق أثناء مراحل النوم. لكننا في دراستنا الجديدة أثبتنا أن التأثيرات السلبية للكافيين على النوم هي أقوى حينما يتناوله الإنسان أثناء الليل وقبل الخلود إلى نوم النهار التعويضي، مقارنة بتناوله في آخر النهار وبدايات المساء، أي قبل مرحلة النوم الليلي. واستطردت قائلة بأن الكافيين يجعل النوم في فترات النهار سطحياً وغير عميق، ولا يستطيع النوم آنذاك أن يتغلب على قدرات الساعة البيولوجية في الدماغ. والمعروف أن الساعة البيولوجية تدفع الإنسان إلى الاستيقاظ في النهار والنوم في الليل، ما يعني أن الإنسان ولو كان متعباً ومفتقراً إلى النوم فإن الكافيين يُضعف من قدرته في التغلب على تنبيه الساعة البيولوجية وعملها في إيقاظ الإنسان وعدم نومه.

وأضافت بأننا غالباً ما نلجأ إلى تناول المشروبات المحتوية على الكافيين أثناء الليل للتغلب على الرغبة في النوم الذي يُحس الجسم أنه محتاج له أو في فترات العمل الليلي أو أثناء الرحلات الجوية، لكن هذه العادة ستجعل من الصعب علينا النوم في اليوم التالي.

* إثبات دقيق وفق معايير بحث عالية

* الروعة في هذه الدراسة العلمية الجديدة ليست فقط في نتائجها المدهشة، بل أيضاً في طريقة البحث العلمي وإجراءات القيام بالدراسة وتحليل النتائج، حيث قامت بتقويم تأثيرات الشاي وفق ضوابط علمية مقارنة تتم عادة في بحث تقويم تأثيرات الأدوية أو غيرها من وسائل المعالجة.

والحقيقة أن ذكر الفوائد الصحية للمنتجات الغذائية يجب أن يكون وفق معايير عالية، لأننا نتحدث عما يرجو الناس نفعاً وفائدة لصحتهم من وراء تناوله. وهو ما يتطلب أولاً وقبل كل شيء أمانة علمية في النصيحة الصحية لمّا تُبنى على دراسات وبراهين علمية دقيقة.

ويقول البروفيسور أندرو ستبتو، الباحث الرئيس في الدراسة، إن من الشائع بين الناس القول بأن شرب الشاي مرتبط بتخفيف الشعور بالتوتر والمساهمة في الراحة منه، والكثير من الناس يُؤمن بأن شرب الشاي أحد وسائل الاسترخاء إزاء مواجهة الظروف الضاغطة خلال أحداث الحياة اليومية. لكن البرهان العلمي على إثبات حقيقة هذه الخصائص المريّحة للشاي كان محدوداً جداً.

وأضاف بأن البحث الجديدة هو أول دراسة تمت لتقويم مدى تأثير الشاي على التوتر ومؤشراته العضوية وهرمونه في الجسم، وفق تصميم الدراسات المنضبطة والمتضمنة مقارنة تأثير استخدام مادة باستخدام مادة مزيفة وشبيهة، وأيضاً مع جهل المشاركين من المتطوعين في الدراسة وجهل أيضاً المشرفين على إعطائهم المادة التي هي محل البحث ويتناولها المشاركون، أو ما يُسمى بلغة المتخصصين في الدراسات الإحصائية بعبارة double-blind placebo controlled design. أي أن أياً من المتطوعين المشاركين لا يعلم هل المشروب الذي يتناوله يحتوي شايا أم لا، ولا أعضاء فريق البحث يعلم من الأشخاص تناول شايا حقيقيا ومَن تناول شايا مزيفا. وهو ما يُعتبر لدى الباحثين دقة عالية في إجراء الدراسة، ما يُعطي مصداقية عالية في بناء استنتاجات علمية على النتائج التي يظهرها تحليل المعلومات التي يُتوصل إليها.

ولذا يعلق البروفيسور ستبتو بأن اختلافات التأثير لشرب الشاي الحقيقي عن تأثيرات شرب الشاي المزيف هي بسبب مواد الشاي نفسه، وليست بسبب شعور الإنسان بأنه يتناول شاياً أو أيه تأثيرات تبعث على الراحة في النفس نتيجة عملية إعداد كوب الشاي وطقوس تناوله أو التأكد من تناوله عبر وجود طعمه الحقيقي في الفم.