مسكنات الألم.. الاختيار المناسب في الزمن الصعب

الجرعات الكبيرة لأغلبها تسبب مشكلات في القلب والشرايين والأوعية الدموية

TT

* كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية): «الشرق الأوسط»* مسكنات ألألم مثل «فيوكس» و«بيكسترا» و«سيليبريكس» Vioxx,Bextra,Celebrex قد تزيد من مخاطر النوبات القلبية ومشاكل الشرايين وألأوعية الدموية، كذلك الحال بالنسبة الى المسكنات القديمة مثل «إيبوبروفين» و«أسيتامينوفين» ibuprofen, acetaminophen.

والفوضى والاضطراب اللذان يصاحبان سلامة مسكنات الألم الثلاثة الكبار هذه «فيوكس» و«بيكسترا» و«سيليبريكس» أبرزا الكيفية التي يجري فيها اختبار وتسويق الأدوية والعقاقير. وبالأهمية ذاتها كشفا علاقتنا المريحة جدا، أي الزائدة عن الحد، مع مسكنات الألم.

وأدى سحب «فيوكس» المفاجئ من الأسواق عام 2004 بسبب احتمال تأثيراته الجانبية على الشرايين والأوعية الدموية بعد قيام نحو 20 مليون أميركي بتعاطي الدواء، الى اطلاق نداءات بضرورة إصلاح إجراءات الموافقة على الدواء وإقراره اضافة الى آلاف الدعاوى القضائية التي جرى رفعها. وبعد أشهر قليلة جرى سحب «بيكسترا» نظرا الى مضاعفاته على الجلد التي تهدد حياة الانسان، وتأثيراته المحتملة على الأوعية والشرايين. والمشكلة لا تتعلق فقط بالأدوية الجديدة، بل علمنا أن الأدوية القديمة مثل «إيبوبروفين» («أدفيل» و«مورتن» وغيرها) و«أسيتا مينوفين» (تيلينول) قد تلام أيضا عندما يتعلق الأمر بمشاكل واضطرابات القلب.

* تأثيرات جانبية

* وليس امرا غريبا أن مسكنات ألألم لها تأثيراتها الجانبية الخطيرة، فنحن نعلم منذ عقود أن «الأسبرين» «والإيبوبروفين» لهما تأثيراتهما الضارة الجانبية، وغيرهما من ألأدوية غير الستيرودية المضادة للالتهابات NSAID nonsteroidal anti-inflammatory drugs بمقدورها أن تلبك المعدة وتزعجها، وبالتالي أن تسبب نزيفا معديا ومعويا مميتا. ولكن كل ذلك لم يمنعنا من استخدامها، فهناك نحو 30 مليون أميركي من البالغين يتناولون يوميا مسكنات الألم من دون وصفة طبية.

وكانت «فيوكس» و«بيكسترا» و«سيليبريكس» قد طورت كنوع من البدائل الخفيفة على المعدة، فهي ليست أقوى منNSAID العادية التقليدية، لكن كلفتها أعلى، لذلك فإن استخدامها يجب أن يبقى محصورا بالأشخاص الذين تسبب لهمNSAID القديمة مشاكل معدية ومعوية، أو أولئك الذين لايرتاحون الى الأدوية القديمة التي قد لا تسكن آلامهم كما يجب. ولكن بفضل حملات التسويق الكبيرة المؤثرة الموجهة مباشرة الى المستهلك فإن الملايين من البشر الذين توقفوا عن استخدام «فيوكس» و«بيكسترا» و«سيليبريكس» بات بمقدورهم استخدامNSAID بدلا عنها.

ما هي تأثيراتNSAID ؟ ان جميعNSAIDG من «الاسبرين» الى «الفيوكس» تعمل عن طريق حصر الـ «سيسلووأوكسجينايس» cyclooxygenase الذي هو زوج من الإنزيمات سميت «كوكس-1» COX-1، و«كوكس ـ 2» COX-2 التي لها وظائف مختلفة في الجسم. وتقوم الخلايا في الجسم بإنتاج «كوكس ـ 2» ردا على الالتهابات. وهي تشرف على انتاج الـ «بروستاغلانديس» prostaglandins وهو مركب يشبه الهورمون، الذي يسبب ورما وألما. لكن الخلايا في المعدة وفي المعي تقوم باستمرار بانتاج «كوكس ـ1» الذي يساعد في انتاج الأنواع الاخرى من الـ «بروستاغلانديس» التي تقي ضد حوامض المعدة والأنزيمات الحمضية.

وتقومNSAID الشائعة الاستخدام مثل «الأسبرين» والـ«إيبوبروفين» والـ«نابروكسين» («ألفي» وغيرها) بحصر «كوكس ـ2» و«كوكس ـ1». وعن طريق إغلاق «كوكس ـ 2» يجري تخفيف الألم. وعن طريق إغلاق «كوكس ـ1» تجري إزالة واق ضد أحماض المعدة المسببة للتآكل. وقد صممت «فيوكس» و«بيكسترا» و«سيليبريكس» كحاصرات مختارة لـ «كوكس ـ2»، وذلك يعني أنها قد حصرت «كوكس ـ2»، وليس «كوكس ـ1»، وذلك يعني نظريا أيضا انها تقضي على الألم من دون التسبب بأي مشاكل للمعدة.

ولكن الأمر لسوء الحظ ليس بمثل هذه البساطة، لأن الخمائر هذه تعمل أيضا في القلب والرئتين وألأوعية الدموية، وايضا في ألأجهزة العصبية والمناعية والتكاثرية. ولنركز هنا على التأثيرات الوعائية.

من شأن «كوكس ـ1» تنبيه الصفائح الدموية في الدم ليتمخض عنها الـ «ثرومبوكساين إيه thromboxane A2». ومثل هذه المادة تجعل الصفائح الدموية تلتصق بعضها ببعض لتكون كتلا ومجموعات، منها التي تنتج بدورها نواة يتخثر الدم حولها. وهي التي تسبب الانسدادات القلبية والسكتات الدماغية. لكن الأسبرين يقوم بإزالة «كوكس ـ1» في الصفائح الدموية جاعلا أياها أقل قابلية على الالتصاق. وهذا هو الأسلوب الذي يجعل «الأسبرين» يقي من النوبات القلبية والسكتات الدماغية.

ويساعد «كوكس ـ 2» في إنتاج الـ «بروستاسيلين» prostacyclin داخل الأوعية الدموية. وهذه المادة مفيدة لدوران الدم بثلاثة أساليب، فهي تمنع الصفائح من التكتل والتجمع، كما إنها تريح الأوعية الدموية متيحة جريانا وتدفقا سلسا للدم، فضلا عن انها توقف أو تؤخر نمو الخلايا العضلية الناعمة داخل الـ «إندوثيليوم»endothelium الذي هو بطانة الأوعية الدموية، مما يساعد على منع تصلب الشرايين وإنسدادها. إن حصر «كوكس ـ2» يغلق مثل هذه المصادر التي تقي الشرايين.

* تأثيرات أخرى

* وعبارة «حاصرات كوكس ـ 2 المختارة» هي مضللة بعض الشيء لأن جميعNSAID تقوم بحصر «كوكس ـ 1» و«كوكس ـ 2». وفي أحد طرفي الطيف هناك «بريكسيج»Prexige الذي يتوفر في بلدان أخرى، ولكن ليس في الولايات المتحدة. وهو مثل «فيوكس» الذي يقوم بحصر «كوكس ـ 2» بتأثير أشد من تأثير «كوكس ـ 1». أما في الطرف الثاني من الطيف فهناك الـ «نابروكسين»naproxen والـ «كيتورولاك»ketorolac اللذان هما ألأفضل في حصر «كوكس ـ1» من «كوكس ـ 2».

وللجينات علاقة أيضا، فألأشخاص يتجاوبون بشكل مختلف للتأثيرات الجيدة والسيئة لـNSAID وبعض ألأفراد يجدون تسكينا وتخفيفا أكثر لآلامهم مع حاصرات «كوكس ـ2»، رغم أن هذه العقاقير ليست بشكل عام أقوى بكثير منNSAIDG التقليدية في القضاء على الألم. وبعض الأشخاص، خاصة أولئك الذين يعانون من أمراض قلبية، أو معرضين لها، هم أكثر عرضة للتأثيرات الجانبية الضارة لحاصرات «كوكس ـ 2». كما ان بعض الأشخاص يطورون مشاكل كبيرة في المعدة أو نزيفا بعد تناول الـ «إيبوبروفين» أو الـ «نابروكسين»، في حين أن البعض الآخر لا يشكون أبدا من أي علة في المعدة.

ثم هناك مسألة الأدوية والعقاقير الأخرى، إذ ان تناول جرعات خفيفة من الأسبرين»، إضافة الىNSAID التقليدية، من شأنه زيادة احتمالات المشاكل المعدية والمعوية. كذلك فإن تناول جرعات صغيرة من «الأسبيرين» مع حاصرات «كوكس ـ 2» من شأنه القضاء كليا على أي وقاية للمعدة من الدواء. علاوة على كل ذلك فإن استخدام مضادات الاكتئاب المعروفة بمانعات «سيروتونين ريوبتايك»serotonin reuptake مثل «بروزاك» و«زولوفت» يزيد أيضا من احتمالات النزيف في المعدة، ولا سيما لدى تعاطيها معNSAID ومن شأن العقاقير الأخرى أيضا التأثير بشكل مشابه للتأثيرات التي لها علاقة بـ NSAID.

* منافع ومخاطر

* منافعNSAID لا يمكن الجدال فيها، فهي تخفف الآلام ابتداء من الهيجان المؤقت الى الصداع التوتري، مرورا بألم التهاب المفاصل المستمر. وهي تخفف الالتهابات وتخفض درجة الحرارة المرتفعة في الجسم، فالأسبرين يقي من النوبات القلبية، وحاصرات «كوكس ـ 2» شرعت تظهر تأثيرها كوسيلة فعالة لمنع السليلات (ورم في الغشاء)، التي تسبق السرطان عادة، من النمو ليصبح سرطانا كاملا في المعي الغليظ (القولون).

ولكن ماذا عن مخاطرها؟ انها تظهر في مشكلات في المعدة، ففي الولايات المتحدة وحدها فإنNSAID التقليدية كانت السبب في 100 ألف حالة استدعت النقل الى المستشفيات فضلا عن 16 حالة وفاة في السنة بسبب نزيف المعدة والتلف الآخر الحاصل في المعدة والأمعاء. ومن شأن حاصرات «كوكس ـ 2» تخفيف مثل هذه التأثيرات الجانبية من دون القضاء عليها تماما. وفي دراسة أولية بشأن «فيوكس» طور 21 فردا من أصل ألف متطوع من الذين يتعاطون العقار هذا مشاكل في المعدة مقارنة بـ 45 من أصل ألف من الذين يتناولون «نابروكسين». كما ان «سيليبريكس» قد تسبب مشاكل أقل في المعدة.

وبإمكانNSAID و«كوكس ـ 2» رفع ضغط الدم، وبالتالي مقاومة مفعول بعض العقاقير المخفضة له، في حين أن البعض لا يتعرضون لمثل هذه الزيادة. وبالنسبة الى النوبات القلبية قام الباحثون البريطانيون والايطاليون بجمع معلومات من 138 تجربة تناولت 145 ألف مشترك تتعلق بـNSAID فوجدوا أن استخدام حاصرات «كوكس ـ 2» لها علاقة بزيادة طفيفة في إمكانية الاصابة بالنوبات القلبية. وقد بلغت هذه الزيادة نحو ثلاث إلى خمس إصابات بالنوبات القلبية لكل ألف شخص تناولوا العقار لمدة سنة واحدة. كما ان تناول جرعات كبيرة من الـ «ايبوبروفين» و الـ «ديسلوفيناك»(«كاتافلام» و«فولتارين») لها التأثير ذاته. وأفادت تقارير صيف هذا العام نشرت في مجلة «نيو إنغلند جورنال أوف ميديسن» أنه حتى الاستخدام القصير المدى لـ «فيوكس» قد يرتبط بالنوبات القلبية، وأن مثل هذه الخطورة قد تطول لمدة سنة أو أكثر بعد التوقف عن تعاطي العقار. وفي دراسة أجراها ربيع هذا العام مركز ممرضات الصحة في هارفارد فإن النساء اللواتي استخدمنNSAID لمدة 22 يوما في الشهر على الأقل معرضات الى الاصابة بالنوبات القلبية، أو الى الوفاة بشكل مضاعف عن غيرهن اللواتي لم يستخدمنه إطلاقا، أو استخدمنه بشكل اقل، على مدى 12 سنة. وكانت الزيادة المطلقة من 2.5 حادثة في الألف إلى 4.3 في الألف. إن استخدامNSAID التقليدي، أو «فيوكس» قد يؤدي إلى تعطل القلب، أو إعطابه، في حين أن تأثير «سيليبريكس» أقل. وبشكل عام فإن هذه التأثيرات الجانبية قد تحدث غالبا مع الأشخاص الذين يعانون من أمراض قلبية راهنة أو معرضين لها.

ولكن ماذا عن «أسيتامينوفين»acetaminophen ؟ وغالبا ما يصف الأطباء الـ «أسيتامينوفين» (تيلينول) كبديل لـ NSAID. وهو لا يخفف من الالتهابات، أو يؤثر على المعدة، لكنه له تأثيراته الجانبية هو الآخر. ولدى تناوله بجرعات كبيرة يمكنه إتلاف الكبد. وهو شأنه شأن NSAID له تأثيراته الضارة على الأوعية والشرايين. والنساء اللواتي يتناولنه، استنادا الى دراسة مركز ممرضات الصحة في هارفارد لأكثر من 21 يوما في الشهر الواحد، يكن أكثر عرضة للاصابة بالنوبات القلبية، أو الوفاة، من اللواتي يستخدمنه بصورة أقل.

* الخلاصة

* NSAID ليست بتلك الرصاصة السحرية، فعند تناول احدها فإنها لن تتوجه مباشرة الى ركبتك التي تؤلمك، أو ظهرك، أو غيرهما من الأماكن، بل تقوم بدلا من ذلك بانتاج تفاعلات كيماوية على نطاق الجسم كله التي من شأنها تخفيف الألم، ومع قليل من الحظ قد تفعل شيئا آخر أيضا.

وأغلبنا يتغاضى عن، أو يتجاهل مخاطر تناولNSAID ، أو أي عقار آخر، ومنهم من يقوم بشراء مثل هذه العقاقير من دون وصفة طبية، لذلك استنادا الى ما تعلمناه عنNSAID فقد حان الوقت لبذل عناية أكبر في معرفة تأثيرات مثل هذه العقاقير.

والأسلوب الأفضل لتقليص مخاطر مثل هذه الأدوية هو تناول الجرعة الأقل التي تؤدي مفعولها بالنسبة اليك، شرط ألا تتناولها إلا عند الضرورة والحاجة اليها. ومعرفة الجرعة المناسبة لك قد تتطلب بعض التجارب. وقد يكون بمقدور طبيبك مساعدتك على اقتراح بعض البدائل التي تغني عن هذه العقاقير، كالتمارين الرياضية والإبر الصينية التي من شأنها تخفيف الألم.

واختيار أي مسكن للآلام يتوقف عليك. وتبقىNSAID التقليدية والـ «أسيتامينوفين» الركيزتين لتخفيف الآلام رغم أن الـ «أسيتامينوفين» هي الوحيدة التي تخفف الالتهابات. وهي كل الذي تحتاجه إذا كانت فعالة بالنسبة اليك، وإذا كانت معدتك تقبلها وتتساهل معها. ولكن إذا قامت الـ «أسيتامينوفين» بإزعاج معدتك، أو سببت نزيفا لها، أو في الأمعاء، فإن تناول حاصرات الحوامض قد يفيد. وقد يطلب الطبيب ايضا فحصا إذا كنت مصابا ببكتيريا «هيليكوباكتربايلوري» التي تسبب قرحة في المعدة.

وإذا كنت من الأقلية التي لا تحصل على أي منافع من الـ NSAID التقليدية، أو من الـ «أسيتامينوفين»، ولا تشكو من أمراض قلبية، أو عوامل خطورة، لا تستبعد حاصرات «كوكس-2» مثل «سيليبريكس»، فقد يكون خيارا جيدا طالما إنك مدرك للمخاطر ومتنبه لتأثيراته الجانبية.

إن فهمنا للعواقب الوعائية والشريانية لحاصرات «كوكس-2» و NSAID ما زال في أوله وغير واضح تماما، وهو مبني على دلائل وقرائن طويلة لكنها محدودة. لكننا سنحاول نقل التطورات الجديدة لكم في ما يتعلق بتجربة «بريزيشن»PRECISION الجارية الآن التي تقوم باختبار «سيليبريكس» مقابل «إيبوبروفين» و«نابروكسين» على 20 ألف شخص يعانون من التهاب المفاصل، ومن الأمراض القلبية، أو معرضين لها جدا. لكن الذي نعرفه أنNSAID و«كوكس ـ 2» هي امينة بشكل عام، لكنها قد تسبب مشاكل للقلب، بالرغم من أن المخاطر قليلة، غير انه على خلفية عدد المرات التي يتم فيها تعاطي الدواء، فإنه من الجدير أن يكون المرء مدركا لها.

* خدمة هارفارد الطبية ـ الحقوق: 2005 بريزيدانت آند فيلوز ـ كلية هارفارد