الأعشاب الطبية.. بين تجارب الأجداد والاختبارات السريرية

دراسات متعمقة قبل منح تراخيص لطرح مستحضراتها للجمهور

TT

إن الطب التقليدي أو الطب المكمل والاختياري أو ما يُسمى مجازاً بالبديل، هو حصيلة تراكم الخبرات والمهارات والممارسات المنتشرة لدى شعب من الشعوب والمتفاوتة بتفاوت الثقافات التي ترمي إلى الوقاية من الأمراض ومعالجتها وشفاء المرضى والقضاء على العامل المسبب للمرض سواء أكان «أرواحاً شريرة» أم اعتلالاً في أخلاط البدن أم تأثيراً للقمر على المريض أم لعنة أو عملاً سحرياً، أو سقماً في الفؤاد أو شدة تصيب الروح.

وتنوعت هذه الممارسات بحسب تنوع الممارسين لهذا النوع من الطب واختلاف مشاربهم، والأهم هو بحسب بلدانهم، ولعل هذه هي الخاصية الأبرز للطب الشعبي ألا وهي ارتباطه الوثيق بالمعتقدات الشعبية لدى الناس في كل بلد من بلدان المعمورة.

وما زلت أذكر كم سخرت من ذلك الدجال الذي أتاني في صيدليتي في إحدى القرى النائية جنوب دمشق يطلب كبسولات فارغة وأخبرني عن مجال ممارسته للطب، وكيف أنه يستطيع معالجة السلس البولي والعقم، لكنه لا يعالج مرض السكري لأن «جراثيم السكري» على حد زعمه لا تستجيب لأدويته التي يحضرها من نباتات وأعشاب طبية يملؤها في الكبسولات ويبيعها للمرضى!

* أعشاب علاجية

* إلا أن الطب التقليدي والدجل ليسا دائماً بوجهين لعملة واحدة أبداً، فهنالك بعض الممارسات التي تندرج تحت مسمى الطب البديل أثبتت نجاعتها في علاج بعض الأمراض وشفائها بشكل جزئي أو كامل كالإبر الصينية والحجامة مثلاً. والأعشاب أو النباتات الطبية هي إحدى الوسائل التي يستخدمها ممارسو الطب التقليدي في عملهم، أو يلجأ إليها الناس مباشرة لتدبير وعلاج بعض الأمراض الشائعة كالأمراض الهضمية، مثل الإمساك والديدان وأمراض الطرق التنفسية العليا كالسعال وأمراض المجاري البولية وبعض الأمراض الجلدية. كما أن بعض المركبات المستخلصة من النباتات الطبية تشكل حجر الأساس لصناعة بعض الأدوية ذات الفائدة العظيمة للإنسان كالديجوكسين المقوي للقلب وقلويدات الفنكا المستخدمة في علاج بعض السرطانات، وأخيراً وليس آخراً دواء أوسيلتاميفير الذي يتم تصنيعه إنطلاقاً من إحدى المواد الأولية الموجودة في نبات اليانسون النجمي الذي يزرع في بعض مقاطعات الصين، ويساعد على الوقاية والتخفيف من أعراض الأنفلونزا. ويتفاوت الوضع القانوني للمستحضرات العشبية الطبية من بلد لآخر، ففي بعض البلدان نجد أنها تسوق تحت مسمى المكملات الغذائية أو الأغذية الصحية ويُمنع إعطاؤها أي صفة دوائية أو تسويقها تحت أي ادعاء طبي، بينما نجدها في بلدان أخرى شديدة الشيوع والرسوخ في الممارسة الطبية وتباع بدون وصفة طبية، وفي أخرى تباع بموجب وصفة طبية في الصيدليات.

وتمتاز المستحضرات العشبية الطبية عن الأدوية الكيميائية المصنّعة الحديثة بخاصيتين مهمتين: الأولى هي الاستعمال المسبق لهذه المستحضرات أو الأعشاب المكونة لها من قبل البشر عبر فترة زمنية طويلة قد تمتد لقرون قبل البدء بإجراء التجارب السريرية عليها، ولعل هذا الاستخدام هو الذي يضعها في دائرة الاهتمام لدراسة خواصها. والخاصية الثانية التي تشكل أحياناً صعوبة في دراسة هذه المستحضرات، تتمثل في أن النباتات الطبية تحتوي على عدة مكونات فعالة تؤازر بعضها بعضاً في التأثير الدوائي.

وعلى الرغم من أن المستحضرات العشبية أو النباتية تندرج ضمن الأدوية التقليدية إلا أن فوائدها وأخطارها الحقيقية يجب أن يتم تحديدها وتقييمها من خلال التجارب السريرية التي تخضع لمبادئ العلوم السريرية الحديثة. كما أن تصنيع المستحضرات العشبية يجب أن يخضع بدوره لممارسات التصنيع الجيد الخاصة بالأدوية العشبية.

* اختبارات ودراسات

* قبل أن يتم منح ترخيص لدواء او مستحضر عشبي ذي خواص دوائية للتداول بين البشر، يمر هذا الدواء بعدة مراحل طويلة من الاختبارات قد تستغرق سنوات. وهذه الاختبارات تقسم إلى نوعين:

ـ الدراسات قبل السريريةPre-Clinical وهي تهتم بتحديد:

ـ الفعالية Efficacy.

ـ السميةToxicology بما في ذلك دراسة الخواص المطفِّرة أو الماسخة أو المسرطنة. ـ الخواص الفارماكولوجية («الحرائك» الدوائية والديناميات الدوائية) للدواء.

حيث يتم إجراء اختبارات في الجسم الحيIn Vivo وفي المختبر In Vitro كما تدرس الخواص للمادة وتكون قيد البحث وتجرى على حيوانات التجربة (على الأقل نوعان من الحيوانات) وهي تسبق الدراسات السريرية التي تجرى على المتطوعين من البشر ـ الدراسات السريرية: وتجرى على البشر وهي تتم على عدة أطوار:

الطور الأول:Phase I والهدف منه تحديد الجرعة التي تبدأ معها الأعراض السمية بالظهور على متطوعين أصحاء ( 20ـ 80 شخصا) الطور الثاني:Phase II إذا كانت نتائج الطور الأول آمنة يتم إعطاء المستحضر إلى متطوعين مرضى بالمرض الذي يفترض بالمستحضر قيد البحث علاجه (80 ـ 100 شخص) وذلك لتحديد فعالية الدواء Efficacy والجرعة المثلى أو المجال الجرعي لهذا الدواء، كما يتم رصد الأعراض الجانبية التي قد تظهر على المتطوعين. الطور الثالث:Phase III إذا نجحت دراسات الطور الثاني في تحديد الجرعة المناسبة ولم تظهر أعراض جانبية خطيرة على المتطوعين يمكن عندئذ المتابعة إلى الطور الثالث، والهدف منه هو التحقق من فعالية الدواء ورصد أي آثار جانبية لم يتم رصدها في دراسات الطور الأول والثاني وتجرى هذه الدراسات على أعداد من المرضى (عدة مئات إلى عدة آلاف). الطور الرابع:Phase IV حيث تهتم هذه المرحلة بمراقبة الدواء بعد الموافقة على تسويقه Post _Launch Safety Surveillance وذلك لرصد أي آثار جانبية قد تظهر على المدى الطويل من جراء استخدام الدواء على أعداد كبيرة من المرضى وخلال فترة زمنية أكبر نسبياً وقد تؤدي هذه الدراسات في بعض الأحيان إلى سحب مستحضر ما بعد طرحه في الأسواق إذا تبين أنه غير آمن للاستخدام.

علاوة على ذلك هنالك الكثير من القيود والضوابط الأخلاقية التي تحكم إجراء مثل هذه التجارب على البشر التي يجب مراعاتها لدى دراسة المستحضرات العشبية أيضا.

* صيدلي مقيم في الإمارات العربية المتحدة