السعال الديكي يُعاود الانتشار

ازدياد عدد الإصابات به بسبب عدم تلقيح الأطفال

TT

لفتت دراسة حديثة صدرت في الولايات المتحدة النظر بشدة الى أن حالات الإصابة بالسعال الديكي Pertussis Whooping Cough هي في تزايد مستمر، ما يتطلب من السلطات الصحية ضرورة التشديد وبذل المزيد من الجهد في إعادة تلقيح المراهقين وحتى البالغين من الرجال والنساء بجرعات مُقوية من لقاح السعال الديكي الذي يتلقاه عادة الأطفال.

وكان قد تم في الثاني عشر من هذا الشهر، ضمن فعاليات اللقاء السنوي للمجمع الأميركي للأمراض المعدية الذي عُقد في تورونتو، عرض نتائج مجموعة من الدراسات العلمية حول واقع الإصابات بالسعال الديكي في المجتمع الأميركي. وهو ما ينظر اليه العديد من الهيئات الطبية كمؤشر على مدى فاعلية اللقاح في الوقاية على مستوى المجتمع بشكل عام نظراً للتقدم في تطبيق نظم الرعاية الصحية، وكمؤشر آخر على مدى تأثر المجتمعات بعدم قبول البعض تلقي أبنائهم جرعات اللقاح المنصوح بها للأطفال في سن مبكرة من العمر. وهذا يستلزم العمل الصحي من جانبين، الأول يدور حول بذل جهود تُثمر قبول الآباء والأمهات بتلقيح صغارهم. والثاني كيفية حماية المراهقين والبالغين ممن تم تلقيحهم في السابق لكن ضعفت قوة مناعتهم ضد السعال الديكي مع مرور الوقت، وغدوا عُرضة بشكل أكبر للتأثر بوجود حالات من السعال الديكي ضمن أفراد المجتمع. أو ممن لم يتم تلقيحهم بالأصل لأسباب عدة. أو ممن هم مُصابون بضعف في جهاز مناعة الجسم ككبار السن ومرضى السكري ومن تمت لهم زراعة أعضاء ويتناولون أدوية مُضعفة قصداً للمناعة أو مرضى السرطان وغيرها من أمراض المناعة.

* إصابات متزايدة

* وتشير العديد من المصادر الطبية الى أن عدد حالات السعال الديكي في الولايات المتحدة كانت تبلغ حوالي ألف حالة سنوياً وذلك في منتصف سبعينات القرن الماضي، بينما المشكلة تبدو لنا جلية حينما نعلم أن إحصائيات عام 2004 في الولايات المتحدة تشير، وبعكس المتوقع والمأمول، الى أن عدد المصابين بهذا المرض، الذي قد يكون قاتلاً في بعض الحالات، بلغ في ذلك العام أكثر من 25 ألف حالة! كما أن بعض الدراسات المقدمة اخيرا أشارت الى ارتفاع الإصابات ضمن بعض الأقليات العرقية هناك. هذا بالإضافة الى أن إحدى الدراسات الأدق لاحظت أن عدد الحالات بلغ 39 حالة في عام 2001 في منطقة سياتل، وارتفع العدد في عام 2003 الى حد 280 حالة، أي أن ارتفاع المؤشر بلغة سوق الأسهم جاوز 700%! والأهم أن الإصابات غالبها حصل لدى الأطفال الرضّع ممن لم يتجاوزوا عاماً من العمر، في 65% منهم كانت إصابتهم بسبب عدوى من أحد أفراد أسرهم. ليس هذا فحسب، بل لو نظرنا الى عدد الإصابات بين من تجاوزوا العشرين من العمر لوجدنا أن العدد تضاعف 11 مرة، وبين من هم بين العاشرة والتاسعة عشرة تضاعف خمس مرات.

* سوء التشخيص

* كل هذا ليس أخطر ما في المشكلة، بل هو ما يقوله الدكتور كريستوفر كجازي من جامعة واشنطن بمدينة سياتل في ولاية واشنطن الأميركية. حيث قال: ثبت في دراستنا أن ثُلث الأطفال الرضّع المصابين بالسعال الديكي قد تم عرضهم على الأطباء أكثر من ثلاث مرات قبل أن يتوصل الأطباء هناك الى التشخيص الصحيح وبدء المعالجة السليمة. وأضاف ان الأطباء ببساطة لا يُفكرون في مرض السعال الديكي كأمر قد يُصاب الأطفال به، لكن يجب عليهم أن يضعوه في الحسبان لدى معاينة أي شخص يُعاني من سعال مستمر.

والمشكلة للمتأمل لها جانبان، الأول يتعلق بالجاليات الوافدة أو العرقية، والثاني يتعلق برفض أو إهمال بعض الآباء والأمهات تلقيح أبنائهم وبناتهم.

وأحد أسباب انتشار الأمراض المعدية في المجتمعات هو الحالة الصحية للوافدين اليها من الخارج أو لدى الأقليات العرقية اللصيقة بعضها ببعض. وفي إحدى الدراسات التي عُرضت في اللقاء المذكور آنفاً، وجد الباحثون أن من بين 160 حالة سعال ديكي لدى الرضع تحديداً ممن ظهرت في ثلاث مناطق في سان فرانسيسكو فيما بين عام 2000 الى 2004، كانت حوالي 50% بين منْ هم من ذوي الأصول الإسبانية اللاتينية. وفي 60% منها كان أحد الوالدين مصدر العدوى. وقالت كاثرين وايمور من برنامج كاليفورنيا لظهور الأمراض المعدية: إن حالات السعال الديكي ارتفعت خلال العقد الماضي، لكن الزيادة الحقيقية كانت في غضون السنوات الخمس الماضية. وأضافت بأن دراستنا تؤكد على أن الوالدين أو أياً من البالغين المحيطين بالأطفال عليهم تلقي جرعات منشطة من اللقاح الخاص بهذا النوع من الأمراض المُعدية.

وأشارت دراسة ثالثة الى أن حوالي 410 حالات ظهرت في فيلادلفيا خلال الستة أعوام الماضية، 43% منها أطفال رضّع، و42% منها بين السود، و45% منها بين ذوي الأصول الإسبانية. ولذا قالت الدكتورة إرني داسكالاكي من مستشفى سانت كرستوفر للأطفال في فيلادلفيا إن علينا حماية الأطفال المعرضين بشكل عال للإصابة، ومن أجل ذلك علينا تلقيح البالغين.

* إهمال الوالدين

* والمفترض أن يتلقى الأطفال الصغار لقاح السعال الديكي، لكن المناعة التي يُحققها تتدنى عند بلوغ مرحلة المراهقة. ما يتطلب أخذ جرعة منشطة في ذلك العمر لضمان مستوى جيد من مناعة الجسم ضد ميكروبات السعال الديكي.

وكانت مجلة الرابطة الأميركية للطب الباطني قد نشرت في عدد 11 أكتوبر الحالي بأن عدد الآباء والأمهات الذين يُبدون رفضهم تلقيح أبنائهم وبناتهم، ضد السعال الديكي أو غيره من الأمراض المعدية للأطفال، هو في واقع الحال في تزايد مستمر. وما يجعل الأمر سهلا عليهم في الرفض هو ان قوانين بعض الولايات الأميركية (19 ولاية) تُصنف اللقاحات تلك ضمن القرارات الاختيارية للوالدين وليس الملزمة لهم حفاظاً على سلامة صحة وأرواح أبنائهم. ومن المعلوم أن آراء الكثيرين تتأثر بمجرد الدعايات أو المقالات الصحافية التي تذكر بعضاً مما هو صحيح وكثيراً مما هو غير صحيح حول مضاعفات اللقاحات ومخاطر تلقي الأطفال لها. ونسبة الأطفال الذين لا يتلقون اللقاحات زادت بمقدار 260% فيما بين عام 1991 وعام 2004، كما يقول الباحثون من جامعة جون هوبكنز الأميركية. وأضاف الدكتور سعيد عمر المدير المساعد في مؤسسة جون هوبكنز لأمان اللقاحات بأن السعال الديكي أُخذ كمثال في الدراسة التي تبين مدى رفض الوالدين تلقي أبنائهم للقاحات وأثر ذلك على صحتهم وصحة المجتمع ككل لأن المرض كما قال مرض يُمكن نسبياً الحد من انتشاره، ويُوجد ضده لقاح منذ مدة طويلة، ولم يتم التخلص من المرض في الولايات المتحدة. وأضاف بأن المرض أكثر انتشاراً في الولايات التي تُسهل قوانينها عدم تلقي اللقاح.

وقد أدى هذا بالنتيجة الى التزايد المستمر في أعدد إصابات الأطفال بالسعال الديكي في المجتمع الأميركي، والزيادة في أمراض معدية أخرى، كما سبق لي الحديث عنه قبل بضعة أشهر في صفحة الأسرة بملحق الصحة في الشرق الأوسط عند ظهور حالات وبائية من النكاف (أبو كعب) في العشرات من الولايات الأميركية وتجاوز العدد الألف شخص آنذاك، خاصة بين المراهقين والبالغين.

* السعال الديكي.. اللقاح لحماية الأطفال من مرض سريع العدوى > يتسبب مرض السعال الديكي بالتهاب أنسجة الأغشية المبطنة لمجاري الهواء في لجهاز التنفسي، خاصة الأجزاء العلوية منه في الحلق والحنجرة. والبكتيريا المتسببة في المرض Bordetella pertussis شديدة الانتقال وعدوى الناس من المرضى المُصابين به. وتُؤكد الرابطة الأميركية للطب الباطني على أن المرض قد يتسبب في وفاة المصاب ما لم تتم معالجته. وتنتقل البكتريا هذه عبر رذاذ هواء التنفس الخارج مع سعال أو عطس المصابين. والأطفال الرضع، دون سن سنة من العمر، هم أكثر عُرضة لتقبل العدوى وللمعاناة من المرض إذا أصابهم. لكن حتى المراهقين والبالغين قد يُصابون، وهو ما قد يُشخص على أنه مجرد التهابات معتادة في الجهاز التنفسي.

وتبدأ الأعراض على المريض بالظهور خلال 3 الى 12 يوما من دخول البكتيريا الى الجسم. والأعراض المبدئية قد تستمر حتى أسبوعين على هيئة احتقان في الأنف وسيلان منه وعطس واحمرار في العين وارتفاع طفيف في درجة الحرارة.

بعد هذا تبدأ مرحلة السعال الجاف، الذي يتطور الى حد نوبات من السعال المتواصل مع تشنجات انقباضية في العضلات المحيطة بأنابيب مجاري هواء التنفس. وخلال النوبات تلك من السعال الشديد قد يتدلى اللسان الى الخارج وتشخص العينين ويتغير لون الوجه. وتتميز نوبات السعال بشهيق صعب للهواء من خلال مجاري الهواء المتضيقة، ما يصدر عنه صوت أشبه بصياح الديك. لكن هذا الصوت المميز للسعال في المرض، والذي من أجله يُدعى بمرض السعال الديكي، قد لا يظهر على الأطفال في سن ما دون ثلاثة أشهر خلال شهيقهم أثناء نوبات السعال.

وتشمل التداعيات حالات من الاختناق أو نوبات من التشنج الأشبه بالصرع أو التهابات الأذن، والأخطر أن ينتقل المرض الى أنسجة الرئة والتهابها بالبكتيريا تلك.

وتعتمد المعالجة على تلقي المضادات الحيوية الصحيحة للبكتيريا المسببة. والتي قد تُوصف أيضاً الى الأفراد الآخرين في منزل المريض لمنع إصابتهم أو علاجهم في البدايات ومنع بالتالي انتشار المرض الى الآخرين في المجتمع. ويجب عزل المريض لمدة خمسة أيام من بدء تناول المضاد الحيوي، خصوصاً اقتراب الأطفال الرضع منه.