مخاطر التهاب القرنية لدى مستخدمي العدسات اللاصقة

محلول التنظيف يسببها.. ودراسات تشير إلى أن عمليات الليزر أكثر أمنا لتعديل البصر

TT

المقولة التقليدية بأن استخدام العدسات اللاصقة هو طريقة أكثر أماناً من إجراء عمليات الليزر لتعديل قصور قدرات الإبصار لدى الإنسان، يبدو أنها لم تعد مقولة مقبولة لدى أطباء العيون كما كان في السابق. وتأتي هذه النتائج العلمية بعد فضيحة حالات التهابات القرنية نتيجة استعمال مستخدمي العدسات اللاصقة لمحلول تنظيف وترطيب العدسات الذي تصنعه إحدى كبريات شركات إنتاج العدسات اللاصقة ومستلزمات العناية بها في العالم.

ووردت النتائج في التقرير الذي نشرته مجلة الرابطة الأميركية للطب الباطني في عدد الأسبوع الأخير من أغسطس الماضي وأعده الباحثون في مراكز السيطرة على الأمراض ومنع انتشارها بالولايات المتحدة. هذا مع العلم أنه في مجتمع واحد كالولايات المتحدة، دون بقية أنحاء العالم، يُوجد حوالي 34 مليون مستخدم للعدسات اللاصقة مقارنة مع حوالي مليون شخص فقط أُجريت لهم عمليات الليزر لتصحيح الإبصار.

* التهابات ميكروبية

* نشرت مجلة الرابطة الأميركية للطب الباطني في عدد الأسبوع الأخير من أغسطس الماضي التقرير النهائي لمراكز السيطرة على الأمراض ومنع انتشارها بالولايات المتحدة حول الانتشار الوبائي لحالات التهابات العين بالميكروبات نتيجة استخدام محاليل طبية خاصة للعناية بالعدسات اللاصقة من إنتاج إحدى كبريات الشركات العالمية في مجال العدسات اللاصقة ومحاليل تنظيفها.

وأعلن الباحثون الحكوميون في تقريرهم أن الانتشار الوبائي الحديث لحالات الالتهابات الحادة مرتبط في واقع الأمر بخلل في إنتاج شركة واحدة لمكونات أحد محاليل تنظيف العدسات اللاصقة، وأن ثمة تفاعلاً كيميائياً يحصل عند استخدام تلك النوعية من المحاليل ويتسبب بالتالي في سهولة إصابة أعين المستهلكين بالالتهابات الميكروبية الحادة تلك. ولذا فإنهم يعتقدون أن التهابات الأعين بالفطريات وإن كانت قد حصلت في منازل أولئك المستهلكين، إلا أن تركيبة السائل الكيمائية هي المسؤولة عن تسهيل حصولها.

وقال الدكتور بنيامين بارك، كبير واضعي التقرير والضابط الطبي في مراكز السيطرة على الأمراض المتقدم الذكر، بأننا نعتقد أن هناك شيئاً ما حول الإنتاج الكيميائي لذلك المحلول، وهو ما سمح للفطريات أن تنمو وتتكاثر، وبالتالي تتسبب في الالتهابات. وبالرغم من أننا لا نعلم آلية حصول ذلك بالضبط، إلا أن من المهم أن لا يستخدم المستهلكون ذلك النوع من المحاليل.

والمعروف أن تداعيات الإصابة بالتهابات ميكروبية في القرنية هي أنها قد تُؤدي إلى العمى ما لم تتم عملية إزالة للقرنية التالفة بفعل الميكروبات ثم زراعة قرنية أخرى مكانها. وأن خطورة التعرض لتلك الحالات لدى مستخدمي العدسات اللاصقة، وفق الإحصاءات في المجتمع الأميركي، تصل إلى حد 21 حالة لكل عشرة آلاف مستخدم للعدسات اللاصقة. وتتضخم الخطورة عند استخدام العدسات اللينة، وعدم خلعها أثناء النوم، وحال عدم اتباع التعليمات الطبية في كيفية الاستخدام السليم لها.

* قصة الفضيحة

* والقصة الأخيرة بدأت في فبراير الماضي، حينما ذكرت التقارير الطبية من سنغافورة وهونغ كونغ ارتفاعاً غير طبيعي ومريباً في أعداد من أُصيبوا بالتهابات فطرية في قرنية العين، ممن أبلغوا أنهم كانوا يستخدمون محلول العدسات اللاصقة التي تُنتجه الشركة تلك. وبدءا من مارس الماضي، توالت البلاغات إلى مراكز السيطرة على الأمراض في الولايات المتحدة حول حالات مماثلة من التهابات قرنية العين بالفطريات بين مستخدمي العدسات اللاصقة في داخل الولايات المتحدة.

ثم في مايو الماضي، وبعد تقرير مبدئي لتحقيقات مراكز السيطرة على الأمراض، أعلنت الشركة المنتجة لأول مرة اعترافها المتأخر بأن إحدى المواد في محاليل الترطيب التي تُنتجها تعمل على رفع خطورة الإصابة بالتهاب قرنية العين. لكنها أصرت على القول آنذاك بأن ذلك يحصل فقط في «ظروف غير معتادة».

والجيد في الأمر، أن الباحثين في وضع تقرير مراكز السيطرة على الأمراض تتبعوا جميع حالات التهابات القرنية الثابتة. التشخيص بدأ في الأول من يونيو عام 2005 وحتى نهاية الثلاثين من يونيو 2006. وتم رصد 164 حالة تم التعرف عليها في 33 ولاية.

والمحزن في النتائج أن ثُلثهم (34%) تلفت لديهم القرنية تماماً، وتطلبت معالجتهم من العمى الناجم عن ذلك الالتهاب الخضوع لإجراء عملية زراعة للقرنية. وأن 94% منهم كانوا يستخدمون عدسات لاصقة من النوع اللين المرن.

وفي الدراسة المقارنة للباحثين من مراكز السيطرة على الأمراض تبين أن 96% منهم كانوا استخدموا بالفعل ذلك النوع من المحاليل التي تنتجها الشركة تلك.

وفي محاولة من الباحثين لمعرفة مصدر الوباء، لم يتبين لهم وجوده في المصنع المنتج أو في العبوات المغلقة، غير المفتوحة، من ذلك السائل. لكن التحريات الطبية لا تزال تجرى لمعرفة المصدر. بيد أن تحليل نوعية الفطريات تلك لدى 39 حالة أظهرت أن هناك عشرة أنواع منها مختلفة الأصول الجينية، ما يعني أن ثمة مصادر عدة ومختلفة للميكروبات تلك.

لكن الدكتور بارك أعاد التأكيد على أن الباحثين لا يعتقدون أن السبب في حصول الوباء هي أمور تتعلق بقواعد النظافة الشخصية فقط لدى مستخدمي ذلك المحلول. بل من المؤكد أن أهم جزء في ظهور الوباء كان بكل وضوح هو ذلك المحلول. في إشارة منه إلى أنه حتى وإن كانت أنواع الفطريات التي أُصيب بها مُستخدمو المحلول مختلفة، وحتى إن كان المصنع وعبوات المحلول المغلقة خاليين من الفطريات، إلا أن ظهور الإصابات بشكل وبائي بين مستخدمي المحلول يشير بوضوح إلى أن ثمة خللاً إنتاجيا في تركيب المحلول، الأمر الذي يجعل من المحلول بيئة مناسبة لنمو وتكاثر الفطريات عند غمر العدسات فيه أو استخدامه في تنظيفها.

* مخاطر الالتهابات لا يُفيد فيها الندم > ان تصحيح النظر بالعدسات اللاصقة يتطلب عناية بنظافتها وكيفية استخدامها. وتُشدد الأكاديمية الأميركية لطب العيون على أن العدسات اللاصقة التي لا يتم تنظيفها وتعقيمها بعناية قد تكون سبباً في ارتفاع خطورة إصابة العين بالالتهابات الميكروبية. كما أن العدسات القديمة أو غير القادرة على الثبات فوق قرنية العين قد تكون السبب في حصول خدوش في العين تُؤدي إلى نمو الشعيرات الدموية بشكل يُغطي أجزاء من القرنية.

وكل أنواع قطرات العين، ما عدا ما ينصح الطبيب به من قطرات ترطيب العين، يُمكن أن تتفاعل بشكل سلبي مع العدسات اللاصقة. ولذا يجب نزعها قبل وضع القطرات العلاجية في العين.

ويجب عدم استخدام العدسات اللاصقة من قبل من تكرر لديه التهاب ميكروبي في العين أو لديه حساسية مفرطة، أو مُصاب بجفاف في العين من الصعب معالجته، أو أن طبيعة عمله تجعله في ظروف مناخية من الغبار والأتربة، أو أن من الصعب على المرء العناية بتنظيفها ومراعاة الطريقة الصحيحة في استخدامها،، كما يحصل مع الأطفال أو المرضى المصابين بأمراض مزمنة في مفاصل اليدين أو غيرها من الحالات النفسية.

والعناية الصحية باستخدام العدسات اللاصقة كما تقول الأكاديمية تعتمد على عناصر عدة، أهمها أن أيّ عدسة لاصقة يتم نزعها عن العين يجب أن يتم تنظيفها وتعقيمها قبل إعادة وضعها على العين. وطريقة التعقيم والتنظيف يتم تلقيها مباشرة من الطبيب قبل البدء باستخدام العدسات اللاصقة، لأن حصول الالتهاب الميكروبي قد يحصل حتى من أول مرة يضع المرء العدسات اللاصقة على عينه. ويجب الحصول على المحاليل الصحيحة دون التي يُعدها البعض في المنزل كما من الملح والماء أو غيرهما. كما أن وعاء وضع العدسة اللاصقة يجب العناية بنظافته وتعقيمه، من خلال الشطف بالماء ومسحه وتركه حتى يجف.

وحين حصول أي التهاب أو تهيج في العين أثناء وضع العدسات اللاصقة فمن الضروري نزعها مباشرة وعدم إعادة وضعها على العين، ثم الاتصال بالطبيب والوصول إليه. مع الاهتمام بعدم التخلص من العدسات تلك بل وضعها في وعائها وعرضها على الطبيب. وعلامات الالتهاب أو التهيج تشمل الإحساس بعدم الراحة في العين، مع زيادة إفراز الدمع أو إفرازات ثخينة أخرى من العين، وحكة أو حرقة أو شعور بأن ثمة كحبات الرمل بين العين وباطن الجفون، وظهور احمرار في العين أو عدم وضوح في الرؤية أو انتفاخ العين والألم فيها.

* عدسات لاصقة أم عملية بالليزر.. جدال من دون نتائج حاسمة > كانت مجلة أرشيفات طب العيون الأميركية قد نشرت في عدد أكتوبر الحالي المراجعة العلمية المقارنة لنتائج الدراسات الحديثة الواسعة بين استخدام العدسات اللاصقة أو إجراء عمليات تصحيح النظر باستخدام تقنيات الليزر. وعرضت دراسة الباحثين من جامعة أوريغن للعلوم والصحة بالولايات المتحدة أن احتمالات تضرر البصر وقدرات الرؤية أكبر حال استخدام العدسات اللاصقة مقارنة بعمليات الليزر لتصحيح الإبصار. وقال البروفسور وليم ماثرز، الباحث الرئيس في الدراسة والذي أيضاً كان قد رأس سابقاً رابطة أطباء العيون للعدسات اللاصقة في الولايات المتحدة، بأنه يُعاين في عيادته مرضى مصابين بمضاعفات الالتهابات الميكروبية نتيجة استخدامهم للعدسات اللاصقة، ما يعني أن عيونهم عرضة لأن لا تعمل بشكل طبيعي. هذا مع تأكيده بأنه لا يقصد أن العدسات اللاصقة سيئة على الدوام، لكن الإنسان لا يستطيع القول بأنها آمنة الاستخدام.

وأضاف الباحثون في الدراسة القول بأن مخاطر العدسات اللاصقة لا يُمكن النظر إليها بطريقة آنية مباشرة، بل ان مضاعفات استخدامها شيء يتراكم عبر السنوات، بينما مضاعفات عمليات الليزر تبدو مباشرة بعد العملية.

والمعلومات، على حد قولهم، الواردة في دراسة نُشرت بمجلة لانست العلمية اخيرا ، تقول بأن الالتهابات البكتيرية للقرنية تُصيب 1% ممن يضعون العدسات اللاصقة يومياً، ما قد يُؤدي إلى فقدان البصر. وكانت دراسة العسكريين الواسعة حول عمليات تصحيح النظر بالليزر قد شملت أكثر من 32 ألف شخص من أفراد القوات المسلحة الأميركية، ونُشرت نتائجها في مجلة طب العيون الأميركية. وتبين أن فقد مقدار خط واحد من الإبصار يُصيب واحداً من بين كل 1250 حالة تتم لها العملية. بينما فقد خطين أو أكثر هو أقل ندرة في الحصول. وتحديداً فإن فقد خطين من قدرات الإبصار وفق دراسة الباحثين من جامعة أوريغن التي استمرت 10 أعوام، لا تتجاوز نسبة حصوله واحداً لكل 18 ألف عملية. ولذا عقب البروفسور ماثرز بالقول حتى في حال الاستعمال المثالي للعدسات اللاصقة فإن مخاطر حصول الالتهابات البكتيرية لا يزال قائماً طوال الوقت، ونتائج مراجعتنا لعمليات الليزر تؤكد نتائج دراسة العسكريين. وأضاف القول بأن عمليات الليزر هي آمنة، بل هي أكثر أماناً من الاستخدام الطويل للعدسات اللاصقة.