الإصابة بالصدفية تزيد من عوامل خطورة أمراض القلب

في دراسة طبية إحصائية أميركية موسعة

TT

في دراسة تم نشرها ضمن عدد ديسمبر من مجلة الرابطة الأميركية لطب الجلدية، يقول الباحثون من جامعة بنسيلفينيا إن المعاناة من الإصابة بمرض الصدفية Psoriasis يرفع من احتمالات الإصابة بعدد من عوامل خطورة الإصابة بأمراض شرايين القلب، خاصة مرض السكري، والسمنة، وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع معدلات الكولسترول، وكذلك الإقبال على التدخين.

والنتائج الحالية للدراسة التي تُعد الأكبر في العالم، حيث شملت أكثر من 700 ألف إنسان، تقترح القول بأن الإصابة بالصدفية مرتبطة بمفاتيح الإصابة بأمراض شرايين القلب، وأن العلاقة بينهما طردية، بمعنى أنه كلما ازدادت شدة وحدة أعراض عمليات الصدفية على الجلد وغيره من مناطق الجسم، كلما ارتفعت احتمالات التعرض لتأثيرات عوامل خطورة الإصابة بأمراض القلب.

هذه النتائج، باختصار شديد في العبارة، مهمة جداً. وذلك للأطباء المعالجين لحالات الصدفية وللمرضى أنفسهم على السواء من جانب، ولأطباء القلب من جانب آخر. لأن عوامل خطورة الإصابة بأمراض شرايين القلب المتقدمة الذكر والمرتبطة على حد قول نتائج دراسة باحثي ولاية فيلاديلفيا الأميركية تقودنا إلى محصلة مفادها أن معالجة مرضى الصدفية يجب أن تأخذ منحى أكثر وضوحاً في الغاية الاستراتيجية من ناحية وقاية المرضى من أمراض الشرايين التاجية من جانبين: الأول خفض حدة تفاعل مرض الصدفية للتخفيف من ظهور عوامل الإصابة بأمراض الشرايين القلبية. اما الثاني فهو الاهتمام، في حال وجود العوامل تلك لدى مرضى الصدفية، بصحة القلب والوقاية من تداعيات الإصابة بأمراض شرايينه.

وقال الدكتور جول غيلفاند، الباحث الرئيس من جامعة بنسيلفينيا، إن نتائج دراساتنا تقول بأنه يجب النظر إلى الإصابة بالحالات الشديدة من الصدفية على أنها أحد العوامل المستقلة، أي التي قد تُؤدي بذاتها دون وجود أي عوامل أخرى كالسكري أو ارتفاع ضغط الدم مثلاً، في نشوء أمراض شرايين القلب والنوبات القلبية. وأضاف بأنه لذلك يجب إجراء الفحوصات والتحاليل اللازمة لرصد مدى تأثر الشرايين القلبية وعلامات المرض فيها لدى مجموعة مرضى الصدفية وكذلك مدى وجود عوامل خطورة الإصابة بأمراض شرايين القلب لديهم. ومن ثم معالجتها بشكل تام وصحيح.

دراسة ونتائج

* وقام الباحثون بمتابعة حوالي 128 ألف مُصاب بدرجة متوسطة من مرض الصدفية، وحوالي 4 آلاف مُصاب بالدرجات الشديدة من الصدفية أيضاً. وتمت مقارنتهم بمجموعة تفوقهم إلى حد خمسة أضعاف في العدد من الناس العاديين السليمين من الصدفية، وتحديداً حوالي 600 ألف إنسان. واستغرقت المتابعة الطبية لهم جميعاً 5.4 سنة.

ولاحظ الباحثون من النتائج أن مرض السكري متفشً بين مجموعة المُصابين بالصدفية الشديدة بنسبة 7.1% والصدفية المتوسطة بنسبة 4.4% في حين أن تفشي السكري في المجموعة السليمة من الصدفية لم يتجاوز 3.3%، ما يعني أن نسبة الإصابة بمرض السكري تبلغ أكثر من الضعف لدى المُصابين بالصدفية الشديدة مقارنة بالسليمين منها أصلاً.

وكذلك لاحظوا أن الإصابة بحالات ارتفاع ضغط الدم بلغت حوالي 20% لدى المُصابين بالصدفية الشديدة، و%14.7 لدى المُصابين بالصدفية المتوسطة، في حين أنها لم تتجاوز%11.9 لدى السليمين من الصدفية. ما يُظهر نسبة الضعف لدى المقارنة بين المُصابين بالصدفية الشديدة والسليمين منها عند النظر إلى ارتفاع ضغط الدم.

وحينما تتبعوا مدى انتشار حالات ارتفاع نسبة كولسترول الدم، تبين أن الإصابة بالصدفية الشديدة مرتبطة بارتفاع الكولسترول لدى 6% منهم، ولدى %4.7 من المصابين بالصدفية المتوسطة القوة، بينما النسبة لدى السليمين من الصدفية هي 3,3%. أي أنها أيضاً بنسبة الضعف بين المُصابين بالصدفية الشديدة وبين السليمين منها.

وتبن أيضاً من النتائج أن حوالي 21% من المصابين بالصدفية الشديدة، وحوالي 16% من المصابين بالصدفية المتوسطة هم من البدينين، في أن نسبة البدينين لم تتجاوز %13.2 لدى السليمين منهما.

كما تبين من المسح الإحصائي للمجموعات الثلاث أن 30% من المُصابين بالصدفية الشديدة هم مدخنون، و 28% من المصابين بالصدفية المتوسطة كذلك، بينما 21% من السليمين من الصدفية يُدخنون.

وبجمع النتائج يتضح أن الصدفية الشديدة مرتبطة بارتفاع نسبة الإصابة بالعوامل المشكلة للخطورة في نشوء الإصابة بأمراض الشرايين القلبية مقارنة بالناس السليمين منها.. وأن تفشيها مرتبط أيضاً بمدى شدة الإصابة بالصدفية نفسها عند المقارنة بين الإصابة الشديدة بالصدفية والإصابة المتوسطة بها.

مرض الصدفية

* وكان الدكتور غلفاند قد نشر في وقت سابق هذا العام نتائجه المبدئية لدراسة تأثير الصدفية في نشوء الإصابة بنوبات القلب، وخلص منها الى ضرورة الاهتمام بهذا الجانب لدى صغار السن من مرضى الصدفية.

وقال في معرض تعليقه على دراسته المنشورة في عدد 11 أكتوبر من مجلة رابطة الطب الباطني الأميركية بأن نتائج دراسته تعتبر فريدة، وتحتاج إلى مزيد من التعمق في البحث لتأكيدها وتحديد أيضاً تطبيقاتها العلاجية.

ووفق ما ذكره في دراسته تلك فإن مرض الصدفية عبارة عن اضطراب في عمل نوع معين من خلايا المناعة يُدعى بخلايا تي المساعدة T-helper cell، وأن الإصابة بالنوبات القلبية مرتبطة من جوانب بعمل الخلايا المناعية تلك. وأضاف بأن الدراسات السابقة قد لاحظت الربط بين الصدفية وبين النوبات القلبية، لكنها ملاحظات تمت على مرضى المستشفيات ولم يتم تأكيدها بدراسات ميدانية إحصائية بين عامة الناس.

وذكر الباحثون في نتائج دراستهم المبدئية، والتي استكملت نتائجها في الدراسة الحديثة المتقدمة، بأن نسبة احتمالات الإصابة بالنوبة القلبية لدى المُصابين بالحالات الشديدة من الصدفية تبلغ 2.9 خلال 5.4 سنة من المتابعة، بينما النسبة لدى الناس السليمين من الصدفية لا تتجاوز %2 ما يعني حوالي 30% زيادة في خطورة الإصابة.

لكن الباحثين لاحظوا أمراً آخر جديراً بالذكر والتحليل العلمي، وهو أنه كلما تقدم عمر الإنسان المصاب بالصدفية الشديدة كلما قلت الإصابة بالنوبة القلبية. وتحديداً فإن منْ عمره في الثلاثينات وهو مُصاب إما بالصدفية الشديدة عُرضة بنسبة ثلاثة أضعاف للإصابة بالنوبة القلبية مقارنة بالإنسان الطبيعي في نفس العمر. أما من كان كذلك وهو في الستينات فهو عرضة بنسبة 1.4 ضعف للإصابة بالنوبة القلبية مقارنة بمن هو سليم من الصدفية وفي نفس العمر. وتصيب الصدفية الملايين من الناس في أنحاء شتى من العالم. وبالرغم من أنه مرض لا يُهدد حياة الإنسان غالباً، إلا أنه يُسبب الألم والإعاقة إضافة إلى الآثار النفسية والاضطرابات العاطفية.

وينشأ المرض الجلدي المزمن هذا حينما تتسارع وتيرة دورة حياة خلايا الجلد. والمعروف أن خلايا الجلد الطبيعية تنمو ثم تموت وتتحول إلى طبقة يُزيلها الجسم كي تحل محلها خلايا جديدة، وهو ما يتم عادة عبر أسابيع. لكن في حالة الصدفية فإن الأمر هذا يتم خلال بضعة أيام. ويأخذ المرض دورات من فترة الخمود التي تعقبها فترة الهيجان. ولا يُوجد علاج يشفي تماماً من المرض، لكن ما هو متوفر كفيل بتهدئة الحالات المتهيجة والسيطرة عليها.