عدوى المستشفيات مقلقة عالمياً.. وحماية المرضى من الأطباء أصبحت ضرورة

الإصابات المكتسبة ببكتيريا السوبر تتجاوز مليوني حالة سنويا في الولايات المتحدة

TT

بينما لا يتسبب مرض الأيدز إلا في حدوث نسبة 25% من الوفيات، فان نسبة الوفيات بين نزلاء المستشفيات المصابين بالبكتيريا الفائقة (السوبر) من ضمن فصائل سلالات بكتيريا ستافلوكوكس، وصلت الى 63% الآن مقارنة بـ 2% في السبعينيات، وفقا للدراسات الطبية. والمُؤسف أن المرضى الذين يدخلون المستشفيات نظيفين من إصابة هذه البكتيريا، سرعان ما يغدون فريسة سهلة لها في المستشفيات، التي تقدم البكتيريا هدية ممجوجة لهم بدل تقديمها وسائل الشفاء من الأمراض وأسباب بلوغ ذلك! وبعبارة أخرى يدخل المريض المستشفى كي يكتسب عدوى بكتيريا شرسة تتسبب بأضعاف وفيات الإيدز. عدد المصابين سنوياً يتجاوز 2 مليون شخص بين نزلاء مستشفيات أحد أكثر الدول تقدماً طبياً في العالم، وليس بين نزلاء مستشفيات دول متأخرة من الناحية العلمية الطبية. والمشكلة لا تكمن في مدى التقدم العلمي ولا مدى توفر الكفاءات العلمية الطبية ولا الإمكانيات المادية ولا غيرها، بل في أمور أبسط من هذا كله. هل من المعقول أن كل الوفيات السنوية تلك هي نتيجة عدم غسل الأطباء والممرضات لأيديهم قبل وبعد فحص كل مريض؟ نعم، وأنها نتيجة لأنهم لا يُنظفون السمّاعة الطبية أو أجهزة قياس ضغط الدم أو غيرها مما يُستخدم بالتناوب بين المرضى، ولأن المستشفيات لا تهتم كما يجب بوسائل كشف بسيطة لمعرفة منْ من الناس يحملون في أجسامهم بكتيريا غاية في الشراسة حينما تخترق الجلد وغاية في الخمول حينما تنام وترتع فوقه.

* ميكروبات العناية المركزة وتحديداً فإن الباحثين من جامعة جون هوبكنز قد أكدوا في عدد 28 ديسمبر من مجلة نيو أنغلند للطب أن من بين الحالات التي يتم لها تركيب قسطرة في أحد الأوردة المركزية والكبيرة، فإن أكثر من 80 ألف حالة تسمم للدم بالميكروبات تحصل سنوياً، ما ينتج عنه حوالي 28 ألف وفاة على حد قولهم في الدراسة. وأن معدل كلفة علاج كل واحدة من الحالات هذه تحديداً هو حوالي 45 ألف دولار. ويقول الدكتور بيتر برونوفوست، الباحث الرئيس في الدراسة وبروفسور الباطنية، إنها مشكلة كبيرة، ففي كل قسم من أقسام العناية المركزة في البلاد، يتضرر المرضى أسبوعياً بهذه الالتهابات الميكروبية. وأضاف بأنه وفريق البحث معه قاموا بالتركيز على تحسين أداء فريق العمل لواجباته، حيث يعمل الأطباء وطاقم التمريض جنباً إلى جنب، ما يتطلب تعاونهم في التدقيق على التأكد من أن تتم خطوات وضع القسطرات هذه في الأوردة الكبيرة وفق ما هو سليم، واتباع إرشادات الوقاية من العدوى بالميكروبات، لعل أبسطها ارتداء قبعة طبية على الرأس.

وقام الباحثون، بشكل خاص، بالطلب من الأطباء وطاقم التمريض اتباع خمس خطوات أساسية في تقليل العدوى بالميكروبات، وهي غسل اليدين جيداً بالماء، واتخاذ وسائل عزل تام خلال تثبيت القسطرة داخل الوريد كالقفازات وارتداء ثوب معقم وكمامة على الفم والأنف وغطاء للرأس وغيرها، وتنظيف منطقة الجلد جيداً بمحلول كلورهيكسودين المُعقم، وتجنب وضع قسطرة الوريد في منطقة أعلى الفخذ للوصول إلى الوريد الفخذي، وإزالة أي قسطرة وريدية لا تستدعي الحاجة العلاجية بقاءها.

ما أثبته الباحثون في الدراسة هو أن كل الالتهابات الميكروبية يُمكن منع حصولها باتباع وسائل بسيطة وغير مُكلفة في أداء العمل بدقة. وعلق الدكتور ريتشارد وينزل، رئيس قسم الباطنية في جامعة فيرجينيا كومنويلث والمُشارك في الدراسة، بإن هذه النتائج تُؤكد جدوى اتباع إرشادات النظافة، وأن العمل بشكل فريق هو أمر حيوي.

وأكدت الدكتورة جين سيغال، بروفسورة طب الأطفال والأمراض المُعدية بالمركز الطبي لجامعة ساوثويست تكساس في دالاس بولاية تكساس الأميركية، إن ثمة دراسات من هذا النوع لكنها كانت في مراكز طبية منفصلة، والدراسة الجديدة شملت العشرات من المراكز الطبية، وأثبتت نجاحها ما يعني أنه يجب تعميم تطبيق الخطوات فيها أثناء تثبيت القسطرة في قسم العناية المركزة. وأضافت بأن على المرضى أو مرافقيهم التأكد من مدى اتباع الأطباء لوسائل النظافة وتغيير ملابسهم وغيرها من وسائل تقليل حصول الالتهابات الميكروبية.

وكانت مجلة أرشيفات الطب الباطني الأميركية قد نشرت في عدد 9 أكتوبر الماضي أن مرضى العناية المركزة عرضة بنسبة عالية لالتقاط ميكروبات من المرضى السابقين لهم في شغل الغرف تلك. وشملت دراسة الباحثين من جامعة هارفارد أكثر من 8200 مريض شغلوا ثماني غرف عناية مركزة فيما بين عام 2003 و2005، ومعدل أعمارهم 61 سنة.

* أخطر الميكروبات وقال الباحثون إن اخطر الميكروبات التي قد تُصيب المرضى في أقسام العناية المركزة هي ستافلوكوكس المقاومة لمضاد ميثاسيلين الحيوي methicillin-resistant Staphylococcus aureus (MRSA) وبكتيريا إنتروكوكس المقاومة لمضاد فانكومايسن الحيوي vancomycin-resistant enterococci (VRE). وتبين منذ البداية أن 1000 مريض دخلوا غرف العناية المركزة وهم يحملون بكتيريا ستافلوكوكس تلك، و700 مريض يحملون بكتيريا إنتيروكوكس تلك أيضاً. وبالرغم من الحرص على تنظيف الغرف بعد مغادرة المرضى الحاملين لتلك الميكروبات عند دخولهم إلى العناية المركزة، إلا أن حوالي 5% ممن شغلوا الغرف من بعدهم أُصيبوا ببكتيريا ستافلوكوكس، و4% أُصيبوا ببكتيريا إنتيروكوكس.

ما يعني أن ثمة قصوراً في فاعلية تنظيف الغرف في أقسام العناية المركزة للحد من انتقال عدوى الميكروبات تلك أو غيرها.

وفق ما تشير إليه الإحصائيات الحديثة لمراكز السيطرة على الأمراض ومنع انتشارها في الولايات المتحدة فإن الإصابة المكتسبة ببكتيريا السوبر تتجاوز سنوياً مليوني حالة. وذلك فيما بين مرضى مستشفيات الولايات المتحدة، الذين يدخلون إليها بالأصل سليمين من تلك البكتيريا. وتمثل الإصابة بأنواع سلالات بكتيريا ستافلوكوكس إيوريس Staphylococcus aureus، القادرة على مقاومة مفعول المضادات الحيوية، ثلثي حالات الإصابة بالعدوى البكتيرية المكتسبة في المستشفيات، ما يعني أن ثمة نسبة عالية لأنواعها الشرسة في التسبب بعموم الالتهابات الميكروبية التي تطال المرضى المنومين في المستشفيات. والمعروف أن بكتيريا السوبر تكتسب قدرة مقاومة مفعول المضادات الحيوية حينما تعمد إلى تطوير بنيتها أو أنظمتها الكيميائية الحيوية. الأمر الذي يُمكنها من البقاء على قيد الحياة بالرغم من هجمة المضادات الحيوية عليها. وكانت إدارة الغذاء والدواء الأميركية قد قالت في أكتوبر الماضي: إن ثمة ارتفاعاً بشكل حاد في حالات الإصابة ببكتيريا السوبر خلال الثلاثين عاماً الماضية، إذْ في عام 1972 لم تكن تمثل بكتيريا ستافلوكوكس المقاومة للمضادات الحيوية سوى 2% من مجمل سلالاتها. لكن بحلول عام 2004 أصبحت تلك السلالات المقاومة لمفعول المضاد الحيوي المُستخدم في القضاء عليها من نوع ميثاسيلين، تمثل 63% منها! ليس هذا فحسب، بل ثمة حالات بدأت بالظهور تُقاوم فيها سلالات هذه البكتيريا السوبر حتى مفعول مضاد فانكومايسن الحيوي. وهو مضاد حيوي يُستخدم عادة بشكل واسع، كخط دفاع ثان، في معالجة الإصابة ببكتيريا ستافلوكوكس السوبر عموماً. وأكدت الإدارة أن هذه مشكلة بدأت بالظهور في المستشفيات ودور الرعاية الطبية كالتي للعناية بالعجزة أو لغسيل الكلى.

وأضافت تلك الإحصاءات أنها غدت تُؤدي سنوياً إلى وفاة أكثر من 100 ألف شخص في الولايات المتحدة وحدها. مع تأكيدها أن النسب بين دول العالم لا تختلف إلا بشكل طفيف. وهي خسائر لا يُعرف كيف يُمكن للاقتصاد الطبي أن يُقوم ثمنها بالمعايير المادية، لكن ما هو معروف بصفة أكيدة أن معالجة حالات الإصابات البكتيرية تلك تتسبب في استنزاف مادي لخدمات المستشفيات، يصل في كل عام إلى حوالي 5 مليارات دولار في الولايات المتحدة وحدها. وتحديداً نشرت المجلة الأميركية للجودة الطبية في شهر ديسمبر الماضي نتائج دراسة أميركية تُؤكد أن معدل الكلفة المادية يربو على 27 ألف دولار لمعالجة المُصاب الواحد بهذه العدوى، التي تُعتبر، بكل المعايير، إصابات من السهل منع حصولها.

هذه الحقائق تصطحبها حقيقة أخرى أشد غرابة وهي أن أكثر الإصابات حصلت في أقسام العناية المركزة، أي في أكثر الأقسام اتباعاً للإرشادات الطبية في العناية بالمرضى، وأقلها دخولاً لزوار ومرافقي المرضى.

و يقول الدكتور لانس بيترسون، رئيس قسم علم الأوبئة في مستشفى إيفانستون نورث وست بضواحي شيكاغو، إن كثيراً من مديري المستشفيات لا يُدركون مدى الكلفة المادية العالية لهذه الأنواع من عدوى الإصابات.

وهكذا فإن وفيات العدوى بأنواع البكتيريا هذه، التي قُدمت للمرضى من قبل المستشفيات وطاقمها الطبي، تجاوز ضحاياها في الولايات المتحدة ضحايا الإصابة بفيروس الإيدز. ولا يزال الاستنزاف المادي للمعالجة مستمراً في ظل عدم إدراك كاف لحجم المشكلة، وفي ظل عدم وجود أي معايير واضحة لدى الأطباء وإدارات المستشفيات في سبيل منعها.

* عدوى المستشفيات.

أسلوب المجابهة وما قالته أخيرا مراكز السيطرة على الأمراض ومنع انتشارها في الولايات المتحدة هو أن من الضروري استعارة الأسلوب الأوروبي، الذي يتبنى أخذ المستشفيات ودور تقديم الرعاية الطبية زمام المبادرة في مواجهة بكتيريا السوبر بدلاً من البقاء داخل خنادق خطوط الدفاع. والمعلوم بالتجربة أن الأسلوب الحالي المُتبع ثبت من الوقائع على الأرض فشله في تقديم نتائج أفضل لصالح المرضى.

وشملت النصائح الجديدة ضرورة تبني برامج وقاية من قبل المستشفيات ودعم البرامج تلك. وإبداء مزيد من الاهتمام برصد معلومات نسبة حصول العدوى الميكروبية في المستشفيات. والتأكيد على العاملين، من أطباء وطاقم تمريض، اتباع إرشادات معايير منع انتقال العدوى بالميكروبات وضبط الانفلات في استخدام المضادات الحيوية.

كما و اقترحت إجراء كشف لفحص وجود البكتيريا السوبر لدى من هم مُصابون بتدن في قدرات جهاز المناعة، كمرضى السكري والفشل الكلوي وكبار السن ومتناولي الكورتزون ومن تمت لهم زراعة أحد الأعضاء وغيرهم.

وإن لم يُؤدِ اتباع هذه الإرشادات إلى تحسن في معدلات الإصابات، فإن الحاجة تستدعي البدء في تطبيق فحص جميع المرضى الداخلين إلى المستشفيات عن وجود البكتيريا السوبر في أجسادهم، بغية الحفاظ على نقاء المستشفيات وسلامة المرضى المنومين فيها. وأكد الدكتور باتريك برينان، رئيس لجنة شعبة إرشادات السيطرة علي العدوى فيما بين مُقدمي الرعاية الصحية التابعة للمراكز، إنه لا يُوجد حل واحد يصلح تطبيقه في كل الأماكن، ومنع انتشار العدوى بالبكتيريا السوبر، يتطلب جهوداً مكثفة قد يتم تصميمها حسب حاجة كل مكان. لكن كثيراً من الباحثين يرون أن نتائج المستشفيات التي تطبق المسح لكل المرضى هي أفضل بكثير من التي لا تطبق ذلك. وهي قضية لا تزال محل نقاش متواصل في الأوساط الطبية.

وكانت إحدى الشركات قد تقدمت بوسيلة بسيطة في اختبار المرضى قبل تنويمهم، إذْ من المعلوم أن حوالي 90% من مرضى التنويم يعلمون قبل فترة بحاجتهم إلى الدخول إلى المستشفى، ويتكلف حوالي 25 دولارا. وتطبقه حوالي 160 مستشفى من بين خمسة آلاف في الولايات المتحدة، لكل منْ هم فوق الستين من العمر. وهي طريقة غير الطريقة المعتادة في أخذ مسحات من مناطق الجسم المختلفة وزراعتها في المختبرات لتبين وجود البكتيريا تلك أو عدم ذلك.

* تقليل وفيات عدوى المستشفيات.. خطوات بسيطة > كانت بيتسي ماك ماكوي قد أسست جمعية علمية باسم لجنة تقليل وفيات العدوىCenteral venous line ، تعمل على نشر الوعي الطبي والشعبي بمشكلة إصابات عدوى المستشفيات. وقالت إن أكثر الأدلة العلمية تشير إلى أن اتباع ثلاث خطوات بسيطة كفيل بتقليل نسبة هذه الوفيات بشكل كبير ومُؤثر. لكن معظم المؤسسة الصحية في الولايات المتحدة لا تطلب تطبيقها. والخطوات الثلاث هي:

أولاً الحرص على غسل اليدين جيداً من قبل الأطباء أو الممرضات فيما بين قيامهم بأي ملامسة للمرضى. الثاني تنظيف الأدوات المستخدمة في فحص المرضى أو ملامستهم.

الثالث التعرف إلى منْ من المرضى يحمل البكتيريا هذه في جسمه.

وتقول الجمعية في إرشاداتها إن إتباع 15 خطوة كفيل بتقليل نسبة كبيرة من احتمالات الإصابة بعدوى بكتيريا السوبر في المستشفيات. لعل من أهمها هو أن يطلب المريض نفسه أو ذووه من الطبيب أو الممرض أن يغسل يديه قبل لمس المريض، وكذلك الطلب من الزوار فعل ذلك. وأكدت الجمعية العلمية القول بأن هذه الخطوة هي أهم ما يُمكن فعله لتقليل العدوى بين المرضى. وقالت تحديداً إن ظن المريض أنه بطلبه هذا يقسو على الأطباء أو الممرضين أو الزوار فليتذكر التكلفة الباهظة لعدم فعل هذا والتي قد تكون فقد حياته!.

كما طلبت من المرضى تذكير الطبيب أو الممرض بالتأكد من تنظيف سطح السماعة التي سيفحصه بها أو يقيس ضغط دمه. وطالبت بأن تكون هناك شفافية حول سجلات الأطباء الجراحين كي يتمكن المرضى من اختيار جراح ذي سجل قليل في عدد حالات التهابات الميكروبات التي تطال الجروح. ومن جانبها طالبت المرضى بالاهتمام بنظافتهم قبل دخول المستشفيات على أقل تقدير، عبر اقتراحها أن ينظف المرضى أنفسهم في كل استحمام بصابون يحتوى على مواد مُعقمة قبل الدخول إلى المستشفى. والامتناع عن التدخين عموماً وقبل الدخول إلى المستشفى خصوصاً. مع عدم القيام بحلاقة الشعر في منطقة العملية الجراحية بالموسى.