أبحاث حول الشيخوخة وتأثيراتها

عوامل جينية ووراثية تقود إلى تغيرات في جملة من العمليات داخل الخلايا

TT

يختلف مدى تسارع تطور حصول عمليات التقدم في العمر، أو الشيخوخة كما يحلو للبعض تسميتها، من إنسان لآخر. والأبحاث الطبية اليوم تعمل بشكل جاهد في سبيل معرفة أسباب حصول التغيرات التي تعتري الجسم والنفس، وتحديداً العوامل التي تتحكم في تسارع أو إبطاء العمليات تلك، لدى أناس بطريقة مختلفة عما هو لدى آخرين.

* عوامل جينية وبيئية ما تدل الدراسات الطبية عليه هو أن عملية الشيخوخة في داخل وخارج الجسم تعتمد على التأثير المشترك لعوامل جينية مغروسة فينا ولعوامل بيئية، بمعناها الواسع، محيطة بنا ونتعرض لها طوال الوقت، على اختلافها. ولذا يختلف التأثر بالتقدم في العمر من إنسان لآخر في نفس البيئة، أو بين الناس من بيئات مختلفة، أو بين منْ هم من نفس الأصول العرقية أو من أعراق مختلفة. والنتائج تؤكد أن العوامل الجينية تلك تملك تأثيراً أقوى من العوامل البيئية على مجريات ووتيرة عمليات الشيخوخة أو حتى مدى سنوات العمر، لكنها وفي نفس الوقت تؤكد أن ثمة عوامل بيئية قد تغدو أقوى من أي عوامل جينية، لتدفع بالتالي إما الى الأمام وإما أن تكبح جماح التسارع في الشيخوخة. ولعل أكثر ما تشير المصادر الطبية إليه من العوامل البيئية هو مستوى نوعية الخدمة الصحية التي يتمتع برعايتها الإنسان. كما تضيف عامل درجة اتباع نمط من سلوكيات الحياة يتميز بالعناصر الصحية كأحد أهم ما يمكن له، من العوامل البيئية، أن يعدل كثيراً في بلوغ شيخوخة صحية أو حتى التقدم في العمر، إما سلباً أو إيجاباً. مثل الامتناع عن التدخين وشرب الكحول وممارسة الرياضة البدنية وأخذ قسط كافٍ من الراحة وتناول وجبات عالية المحتوى من الخضار والفواكه الطازجة والتكيف مع ضغوطات الحياة عموماً والتوتر النفسي على وجه الخصوص والتحلي بالإيجابية نحو الحياة ومجريات الأحداث فيها.

* تغيرات في الخلايا تقدم العمر بنا يتسبب في تغيرات على مستوى الخلايا في الجسم. مثل البطء في سرعة انقسام الخلايا وتكاثرها عموماً، وبشكل خاص أنواع مهمة من خلايا المناعة، وهو ما يغير من تفاعل الجسم بشكل طبيعي معهود حين التعرض أو الوقوع تحت ضغط مؤثرات بيئية شتى بمعناه الواسع، الذي يشمل الناس وما في البيئة من ناس وحيوانات وحشرات وميكروبات وعوامل مناخية وجغرافية كالأشعة فوق البنفسجية أو أوكسجين الهواء أو السموم في التلوث وغيره.

وثمة جانب آخر مهم يختل ثم يتأثر الجسم نتيجة له، وهو البرنامج الذي ينظم قتل الخلايا لنفسها أو موتها الطبيعي في أوقات محددة. وهي عملية ضرورية كي يتم فسح المجال لظهور خلايا جديدة لتحل محل القديمة، وبالتالي تعمل على إعادة الحيوية والشباب لأنسجة الأعضاء المختلفة في الجسم. وهي أيضاً ضرورية لضبط ووقف تمادي جهاز المناعة في العمل العشوائي بعد تغلبه على حالة من الالتهاب الميكروبي وتطهير الجسم من عناصره الدخيلة.

ولعل أوضح الأمثلة على اختلال العملية هذه هي حالة النمو السرطاني في أي عضو، حيث إن السرطان عبارة عن توقف موت الخلايا وانفلات نموها وتكاثرها خارج تحكم برنامج حياة الخلايا. في حين أن أمراضاً أخرى كالزهايمر أو باركنسون يحصل فيها موت سريع للخلايا، وتراكم مواد تقضي على الخلايا الحية المحيطة بها أو تعيقها عن العمل بشكل طبيعي.

* إختلالات وتأثيرات تتغير مع التقدم في العمر أنظمة معينة في الجسم تعنى بالتحكم في العمليات الحيوية فيه. ومنها:

ـ التغيرات التدريجية في القلب والأوعية الدموية تعيق أنظمة ضبط مقدار ضغط الدم ضمن المعدلات الطبيعية، فنرى ضغط الدم أعلى لدى كبار السن. لكن هناك من يرى أن الارتفاع في ضغط الدم المصاحب لتغيرات الأوعية الدموية تلك، هو أمر ضروري لدفع الدم ووصوله إلى الأعضاء المهمة. وهو ما تتداخل الفرضيات الطبية، دون نتائج حاسمة، في تعليله وفي تقويم تأثيراته والأهم في مدى العمل على خفض مقدار ضغط الدم لدى كبار السن عند معالجة ارتفاعه، فمن قائل أن الخفض إلى معدلات طبيعية يحمي من آثار ارتفاعه، ومن قائل أن ذلك الخفض يؤثر سلباً على تزويد الدماغ بالدم.

ـ اختلال قدرة الجسم على تنظيم وضبط درجة حرارة الجسم لدى المتقدمين في العمر مقارنة بما هو الحال لدى الأصغر سناً، ما يعني أن الجسم قد لا يتفاعل بشكل طبيعي مع التعرض لبرودة الجو المحيط بالإنسان، أو مع ارتفاع حرارته، فتنشأ حالات البرودة أو ضربات الشمس بسهولة لدى المسنين. وكذلك ما يعني أن مجرد الاعتماد على قياس حرارة الجسم وعدم ارتفاعها تحديداً لا يكفي في نفي وجود التهابات ميكروبية يصحب وجودها بالعادة ارتفاع في حرارة الجسم.

ـ أنظمة ضبط سوائل الجسم لا تبدو فاعلة بدرجة دقيقة لدى المعمرين، إذْ حتى في وجود نسب طبيعية للهرمونات المرتبطة بعمليات حفظ سوائل الجسم وكميات السوائل فيه في الحالات المستقرة، إلا أن التعرض لضغوطات مرضية أو بيئية لا يتبعه تفاعل طبيعي من الجسم فتحصل حالات الجفاف أو تراكم السوائل بسهولة. وأبسط الأمثلة هو اضطراب الشعور بالعطش إلى شرب الماء عند الحرمان منه لمدة معينة كما يحصل لدى الأصغر سناً بشكل طبيعي.

ويعلق المجمع الأميركي لطب المتقدمين في العمر على هذه الاضطرابات في أنظمة الجسم بأن تأثيرها على الجسم يشمل:

ـ أن المتقدم في العمر ليس مثل غيره، لذا فإن العناية الطبية به يجب أن تكون أكثر تركيزاً عليه بصفة شخصية.

ـ عمق التأثر بسلوكيات نمط الحياة كالتدخين والنشاط البدني وكفاية التغذية والظروف المناخية المحيطة، حتى الإمكانيات المادية.

وهذان الجانبان يتطلبان اهتماماً خاصاً ونظرة طبية في المتابعة للمتقدمين في العمر، لا تخضع بالضرورة لما يتعارف الناس عليه بالعادة ويعلمونه عن الحالات الصحية والمرضية.

* إطالة العمر حلم البشر منذ الأزل > بحسب ما تشير المصادر الطبية خصوصاً والعلمية عموماً، فإن محاولات عملية إطالة العمر تعني إما زيادة المقدار الأقصى للعمر أو زيادة معدل مدى العمر، وذلك مقارنة بما هو طبيعي أو متوقع لإنسان ما. وهو ما يعني إما إبطاء وتيرة سير عملية الشيخوخة أو إعادة توجيهها إلى عكس الاتجاه الطبيعي في التقدم إلى الأمام. وتتحكم في تحديد معدل عدد سنوات عمر الإنسان، وفق ما تقوله المصادر العلمية، مدى تعرضه إما لحالات إصابات الحوادث بأنواعها أو لحالات الإصابة بشتى أنواع الأمراض، وعلى وجه الخصوص منها ما يظهر عند التقدم في العمر، نتيجة للتراكم السلبي لتأثيرات عوامل عدة طوال سنوات عمر الإنسان، كالسرطان وأمراض شرايين القلب. وتختصر المراجع العلمية، بجملة استقراء العديد منها، وسائل إمكانية تحقيق إطالة العمر بالتغذية الصحية وممارسة التمارين الرياضية وتجنب التعرض للمواد الضارة كالتي في التبغ والابتعاد عن الإكثار من تناول الأطعمة عالية المحتوى من السكريات على وجه الخصوص. كما ترى المصادر تلك، أن المقدار الأقصى لسنوات العمر، والذي يبلغ للإنسان 122،5 سنة، تتحكم فيه العوامل الوراثية المغروسة في الجينات. وأهم العوامل هي قدرة الحمض النووي، دي إن أيه، على إصلاح أي اضطرابات فيه، ونوعية وكمية الانزيمات المضادة لعمليات الأكسدة المتلفة، ومدى إنتاج مواد الجذور الحرة الضارة وغير ذلك. أي بعبارة أخرى مدى توفر إمكانيات الحفاظ على سلامة ونقاء الحمض النووي من التأثر والاضطراب. ووسائل تحقيق الزيادة في المقدار الأقصى لسنوات العمر تنحصر في تبني الالتزام الدائم بتقليل كمية الطاقة في الغذاء مع الحرص الدائم أيضاً على تناول الكميات اللازمة من العناصر الغذائية الهامة كالمعادن والفيتامينات. لكن من الناحية النظرية البحتة فإن زيادة المقدار الأقصى للعمر يمكن تحقيقه بتقليل وتيرة تسارع التلف في أجزاء الجسم مع تقدم العمر، أو الاستبدال الدوري المتتالي للأنسجة التالفة، أو الترميم الجزئي للمتدهور في الأنسجة والخلايا، وهو ما قد يسمى بإعادة الشباب. ومع البدء الجاد لأبحاث إطالة العمر منذ ثمانينيات القرن الماضي، فإن غالبية الباحثين المتحمسين والمتخصصين في هذا الجانب يعتقدون أن التقدم الأبرز في مضمار أبحاثهم سيكون خلال أحد ثلاث حلول: الأول البحوث التطبيقية لاستخدام الخلايا الجذعية. والثاني عمليات استبدال الأعضاء وزراعتها، إما ما هو صناعي منها أو ما يتم صنعه منها في المختبرات من خلايا مأخوذة من نفس الإنسان، كما تم وبنجاح في الولايات المتحدة زراعة المثانة المنتجة في المختبرات عبر عمليات بنائية معقدة لأعضاء من خلايا مأخوذة من نفس الإنسان الذي زرعت فيه. والثالث عمليات الإصلاح الجزئي لإزالة كل تغيرات الشيخوخة أو تغيرات الأمراض في الجسم وصولاً إلى حالة إعادة الشباب له.