استخدام الكلور لتعقيم المياه لا يخلو من محاذير طبية

إضافته إلى مياه الشرب والمسابح قد تسبب الإصابة بالسرطان

TT

في أول إشارة من نوعها حتى اليوم، حذرت دراسة اسبانية الأسبوع الماضي من أن شرب الماء المحتوي على الكلور أو الاستحمام به أو السباحة فيه قد ترفع من معدلات الإصابة بسرطان المثانة. وتعتبر النتائج هذه مثيرة للاهتمام الطبي وغيره لأنها الأولى التي تقول إن هذه المادة الكيميائية يُمكن أن تكون مُؤذية حين استنشاقها أو نفاذها عبر الجلد أو ابتلاعها.

وسبق لدراسة كندية أن تعرضت لجدوى استخدام (راشحات) الماء في التخلص من المواد الناتجة عن استخدام الكلور في تعقيم المياه، لكنها ذكرت أن ضرورة ذلك هو في حال ارتفاع نسبة المواد الضارة تلك فقط.

ويُعتبر الماء الصحي مطلبا حيويا لسلامة الإنسان ومحافظته على صحته. وتتأكد الضرورة تلك في حالة الذين يُعانون من اضطرابات في المناعة كمرضى السكري أو الأطفال الصغار أو كبار السن أو الذين يتناولون أدوية خافضة للمناعة أو لمعالجة الحالات السرطانية وغيرها.

ولا يزال العديد من الهيئات الصحية العالمية تُؤكد وتشدد على ضرورة الاهتمام باستخدام الأنواع الصحية الجيدة من المياه، نظراً لأن الكثير من الأمراض المعدية في كافة أرجاء العالم، المتقدم وغير ذلك، لا تزال تعصف من آن لآخر بالمجتمعات.

* الكلور وسرطان المثانة وكانت دراسات وتقارير عدة سابقة قد لمّحت الى أن ثمة أضرارا محتملة للمواد الكيميائية المُضافة الى المياه، والكلور أحد أهمها، بغية تعقيم المياه وتهيئتها للشرب أو غيره من الاستخدامات. وعللت الأمر بأن ثمة مواد كيميائية تتكون نتيجة التفاعلات في المياه والظروف المحيطة بها، ما قد يُؤدي الى ظهور السرطان في الجسم. وتحديداً قالت الدكتورة كريستينا فييللانيوفيا، من مؤسسة ميونيسيبال للأبحاث الطبية في برشلونة، إن مركب ترايهالوميثانز trihalomethanes، أو اختصاراً تي أتش أم THM، هو أحد المركبات الناتجة والتي يُمكن أن تدخل الى الجسم عبر الاستنشاق أو الامتصاص من خلال الجلد.

وفق ما تم نشره في العدد الثامن عشر من هذا الشهر للمجلة الأميركية لعلم الأوبئة، فإن الباحثين تناولوا بالدراسة تأثير التعرض مدى الحياة لمادة تي أتش أم على نشوء سرطان المثانة. وقاموا بمقارنة حالة حوالي 1220 مُصابا بسرطان المثانة من الرجال والنساء، بعدد مماثل تقريباً من أشخاص سليمين من هذه الإصابة السرطانية. وتم تحصيل معلومات عن مدى تعرضهم للكلور المُضاف الى مياه الشرب أو المسابح أو مياه الغسيل والاستحمام. كما قام الباحثون بتحليل نسبة وجود مادة تي أتش أم في أكثر من 120 مركزاً يقطنها المشمولون في الدراسة.

وتبين للباحثين من تحليل معلومات العناصر البحثية المتقدمة أن الناس الذين يعيشون في وحدات سكنية مزودة بمياه يزيد معدل كمية مادة تي أتش أم فيها عن مقدار 49 ميكروغراما لكل ليتر فإن خطورة الإصابة بسرطان المثانة تتضاعف مقارنة بمن مياه منازلهم تقل فيها مقدار هذه المادة الكلورية عن 8 ميكروغرامات. ولاحظوا أيضاً أن وجود مقادير عالية من هذه المادة يفوق كمية 50 ميكروغراما لكل ليتر، هو أكثر شيوعاً في المناطق الصناعية.

كما لاحظ الباحثون أن الناس الذين يشربون مياه مُضافا إليها الكلور، ترتفع نسبة الإصابة بسرطان المثانة بينهم بمقدار 35%، هذا بالمقارنة مع نسبة إصابة الناس الذين لا يشربون مياه الكلور تلك. بالإضافة الى هذا فإن السباحة في مياه المسابح التي يُضاف الكلور إليها ترفع من احتمالات الإصابة بسرطان المثانة بمقدار يتجاوز%57 وتبين للباحثين أيضاً أن من يأخذون وقتاً طويلاً في الاستحمام بالمياه التي يُضاف الكلور إليها هم عرضة بشكل أكبر للإصابة بسرطان المثانة مقارنة بمن يستغرق استحمامهم فيها وقتاً قصيراً.

وعلل الباحثون سبب ارتفاع خطورة السباحة والاستحمام بالمياه الكلورية مقارنة مع شرب المياه تلك، بالقول إن خطر دخول الكلور الى الجسم عبر الاستنشاق، في المسابح، وعبر الجلد في المسابح أو الاستحمام هو أعلى من خطر شرب الماء ذلك. لأن ما يمتصه الجسم من الأمعاء يمر بالكبد قبل وصوله الى بقية أجزاء الجسم بخلاف الذي يدخل عبر الرئة أو الجلد، فهو لن يمر في البداية بالكبد. والمعروف أن الكبد من أحد أهم وظائفه تنقية الدم وحبس السموم التي فيه في داخل أنسجة الكبد كي يتم التخلص منها لاحقاً.

* راشحات المواد الضارة وكان الباحثون الكنديون قد أعلنوا في نوفمبر الماضي ان راشحات المياه المزودة بطبقات تصفية من الكربون المُنشط هي أكثر أنواع الراشحات فاعلية في تقليل نسبة المواد الكيميائية الضارة الموجودة في مياه حنفيات (صنابير) المنازل.

وكان إعلانهم هذا نتيجة لجهود البحث حول كيفية تقليل التعرض لنوعين من المواد الكيميائية الناتجة عن استخدام الكلور في تعقيم الماء من الميكروبات. ولجهود ايضا قام بها باحثون من جامعة لافال في كيوبيك بكندا. والمعروف أن وجود الكلور في المياه يُؤدي الى ظهور مركبات كيميائية ضارة مثل تي أتش أم ومادة «هالوأسيتك أسدس» haloacetic acids أو ما تُسمى اختصاراً أتش إيه إيهHAA وهي ما يعتقد بعض الباحثين أن لها علاقة بنشوء سرطان الكبد أو المثانة أو الكلى.

وقام الباحثون برصد نتائج تحليل عينات من مياه مناطق شتى في منطقة كيوبيك لمعرفة مدى وجود هذه المواد الكيميائية الضارة فيها. وأيضاً العوامل أو الظروف التي تقلل من نسبة أي منها في المياه.

وتبين للباحثين أن حفظ الماء لمدة 48 ساعة في الثلاجة، أي تبريده لمدة يومين، يُقلل بنسبة 30% من مادة تي أتش أم، في حين أن غلي الماء أولاً ثم تبريده لمدة يومين يُقلل بنسبة 87% من وجود المادة الضارة هذه.

وفي مقابل هذه الطريقة المُرهقة، وربما غير العملية للكثيرين، فإن استخدام راشحات مياه مزودة بطبقة من الكربون المُنشط لتصفية المياه، يُؤدي الى تقليل نسبة مادة تي أتش أم الضارة بنسبة تتجاوز 92%!.

كما أن استخدام الراشحات هذه يُقلل من نسبة مادة أتش إيه إيه بمقدار 66%، في حين أن اتباع طريقة غلي الماء ثم تبريده ليومين لا تأثير إيجابي له البتة في تقليل نسبة هذه المادة.

لكن الباحثين قالوا إن نسبة المواد الضارة تلك في مياه المناطق تلك من كندا لا تزال ضمن المعدلات المسموح بها، ما يعني عدم الحاجة الى أي تدخل منزلي في تنقية المياه. وأكدوا على أن التعرض لمياه مناطق تحتوى كميات عالية من تلك المواد الضارة، لأي سبب كان، قد لا يُفيد بشكل فاعل معه الغلي والتبريد. وأن استخدام الراشحات آنذاك قد يكون هو الأفضل.

وأكدوا على أن من الضروري فهم كيفية استخدام الراشحات بشكل صحيح، وأهم ما في ذلك هو تغير الأجزاء المُصفية للماء فيها بانتظام.

* معالجات صحية للمياه وتحتاج المياه التي تُهيأ كي يتناولها الإنسان الى معالجات عدة. والمياه تلك مصدرها الرئيس هو إما المياه الطبيعية الموجودة على سطح الأرض كالأنهار أو مياه الأمطار، أو الخارجة من الأرض كالينابيع أو الآبار. هذا بالإضافة الى تسخير الإنسان لتقنيات معقدة لتحليه مياه البحر. وأياً كان المصدر لتلك المياه فإن ثمة ضوابط عالمية، غالبها وفق إرشادات منظمة الصحة العالمية، لمعايير نقاء وامان المياه المُقدمة للناس لشربها أو استخدامها في حاجاتهم اليومية الأخرى.

والأساس هو تنقية المياه وتصفيتها من أية عناصر قد تُؤذي صحة الإنسان، إما على المدى القصير أو المتوسط أو البعيد. ولذا تُزال من المياه الميكروبات والمعادن والمواد الملوثة الأخرى، سواء تلك التي صنعها الإنسان أو الموجودة في الطبيعة. كما أنه لا يُمكن بمجرد رؤية لون الماء أو تذوق طعمه أن يجزم المرء بنقاء الماء من عدمه.

وتمر المياه عادة بمراحل ثلاث من المعالجة. وتشمل المرحلة الأولى ضخ الماء وتجميعه في خزانات أو أماكن منفصلة عن بعضها البعض لتقليل فرص التلوث. ومن ثم تنقيتها من الشوائب الكبيرة الواضحة للعيان، وهو ما لا تحتاجه بطبيعة الحال مياه الآبار أو تحلية مياه البحر. وربما إجراء معالجات كيميائية للتخفيف من عسر الماء نتيجة لوجود بعض من الأملاح.

ثم في المرحلة الثانية تُجرى مجموعة مختلفة من المعالجات، حسب الضرورة، نظراً لتنوع المصادر. لكن غالبها معنية بإزالة الشوائب الصغيرة، سواء بالفترة أو تحفيز التصاقها ببعض أو تلبدها على بعضها البعض، كي تكون شوائب أثقل قابلة للترسب بذاتها. وكذلك التخلص من الميكروبات والمواد العضوية وغير العضوية الذائبة فيها، إضافة الى ضبط حموضة الماء.

وفي المرحلة الثالثة يتم تهيئة الماء بشكل نهائي أساسي لتناول الإنسان واستخدامه. وأهم ما يُجرى آنذاك هو التعقيم بالكلور، كما سيأتي، وضبط درجة الحموضة والتحكم في اللون والرائحة والطعم. على أن يتم تخزين المياه آنذاك لضمان حصول التفاعلات المطلوبة للغايات تلك.

وهناك معالجات إضافية اختيارية مثل إضافة مادة الفلوريد بغية تخفيف احتمالات الإصابة بتسويس الأسنان، وهو ما سبق الحديث عنه من جوانب شتى في ملحق الصحة بالشرق الأوسط. كما أن هناك معالجات لتقليل نسبة الفلوريد الطبيعي في بعض مصادر المياه. وتقليل عسر الماء بدرجات أكثر عبر استخدام كربونات الصوديوم وتكون كربونات الكالسيوم بالنتيجة. وكربونات الكالسيوم المتكونة تُباع عادة لشركات إنتاج معجون الأسنان. وكذلك معالجة قابلية بعض أنواع مياه الأمطار لذوبان الرصاص، الموجود في التربة أو أنابيب المياه، فيها وبالتالي تحولها الى مصدر لتسمم الأطفال بالرصاص، وهو ما سبق طرحه في ملحق الصحة الأسبوع الماضي بالشرق الأوسط. وهو ما يتم بإضافة عنصر الفوسفات ورفع قلوية الماء. يضاف اليها عدد آخر من المعالجات الصحية لتوفير مياه نقية لاستخدام الإنسان وتناوله.

* تعقيم الماء.. وسائل صحية متعددة > تعقيم المياه هي الخطوة الأخيرة والمهمة في تنقية مياه الشرب وتهيئته كي يكون مصدراً للصحة لا للمرض. وتتطلب العملية هذه القضاء على العشرات من الميكروبات ما بين فيروسات وبكتيريا وفطريات، مثل إي كولاي وكامبيلوبكتر وغيارديا لامبليا وكريبتوسبوريديا وغيرها.

وأكثر الوسائل التعقيمية شيوعاً هي استخدام الكلور أو مشتقات أخرى منه مثل كلورامين وثنائي أكسيد الكلورين. والكلور مادة مؤكسدة قوية تقتل الميكروبات. ويتم استخدام أملاح من الكلور قابلة للذوبان في الماء. وهو من المواد الشديدة السمية للإنسان إذا ما تعرض لكميات معينة منها.

والإشكاليات في استخدام الكلور ومشتقاته في تعقيم المياه عديدة، لعل من أهمها تكون مركبات ضارة عند تفاعل الكلور مع المواد العضوية الموجودة في الماء، وبالتالي تكون مركبات تي أتش أم ومركبات أتش إيه إيه، المتقدمتا الذكر. وهما مواد تُعتبر بحسب تصنيف وكالة حماية البيئة في الولايات المتحدة من المواد المسببة للسرطان. ولذا تُوضع ضوابط لتعرض الإنسان لأي منهما.

كما ويُمكن تعقيم الماء باستخدام الأوزون. وهو مركب مكون من ثلاث ذرات للأوكسجين، ويُوفر قدرة عالية على الأكسدة التي تتلف الميكروبات. ويُستخدم الأوزون بشكل واسع في أوروبا لتعقيم المياه، ويمتاز بقدرة أعلى في القضاء على بعض الميكروبات التي لا يستطيع الكلور عادة في نجاح القضاء عليها. كما أنه يمتاز بقلة تكون المركبات الضارة على صحة الإنسان مقارنة بالكلور أيضاً. لكن الإشكالية فيه هو تعقيمه الفوري والآني فقط، بمعنى أنه لا يُبقي على أية مادة تستمر في تعقيم المياه بعد إجراء العملية. لذا فهو مفيد جداً في تعقيم المياه المعبأة.

وتُستخدم أيضاً الأشعة فوق البنفسجية في تعقيم المياه. وهي وإن كانت طريقة فاعلة جداً إلا أنها مثل الأوزون في التعقيم الفوري والآني فقط.

* كلور مياه المسابح.. ضرورة وانتباه > يُستخدم الكلور بانتظام في تعقيم مياه المسابح لحماية السباحين وعائلاتهم من الأمراض الميكروبية في المياه تلك. ولذا يعتني المهتمون بشأن المسابح وتنظيفها بقياس نسبة الكلور ودرجة حمضية الماء فيها.

والكلور أحد المواد الفاعلة في تنقية الماء في المسبح من الميكروبات، لكن من المهم التنبه الى أنه يأخذ وقتاً لإتمام ذلك. كما أن من المهم التأكد من أن نسبة الكلور طوال الوقت هي ضمن المقدار اللازم والفعال لإنجاز التعقيم. وهناك عدة عوامل تُقلل من النسبة اللازمة للكلور، مثل ضوء الشمس والأوساخ والأجزاء المتحللة من أنسجة جلد السابحين داخل الماء أثناء السباحة. ما يستدعي ملاحظة النسبة باستمرار لضبطها كي تحافظ على تعقيم الماء من الميكروبات.

كما تتأثر فاعلية الكلور، حتى لو كانت نسبته ضمن المنصوح به، بمقدار درجة حمضية ماء المسبح. إذْ كلما ارتفع مؤشر الحمضية، وأصبح الماء قلوياً أكثر، كلما ضعفت قوة الكلور في التخلص من الميكروبات. لكن من المعروف أن درجة حمضية أجسام السباحين تتراوح ما بين 2 و 7،8، وأي اضطراب في درجة حمضية ماء المسبح عن هذا المستوى، ارتفاعاً أو انخفاضاً، قد يُؤدي الى بدء شكوى السابح من تهيج في العين والجلد.

والكلور من مواد تنظيف المياه التي قد تتسبب بمشاكل صحية عند التعرض لكميات عالية منها. إذْ تظهر أعراض على الرئة كصعوبة في التنفس نتيجة استنشاقها، أو انتفاخ في الحلق وبالتالي صعوبة في التنفس عند بلعها أو استنشاقها. وكذلك الحال مع ألم في الحلق وحرقة في الأنف أو العين أو الأذن أو الشفاه أو اللسان، وتأثر قدرة الإبصار. ويتأثر الجلد كتهيج فيه أو حروق تخترق طبقة البشرة الخارجية. كما أن ابتلاعها قد يتسبب في تهيج وتلف في أنسجة الجهاز الهضمي، ما يبدو كألم في البطن أو قيء ربما يكون مصحوبا بالدم أو حرقة في المريء أو خروج دم مع البراز. وقد ينخفض ضغط الدم أو يُصاب الشخص بالإغماء.

والمبادرة الى طلب المعونة الطبية في أقسام الإسعاف بالمستشفى، مهم جداً عند ذلك. لأنه كلما تلقي المُصاب معالجته في وقت مبكر كلما كانت فرص تحسنه أفضل. ولكن قبل الوصول الى المستشفى، على المرء الحرص على عدم حث من تناول بالبلع تلك المواد الضارة أن يقوم بالقيء لإفراغ محتويات المعدة، لأنه يُعرض الحلق والجهاز التنفسي لمزيد من الضرر. بل يُعطى الشخص ماءً أو حليباً لشربه، طالما كان المُصاب لا يشكو من القيء أو من بدء مستوى الوعي لديه بالتدني.