دعايات الأدوية.. لا تُراعي الدقة الطبية في معلوماتها

دراسة أميركية تُطالب بمراجعتها والتدقيق فيها

TT

في واحد من الانتقادات الطبية الحادة على الممارسات التسويقية لقطاع صناعة الأدوية، أظهرت دراسة جديدة للأطباء الباحثين من جامعة كاليفورنيا أن غالبية الدعايات التلفزيونية للأدوية تعتمد بشكل مكثف على إثارة العواطف والمشاعر لدى المشاهدين، تفتقر في نفس الوقت إلى المعلومات المفيدة عن الأمراض نفسها ووسيلة المعالجة الدوائية المُقترحة لها من تلك الدعايات.

وقال الدكتور دومينيك فورسك، طبيب الباطنية بجامعة كاليفورنيا والباحث الرئيس في الدراسة، إن الدعايات تستخدم فعلاً العواطف بدل المعلومات كي تُعلي من شأن الأدوية، وأن القيمة التثقيفية لتلك الدعايات كانت متوسطة للغاية. وأضاف متسائلاً: إن السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا: هل شراؤنا الأدوية الموصوفة هو مثل شرائنا لأحد أنواع الصابون؟

والمعروف أن شركات الأدوية أنفقت في عام 2005 وحده، وعلي الدعايات التلفزيونية وحدها، ما مقداره حوالي 1.9 مليار دولار! وهو ما دفع الباحثين إلي محاولة معرفة الإستراتيجية الأكثر استخداماً في الدعايات تلك. وفي سبيل ذلك راجع الدكتور فورسك وفريق البحث معه 38 دعاية لأدوية يتم الحصول عليها فقط بالوصفة الطبية، والتي ظهرت الدعايات لها في شاشات أربع فقط، من شبكات للتلفزيون بالولايات المتحدة، وفي خلال أربعة أسابيع، بدأت من 30 يونيو إلى 27 يوليو من عام 2004. أي في فترة زمنية ضيقة، وفي عدد محدود من أكبر شبكات التلفزيون، ولأدوية لا يُمكن الحصول عليها إلا بوصفة طبية من قبل الطبيب، بدون البحث في دعايات تلك الأدوية التي يُمكن الحصول عليها من أرفف المتاجر دونما حاجة إلى وصفة طبية، وأيضاً دون البحث في سيل تلك الدعايات طوال العام وعلى شاشات شبكات عادية.

* استثارة العواطف وتبين للباحثين، وفق ما نشروه في عدد يناير ـ فبراير من المجلة الأميركية «مدونات طب الأسرة» أن ثمة 38 دعاية، تُمثل الإعلان عن سبعة من أعلى عشرة أدوية موصوفة بيعاً لعام 2004 في الولايات المتحدة.

وقال الباحثون إن 95% من الدعايات تلك استخدمت في وسيلتها التحقيق الإيجابي العاطفي، بمعنى إظهار الناس في الدعاية سعداء بعد استخدام الدواء ذاك. وهو ما علق عليه الدكتور فورسك بالقول إنه إظهار لمشهد يتقابل الأسود والأبيض فيه كفائدة لاستخدام الدواء. كأنه القول، على حد قوله، بأن تناول هذا الدواء وكل شيء سيعود إلى الحالة السليمة.

وضرب مثلاً على دعاية إحدى وسائل معالجة هربس الأعضاء التناسلية، حيث تقول المرأة البادية علي الشاشة بأن العيش بهذا النوع من الإصابة عصيباً. ثم بعد استخدامها لذلك الدواء، موضوع الدعاية، يظهر مشهد وهي تقبل شريكها وهي فوق الأمواج، وخلفية المشهد هي مدينة ريو دي جانيرو.

كما وتبين أن 78% من الدعايات اعتمدت علي استخدام العواطف من ناحية تحقيق مزيد من القبول الاجتماعي من الناس لمستخدم الدواء موضوع الدعاية. وفي 58% منها تم تقديم الدواء للمشاهد على أن ظهوره يُمثل اختراقاً طبياً علاجياً لمشكلة لم يتم الوصول إلى حل لها من قبل. وقال الباحثون إنه في حين أن 82% من هذه الدعايات تضمن مطالبة حقيقية باستخدامها من قبل المشاهدين، إلا أنها احتوت بنسبة 26% على معلومات صحيحة عن أسباب الأمراض التي تُعالجها، وبنسبة 26% عن عوامل خطورة الإصابة بها، و25% عن مدى انتشارها الحقيقي بين الناس. وهي من أهم المعلومات التي تُحيط بالإنسان علماً عن جوانب أهمية الدواء الذي هو موضوع الدعاية.

* دعايات ومعلومات ومن سيل المعلومات التي توصل الباحثون إليها من تحليل عينة صغيرة من الدعايات المبثوثة في وقت قصير وعلى شاشات أربع شبكات تلفزيونية فقط، ناهيك عن جميعها، تبين أن ولا دعاية ظهرت منها تحدثت بالفعل عن دور تغير نمط الحياة نحو السلوك الصحي يُمكنه معالجة المرض وعدم الحاجة إلي تناول ذاك الدواء، بينما من المعروف أن كثيراً من الأمراض يُمكن الاستغناء عن أدوية معالجتها بإتباع سلوكيات صحية في الوقاية والمعالجة.

والأهم من كل ما سبق هو قول الأطباء الباحثين أن الدعايات تلك قدمت بشكل غير واقعي الفائدة التي يُمكن أن يجنيها الشخص من تناولها. وقالوا بأنها أظهرت أن الأشخاص الذين يتناولونها يعودون إلى السيطرة التامة على حياتهم بعد تناول الدواء موضوع الدعاية.

ومثلت الدراسة الجديدة موضوع البحث الأهم في العدد الحالي من المجلة الأميركية مدونات طب الأسرة. وهي مجلة علمية تصدر بالتعاون بين كل من الأكاديمية الأميركية لأطباء الأسرة والمجلس الأميركي لطب الأسرة ومجمع أساتذة طب الأسرة ورابطة أقسام طب الأسرة ورابطة مديري تخصص طب الأسرة ومجموعة أبحاث أميركا الشمالية للرعاية الأولية. وتناولها المقالان التحريريان الوحيدان في العدد كله، وذلك في مقدمة عرض جميع المقالات فيه.

ووفق ما ذكره الباحثون في الدراسة فإن الوضع لم يكن كذلك من قبل، إذْ إن الولايات المتحدة ونيوزلندا هما الدولتان الوحيدتان من الدول المتقدمة التي تسمح لشركات الأدوية بشكل متحرر الوصول إلى شاشات التلفزيون. وقالوا بأن المشاهد العادي في الولايات المتحدة يتعرض لعدد من ساعات البث التلفزيوني للدعايات الدوائية، يبلغ معدله 16 ساعة كاملة سنوياً. وهذا حول الأدوية التي يجب الحصول عليها بوصفة طبية دون الأدوية التي تُباع مباشرة للناس دون الحاجة إلى وصفة طبية. وهو ما وصفه الدكتور فورسك بأنها مدة زمنية أكبر بكثير من تلك التي يقضيها المشاهد العادي مع طبيبه في العيادة طوال العام. أي ليستمع الطبيب إلي شكوى مريضه، ويُبلغه إرشاداته الطبية له في كيفية العناية بصحته ومعالجة أمراضه.

وقال الدكتور فورسك إن الأمر لم يكن كذلك قبل عام 1997، حيث أن الدعاية لأي دواء كانت يجب أن تتضمن الوقت الكافي لإعطاء المشاهدين معلومات مفصلة عن الدواء نفسه.

وأضاف الدكتور فورسك بأنه حتى لو كان المستهلك لن يستطيع الحصول علي ذلك الدواء إلا بوصفة طبية، وهو ما يُقال كدفاع عن تلك الدعايات بأن استخدام الناس لن يتأثر سلباً بها، إلا أن كثيراً من مشاهدي الدعايات تلك وما تضمنته، سيطلبون من أطبائهم وصفها لهم. وهو ما قد يتحقق لهم حتى لو يكن ذلك الدواء هو الأمثل في معالجتهم.

والواقع أن الدراسة هذه ليست الأولى في طرح هذا الأمر الطبي الهام، إذْ سبق للرابطة الأميركية للطب الباطني أن طالبت العام الماضي بوقف كافة الدعايات للأدوية الجديدة التي تُصدر إدارة الغذاء والدواء الموافقة عليها. ولا يزال الموضوع يثير نقاشات بين الأطباء بعد بدء ظهور دراسات طبية تتطرق لمثل الأمور هذه، وهو ما لم يكن في السابق.