سحب عينة من السائل المحيط بالجنين.. لا يحتاج إلى تخدير موضعي

الاختبارات الجينية وغيرها تساعد في تشخيص حالات الاضطراب في نمو الجنين

TT

ربما ليس من المفيد أن يحرص الأطباء علي إعطاء الحوامل تخديراً موضعياً في منطقة وخز البطن عند محاولتهم الوصول إلى السائل المحيط بالجنين لأخذ عينة منه أثناء فترة الحمل amniocentesis. والسبب أن الأطباء من الولايات المتحدة يقولون بأن الألم الذي تشعر به النساء الحوامل أثناء خضوعهن لذلك الإجراء التحليلي، لا يخف بإعطائهن التخدير الموضعي.

* التخدير الموضعي والمعروف أن التخدير الموضعي لهذا الفحص يتم بإعطاء مادة ليدوكين lidocaine المعروفة والواسعة الاستخدام لهذه الغاية، بالإبرة في منطقة البطن. وعادة ما يُؤثر خوف الحامل من الإحساس بالألم على موافقتها بإجراء الطبيب لهذا الفحص. ويلجأ الأطباء إلي طلب إجرائه للنساء الحوامل ممن لديهن خطورة في الحمل نتيجة لإصابة الجنين بأحد أنواع من التشوه أو الاضطرابات في العمليات الكيميائية الحيوية، أو الناجمة عن اختلاف فصيلة دم الأم مع فصيلة دم الجنين أو وجود التهاب ميكروبي أو تأخر في نمو الرئة.

والملاحظ أن كثيرا من النساء الحوامل يعتقدن أن التخدير الموضعي لطبقات جلد البطن هو شيء من الضروري إعطاؤه قبل قيام الطبيب بسحب عينة السائل ذلك. لكن الدكتور مايكل غوردن وزملاءه الباحثين قالوا في عدد يناير من المجلة الأميركية لطب النساء والولادة إن نتائج دراستهم تُؤكد النتائج السابقة من أن ليس ثمة جدوى من ذلك، وأن الأمر يجب إفهامه للسيدات الحوامل.

وكان الدكتور غوردن وزملاؤه الباحثين من مركز ويلفورد هال الطبي للقوات الجوية الأميركية بقاعدة لاكلاند الجوية في تكساس، قد قاموا بمراجعة الدراسات الطبية السابقة حول هذا الأمر. ووجدوا أن ثمة دراسة وحيدة صدرت من بلجيكا، وأثبتت أن لا جدوى للتخدير الموضعي. ومن ثم قام فريق الدكتور غوردن بدراسة شملت أكثر من 200 امرأة، نصفهن تم إعطاؤهن تخديرا موضعيا أثناء إجراء الفحص هذا لهن باستخدام مادة ليدوكين بتركيز 1%، و النصف الأخر منهم لم يتلقين أي تخدير.

وحينما سُئلت النسوة، مباشرة بعد الفراغ من الفحص، عن مدى إحساسهن بالألم أثناءه، تبين أن ليس ثمة فارق بين شعورهن به.

* عينة السائل الأميوني وتعتبر فحوصات الحمل و ما قبل الولادة Prenatal testing مفيدة جداً، وتُعطي معلومات قيمة عن صحة الجنين ونموه. الا ان إجراء الأنواع المتعمقة منها يتطلب الاهتمام بضرورة كون الداعي إلى اللجوء إليها قوياً، أي أن تكون ثمة حاجة حقيقية لذلك. كما يتطلب من الأطباء الاهتمام بإجرائها وفق اتخاذهم جوانب الأمان و الحيطة لضمان سلامة الأم والجنين، وللاستفادة أيضاً من نتائج الفحص هذا.

احدى أهم وسائل تلك الفحوصات المتعمقة هو محاولة الحصول على عينة من السائل الأميوني، أو سائل غشاء السّلى amniotic fluid المُغلف للمشيمة داخل الرحم. ويُدعى هذا الفحص بسحب عينة من سائل السّلى الأميوني amniocentesis .

وباستخدام إبرة رفيعة، يُمكن إدخالها عبر جلد البطن وصولاً إلي الرحم واختراق طبقته حتى الوصول إلي السائل الأميوني الذي يسبح الجنين فيه، يُمكن سحب كمية من هذا السائل. وهذا السائل يحتوي علي خلايا من الجنين والعديد من المركبات الكيميائية التي يُفرزها جسم الجنين.

وحينما تُجرى الاختبارات الجينية وغير الجينية على هذا السائل بكل ما فيه من خلايا ومواد كيميائية، فإنه يُمكن تشخيص وجود اضطرابات عدة، إما من الناحية الجينية أو من ناحية اكتمال النمو للجنين. مثل اضطرابات الكروموزومات في متلازمة داون Down syndrome، واضطرابات في العمليات الاستقلابية الكيميائية الحيوية داخل جسم الجنين . وكذلك شق فقرات العمود الفقري و الحبل العصبي نتيجة لفشل إتمام عملية التئامه الطبيعية في مراحل نمو الجنين أو شق الصلب spina bifida. كما ويُمكن التأكد عبر تحليل السائل هذا من بلوغ الرئة مرحلة النمو التام المُؤهلة لها للعمل بكفاءة عند إتمام ولادة الجنين.

لمن يُجرى، ومتى.

فحص الجينات من السائل الأميوني يُجرى عادة بعد الأسبوع 15 من الحمل. وهي مرحلة يكتمل فيها التحام أغشية الجنين، ما يُمكن بأمان سحب عينة من السائل الأميوني. وهو ما يُجرى عادة للنساء الحوامل ممن تجاوزن سن 35 سنة، حيث أن أجنتهن عُرضة بشكل أكبر أن تحصل فيها اضطرابات كرومزومية، لا علاقة لها بالوراثة بالضرورة. وكذلك يُجرى الفحص لمن حصل في حملها السابق اضطرابات في اكتمال نمو الأنبوب العصبي. أو أن ثمة نتائج غير طبيعية ظهرت من التحاليل التي تُجرى للحوامل عادة، أو أن ثمة تاريخ عائلي لوجود اضطرابات في النمو العصبي أو حالات داون أو غيرها. وهو ما تتوفر نتائجه غالباً بعد أسبوعين من إعادة تكثير الخلايا القليلة العدد في السائل ذلك، والاختبارات عليها في المختبرات الطبية. أما تقويم اكتمال نمو الجنين، عبر استخدام عينة من السائل الأميوني، فإنه يتم عادة بعد الأسبوع 36 من بدء الحمل. وذلك فقط للتأكد من الرئة جاهزة، ونموها مكتمل، للعمل بكفاءة بعد الولادة. وتظهر النتيجة خلال ساعة.

* مخاطر محدودة يُجري الطبيب عملية سحب عينة من السائل الأميوني باستخدام إبرة رفيعة تخترق جدار البطن وجدار الرحم، وصولاً إلى السائل الأميوني الذي يسبح الجنين فيه. ويتم توجيه دخول الإبرة بصور الأشعة الصوتية التي تُعرف الطبيب موقع الرحم والجنين واتجاه الإبرة. ويتم سحب كمية قليلة، لا تتجاوز قدر ما يملأ ملعقتين من ملاعق الطعام، قبل سحب الإبرة خارجاً. و ما تحس المرأة عادة به هو وخز للجلد، وبعض من الانقباضات الطفيفة في الرحم، حال اختراق الإبرة الرفيعة لهما.

والخوف من حصول إجهاض للجنين نتيجة الفحص ليس له داع، وإن كان ممكن الحصول. والسبب أن غالب ذلك يحصل حينما لا تلتحم الأغشية بدرجة كافية في مراحل الحمل الأولى. والدراسات الحديثة لم تجد فارقاً بين نسبة حالات إسقاط الجنين بين من أُجرى الفحص هذا لهن وبين من لم يُجر لهن، خاصة في الثلث الثاني من الحمل وما بعد ذلك.

كما يمكن حصول نزيف من المهبل لا يتجاوز 3%، أو تسريب للسائل الأميوني عبر المهبل لا يتجاوز 1%. و كذلك من النادر أن يُصاب الجنين بأذى من الإبرة حتى لو تحرك أثناء أخذ العينة داخل الرحم.

* تشخيص عيوب الجنين.. من دون سحب عينة السائل الأميوني > وفق ما نشرته مجلة لانست العلمية في الثاني من شهر فبراير، فإن ثمة باحثين في الولايات المتحدة يعكفون على توفير طريقة يُمكن بها دراسة خلايا الجنين وإجراء الفحوصات الجينية عليها، دون الحاجة إلى الحصول عليها بسحب عينة من السائل الأميوني له، لكنهم أكدوا أن الوقت مبكر لإطلاق توفير الطريقة المُقترحة في المستشفيات لاستخدامها.

وما يعتمد الباحثون عليه في تجاربهم هو معرفة العلماء منذ مدة أن دم الأم الحامل، منذ الأسبوع الخامس للحمل، يحتوي قدراً ضئيلاً من خلايا الجنين التي تسبح فيه. والقدر الضئيل هذا هو في الواقع نسبة خلية واحدة من الجنين في مقابل كل مليون خلية للأم في دمها. والإشكالية، إضافة إلي ندرة العدد، هي أن بمجرد سحب دم الأم، فإن خلايا الدم تنتفخ وتنفجر، ليذوب بالتالي ما تحتويه من حامض الأم النووي، دي أن إيه maternal DNA ، داخل سائل الدم، ما يزيد الأمور تعقيداً بتخفيفه بدرجة أعلى للحمض النووي من الجنين  fetal DNA. و عليه فإن الباحثين يقولون إن الصعوبة التي يجدونها في دراسة وفحص دي أن إيه الجنين، هي في المقام الأول بسبب تواجد دي أن إيه الأم.

ويقولون إنه لو أمكننا أن نُوجد طريقة تمنع خلايا دم الأم من الانفجار و من ذوبان محتواها من دي أن إيه داخل سائل الدم، فإن بالإمكان تحسين فرص عزل دي أن إيه الجنين و إتمام دراستها و فحصها بعد ذلك.

و كان الدكتور رافيندار دهالان، الباحث الرئيس في الدراسة، قد تمكن في عام 2004 من التغلب علي جانب من الصعوبات. و التي تمثلت طريقته بإضافة مادة فورمالدهاد formaldehyde إلي عينة الدم لعادية المأخوذة من الأم الحامل. وهو ما سيعمل على جعل جدران الخلايا أكثر صلابة، و بالتالي منعها من التكسر إلي حد بعيد. و هو ما سيُؤمن رفع نسبة تواجد دي أن إيه الجنين بمقدار 25%.

لكن تبقى مشكلة كيفية تميز دي أن إيه الجنين عن دي أن إيه الأم لإتمام الفحص والدراسة. وهو ما حاول الباحثون دراسته عبر دمج تطبيقات علم الرياضيات مع علم الجينات لتحديد نسبة أجزاء معينة من سلاسل الحمص النووي، وبالتالي معرفة مواطن التشابه والاختلاف و الخلل.

لكن نتائج التحقق من صحة الطريقة هذه لم تُعطي نتائج 100%، و إن كانت تقاربها. والمعروف أن سحب عينة من السائل الأميوني وإجراء الاختبارات الجينية عليه يُعطي نتائج دقيقة بشكل تام في تشخيص حالات مثل مرض داون، وهي التي تمت اختبارات التحقق من الصحة عليها.

ولذا فإن ثمة بقية من العمل و الجهد علي الباحثين القيام به قبل إطلاق نتائجهم للاستغناء بها عن طريقة سحب السائل الأميوني.