تقنيات حديثة في تشخيص السرطان وعلاجه

أدوية ذكية تحل مكان العلاجات الكيماوية

TT

لقد اتسم علاج السرطان في العقد الأخير بتقدم كبير جداً ونتائج مبهرة مقارنةً بالعقود الماضية. ويرجع ذلك إلى دقة التشخيص المبكر ودقة التشخيص في ما يتعلق بمرحلة المرض وأيضاً دقة التمييز بين الأمراض الحميدة والأمراض الخبيثة وكذلك دقة تحديد مدى خطورة العلاج الجراحي مثلاً على صحة المريض وصحة الأعضاء المختلفة في جسم الإنسان.

وللحصول على هذه النتائج المبهرة كان لا بد من استخدام تقنيات حديثة، تميز بها العلم في جميع نواحي الحياة، وأدى التقدم فيها إلى الوصول لقرارات سلمية أثناء فترة العلاج ولقرارات سليمة في ما يتعلق بترتيب أولويات العلاج سواءً العلاج الجراحي أو العلاج الإشعاعي أو العلاج الكيماوي وأدى أيضاً إلى التقليل من الآثار الجانبية للعلاج، بحيث أصبح العلاج يؤدي لنتائج باهرة بدون أن يسبب أذى للمريض في أعضائه الحيوية المختلفة. يقول الدكتور عبد الرحيم قاري استشاري ومدير مركز قاري الطبي لأمراض الدم وعلاج الأورام ورئيس اللجنة المنظمة لندوة «تقنيات حديثة في تشخيص وعلاج السرطان 2007» التي عقدت مؤخراً في مدينة جدة، إن التكنولوجيات الحديثة صارت، في الوقت الراهن، مهمة بدرجة كبيرة ويأتي في مقدمتها الأدوية الذكية في علاج السرطان.

* أدوية ذكية منذ حوالي عقدين من الزمان بدأ تطوير ما يسمى بالأدوية الذكية، وترافق تطويرها مع تطور بحوث الجينات وبحوث البيولوجيا الجزيئية التي انتهت قبل عدة سنوات بدراسة الجينوم البشري أي فك الشيفرة الوراثية البشرية.

ويضيف د. قاري، أن معرفة المعلومات الوراثية للإنسان أدت إلى معرفة كيفية نشوء الأورام المختلفة، لأن هذه الأورام هي عبارة عن اختلالات في انقسام وتميز الخلية. وأدى ذلك إلى تطوير أدوية تهاجم الاختلال الجزيئي للسرطان مباشرةً وبالتالي المشكلة الموجودة في كروموزومات وجينات الإنسان التي أدت إلى نشوء السرطان. وتتعامل هذه الأدوية مع الاختلالات الجزيئية المسببة للسرطان دون التعامل مع العمليات الطبيعية أو الخلايا الطبيعية الموجودة في الجسم وبالتالي نستطيع أن نتقي شر الاثار الجانبية للعلاج الكيماوي.

ومن الأدوية الذكية المستخدمة ما يسمى بالأجسام المضادة، وهي عبارة عن أجسام تفرزها خلايا مناعية استُحْصِلَ عليها من الإنسان وجرى تطويرها في المختبرات حتى تستطيع إنتاج كميات كبيرة من الأجسام المضادة ضد علامة معينة على سطح الخلية السرطانية. فعند حقن هذه المادة في الوريد تتجه إلى الخلايا السرطانية وتتعرف على هذه العلامة الموجودة على سطح الخلية السرطانية ولا تتفاعل مع الخلايا الطبيعية وبالتالي لا تحدث فيها أي اثار جانبية.

استخدامات هذه الأجسام المضادة وُجدَت مثلاً في الأورام اللمفاوية في عقار يسمى ريتوكسيماب (Rituximab)، وفي أورام الثدي في عقار يسمى هيرسيبتين (Herceptin)، وفي بعض العقاقير المطورة حديثاً ضد سرطان القولون مثل أفاستين (Avastin)، وسرطان الرئة في عقار يسمى تارسيفا (Tarceva).

ومن الأدوية الذكية أيضاً ما يسمى بمثبطات الأنزيمات مثل داساتينيب Dasatinib وإيماتينيب Imatinib أي التي تعطل أنزيمات معينة فتثبط الخلية السرطانية وتوقفها عن العمل ومن ثم يمكن للجهاز المناعي القضاء عليها وقتلها.

ومن الأدوية الذكية أيضاً ما يسمى أوليجونيوكليوتايد Oligonucleotides وهي عبارة عن أدوية تلتصق بناقل المعلومات الوراثية إلى داخل الخلية بحيث أن هذا الناقل لا يستطيع إنتاج بروتين كما هو مفروض فيه، وبالتالي يتعطل نمو الخلية السرطانية وانقسامها وبالتالي يمكن التخلص من الورم.

ومن الأدوية الذكية أيضاً ما يسمى بتطعيمات الـDNA التي تحفز الـ DNA على إنتاج أجسام مضادة تتفاعل ضد الخلية السرطانية وبالتالي هذه الخلية السرطانية تتعرض لهجوم مناعي يؤدي إلى القضاء عليها. فالأدوية الذكية هذه عديدة وتتميز بأنها ذات آثار جانبية محدودة مقارنةً بالأدوية الكيماوية التقليدية.

* تقنيات تشخيصية يقول البروفسور حسين عبد الدايم من المركز الطبي في نيويورك، والذي شارك في الندوة ببحث عن دمج تقنيات الـ PET) Positron Emission Tomography) والتي تستخدم فيها الخصائص الإشعاعية لبعض النظائر المشعة مع تقنية التصوير الطبقي المحوري، إن من أحدث الطرق المستخدمة التصوير الطبقي باستخدام إشعاع البوزيترون وهو جزء صغير من النواة يشع إشعاعاً موجباً على خلاف الإلكترون، فالإلكترون يناظره في الحجم لكنه يشع إشعاعاً سالباً، والبوزيترون يناظر الإلكترون ولكنه يشع إشعاع موجبا.

يضيف البروفسور عبد الدايم، أن هناك نظائر مشعة مختلفة مثل التيتانيوم والتكنيسيوم واليورانيوم تستخدم في تركيب مواد معينة تحقن في المريض، وهذه المواد تعتبر بشكل أو بآخر نوعاً من الغذاء لخلايا الجسم المختلفة بما فيها الخلايا السرطانية. وكونها تحوي نظائر مشعة فإنها تبث إشعاعاً يمكن دراسة تراكمه بواسطة جهاز كبير يعمل كمجس يصور الجسم كاملاً بما فيه المناطق التي تراكمت فيها هذه الإشعاعات وبالتالي نحصل على صورة تقريبية للجسم تظهر الأماكن التي تراكمت فيها هذه الإشعاعات.

ومن ناحية أخرى تتميز تقنية الـPET بأنها تظهر التفاعلات الكيماوية للخلايا الطبيعية الحية والخلايا السرطانية الحية ولذلك لها ميزة بأنها تميز بين الورم الذي تلقى علاجاً كيماوياً أو إشعاعياً فاضمحل وأصبح هناك بقايا غير حية للورم وبين بقايا أخرى لا تزال حية وقابلة أن تشكل خطراً على المريض. ورغم هذه الميزة الكبيرة، فما زال هناك ضعف من الناحية التشريحية، أي أننا لا نستطيع أن نحدد هذا التراكم أين يوجد بالضبط في الجسم ولا نستطيع أن نحدد علاقته بأعضاء الجسم المختلفة.

لذلك برزت الحاجة إلى دمج هذه التقنية PET مع تقنية التصوير الطبقي المحوري CT لاعطاء صورة تشريحية لأعضاء الجسم المختلفة فتبين مثلاً عضو الكلى وعضو الكبد والعقد اللمفاوية بشكل دقيق وواضح بحيث تبدو أجزاء من العضو لا تتجاوز نصف سنتيمتر واضحة في التصوير الطبقي المحوري. ويؤكد البروفسور عبد الدايم أن العديد من الدراسات والبحوث أثبتت دقة هذه التقنية في التشخيص وسهولة اتخاذ قرار العلاج.

* أبحاث ودراسات مؤيدة أظهرت مجموعة من البحوث نشرت في مدونات علم الأورام في يناير 2007 أن هذه التقنية ناجحة في تشخيص أورام منطقة العنق والرأس، وهي منطقة تحوي أعضاء حيوية جداً لا يمكن إجراء جراحات فيها في حال الإصابة لأن ذلك يعني استئصال أجزاء لا يمكن استئصالها من الجسم. لذلك فاستخدام هذه التقنيات مهم جداً حتى يمكن إعطاء العلاج الإشعاعي مثلاً (وهو علاج لا يخلو من آثار جانبية) ويجب أن يُبْنَى إعطاؤه على درجة عالية من دقة التشخيص.

بحث نشر في المجلة الأميركية للسرطان في ديسمبر 2006 أظهر أن دقة التمييز بين البقايا الحية للورم والبقايا غير الحية للورم في الأورام اللمفاوية وصلت بعد إعطاء العلاج إلى 97% باستخدام تقنية الـPET/CT بينما لم تتجاوز 30% باستخدام تقنية الـCT وحدها و 65% باستخدام تقنية الـPET وحدها. عليه فان دمج التقنيتين الـPET/CT أدى إلى تقدم كبير في التمييز بين البقايا الحية والبقايا الغير حية للورم، مما ساعد في اتخاذ القرار باستمرار إعطاء العلاج في حالة وجود بقايا حية أو عدم الحاجة إلى العلاج في حالة عدم وجود بقايا حية.

ودراسة نشرت في المجلة الأوربية لأبحاث السرطان في عددها نوفمبر 2006 من جامعة جنوب كارولاينا أظهرت أن دمج التقنيتين معا الـPET/CT تصل نتائجها إلى 95% في تشخيص انتكاسات أورام القولون بينما تقنيات الـ CT تساعد في تشخيص 15% فقط وتقنيات الـPET تساعد في تشخيص حوالي 70% من انتكاسات أورام القولون.

هذه الأبحاث جميعها تشير إلى أن دمج التقنيات الحديثة له فوائد عظيمة في تشخيص المرض والمساعدة في وسائل العلاج.