الميكروبات على الأطباق.. ما بين غسلها يدويا أو بغسالة الصحون

بقايا أحمر الشفاه أقلها تلوثاً

TT

يبدو أن أحمر الشفاه عدو لدود للميكروبات، حيث من الصعب عليها التكاثر على أجزاء الكؤوس أو الملاعق أو غيرها من أدوات تناول الطعام. في حين تُمثل بقايا الحليب أو الجبن بيئة مثالية لنمو الميكروبات وتكاثرها. هذه إحدى النتائج التي توصل الباحثون من جامعة ولاية أوهايو إليها في دراستهم حول احتمالات إصابة رواد المطاعم أو المقاهي بعدوى الميكروبات وانتقالها إليهم عبر ما يستخدمونه أو يتناولون منه ما جاءوا للاستمتاع به من مأكولات أو مشروبات. ومن ضمن أهم ما أثاره الباحثون في دراستهم هو مدى تحقيق النظافة من الميكروبات التي قد تكون عالقة على أطباق تقديم الطعام أو كؤوس وأقداح الشرب أو الملاعق أو غيرها، باستخدام إما وسيلة الغسل اليدوي للأطباق أو غيرها من الوسائل.

وتعتبر الدراسة هذه واحدة من سلسلة دراسات طبية تبحث، من زوايا مختلفة، في وسائل تقليل انتشار الإصابات بعدوى الميكروبات المتسببة في النزلات المعوية أو غيرها. وهي إصابات، بحسب ما تشير إليه المصادر الطبية، زادت حدتها في أماكن شتى من العالم في الآونة الأخيرة. وتتسبب في زيادة معاناة الكثيرين من الأمراض الناجمة عنها، وفي تغيب الكثيرين عن أعمالهم بكل تبعات ذلك من خسائر اقتصادية، ناهيك من حالات الوفيات بين الأطفال الصغار أو بين كبار السن أو من لديهم اضطرابات في المناعة كمرضى السكري أو الفشل الكلوي أو السرطان أو غيرهم. وبعيداً عن الحديث حول المواد المستخدمة في التنظيف وآثارها الصحية، فإن ما تحاول الدراسة تسليط الضوء عليه هو كيفية تحقيق اهتمام أفضل بطريقة تنظيف أدوات تناول الطعام أو الشراب، سواء في المطاعم أو المنازل أو غيرها من الأماكن، على أسس علمية.

وكانت الأنباء قد قالت في 28 فبراير (شباط) الماضي إن الدكتور جاينسينغ لي والدكتور ملفن باسكال قد نشرا في العدد الحالي من مجلة هندسة الغذاء نتائج دراستهما حول قدرات وسائل غسل الأطباق وغيرها في إزالة الميكروبات عنها، وبالتالي ضبط نسبتها ضمن اللوائح التي أصدرتها إدارة الغذاء والدواء الأميركية حول كيفية تحقيق أمان تناول الأكل أو الشرب منها أو بها، وكذلك بحثا في تأثير بقايا أنواع مختلفة من الأطعمة أو المواد، كالجبن أو الحليب أو البيض أو أحمر الشفاه، العالقة بالأطباق أو الكؤوس في نمو الميكروبات وتكاثرها، وأيضاً في مقاومتها لوسائل الغسل في إزالتها عنها.

وقال الدكتور باسكال: حتى بعد الغسل كانت لا تزال ثمة بقايا بقع أحمر الشفاه عالقة على بعض من الكؤوس، لكنها كانت أقل مادة مناسبة لنمو البكتيريا، ويبدو أن أحمر الشفاه يحتوي خصائص للقضاء على الميكروبات، وهو ما مثل لنا مفاجأة.

ويقول الباحثون إن المطاعم حينما تقوم بعملية يدوية لغسل الأطباق وغيرها مما تم استخدامه في إعداد الأطعمة أو من قبل الزبائن، فإنها تقوم باتباع ثلاث خطوات متتالية: الأولى الغسل باستخدام الصابون والماء، والثانية شطفها بالماء، والثالثة غمرها في ماء يحتوي على مواد قاتلة للميكروبات germ-killing sanitizers لكن العاملين فيها، على حد قول الباحثين، غالباً ما يستخدمون ماءً أبرد مما يجب، وتحديداً أقل من 43 درجة مئوية. وتُعتبر درجة حرارة 43 درجة مئوية هي، أي درجة حرارة الماء المستخدم في غسل الأطباق، أقل درجة حرارة تقبلها إرشادات إدارة الغذاء والدواء الأميركية في تحقيق نظافة مقبولة من الميكروبات، لأن إرشاداتها تقول صراحة إن عملية غسل الأطباق يجب أن تحقق نقصاً بمقدار 100 ألف ضعف في كمية البكتيريا العالقة بالأطباق قبل غسلها واستخدامها في تقديم الأطعمة للناس عموماً. ولأنها درجة حرارة يجدها العاملون غير مُتحملة، فإنهم يلجأون إلى تبريد الماء إلى درجات أقل منها أثناء غسل الأطباق وغيرها، وهو ما حاول الباحثون التعرف على تأثيراته، أي استخدام ماء بدرجة حرارة أقل. ولذا قاموا بتلطيخ أطباق عدة، وغيرها من الأواني المستخدمة من قبل زبائن المطاعم، بأنواع مختلفة من بقايا الأطعمة. واستخدموا البيض والجبن والحليب وأحمر الشفاه، ثم أضافوا إلى تلك البقايا الملطخة للأطباق كمية من بكتيريا إي كولاي Escherichia coli وبكتيريا ليستيريا إنوكيا Listeria innocua، والمعروف أن البكتيريا من هذين النوعين تسبب الكثير من حالات النزلات المعوية الوبائية، ويُمكنها أيضاً البقاء والتكاثر على بقايا الأطعمة المُلطخة للأطباق ما لم تتم إزالة البقايا تلك بالكامل.

وبعد أن تركوا الأطباق وغيرها من الاواني الملطخة ببقايا الأطعمة المختلفة وبنوعي البكتيريا تلك، لمدة ساعة كي تجف، وهي مقاربة للمدة التي تبقى فيها عادة بعد استخدامها من قبل الزبائن وقبل البدء بغسلها، تبين للباحثين أن غسلها بالماء الحار، وغمرها في سائل التعقيم بعد ذلك، أدى إلى إزالة شبه تامة للبكتيريا التي على الأطباق وعلى ما تلطخت به من بقايا الأطعمة عند جفافها. في حين أن غسلها جيداّ بالصابون الممزوج بماء حار جدا، ومن ثم شطفها، لم يُؤد المطلوب وفق الإرشادات الصحية في إزالة الميكروبات، إلا بعد أن تم غمرها في سائل معقم يحتوي مواد كيميائية من الأمونيا ammonium-based chemicals ما يعني أن عدم ارتياح العاملين لاستخدام الماء الساخن نسبياً يُمكن التغلب عليه باستخدامهم ماءّ أقل حرارة لكن مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة غمر الأطباق آنذاك في محلول تعقيم فعال.

وقال الدكتور باسكال: إن ما أردنا توضيحه للعاملين بالمطاعم، وغيرهم، هو أن بإمكانهم استخدام ماء بدرجة حرارة مُريحة لهم في غسل الأطباق، ومع هذا أيضاً تحقيق الفائدة المرجوة في إزالة الميكروبات عنها. لكن بإمكاننا ذلك باتباع طريقة تجمع بين الغسل والشطف والغمر في محلول التعقيم.

ومما لاحظه الباحثون في نتائج دراستهم الفاحصة هو أنه ليست كل الادوات المستخدمة في الاكل وتقديم الطعام تتأثر بالميكروبات بنفس النسبة ونفس درجة التلوث، وبقاء الميكروبات عليها حتى بعد غسلها. فإذا قارنا أطباق السيراميك أو سكاكين ومعالق وشوك الفولاذ أو الصواني البلاستيكية، فإن الشوك الفولاذية كانت هي أفضل ما تعشش البكتيريا فيه، وأصعبها إزالة منها. وهو ما علق عليه الدكتور باسكال بالقول إن شُعب شوكة الطعام تحمي ما يعلق بينها من الإزالة بعملية التنظيف، ولذا فإن تنظيفها لوقت أطول هو أمر جيد.

وإضافة إلى الشوك فإن الحليب الجاف العالق بالأكواب كان مشكلة أخرى. حيث يعتبر أفضل بيئة لنمو الميكروبات. وقال الدكتور باسكال: إننا نعلم أن الحليب يُستخدم في المختبرات لتهيئة بيئة مناسبة لنمو الميكروبات، لكننا لا نعلم سبب التصاقه بشدة على الأكواب الزجاجية وخاصة في قعرها. وأضاف أن الحليب هو مجال آخر للبحث في أفضل الطرق لإزالة البقايا الجافة منه عن الأكواب. وعلق الباحثون على النتائج بأنها تنطبق على الطرق المنزلية في تنظيف الادوات، كما أضافوا القول بأن ترك الأطعمة على الصحون يشجع البكتيريا على النمو، خاصة في الأجواء الرطبة. وإن أفضل ما يُمكن للمرء فعله هو غسل الاواني مباشرة بعد الاستخدام، أي قبل أن تجف بقايا الطعام عليها. لأنه يختصر الوقت اللازم لعملية التنظيف، كما يُحقق إزالة تامة للميكروبات التي تنمو بسهولة على البقايا الملطخة للأواني.

وربما لا يكفي ما تتبعه ربات المنزل من مبدأين أساسيين في تنظيف آنية الطعام، وهو البدء بتنظيف الأكثر نظافة من الآنية تلك، وغسل القطع الصغيرة قبل الكبيرة. ذلك أن الماء الحار وسيلة لضمان إزالة الميكروبات وبقايا الأطعمة. وإن لم يكن بالإمكان فبغمر الآنية في محلول التعقيم. أما درجة التعقيم التي تحققها آلات غسل الأطباق وغيرها، فإنها لا تزال محل البحث، خاصة لأطباق المطاعم والمستشفيات وغيرهما من الأماكن العامة.

والأصل أن التعقيم التام بحرارة الماء يتم فقط عند التعرض لدرجة حرارة 121 درجة مئوية لمدة ربع ساعة. وتستخدم آلات غسل الأطباق طريقتين في التعقيم، الأولى الشطف بالماء الحار، بدرجة 83 درجة مئوية على أقل تقدير. أو استخدام تعقيم بسائل كيميائي، وعادة ما يحتوي على الكلور. ويصعب على الآلات تلك تأمين حرارة عالية للماء كما ينبغي، ما يفرض اللجوء إلى التعقيم الكيميائي.