طماطم «سوبر» بالتقنية الجينية للقضاء على تشوهات الولادة وفقر الدم

غنية بفيتامين فوليت

TT

في محاولة منهم للحد من إصابة الأجنة بالتشوهات، قدم الباحثون من فلوريدا نوعاً جديداً من الطماطم المعدلة الوراثية والغنية بفيتامين فولييت سميت بطماطم «سوبر». والفكرة، بغض النظر عن الرأي في الأطعمة المُعدلة وراثياً واختلاف الناس فيها، إلا أن الباحثين الأميركيين صبغوها بصفة الحل العملي لمشكلة لا تزال بلا حل فاعل في وقف حصول تشوهات الأجنة أوحالات فقر الدم في كثير من المجتمعات النامية. وهي، من الطرف الآخر لرؤية الموضوع برمته، تلقي مزيداً من الضوء على مشكلة تدني نسبة الفوليت في أجسام الحوامل بالقدر الكافي لحاجة أجسامهن وحاجة الجسم النامي للجنين في أرحامهن، الأمر الذي يُحاول الأطباء جاهدين لفت نظر الحوامل إليه، وتبصيرهن بعواقب ذلك على اكتمال بنية أعضاء جسم الجنين وعلى قوة الدم لديهن. ومن ثم توجيههن نحو تناول الكميات اللازمة منه، إما من الأغذية الطبيعية الغنية به أو تناول الأغذية المعززة بكميات إضافية منه أو تناول حبوب فيتامين الفوليت المتوفرة بهيئة منفردة أو بصحبة الحديد.

والمعروف أن كل الفيتامينات، على خلاف فيتامين «دي»، لا يستطيع جسم الإنسان إنتاج أياً منها. وكذلك الحال مع المعادن. والجسم البشري يحتاج الفيتامينات كعوامل تساعد على اتمام عمليات كيميائية حيوية ضرورية وأساسية في حياة الإنسان. ولذا، فإن عليه أن يحصل عليها من الغذاء. وتنقسم الفيتامينات إلى نوعين رئيسيين؛ الفيتامينات التي تذوب في الدهون، والتي يمتصها الجسم من الغذاء مع امتصاصه للدهون مثل فيتامين إيه A وإي E وكي K ودي D . وبقية الفيتامينات كلها من نوع الفيتامينات الذائبة في الماء مثل فيتامينات سي C ومجموعة بي B وغيرها.

كما أن نقص الفوليت لدى الحوامل سبب في حصول تشوهات تبدو عند الولادة في بنية أعضاء الجنين، أوما تسمى مجازاً لدى البعض بالعيوب الخَلْقية. وتطال هذه التشوهات مثلا اكتمال غلق الأنبوب العصبي في فقرات الظهر أو ببعض أمراض القلب أو السرطان. وعادة ما تقوم بعض الدول باعتماد تعزيز بعض المنتجات الغذائية النباتية الشائعة الاستخدام بكميات مُضافة من فيتامين الفوليت إليها، مثل دقيق القمح، لضمان تزويد الأمهات والأطفال به. لكن الأمر قد لا يتوفر في دول أخرى أقل تقدماً، كما يقول الباحثون، مما دفعهم إلى اعتماد طريقة الهندسة الوراثية في توفير محاصيل نباتية لا تحتاج إلى التعزيز بالفيتامينات، بل هي غنية بهذا الفيتامين منذ ظهور ثمارها وحتى اكتمال نضجها وتقديمها للمستهلكين. والغاية التي يذكرها هؤلاء الباحثون هو تقديم ما يكفي من هذا الفيتامين للناس للحيلولة دون إصابتهم بحالات نقص فيتامين الفوليت، وتداعيات ذلك من أمراض.

* الطماطم «السوبر» وكانت مجلة «حوادث» الأكاديمية القومية للعلوم قد نشرت في عدد السابع من شهر مارس (آذار) الحالي، نتائج دراسة تطوير نوعية سوبر من الطماطم الغنية بالفوليت. وقال البروفسور أندروهانسن، الباحث المشارك في الدراسة من جامعة فلوريدا، «استخدمنا الطماطم، لأنها مثال جيد لما يُمكن العمل عليه. ونريد الآن توسيع إستراتيجيتنا لإنتاج حبوب ومحاصيل درنية كالبطاطا الحلوة». وتعاون كل من البروفسور جيسي غيروغري الثالث والبروفسور هانسن على استهداف طريقتين تعتمدها الطماطم، وغيرها من النباتات، في إنتاج فيتامين فوليت طبيعياً. وقال الباحثون إن جسم الإنسان وخلاياه لا يستطيعون إنتاج الفوليت في أي حال، مما يستدعي تناوله من النباتات.

وفي عام 2004 تمكن الباحثان من إضافة أحد الجينات المُنشطة لإحدى الطريقتين التي يُنتج الطماطم فيتامين فوليت بها، مما أدى إلى مُضاعفة قدرة نباتات الطماطم المعدلة وراثياً بذلك من إنتاج وتوفير كمية الفوليت في ثمارها. وتم استخلاص الجين المُضاف إلى جينات الطماطم من الفئران. لكن مُنتج الطماطم كان ضعيف البنية والتحمل، مما يعني فشل تلك الطريقة من الهندسة الوراثية في توفير ثمار يُمكن الاعتماد على إنتاجها وتسويقها واستهلاكها من قبل الناس.

ولم ييأس الباحثان، بل أضافا جيناً آخر إلى العملية. واستخلصوا الجين الأخر من إحدى الطحالب البحرية. وكانت النتيجة، على حد وصف الباحثين، إنتاج طماطم غني جداً بالفوليت. وقالا تحديدا إن اكتمال نضج ثمرة الطماطم من هذا النوع المُعدل وراثياً يُعطي 25 ضعفاً من كمية الفوليت مقارنة مع الطماطم الطبيعي العادي.

لكن الباحثين لم يُعطوا أي معلومات إضافية حول مدى خصائص مُنتج ثمار الطماطم الجديدة في البقاء ومقاومة العوامل الطبيعية، مثلما حصل مع تجربتهم السابقة التي لم يُكتب لها النجاح في هذا الجزء من الإنتاج. ويصعب على المراقبين الطبيين التكهن بما سيؤول الأمر إليه في هذا الجانب من النواحي الصحية. لكن تصريح الباحثين برغبتهم في تطبيق النتيجة هذه، أي زيادة القدرة على تكوين أضعاف مضاعفة من الفوليت في الثمار، على منتجات أكثر تحملاً مثل الحبوب والبطاطا، لا يُبشر بأن الطماطم هي المقصودة الرئيسة الآن بالإنتاج. ولذا كان قولهم إن أهم هدف للعمل في المستقبل هو على محاصيل الحبوب المُستخدمة في كافة أنحاء العالم. وأشاروا تحديداً إلى الأرز بأنه المُستهدف بالتجارب. وأضافوا بأن ثمة مجموعات بحث، يتعاونون معها، تعمل على تطوير الأرز بتقنيات الهندسة الوراثية. والواقع أن مجموعة البحث في فلوريدا لديها تعاون وثيق مع مجموعات أخرى للأبحاث في بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وأستراليا وبعض الدول الأفريقية.

* فيتامين الفوليت هو أحد فيتامينات مجموعة بي، وتم اكتشافه عام 1930. ويُوجد في العديد من المنتجات النباتية كالبقول والحبوب والفواكه والخضر والنباتات الورقية الخضراء. ويُساعد الجسم على البناء والمحافظة على الحمض النووي «دي إن إيه» للخلايا. وكذلك هو مهم في إنتاج الجسم للخلايا الجديدة، خاصة المتجددة منها باستمرار مثل خلايا الدم الحمراء.

وتنصح هيئات التغذية في الولايات المتحدة وغيرها بتناول الإنسان كمية 0.4 ملليغرام يومياً منه، والحوامل كمية 0.6 ملليغرام. وليس ثمة أدلة على تسبب تناول كميات عالية منه بضرر على الجسم، لأن الأصل هو أن الفيتامينات الذائبة في الماء، مثل الفوليت، لا تبقى أو تتراكم في الجسم، بل يتخلص الجسم من كمياتها الزائدة سريعاً. بخلاف الفيتامينات التي تذوب في الدهون، التي تناولها بكثرة يُؤدي إلي تراكمها في الجسم وإضرارها به.

وما تشير المصادر الطبية إليه بشأن فيتامين الفوليت وحاجة الجسم إليه على نوعين؛ الأول هو ما ثبت أن نقص فيتامين الفوليت سبب في نشوئه وضروري لمعالجته، مثل فقر الدم وإصابة الأجنة بعدم غلق الأنبوب العصبي في الظهر. والثاني مما لا يزال محل دراسة وبحث مثل الوقاية من أمراض شرايين القلب والدماغ وبعض من أنواع السرطان في الجسم ومرض الزهايمر. ولذا، فإن الهيئات الطبية العالمية المعنية بهذه التخصصات لا تجزم بتناول فيتامين الفوليت للوقاية من أي منها. وعلى سبيل المثال، فإن المؤسسة القومية للسرطان بالولايات المتحدة تقول ما نصه إن من غير الواضح فيما لو كان تناول فيتامين الفوليت بكميات عالية يُخفض عُرضة الإصابة بأنواع السرطان لدى عامة الناس، أو ما هي الكمية اللازمة لذلك.

* دراسات حول الفوليت تثير مزيداً من الاهتمام بفوائده > نشرت المجلة الطبية البريطانية في عدد الأول من فبراير (شباط) الماضي نتائج دراسة الباحثين من المؤسسة القومية لعلوم صحة البيئة حول جدوى تناول الأمهات الحوامل في أوقات مبكرة جداً من الحمل لفيتامين الفوليت للوقاية من إصابة مواليدهن بحالات شق الشفة cleft lip سواء التي تظهر لوحدها أو المصحوبة بحالات شق الحنك cleft palate . وقالوا إن تناول الأم لحوالي 0.4 ملليغرام من فيتامين الفوليت يومياً يقلل من احتمال إصابة الجنين بتشوه الولادة بنسبة 35%. والمعروف أن هذه الكمية هي التي يجب على البالغين تناولها يومياً. كما أن هذا النوع من تشوه الولادة يُصيب مولوداً من بين 750 مولودا. وتمت الدراسة في النرويج، وهي الدولة الأوروبية الأعلى في إصابات الأجنة بهذا التشوه في الشفة. والنرويج واحدة من دول العالم التي لا ترتضي تعزيز المنتجات الغذائية بفيتامين الفوليت. ولذا لا يتحقق غالباً للأمهات الحوامل تناول حتى الكمية الطبيعية اللازمة للجسم من الفوليت.

من جانب آخر، نشرت مجلة «لانست» العلمية في عدد 20 يناير (كانون الثاني) الماضي دراسة الباحثين الألمان حول الجدوى الإيجابي لتناول فيتامين الفوليت في زيادة حدة ذكاء المتقدمين في العمر ومحافظتهم على القدرات الذهنية. وقال الباحثون إن دراستهم كانت موجهة للمتقدمين في العمر ممن لديهم ارتفاع في مركب هوموسيستين البروتيني في الدم، وهو أحد المركبات التي ما زال البحث مستمراً حول علاقتها بأمراض شرايين القلب وشرايين الدماغ وحالات الزهايمر للخرف. ويعمل فيتامين الفوليت على خفض نسبة هذا المركب في الدم، مما يُعزز إلى حد ما وجه نظر بعض الأطباء في جدواه للوقاية من تلك الحالات المرضية. إلى هذا كله، نشرت مجلة مدونات الطب الباطني، في عدد 2 يناير (كانون الثاني) الماضي، دراسة للباحثين من سويسرا وألمانيا حول دور فيتامين الفوليت في تخفيف حدة تدهور قدرات السمع لدى المتقدمين في العمر. وقالوا إن منْ يتناولون كميات إضافية من الفوليت كانوا أقل إصابة بتدهور السمع عند التقدم في العمر. وشملت الدراسة أكثر من 700 شخص، ممن يُعانون بنقص في قدرات السمع وممن أيضاً لديهم نقص في فيتامين فوليت في الجسم. وتبين أن تزويدهم بحوالي 0.8 ملليغرام يومياً من الفوليت، أي ضعف الكمية اللازمة يوميا، لمدة ثلاث سنوات، أدى إلى تحسن في قدرات السمع وفق نتائج الاختبارات الخاصة بالأصوات ذات التردد المنخفض. دون أن يظهر أي تحسن في اختبارات الأصوات عالية التردد.

والدراسة تعتبر مبدئية لا تُبنى عليها نصائح عملية للناس. كما أن الباحثين لم يُعطوا أي معلومات حول ما إذا كان أمر التحسن طال قد قدرات السمع للكلام وتميز أصواته، لأن من الممكن أن يتحسن السمع دون أن يتحسن تمييز الأصوات ووضوح سماعها. وهو جانب علق عليه الدكتور بيتر رابينويتز من جامعة يل بالولايات المتحدة.

ومع ذلك، كما أضاف، فإننا نعلم القليل عن دور الغذاء في تحسين السمع. والدراسة تسلط بعضاً من الضوء على هذا الجانب الذي يحتاج إلى مزيد من الأبحاث والدراسات.