اضطرابات النوم لدى الطفل تطال الأمهات أكثر من الآباء

تعد من المشاكل التي تؤثر على كل أفراد الأسرة

TT

صدرت في الثالث من شهر مارس (آذار) الحالي عن المؤسسة القومية للنوم بالولايات المتحدة واحدة من أغرب الدراسات في نتائجها، حول حال النساء عموماً والأمهات على وجه الخصوص، في التعامل مع النوم واضطراباته. والدراسة وإن كانت تحكي ما يجري في الطرف الغربي من العالم، إلا أن نتائجها في طريقة تعامل المرأة مع ضيق الوقت وكثرة الأعباء تحتاج إلى تأمل ومراجعة.

من جانب أخر أكد الباحثون الأميركيون أنه حينما يُواجه الطفل صعوبات واضطرابات في النوم، فإن الأهل سيُعانون من صعوبات واضطرابات في النوم أيضاً نتيجة للحرمان منه. ما يُلفت إلى ضرورة الاهتمام بمشاكل اضطرابات نوم الأطفال لتقليل تداعياتها على بقية أفراد الأسرة.

قلة نوم النساء ضمن نتائج استفتاء «النوم في أميركا»، الذي صدرت نتائجه في الأسبوع الأول من هذا الشهر، تبين أن أكثر من نصف النساء الأميركيات يُعانين من عدم أخذ قسط كاف من النوم، ما يحرمهن من اتباع إرشادات التغذية الصحية ومن قضاء الوقت مع الأقارب والصديقات، كما يُقلل من فرص التفاتهن إلى شريك الحياة والاهتمام به وتلبية متطلباته. وغالبية من يُعانين من هذا الأمر هم ربات المنازل.

وأوضحت نتائج الاستفتاء الذي أجرته المؤسسة القومية للنوم بالولايات المتحدة أن 70% من النساء ذكرن أنهن غالباً ما يُواجهن صعوبات مع النوم، إما نتيجة للقلق أو التوتر. وأن فقط 60% من النساء قلن بأنهن استطعن النوم ليلا خلال بضعة من أيام الأسبوع. وبالرغم من 72% من الأمهات العاملات و68% من العازبات العاملات يُعانين من صعوبة في النوم، إلا أن الأمهات غير العاملات كن أكثر معاناة. ذلك أن حوالي 75% منهن عانين من الأرق بضعة أيام في الأسبوع، وحوالي 60% منهن قالوا إنهن كن يستيقظن من النوم غير شاعرات بالنشاط والحيوية.

وقالت كاثرين ليي، الناطقة باسم المؤسسة، إن النساء في أميركيا يُصارعن من أجل التأقلم مع عدم الحصول على قسط من النوم. وهو أمر يُؤثر على كل جوانب حياتهن اليومية.

وشملت الدراسة أكثر من 1000 امرأة، ممن أعمارهن تتراوح بين 18 إلى 64 سنة. والهدف الرئيس من إجرائها هو تسليط الضوء على مشاكل النوم لدى النساء ومعرفة كيفية تعاملهن وتأقلمهن معها ومع تداعياتها.

الأولويات والتضحيات وربما كل ما تقدم لا يُوازي في الأهمية من الناحية الصحية ما لاحظه الباحثون في نتائج الاستفتاء، وهو أن النساء حينما يُداهمهن ضغط أداء الالتزامات مع ضيق توفر الوقت اللازم للقيام بها، فإن النوم هو الأمر الذي يتأثر بالدرجة الأولى لدى 52% منهن، وتليه ممارسة الرياضة البدنية اليومية لدى 48%. ما يعني أن النساء يُضحين بأهم الأمور التي يُؤثر اضطرابها سلباً على الصحة والعافية والنشاط اليومي.

كما أن ذلك يدفع 39% من النساء لتقليل قضاء وقت مع الأقارب أو الأصدقاء أو أفراد العائلة. ويحرم 33% منهن من تناول الوجبات الصحية والاستعاضة عنها بوجبات سريعة لا تتمتع بأي جوانب صحية في الإعداد والمحتوى والتأثير على سلامة الجسم وأعضائه، وأيضاً كما لاحظت الدراسة إقبال 65% من النساء على تناول القهوة أو غيرها من المشروبات المحتوية على مادة الكافيين المنبهة من أجل تسهيل الاستمرار في التيقظ عند غلبة النعاس عليهن أثناء النهار. وذكر 33% من النساء أنهن توقفن عن الاهتمام بالشريك وقضاء الأوقات الحميمة معه. وقالت كاثرين لي أن من المثير للاستغراب أن العمل الوظيفي وأعباءه ومتطلباته كان هو آخر ما تُضحي المرأة بالاهتمام به. إذْ تأثر ذلك لدى فقط 20% من النساء حين مواجهة الظروف الضاغطة من ناحية قلة الوقت أو عدم النوم.

وتمثل جوانب التأثير السلبي للالتزامات مع ضيق توفر الوقت على كل من النوم وممارسة الرياضة والاهتمام بالوجبات الغذائية الصحية والاهتمام بالعلاقة مع الشريك ومع بقية أفراد الأسرة والأصدقاء، تخبطاً واضحاً في التعامل وتوزيع الوقت والاهتمامات. خاصة مع تأثر الأداء العملي الوظيفي بدرجة هي الأقل بالمقارنة مع كل تلك الجوانب الأهم على المستوى الشخصي والصحي والاجتماعي للمرأة.

لكن ليس هذا هو التخبط الوحيد في التعامل من قبل المرأة، فقد ذكر الباحثون أن النتائج أظهرت أن النساء وبدلاً من الذهاب إلى السرير مبكراً للخلود إلى النوم عند الشكوى من قلة النوم، فإن 87% منهن قلن إنهن يُشاهدن البرامج التلفزيونية على أقل تقدير ساعة قبل الذهاب إلى النوم، و37% يقمن بأنشطة أخرى لا علاقة لها بالجوانب الأسرية والصحية. وهو ما علقت علية كاثرين ليي بالقول إن النساء وفي محاولة منهن على التلاعب في إنجاز المسؤوليات اليومية المتعاقبة يعمدن إلى التضحية بأكثر الأمور أهمية من الناحية الصحية وهي الوجبات الغذائية والتمارين الرياضية وأخذ قسط كاف من النوم.

الوالدان ونوم الطفل ولاحظ الباحثون من كلية براون للطب في ولاية رود أيلند الأميركية، خلال متابعتهم حالة النوم بالليل ودرجة اليقظة أثناء النهار لدى الوالدين ممن يُراجع أطفالهم العيادات المتخصصة في معالجة مجموعة من اضطرابات النوم. وكانت الأمهات بشكل عام أكثر تأثراً من الآباء، وذلك غالباً بسبب أنهن المعنيات بالاستجابة للتعامل مع مشاكل نوم الأطفال في منتصف الليل وما بعده، على حد قول الباحثين.

وقالت الدكتورة جولي بويرغيرس، الباحثة الرئيسة في الدراسة، إن حصول مشكلة في نوم الطفل تُؤثر على أفراد العائلة بأكملها. والدراسات السابقة أكدت على أن تبعات اضطرابات النوم بالليل والشعور بالرغبة في النوم أثناء النهار نتيجة لذلك، ستُؤثر بشكل سلبي على مزاج الإنسان وسلوكياته وصحته. وأضافت بأن هذا أمر من المهم التنبه له لأن حرمان الوالدين من النوم قد يُؤدي بهما إلى قلة الصبر على الطفل الذي يُعاني من صعوبات في النوم أو بقية أخوته، أو إلى تدني إنتاجيتهم في أثناء العمل الوظيفي أو المنزلي.

وشملت الدراسة التي نُشرت في عدد مارس من مجلة علم نفس الأسرة، حوالي 110 أسر، ممن أعمار أطفالهم الذين يُراجعون في عيادات النوم تتراوح بين 2 إلي 12 سنة. وتنوعت اضطرابات نوم الأطفال لديهم ما بين صعوبات في التنفس أثناء النوم، أو حالات الاستيقاظ نتيجة الفزع عند الاستغراق في النوم، أو تكرار النوم والاستيقاظ أثناء الليل، أو رفض الذهاب للخلود إلى النوم.

وحينما قام الباحثون بالتعرف على حالات الوالدين مع عادات النوم بالليل أو مستوى اليقظة في النهار، تبين أن الاهل الذين يُعاني أطفالهم من اضطرابات النوم هم أكثر عُرضة للشعور بالنعاس أثناء النهار.

ويعتقد الباحثون أن معاناة الأمهات من تقطع النوم ومن تكرار الذهاب للتأكد من خلود الطفل إلى النوم، هي أكثر من تلك التي يُعاني منها الآباء، بالرغم من قضائهن نفس عدد الساعات التي يقضيها الآباء في السرير.

وللحيلولة دون تمادي تأثر الوالدين، والأمهات خصوصاً، باضطرابات نوم الاطفال، فإن الدكتورة بويرغيرس تُؤكد على وجوب التأكد من سلامة الطفل من تلك الاضطرابات، وعلى معرفة علاماتها والمبادرة أيضا بمعالجتها. وقالت إن نعاس الطفل أثناء النهار وصعوبة الخلود إلى النوم بالليل وتكرار الاستيقاظ بالليل أو الشخير كلها علامات على وجود مشكلة لدى نوم الطفل. وأضافت انه من المهم أيضاً ملاحظة أن ظهور بعض السلوكيات على الطفل أثناء النهار أو اضطرابات المزاج لديه كلها قد تعكس وجود اضطرابات في النوم، يجب على الوالدين التنبه لها، وطلب المعونة الطبية، لان ثمة وسائل علاجية.