تدهور القدرات الذهنية وعلاقته بالتقدم في السن

التدخين والإصابة بالسكري وارتفاع ضغط الدم من أهم أسبابه

TT

الرسالة التي يُحاول الباحثون من سان فرانسيسكو إيصالها للسيدات هي أن تعرضهن للإصابة بتدن في قدراتهن الذهنية وتدهور حدة تفكيرهن وذاكرتهن، ليس بالضروري أن تكون أشياء حتمية تحصل لهن عند تقدمهن في العمر. ذلك أن ثمة أسباباً مرضية مفهومة، يُمكن إما الوقاية منها أو تخفيف تداعياتها، ترتبط في الغالب باحتمالات حصول أنواع التدهور في تلك القدرات. ما يستدعي تنبههن إليها، والعمل على قطع سبيل إضرارها بهن قبل تقدمهن في العمر بفترات طويلة. وقال الباحثون من المركز الطبي لشؤون المتقاعدين بسان فرانسيسكو إن 10% من النساء اللواتي سيبلغ بهن العمر 85 سنة، يمتلكن قدرات ذهنية وذاكرة قوية، وأن 58% من النساء عند بلوغ ذلك السن سيُعانين فقط من انخفاض بسيط جداً في تلك القدرات، ما يعني أن غالبية النساء لن يُصبن بتدهور مُؤثر في حدة إعمال الذهن والتفكير حتى لو بلغن ذلك القدر من العمر. ووفق ما ذكر في عدد فبراير (شباط) من مجلة المجمع الأميركي للشيخوخة فإن النساء اللاتي حافظن على وظائف قدراتهن الذهنية كُن ممن عانين بنسبة أقل من بعض الأمراض المزمنة كالسكري أو ارتفاع ضغط الدم، أو من الذين يُدخن. وأيضاً ممن لديهن علاقات اجتماعية نشطة، ويُقبلن بسهولة على الانخراط في أنشطة الحياة اليومية.

وأشارت الدكتورة ديبورا بارينز إلى أن معظم الأبحاث التي تناولت موضوع القدرات الذهنية عند المتقدمين في العمر تبنت أسلوب دراسة حالة الناس الطبيعيين ممن يتحلون بقدرات ذهنية وعقلية سليمة، ومقارنة حالتهم هذه بحالة الأفراد المُصابين بحالات الخرف والعته في تلك المراحل من العمر، وأن قلة من الأبحاث اعتمدت النظر إلى الجوانب التي يتميز بها أولئك الذين تقدم بهم العمر ومع ذلك احتفظوا بقدرات ذهنية طبيعية، ومن ثم مقارنة حالتهم بحالة من يُعانون فقط من تدن بسيط في القدرات الذهنية لكنهم لا يزالون ضمن من لا يُعانون من الخرف الواضح. وعلى حد وصف الدكتورة بارينز فإن ثمة عددا من المتقدمين في العمر ولديهم قدرات حقيقية حادة في التفكير والذاكرة وغيرها من الجوانب الذهنية. ومن المهم أن يقوم الباحثون بدراسة ما الذي يجعلهم مختلفين عن غيرهم، ولماذا تمكنوا من الاحتفاظ بالقدرات تلك.

وللقيام بدراسة الأمر، توجهت الدكتور بارينز وزملاؤها إلى متابعة حالة أكثر من 9700 شخص من المشاركين في دراسة طبية معنية بالأصل في معرفة الإصابات بحالات كسور العظام لدى التقدم بالعمر. وتتبع الباحثون فئة النساء منهم، وكان متوسط أعمارهن 72 سنة عند البدء بالدراسة. و استمرت المتابعة لمدة 15 سنة والتي خلالها تم إجراء اختبار لتقويم مستوى القدرات الذهنية عند البدء بالدراسة، وتكرر إجراؤه أربع مرات أخرى في فترات متباعدة خلال الأعوام الـ15 تلك.

وتبين للباحثين من النتائج أن حوالي 10% منهن احتفظن بقدرات ذهنية طبيعية وسليمة، و 58% أُصبن بتدن بسيط فيها، في حين طالت التغيرات الذهنية الكبيرة فقط حوالي 33% منهن.

كما تبين للباحثين أن منْ حافظوا على قدرات ذهنية طبيعية كانوا أقل إصابة بمرض السكري بنسبة 200 % بالمقارنة مع الذين يعانون من تدني قدراتهم الذهنية بشكل أقل. وأنهم أقل إصابة بارتفاع ضغط الدم بنسبة 20%، وأقل ممارسة للتدخين بنسبة 70%. وأن من احتفظن بالقدرات الذهنية كن أكثر بنسبة 40% في المشاركة بأنشطة الحياة اليومية، وأكثر بنسبة 20% في امتلاكهم علاقات اجتماعية نشطة، مقارنة بمنْ تدنت لديهن تلك القدرات بشكل بسيط.

وبالرغم من اعتبار البعض أن الدراسة بسيطة وعادية، إلا أنها في الحقيقة خلاف ذلك تماماً، لأنها من الدراسات القليلة التي تمت بشكل منضبط ومنهجي في البحث والمتابعة. وتتميز بأن العينة التي شملتها الدراسة كبيرة، ومخصصة للنساء، وتمت المتابعة فيها لمدة طويلة بلغت 15 سنة، وتم خلالها إجراء تقويم للقدرات الذهنية وفق معيار منضبط خمس مرات. والنتائج التي توصلت إليها أكدت جملة من الأمور أهمها:

* تدهور القدرات الذهنية: ليس من المحتم حصوله عند التقدم في العمر

* المحافظة على تلك القدرات ممكنة، وتخضع لاختيارات شخصية في نمط سلوكيات الحياة من جانبي الوقاية من الأمراض وتخفيف حدة تداعياتها ومن ناحية النشاط اليومي.

* غالبية تداعيات السكري ليس من الضروري أن تصل إلى حد الإصابة بأمراض الشرايين وتداعياتها من السكتة الدماغية أو غيرها.

* الانخراط في الحياة اليومية مع الآخرين والاحتفاظ بشبكة من العلاقات الاجتماعية والعائلية، من العوامل التي تحمي القدرات الذهنية للسيدات عند تقدمهن في العمر.