الحصائر المعدنية.. هل هي فعالة في مكافحة تضيق الشرايين؟

لابد من درس الحالة جيدا قبل التقرير

TT

* تقرير هارفارد

* الطب علم وفن معاً، كما انه عمل متوازن يتأرجح بين فوائد العلاج لمنع الأمراض ومخاطرها. وعندما يأتي أمر العقاقير الجديدة والأجهزة والعمليات يكون الاهتمام أولا منصبا على منع الأضرار التي تأتي لاحقا مع الوقت. وهذا هو الحال مع الحصائر (ستينت) المطلية بالعقاقير. وكانت قد اعتبرت كابتكار هائل عندما طبقت لأول مرة عام 2003، حين اعتمدت بشكل شامل لأنها تحافظ على الشرايين الاكليكية مفتوحة خالية من الانسدادات. لكن اليوم مع وجود أكثر من أربعة ملايين حصيرة مطلية بالعقاقير مزروعة في صدور المواطنين الأميركيين فقط، شرع يظهر جانب آخر خطر وغير شائع يعرف بجلطة (الخثار) الحصيرة المتأخرة التي جعلت بعض اطباء القلب يترددون قليلا قبل استخدامها.

والحصائر هي أقفاص شبكية سلكية مرنة اصغر قليلا من النوابض (الريسورات) الصغيرة التي نجدها في اقلام الحبر الناشفة. وكانت الأنواع الأولى منها مصنوعة من المعادن فقط، بحيث توضع داخل الشريان مباشرة بعد استخدام البالون لرأب الوعاء وتنظيفه من لويحات الكوليسترول المليء بها. وتقوم الخلايا التي تبطن الشريان من اسفل الحصيرة بالنمو تدريجيا فوق الدعائم المعدنية وحولها مغلفة الحصيرة ومثبتة اياها في موقعها ومغطية اياها بأنسجة حية صحية.

لكن في ثلث الحالات تتعدى عملية الشفاء حدها، عندما لا يتوقف نمو الخلايا حالما تجري تغطية دعائم الحصيرة، بل يستمر ليغطي الفسحة المفتوحة في وسط الحصيرة. ومثل هذا النمو الزائد عن الحد يدعى عودة التضيق التي تقوم بتضييق مجرى الدم، بل حتى انه يتجاوز في ذلك الانسداد الأصلي الذي كان عليه الحال قبل اجراء العملية، مما يؤدي الى عودة الشعور بآلام الصدر. ولعلاج ذلك ينبغي القيام بجولة أخرى من رأب الوعاء وتنظيفه وتركيب حصيرة اخرى.

لكن الحصائر المشبعة بالعقاقير تقوم بإزالة مسببات عودة التضيق عن طريق التفاعل الكيماوي. وفي مثل هذه الحصائر، يجري طلاء دعائمها ببوليمر مشبع بالدواء. وعندما يتسرب هذا الدواء الى الأنسجة المحيطة يقوم بتهدئة فوران عملية الشفاء من الجروح التي سببتها العملية، وبالتالي ابطاء نمو خلايا العضلات الناعمة، وهي الخلايا المسؤولة بصورة رئيسية عن عودة التضيق. وأظهرت التجارب السريرية للحصائر المطلية بالدواء عودة اعراض انسداد الحصيرة في خمسة في المائة فقط من الذين اجروا مثل هذه العمليات، وهي نسبة منخفضة كثيرا عن نسبة 15 في المائة، أو اكثر من الذين ركبت لهم حصائر معدنية غير مطلية بالعقار. وهذا يعني رحلات أقل الى الطبيب وعمليات اقل لرأب الوعاء لفتح الحصائر، كما أظهرت التجارب ان الحصائر المطلية بالعقار هي أمينة تماما مثل الحصائر المعدنية فقط الخالية منه.

وقام أطباء القلب بسرعة بالألتزام والتمسك بالحصائر المطلية بالعقار، كما أن وسائل الأعلام شرعت تحث الناس الذين يشكون من علات قلبية الطلب من أطبائهم تركيبها لهم. وخلال سنة احتلت نسبة هذه الحصائر نسبة 70 في المائة من جميع الحصائر المركبة، أما اليوم فتبلغ النسبة نحو 85 في المائة، ومرد ذلك المنافع القصيرة الأمد، من دون معرفة ماذا سيتأتى من نتائج على صعيد الفترات الطويلة.

* السلبيات وبعد فترة غير طويلة من شروع الأطباء في استخدام الحصائر المطلية بالعقار بدأت تقارير تتسرب من اطباء غرف الطوارئ واطباء القلب الذي لاحظوا زيادة في عدد النوبات القلبية والموت المفاجئ التي سببها التخثر في الدم الذي يتشكل فجأة داخل الحصائر المعدنية المطلية بالدواء بعد اشهر من تركيبها. وهذا ما بات يعرف بالجلطات القلبية المتأخرة التي سببها الحصائر.

وتبين ان هناك ناحية سلبية لعامل ابطاء نمو الخلايا حول الحصيرة، فمن دون وجود طبقة واقية من النسيج الحي حول الحصيرة تبدو الأخيرة كما لو انها جسم غريب، وهي كذلك بالفعل. وبدلا من قيام الدم والصفيحات بالمرور حول الحصيرة، شرعت تلتصق عليها وتترسب مما يشكل نواة خثرة دموية. واذا قامت مثل هذه الخثرة بسد مجرى الدم الى جزء من القلب، فإنها تسبب نوبة قلبية. وقد يسبب الانسداد هذا احيانا توقف القلب فجأة عن النبض، مسببا السكتة القلبية المفاجئة.

ودخل الأطباء على صفحات المنشورات والمجلات الطبية، وفي الاجتماعات الخاصة بأطباء القلب، في نقاشات حامية حول ما إذا كانت الحصائر المطلية بالعقاقير تشجع تشكيل الخثرات الدموية مقارنة بسلفها، تلك المعدنية فقط، الخالية منها.

وقامت وكالة الأغذية والعقاقير الأميركية FDA بتولي القضية هذه في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي وكلفت هيئة من الخبراء مراجعة مسألة الحصائر المطلية بالعقاقير ومدى سلامتها، وبالتالي تقديم التوصيات حول الفترة اللازمة للأشخاص الذين ركبت لهم مثل الحصائر وتتناول ضرورة تعاطي مزيج مقاوم للتخثر من «الأسبرين» والـ«كلوبيدوجريل» clopidogrel (بلافكس Plavix).

* آراء الخبراء وتبين من المعلومات المقدمة إلى الهيئة هذه، أن الحصائر المطلية بالعقار ليست بالمعجزة التي ينتظرها الجميع، وهي لا تزيد من فرص العيش والبقاء أكثر من تلك العدنية غير المطلية بالعقار، لكنها تقلل من فرص عودة التضيق. وهذا أمر جيد لكون عودة التضيق وأعراض الأم الصدر هو امر يثير القلق. واصلاح ذلك يتطلب اعادة رأب الوعاء بمخاطره واشتركاته القليلة، لكنها الخطيرة احيانا. كما ان الأشخاص الذين يتعرضون لعودة التضيق يملكون فرصا أقل في العيش والبقاء في اعقاب استبدال الحصائر، من الذين لا يتعرضون إلى ذلك.

وتبين من النتائج التي راجعتها الهيئة الطبية ان الجلطات القلبية المتأخرة قد تصيب نحو 0.5 في المائة من الأشخاص في العام الواحد الذين يتلقون الحصائر المطلية بالعقار، وهذه الحوادث ليست محصورة بالأشهر القليلة الأولى بعد تركيبهم لها، بل قد تظهر خلال سنتين، أو ثلاث بعد ذلك.

وقامت وكالة الأغذية والعقاقير الأميركية بالموافقة على حصائر مطلية بالعقار لاستخدامها في مجموعة محددة من الأشخاص الذين تبلغ درجة التضيق لديهم بين 2.5 مليمتر و3.75 مليمتر، ومع ذلك، فان اغلبية الأشخاص الذين يحتاجون الى الحصيرة يقعون خارج هذا التحديد. وهذا هو السبب في ان أكثر من ثلثي الحصائر التي جرى وضعها كانت لأشخاص من غير هذا التحديد. أما بالنسبة الى الأشخاص الذين يزرعون حصائر مطلية بالعقار لسبب وجيه، فان احتمال اصابتهم بالجلطة الدموية التي سببها الحصيرة تكون منخفضة نسبيا، بل هي تحصل أكثر لدى أولئك الذين يحصلون على حصيرة لا تتناول مثل هذا التحديد، وأكثر لدى الأشخاص الذين يتوقفون عن تناول العقاقير المميعة للدم المانعة للخثرات الدموية.

وانقسمت الهيئة الطبية هذه حول الفترة الواجبة التي ينبغي فيها تناول اصحاب الحصائر المزروعة «الأسبرين» و«البلافكس» معاً. ويعتقد بعض اعضاء الهيئة ان على هؤلاء تناول هذا المزيج لمدة عامين أو أكثر، لكن البعض الآخر قلق من احتمال الإصابة بمشاكل في المعدة ومن نزف حاد نتيجة هذا المزيج الذي يزيد خطره عن خطر الإصابة بالجلطة المتأخرة. وكتسوية يبدو ان الهيئة لم تجد سبيلا سوى الالتزام بالتوصيات الحالية الخاصة بتناول «الأسبرين» والـ«بلافكس» بالنسبة الى الأشخاص الذين يزرعون الحصائر لأغراض موافق عليها، وذلك لفترة شهر واحد بعد زرع الحصيرة المعدنية الخالية من أي طلاء، وثلاثة اشهر مع الحصيرة المطلية بعقار «سايفر» Cypher، وستة اشهر مع الحصيرة المطلية بعقار «تاكيوس» Taxus. أما أولئك الذين يحصلون على حصيرة مطلية بالعقار من دون تحديد فئتهم فعليهم تناول الخليط حتى سنة واحدة.

وفي توصية خاصة نشرت في اواسط يناير(كانون الثاني) الماضي قدمت جمعية القلب الأميركية AHA توصية أبسط، وهي انه يتوجب على كل شخص مزود بحصيرة قلبية مطلية بالعقار تناول «الأسبرين» والـ«بلافكس» لمدة سنة كاملة. كما اوصت باستخدام الحصائر الخالية من العقاقير للأشخاص الذين لا يستطيعون تحمل أو تناول هذا الخليط، او بالنسبة الى أولئك الأشخاص الذين هم بحاجة الى عملية جراحية لسبب او آخر خلال سنة بعد زرعهم الحصيرة.

* خدمة هارفارد الطبية ـ الحقوق: 2005 «بريزيدانت آند فيلوز» ـ كلية هارفارد

* نصائح وإرشادات مستقبلية > رغم الآمال المعلقة على هذه الهيئة الطبية لكي تقدم نصائح وارشادات واضحة لكنها للأسف لا تملك معلومات راسخة للقيام بذلك. لذا يتوجب علينا الاكتفاء بنصائحها الضبابية بعض الشيء حتى يتمكن العلم والتقنية من حسم هذا الأمر. في أي حال اليكم بعض الإرشادات القليلة التي نستطيع تقديمها الآن:

اذا كنت قد قد زرعت حصيرة في العام، أو العامين الأخيرين فانه من الأفضل معرفة ما اذا كانت من المعدن الصافي الخالي من العقاقير ام لا.

واذا كنت من الأشخاص الذين زرعت لهم حصيرة مطلية بالعقار، فلا بأس عليك واطمئن لأن الاحتمالات هي انك ستكون بخير، وأفضل طريقة للتأكد من انك جزء من الـ99 في المائة من الأشخاص الذين لا يشكون من جلطة متأخرة نتيجة هذه الحصيرة، هو تعاطي الدواء المضاد للتخثر الذي وصفه لك طبيبك. واذا احتجت الى التوقف عن تعاطي مميعات الدم هذه نتيجة مشاكل في المعدة، أو الاصابة بالإنفلونزا، أو لأي سبب طبي آخر، او بسبب مشاكل في الأسنان، بلغ طبيبك فورا.

تأكد ان يكون لك خط مفتوح من الاتصالات مع أطبائك، ومثل هذا الحقل يتطور بسرعة لكون التوصيات تتغير اسرع بكثير من جدول مواعيدك السنوية.

* إعادة تقييم الأمور من شأن الحصائر ان تقدم علاجا سريعا لآلام الصدر. وفعالية الحصائر المطلية بالعقار وسهولتها أقنعت الكثيرين بالاعتقاد ان مثل هذه الأدوات خالية تماما من الأخطار، لكن الأمر ليس كذلك. والأكثر من ذلك، فإنها لا تفعل شيئا لمكافحة تصلب الشرايين المرض المسبب لتضيقها، مما يعكس ايضا ان الحصائر المطلية بالعقاقير لا تستطيع منع النوبات القلبية في المستقبل، او إطالة أمد الحياة.

وبالمقارنة، فان مجموعة من الأدوية كالأسبرين والـ«ستاتين» و«حاصرات بيتا» و«مثبطات انزيم الأنجيوتنسين» ACE مقرونة بتغيرات في اسلوب الحياة الصحية، من شأنها تأخير مرض تصلب الشرايين بل ربما عكسه في الوقت الذي تقوم تدريجيا بتخفيف آلام الصدر والأعراض الأخرى.

بعبارة أخرى، فإن عمليات رأب الوعاء وإضافة الحصيرة ينبغي ألا تكون الاستجابة الأوتوماتيكية لاكتشاف وجود شريان إكليلي متضيق، وليس بالضرورة الحل الأول والأفضل لآلام الصدر الثابتة غير المعقدة.

والمعلوم ان الأمل المعقود على الأدوية والعقاقير الجديدة غالبا ما تتغلب على حقيقة امرها، إما لكونها غير فعالة، كما كان يؤمل منها، او نظرا الى تأثيراتها الجانبية التي لا ترى عادة خلال الاختبارات التي تقوم بها وكالة الأغذية والعقاقير الأميركية. وازالة عقار «فويكس» Viox من الأسواق لأنه كان يسبب المزيد من النوبات القلبية، ما هو الا مثال واحد اخير عن التوتر، او الخلاف القائم بين الأمل والوعد المعقود، وبين الواقع. وأغلبية الاختبارات السريرية هي صغيرة وقصيرة الأمد، وتلك المتعلقة بالحصائر المطلية بالعقارات لا تستثني من ذلك، فقد كانت هذه الاختبارات مناسبة لتقرير ما اذا كانت هذه الحصائر تقلل من عودة تضيق الشرايين، لكنها لم تكن كافية للتأكد من فعاليتها وسلوكها على المدى الطويل، او في خلال الاستخدام الفعلي. والمدى الطويل هذا هو الذي يكتشف المشاكل غير المتوقعة التي لم يكن بالمقدور اكتشافها خلال التجارب.

والنصيحة التي تقدم عادة للذين يشترون السيارات، هي تفادي شراء الطرازات الجديدة التي تظهر في العام الأول، لكن في العام الثاني، أو الثالث يبدأ ظهور العيوب المخفية التي يمكن اصلاح بعضها. كذلك الأمر بالنسبة الى العقاقير والأدوات الجديدة، على الرغم انه من الصعب مقاومة اغرائها والترويج الكبير لها.