تناول الحامل الكحول يهدد صحة طفلها

انتبهي.. جنينك يأكل ما تأكلينه ويشرب ما تشربينه

TT

ضمن فعاليات اللقاء السنوي حول علم الجينات الإكلينيكي للكلية الأميركية لعلم الجينات الطبي المنعقد في 23 من الشهر الحالي في ولاية تينيسي الأميركية، سيتم تكريم الدكتور كينيث ليونز جونز لجهوده المتواصلة في دراسات تشوهات الأجنة، خاصة لدوره في اكتشاف وتعريف حالة متلازمة الكحول الجنيني Fetal Alcohol Syndrome عام 1973 والجهود المتواصلة بعدها لأكثر من 40 عاماً في هذا المضمار من صحة الأطفال. وقدم الباحثون من كندا ضمن دراسات عدد مارس (أذار) الحالي من مجلة الأبحاث الإكلينيكية وتجارب إدمان الكحول طريقة جديدة تعتمد على تقويم حركات عين الطفل في تشخيص إصابته بطيف الاضطرابات الجنينية للكحول التي تعتبر حالة من الاضطرابات المرضية متعددة العلامات التي يصعب بالعادة تشخيصها، والتي تشمل حالة متلازمة الكحول الجنيني المرضية سهلة التشخيص، إضافة إلى درجات أخرى، قد تكون خفية، من الأضرار التي تطال الأطفال من جراء إقدام أمهاتهم على تناول الكحول أثناء الحمل بهم.   وأعلن الباحثون من المركز الطبي لجامعة ديوك الأميركية ضمن عدد مارس الحالي من مجلة تحاليل المختبرات الأميركية أن تناول الحامل كمية قليلة من الكحول يؤثر سلباً على القدرات العقلية للطفل المولود. وأن للكولسترول في جسم الأم دوراً في ذلك إن كان منخفض النسبة، ما يُملي الاهتمام بتناول الأمهات الكمية الكافية منه لتقليل فرص تأثر القدرات الذهنية لدى أطفالهن. وكانت مجلة طب الأطفال الصادرة عن الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال قد نشرت في عدد فبراير الماضي نتائج دراسة الباحثين الألمان من مستشفى الصليب الأحمر الألماني في برلين، والتي أكدوا فيها أن التأثيرات الضارة لتناول الأمهات الحوامل أثناء حملهن للكحول تستمر بالضرر على صحة أطفالهن حتى مراحل متأخرة من طفولتهم ومراهقتهم. ونشرت أيضاً في نفس العدد نتائج دراسة الباحثين من جامعة بريستول في بريطانيا حول تأثير تناول الحوامل للكحول. وقال الباحثون إن تناول الحامل لأقل من كأس واحدة في الثلث الأول من الحمل له تأثيرات سلبية طويلة الأمد على قدرات الأطفال الذهنية تصل إلى عشر سنوات، وربما أكثر.

   هذا النوع من الدراسات التي تطرح كثيرا وبشكل متواصل على صفحات المجلات العلمية ينقل صورة عن مدى التفاعل العلمي والطبي في فهم وكيفية التعامل مع مشكلة متشعبة في أسبابها وأضرارها تطال الأجنة نتيجة لا مبالاة الأمهات الحوامل في تناول المشروبات الكحولية. والمشكلة وإن كانت غير موجودة في بعض المجتمعات إلا أنها شائعة في مجتمعات أخرى. كما أن تأثيرات أضرار تناول الحوامل للكحول تظهر منذ بداية الحمل، والمعلوم أن الغالبية العظمى من الأمهات الحوامل لا يعلمن بحملهن إلا في فترات لاحقة تُقدر بأسابيع عديدة   

* أضرار طويلة الأمد    وتعتبر الدراسة الألمانية حول تأثيرات الضرر على الأجنة الناجمة عن إقدام الحوامل على تناول المشروبات الكحولية أثناء فترة الحمل، من أفضل الدراسات التي أثبتت أن ذلك السلوك يُعرض الأجنة إلى أضرار مستديمة، تستمر في التأثير عليهم خلال مراحل الطفولة والمراهقة والبلوغ، ما قد يُقلل من فرص حصولهم على نوعية عالية وجيدة من الوظائف مستقبلاً، وما يُقلل أيضاً من قدراتهم على الاعتماد على النفس في الحياة وتلبية متطلباتها. وأضاف الباحثون القول إن تناول الحوامل للكحول يُؤدي إلى عاهات مستديمة في الجوانب الجسدية والعقلية والعاطفية والاجتماعية، والأمر لا يقتصر على مرحلة الطفولة، بل حتى مراحل البلوغ من العمر، ما يعني على حد قولهم أن معاناة الطفل من تناول أمه الكحول أثناء حملها به ستمتد طوال عمره.    وعبر متابعة استمرت عشرين عاماً لاحظ الباحثون أن الأطفال الذين تم تشخيص إصابتهم بمتلازمة الكحول الجنيني تستمر معهم العاهات الذهنية والجسدية حتى في مراحل البلوغ، وتحديداً استمرار الإعاقات الذهنية في التفكير ومستوى الذكاء، ودرجة الانتباه، ومحدودية الفرص الوظيفية الجيدة، وقصر القامة لدى الذكور والسمنة لدى الإناث.

وقالوا إن «متلازمة الكحول الجنيني» تُصيب واحداً من بين كل ألف مولود، في حين أن تأثيرات الكحول على الطفل، وهي حالة أكثر شمولاً ورصداً للأضرار ضمن ما تُسميه المصادر الطبية «طيف اضطرابات الكحول الجنينية» Fetal Alcohol Spectrum Disorders     تُصيب خمسة أضعاف هذا العدد، ما يعني أن على الأطباء والناس إدراك أن تأثيرات الكحول ليس بالضرورة هي فقط تلك الحالة المتميزة والتي تُدعى متلازمة الكحول الجنيني.

 هذا وكان الباحثون من جامعة نيومكسيكو قد نشروا في عدد مايو(أيار) من العام الماضي لمجلة الأبحاث الإكلينيكية وتجارب إدمان الكحول أن تناول الأمهات الحوامل للكحول أثناء فترة حملهن يُؤدي إلى تشوهات تطال النمو الطبيعي لحجم وأجزاء الدماغ لدى الأجنة. وأكدوا في دراستهم ما كانت مراكز السيطرة على الأمراض ومنع انتشارها في الولايات المتحدة قد ذكرته مراراً من أن تناول الحوامل للكحول هو السبب الرئيس، والذي يُمكن منعه، لظهور التشوهات وتأخيرات النمو لدى الأجنة، وأن ثمة مجتمعات تُصيب هذه الحالة واحداً من بين كل 100 مولود فيها.

  وتبين لباحثي جامعة نيومكسيكو أن فحص الأجنة بالأشعة ما فوق الصوتية، وخاصة للجمجمة والدماغ، هو دقيق في تشخيص حالات تناول الحوامل للكحول بدرجة أكبر مما تذكره الحامل نفسها عن مدى سلوكها الكحولي.

  

* حتى القليل    ما يحاول الباحثون البريطانيون قوله للأمهات مفاده أنه حتى تناول القليل من الكحول أثناء فترة الحمل، هو أمر يتسبب بأضرار في الأجنة، تستمر فيهم طوال حياتهم بعد الولادة. وتأتي دراسة الباحثين من جامعة بريستول رداً على ما هو شائع من أن الإدمان الكحولي والإكثار من شرب الحوامل للكحول هو السبب في نشوء المشكلة لدى الأجنة، إلا أن الصحيح أيضاً هو أن تناول الكحول بكميات قليلة ضار جداً كذلك بالأجنة، ما يجعل الأمر واضحاً بشكل علمي أنه لا يمكن للحامل تناول الكحول .  وشملت دراستهم متابعة 9000 طفل لمدة وصلت إلى تسع سنوات. وتبين للباحثين أن نسبة 44% من الامهات ذكرت بأنهن لم يتناولن الكحول مطلقاً في الاشهر الثلاثة الأولى من الحمل. و 40% منهن تناولن كميات لا تتجاوز مرة واحدة في الأسبوع، و16% ذكرن بأنهن معتادات على تناول الكحول أكثر من مرة في الأسبوع أثناء فترة حملهن، ما يعني أن المشكلة شائعة جداً في تلك المجتمعات. ولاحظ الباحثون بمراجعة النتائج أن التأثير الضار الأكبر كان عندما تتناول الحوامل الكحول حتى ولو بكميات قليلة في المراحل المبكرة من الحمل. وهي مرحلة لا يُمكن للكثير من الأمهات إدراك حملهن فيها. وأن الضرر كان أكبر على الأجنة الإناث.

وكان الباحثون من جامعة بيتسبيرغ الأميركية قد ذكروا، في عدد مايو (أيار) من العام الماضي لمجلة الأبحاث الإكلينيكية وتجارب إدمان الكحول، أن تناول القليل جداً، على حد وصفهم، في الثلث الثاني من الحمل يتسبب بتدني مستوى الذكاء للطفل عند بلوغه العاشرة من العمر، ما يعني أن أمر الضرر على القدرات الذهنية راسخ ومتأصل في أدمغة الأطفال، وهو ما علقت عليه العديد من المصادر الطبية أن المتابعة لو استمرت فترات أطول لتبين استمرارية واستدامة التخلف الذهني هذا لديهم. كما أكد الباحثون جانبين في دراستهم تلك، الأول يؤكد عدم وجود كمية محددة من الكحول يمكن القول عنها بأنها آمنة للحامل، والثاني أن تلك الأضرار على الأجنة لُوحظت في أعراق مختلفة وليس هناك أطفال من عرق معين أكثر تضرراً من غيرهم، بل هم سواء.  وتشير المؤسسة القومية لمتلازمة الكحول الجنيني بالولايات المتحدة إلى أن متلازمة الكحول الجنيني هي مجموعة من التشوهات الجسدية والعقلية الناجمة عن تناول الأمهات الحوامل للمشروبات الكحولية أثناء فترة الحمل. وتُؤكد أن على الأمهات إدراك حقيقة في منتهى البساطة مفادها أن الأم الحامل حينما تشرب الكحول فإن جنينها يشرب من ذلك الكحول أيضاً! وتتميز المتلازمة هذه بتلف في الدماغ وتشوهات في بنية الوجه الخَلْقية ونقص في النمو الجسدي وتشوهات في بنية القلب والكبد والكلى، إضافة إلى تدني قدرات السمع والإبصار. ما يُلقي كله بظلاله على الطفل في نواحي قدرات التعلم والانتباه والذاكرة والتعامل مع الآخرين.

ويعتقد الكثيرون أن تأثيرات الكحول الضارة تقتصر على إصابة الجنين بمتلازمة الكحول الجنيني. وأن عدم ظهور العلامات الخاصة بها يعني نجاة الجنين من التأثر بسلوك أمه الكحولي. وهو أمر ليس بصحيح مطلقاً، من الناحية الطبية، بل إن تأثيرات الكحول الضارة على الجنين أوسع من هذا بكثير. ذلك أن مُصطلح «طيف اضطرابات الكحول الجنينية» هو أكثر شمولاً وأدق في تتبع إصابات الأجنة والأطفال بهذه الحالة. وتشير المؤسسة المتقدمة الذكر إلى أن الجنين المصاب بهذه الاضطرابات قد تبدو عليه علامات متعددة مثل صغر الحجم مقارنة بما هو طبيعي في مراحل الحمل المختلفة، وتشوهات الوجه مثل صغر فتحة العينين، وضعف تناغم حركات الأطراف، وفرط حركة الطفل، وصعوبات في التعليم المدرسي أو غيره، وتأخر النطق، وتخلف قدرات الذكاء، ومشاكل في القدرات الذهنية من نواحي الحكم على الأشياء وتقدير وجود الخطر، ومهارات التعلم للحركات أو الخبرات المتعلقة بالنوم والأكل وغيرها.

ويُمكن للكحول إحداث الضرر على الجنين عند تناول الأم للكحول، فهو يصل بسهولة عبر المشيمة والحبل السري إلى الجنين، وإذا تم في الثلث الأول من فترة الحمل، ظهرت التشوهات في بنية وجه الجنين. ووصول الكحول إلى الجنين في أي مرحلة من مراحل الحمل يُؤثر على نمو الجهاز العصبي وظهور الاضطرابات فيه، وهذا هو أخطر ما في الأمر. والتحليل وصور الأشعة تُؤكد أن أجزاء الدماغ لدى الجنين قد لا تنمو بالأصل، كما أن خلايا الدماغ نفسها قد لا توجد في أماكنها الطبيعية داخل أجزاء الدماغ بل قد توجد في أجزاء أخرى، ما يعني أن ثمة بعثرة في بنية الدماغ وخللا في وجود أنواع الخلايا فيه. وهو ما يُفسر الاضطرابات والتشوهات في البنية الدماغية والوظائف الدماغية كذلك خلال مراحل العمر بشكل دائم.