السيلان من أكثر الأمراض الجنسية انتشارا

عدم معالجته يؤدي إلى تعقيدات عديدة

TT

الإحصائيات الرسمية لمنظمة الصحة العالمية لا تزال تقول إن الإصابة بالسيلان، كأحد الأمراض الجنسية المُعدية، هي واسعة الانتشار. وتُقدر عدد الإصابات الجديدة في كافة أرجاء العالم بحوالي 65 مليون إصابة سنوياً. وفي السادس عشر من هذا الشهر ذكرت في الولايات المتحدة مراكز السيطرة على الأمراض ومنع انتشارها بالولايات المتحدة أن ثمة ارتفاعاً في معدل الإصابات بالسيلان في ثمان من الولايات الغربية فيما بين الفترة من عام 2000 وحتى هذا العام. وتجاوزت نسبة الارتفاع حدود 52%. وتأتي التحذيرات الأميركية بالتزامن مع تحذيرات صدرت بدايتها خلال السنتين الماضيتين من قبل الباحثين في استراليا ونيوزيلندا حول بدايات ظهور نوع شبح من فصائل بكتيريا السيلان في تلك المناطق القاصية من شرق العالم، لكن التطور الدراماتيكي أتى في الوقت الراهن من الباحثين في السويد، حيث أعلنوا قبل أسابيع قليلة أن تلك الأنواع الشبح من بكتيريا السيلان، والتي يصعب الكشف عنها بالوسائل الشائعة الرخيصة في المختبرات، تم رصد انتشارها في عدد من الدول الأوروبية، ما يعني أنها انتشرت بشكل سريع ووصلت إلى مناطق غربي العالم.

هذا وتظل مشكلة السيلان القديمة، وانتشار الإصابات بها، وتداعيات عدم تشخيصها ومعالجتها بشكل فعال، أحد الأسباب الرئيسة في عدد من الاضطرابات العضوية لدى الرجال والنساء في أداء الأعضاء التناسلية لوظائفها في جانبي الإنجاب والاستمتاع الطبيعي، هذا إلى جانب الآثار النفسية والاجتماعية والمادية.

* نوع الشبح إلى هذا أعلن الباحثون من السويد أن ثمة انتشاراً عالمياً global dissemination لفصيلة أو فصائل من بكتيريا السيلان التي لا يُمكن الكشف عنها بإحدى الوسائل التشخيصية السهلة والواسعة الاستخدام في مناطق شتى من العالم. وهذا النوع الذي يُطلق الباحثون عليه «الشبح» تفتقر فيه البكتيريا المتسببة بمرض السيلان إلى أحد الأنزيمات التي تعتمد عليها إحدى وسائل الكشف عن وجود بكتيريا السيلان وتأكيد تشخيص الإصابة بها.

ويُدعى هذا الأنزيم بروليلمينوبيبتاديز prolyliminopeptidase وكان يُعتقد في السابق أن وجوده في كل فصائل بكتيريا السيلان شيء يقيني. ما جعل الأطباء يُطورون وسيلة للكشف عن كل فصائل البكتيريا تلك وتشخيص الإصابة بها إيجاباً أو سلباً اعتماداً وجوده أو عدمه.

وفي ظل ظهور فصيلة أو فصائل جديدة من بكتيريا السيلان المفتقرة إلى هذا الأنزيم، فإن نفي الإصابة أو التأكد من نقاء الجسم بعد المعالجة اعتماداً على هذا التحليل غدا أمراً صعباً على الأطباء، ما قد يُؤخر معالجة بعض الحالات أو ينفي بشكل خاطئ وجودها لدى أولئك المُصابين.

وتوجه الدكتور ماغنيس اينيمو وزملاؤه الباحثون من مستشفى جامعة أروبرو بالسويد إلى البحث في مدى إمكانية تفشي الإصابات بفصائل الشبح من بكتيريا السيلان في عدد من الدول التي شملتها دراستهم. وتبين أن معظم هذه الفصائل التي تم التعرف عليها في السابق في أستراليا ونيوزيلندا واسكوتلندا هي في واقع الأمر مطابقة تماماً للفصائل التي سبق أن تسببت بحالات وبائية من السيلان في انجلترا والدنمارك. لكن المُطمئن في الأمر حتى الآن هو أنها تستجيب للمعالجة بالمضادات الحيوية المُستخدمة عادة في علاج حالات السيلان.

وقال الباحثون في دراستهم المنشورة نتائجها ضمن عدد فبراير (شباط) من مجلة الأمراض المنتقلة عبر الاتصال الجنسي، إن النتائج تدل على أن الانتشار العالمي الواسع في عدد من دول العالم لهذه الفصائل من بكتيريا السيلان، التي لا يُمكن معرفتها بالتحليل لوجود الأنزيم، هي في الحقيقة انطلقت من فصيلة واحدة ذات أصل عرقي واحد. وأضافوا بأن التنبه إلى وجود هذه البكتيريا هو أمر بالغ الأهمية وحاسم جداً في ضرورة تغيير طريقة تشخيص السيلان لدى العديد من دول العالم.

* تشخيص الإصابة أحد أهم خطوات المعالجة الطبية لمشكلة صحية ما هي تشخيص وجودها بشكل صحيح ودقيق. وحالات الإصابة بالأمراض المنتقلة عبر الاتصال الجنسي من أهم الأمراض التي تحتاج إلى تشخيص دقيق لنوعية الميكروب المتسبب بها، كي تتسنى معالجتها بدقة من أول مرة. وإضافة إلى التأكد بالأصل من وجود أي مرض جنسي معدٍ أم لا، فإن أسباب أهمية إجراء الفحوصات تلك تشمل عدة أمور هي:

ـ الأول أن الأمراض الجنسية المعدية تتسبب بها عدة ميكروبات، وتتشابه أعراض الإصابة بأحدها بأعراض الإصابة بميكروبات أخرى. لذا فإنه غالباً لا يُمكن الجزم بنوعية الميكروب بمجرد سماع شكوى المريض أو فحصه. ـ الثاني أن إصابة الشخص قد تكون نتيجة انتقال نوع أو نوعين أو ثلاثة من تلك الميكروبات. والفحوصات تُعطي فكرة دقيقة عن نوعية الميكروب أو الميكروبات المتسببة بالعدوى. ـ الثالث هو معرفة نوع المضاد الحيوي المناسب للقضاء على الميكروب. وإلا فهو الدخول في دوامة من تناول نوع من المضادات الحيوية ثم الانتقال إلى الآخر وهكذا دواليك، وهو ما يحصل عند التنقل بين الأطباء. لكن لو تم التشخيص بشكل سليم من أول مرة، لتم التعرف على الميكروب ومعالجته بالمضاد الحيوي المناسب، ثم التأكد من الشفاء من الإصابة به.

وهناك أربع طرق رئيسة في تشخيص وجود بكتيريا السيلان، بغض النظر عن موقع الإصابة، أي في الأعضاء التناسلية أو المستقيم أو الحلق أو العين أو المفاصل. وهذه الطرق هي:

أولاً فحص المجهر (الميكروسكوب) المباشر لعينة مسحة من منطقة الالتهاب أو الإفرازات. ويتم هنا صبغها بتقنيات معينة ليتم تميز وجود بكتيريا السيلان ذات الخصائص المعينة والمعروفة لدى فني المختبر، وهي مفيدة في حال إذا كانت النتيجة إيجابية في وجود البكتيريا تلك. أما لو كانت سلبية فإنها لا تكفي في نفي وجود الإصابة. ولذا فإنها قد تُسهم في عدم تأخير المعالجة بالمضادات الحيوية المُعتاد النُصح طبياً باستخدامها.

ثانياً مزرعة عينة من مسحة منطقة الالتهاب أو الإفرازات ذاتها مباشرة. وأهميتها هي أنها تنمي تكاثر البكتيريا الموجودة، ما يسمح أولاً بالتعرف على نوعها بدقة. وثانياً ما يسمح لفني المختبر إجراء تحاليل خاصة لمعرفة المضاد الحيوي القادر على الفتك بتلك البكتيريا.

ثالثاً تتبع الحمض النووي (دي إن إيه) لبكتيريا السيلان، وهذه الطريقة دقيقة في تمكنها من تميز وجود أجزاء الحمض النووي الخاص ببكتيريا السيلان. ولذا فإن بالإمكان استخدام البول مثلاً في التشخيص، وهو ما لا يُفيد بدقة في مزرعة العينة أو فحص المجهر. كما يُمكن بهذه الطريقة تشخيص وجود حتى البكتيريا الميتة بفعل تناول المضاد الحيوي.

رابعاً تتبع وجود أنزيم بكتيريا السيلان، وهو مفيد جداً في إعطاء تشخيص سريع. لكن ظهور فصائل الشبح من بكتيريا السيلان يزيد الأمور تعقيداً في الاعتماد عليه.

* السيلان عدوى جنسية ذات تداعيات تؤثر في القدرة على الإنجاب > السيلان يُعتبر من الأمراض الجنسية العالية القدرة على الانتقال من الشخص المُصاب إلى السليم أثناء الاتصال الجنسي بكل أشكاله. وفي كثير من دول العالم يُمثل السيلان المرض الأكثر شيوعاً بين تلك المرتبطة بالاتصال الجنسي. وغالباً ما تظهر أولى علامات الإصابة بعد يومين إلى عشرة أيام من الاتصال الجنسي بمُصاب ببكتيريا السيلان. وتبدو الإصابة بظهور إفرازات ثخينة من عضو الذكر أو المهبل ذات لون ضبابي أو مختلط بالدم، مصحوبة بألم أو إحساس بحُرقة عند التبول، إضافة إلى تكرار التبول، مع ألم عند ممارسة العملية الجنسية. لكن ثمة حالات كثيرة لا تظهر العلامات هذه كلها، خاصة بين النساء. كما أن الإصابة تعتمد على نوعية الممارسة الجنسية، لذا قد تظهر الإصابة في الحلق أو الشرج والمستقيم دون أي تغيرات في المهبل أو الذكر.

وتعتبر بكتيريا السيلان هي السبب في العدوى. ويتسبب وصول الإفرازات المحتوية على البكتيريا هذه بالعدوى. وكل فئات العمر عُرضة للإصابة، لكن لأن الإهمال في اتخاذ احتياطات الممارسة الآمنة للجنس ولأن التكرار والتغير هما سمتهم، فإن فئة الشباب فيما بين 20 و 24 سنة والشابات فيما بين 15 و19 سنة هي الأعلى إصابة في الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم.

وثمة مضاعفات قد يتسبب بها إهمال المعالجة الفاعلة للقضاء على البكتيريا أو عدم تشخيص الإصابة بها بالأصل. وتشمل تفشي الالتهاب البكتيري لدى الرجل ليُصيب القناة المنوية ويُتلف تراكيبها الدقيقة ويتسبب بالتالي في العقم. أما في المرأة فإن وصول الالتهاب البكتيري إلى الرحم وأنابيب فالوب يتسبب في العقم لديها أيضاً، إضافة إلى الألم في أسفل الحوض والظهر واضطرابات الدورة الشهرية والألم أثناء الجماع وخروج إفرازات عفنة من المهبل. كما أن عدم معالجة إصابة الحامل يتسبب في عدوى الجنين، ما قد يُصيبه بالتهابات بكتيرية واسعة في العين والمفاصل والدم، ما قد ينجم عنه العمى وغيره من التداعيات. وكذلك فإن المستقيم والحلق والعين عُرضة للإصابة عند وصول إفرازات ملوثة ببكتيريا السيلان من قبل الشريك إلى أي من تلك الأعضاء أثناء العملية الجنسية. وثمة حالات تصل البكتيريا فيها إلى الدم وتنتشر في أجزاء واسعة من الجسم، ما قد يحمل مخاطر قد تُهدد هنا سلامة الحياة بالدرجة الأولى أو تُؤدي إلى التهابات في المفاصل والجلد.

والمهم هو أنه حينما يكون هناك شك طبي في إصابة شخص ما بالسيلان، فإن على ذلك الإنسان أن يمتنع عن الاتصال الجنسي إلى حين ظهور نتائج التحاليل، فلو كانت تُؤكد الإصابة فإن على المُصاب الامتناع عن الاتصال الجنسي لمدة سبعة أيام على أقل تقدير من بعد البدء في العلاج الصحيح وتناوله وفق الإرشادات الطبية بدقة. كما يجب معالجة الشريك المصدر للعدوى. وأيضاً يجب إجراء فحوصات لكل الأمراض الجنسية المعدية الأخرى لأنها قد تكون مصاحبة لبعضها البعض.

* إحصائيات أميركية تُؤكد ارتفاع الإصابات في مناطق دون أخرى > وكعادة الهيئات الطبية بالولايات المتحدة في تسخير الإمكانيات لإجراء الدراسات والإحصائيات الطبية بغية تحقيق رؤية أوضح في التعامل مع المشاكل الصحية، صدر تقرير عن مراكز السيطرة على الأمراض ومنع انتشارها يوم الجمعة الماضي يتحدث عن ملاحظة ارتفاع الإصابات بالسيلان في ثمان من الولايات الغربية فيها. وتمت المقارنة بين مدى انتشار الإصابات فيها عام 2000 و عام 2005. فيما ظلت الإصابات بهذه البكتيريا في بقية من الولايات على حالها أو تناقصت.

وبلغت نسبة الارتفاع في الإصابات تلك الولايات حدود 52%. ولم يلحظ الباحثون أي اختلاف في مجموعات دون أخرى، ذلك أن زيادة الإصابات طالت الذكور والإناث، وكافة مراحل العمر، وبين كافة الأعراق لسكان تلك المناطق. إلا أنهم لاحظوا انتشار الإصابة بين ذوي البشرة السوداء مقارنة بذوي البشرة البيضاء أو منْ هم من أصول لاتينية.

وبالرغم من أخذ الباحثين بعين الاعتبار أن يكون لتوفر وسائل للتشخيص في المختبرات لحالات السيلان بشكل دقيق أكثر وانتشار استخدامها، إلا أنهم قالوا إن هذين الأمرين لم يكونا السبب في وضوح ارتفاع رصد الإصابات. وطالب الباحثون بأن تُراجع مراكز تقديم الخدمات الطبية برامجها في السيطرة على انتشار الإصابات بالسيلان، إضافة إلى التنبه للحالات المبكرة وسرعة تشخيصها ومعالجتها، خاصة مع إدراك أمرين مهمين، الأول أن الإصابة بالسيلان قد لا تؤدي إلى ظهور أعراض واضحة ومعروفة عادة مثل إفرازات عضو الذكر أو مهبل الأنثى أو الألم أثناء التبول. والثاني أن وجود الإصابة بالسيلان مع عدم معالجتها بشكل فعال قد يسهل انتقال الإصابة بفيروس الإيدز