الوصمة بعار الإصابة بالأمراض العقلية.. تمنع اندماج المرضى

من اسبابها الاستخدام الخاطئ لمصطلحات طبية علمية

TT

كلنا ربما يسمع من آن لأخر تلك الكلمات الجارحة الخارجة من أفواه البعض بأن فلان مريض نفسياً أو لديه انفصام شخصية أو مجنون أو خبل. والمتعلمون للغات أخرى ربما يستخدمون عبارات مثل "فلان سايكك أو سكيزو". أو ربما كثيراً ما نجد وسائل الإعلام, وخاصة المرئية منها, تتفنن في إضحاك الناس عبر المشاهد الكوميدية حول تلك الشخصية لإنسان أو إنسانة معتوهة أو شخصيات أخرى ممن تستفز الكثيرين علي الضحك بسهولة. أو حتى ربما غيرها من طرق التهكم الاجتماعي بالآخرين من خلال تصنفيهم كمرضى نفسيين أو غير ذلك مما في الجملة يعني السخرية بمن هو مُصاب بأي من الأمراض العقلية.  كلنا نشأ منذ صغره علي رؤية و سماع هذه السلوكيات, لكن كلنا يعلم في نفس الوقت أن إصابة أحد الأقارب أو الأصدقاء أو المعارف الذين نعلم حالهم من قبل إصابتهم بأحد الأمراض العقلية و كذلك نعلم حالهم و سلوكياتهم بعد تلك الإصابات, أنهم في الحقيقة ليسوا شريرين أو شياطين كما يُقال أو مرتكبي أي فعل مما يُمكن أن يُوصم بالعار أو ما شابهه.   

* وصمة المرض الوصمة بعار الإصابة بالمرض العقلي و النفسي شيء مُؤلم جداً لأقارب المُصاب. و شيء مُعيق جداً عن الإقبال علي أخذهم إلي الطبيب لمعالجتهم, و شيء مُحزن يمنع اندماجهم مع بقية أبناء جلدتهم من البشر في المجتمعات التي يعيشون فيها. و لا يُحس بهذا كله إلا من عاني من إصابة أحد العزيزين أو أحد الأقارب بها. و الحال في هذا أشبه بما كان في السابق عند التعامل مع الأطفال المُعاقين بدنياً, أو تقبل وجودهم, أو النظرة إلي ولادتهم لدى فلان أو فلانة. و إن كانت النظرة إلي المعاقين بدنياً قد تطورت نحو الأفضل و أصبحت أكثر إنسانية و واقعية و غدت تُملى علي الناس الإحسان إليهم و الرفق بهم و التودد إليهم و خدمتهم, فلما لا تزال تلك النظرة المتسمة بالوصمة و السخرية لا تزال تُلاحق الأطفال المُصابين بأحد الأمراض العقلية.   السؤال هو لما هي إذن الوصمة بالعار ؟ و ما هو سبب السخرية؟ و من أين تنشأ تلك السلوكية في التعامل مع المرضى النفسيين أو المتخلفين عقلياً, و حتى مع المُعاقين بدنياً, و خاصة الأطفال منهم.?    الأساس كما يقول الباحثون من مايوكلينك هو أن الوصمة و السخرية هي نتيجة لعملية الاستخدام السيئ لتصنيف الناس بناء علي مصطلحات طبية بحته. لأن الوصمة الاجتماعية بالأصل هي علامة علي وجود شيء ما يجب الشعور إزاء الإصابة به أو ارتكابه بالخزي و بالخجل. و لها أربعة مكونات, هي, تصنيف إنسان ما بأن لديه تلك الحالة, و تصورات الناس المسبقة عن حال المتصفين بها, و تقسيم الناس إلي "نحن" كفريق الذين لا نتصف بها و "هم" كفريق الذين يتصفون بها, و التمييز في التعامل مع الناس وفق أساس هذه التصنيفات.   

* تصنيف طبي التصنيف و التمييز ليس شيئاً سيئاً في الجوانب الصحية. بل هو أساس في التعامل الطبي مع الناس. و الأطباء يستخدمون عبارات كثيرة لا يقصدون السخرية أو الإهانه بها, مثل أن المرض الفلاني أكثر انتشاراً في البيض دون السود, أو أن فئة المدخنين أكثر عُرضة للإصابة بأمراض الصدر, أو أن مُدمني الكحول عُرضة للإصابة بتلف الكبد و القلب و أكثر إقداماً علي الانتحار أو أن مرضى الإيدز يحتاجون إلي كذا و كذا عند التعامل معهم. و الأطباء أيضاً عند استخدام التصنيفات المرضية في الأمراض العقلية أو حتى البدنية يقصدون بالدرجة الأولى القول بأن الحالة النفسية غير الطبيعية لها أسباب و أصول عضوية, ما يعني أن ثمة احتمالات ممكنة لمعالجتها اليوم أو في المستقبل عند تطور علم الطب.    المرض أياً كان ليس وصمة أو عيباً أو مجالاً للسخرية أو الإهانة حتى لو كان السبب في الإصابة به سلوكيات خاطئة, لأن مجال التقويم لهذه السلوكيات من النواحي الاجتماعية و الإنسانية ليس الوسط الطبي. بل ما هو واجب الوسط الطبي هو المعالجة و إبداء النصح وفق أسس طبية بحته. لكن المشكلة تنشأ من استخدام الناس للمصطلحات و التقسيمات و الأوصاف الطبية, عند علم بحقيقتها في النادر أو جهل بذلك في الغالب.