عشاق القهوة .. لا يُصابون بارتفاع ضغط الدم

اختلاف الكمية سبب في تباين التأثير لدى النساء

TT

مع تتابع الدراسات الحديثة حول حقيقة تأثيرات تناول القهوة، بكل ما تحتويه من كافيين ومواد أخرى، يقول الباحثون من هولندا إن إكثار الأصحاء من الناس تناول القهوة، هو ليس سبباً في إصابتهم بحالات ارتفاع ضغط الدم المرضية المزمنة. كما عرض الباحثون من كاليفورنيا مؤخراً دراسة، تُعتبر من الدراسات الأفضل حتى اليوم، حول عدم ثبوت تسبب تناول الكميات المتوسطة من أقداح القهوة، المحتوية علي الكميات الطبيعية فيها من الكافيين، في زيادة مخاطر الولادة المبكرة ولا التسبب في ولادة أطفال ناقصي الوزن عن المعدلات الطبيعية له.

وتأتي مثل هذه الدراسات، في محاولات من قبل الأطباء لوضع تصورات طبية واقعية أفضل، ومبنية على أسس علمية أقوى، حول تناول القهوة. وهي مثال علمي حي لمسارات البحث العلمي اليوم في جلاء حقيقة كثير من التصورات الطبية لأنواع شتى من المنتجات الغذائية حول فوائدها المزعومة أو مضارها المزعومة كذلك مثل القهوة أو الثوم أو غيرهما. وكان قد سبق لملحق الصحة بالشرق الأوسط أن عرض مجموعة منها حول القهوة خلال عدة أعداد ماضية.

* ضغط الدم والقهوة ولأن من المعروف علمياً تسبب تناول القهوة الطبيعية في محتواها من الكافيين في ارتفاع قصير الأمد في مقدار ضغط الدم، فإن ثمة اعتقاداً أو هواجس لدى بعض الأوساط الطبية من أن يكون تناولها، وخاصة الإكثار من ذلك سبباً في نشوء حالة مرض ارتفاع ضغط الدم، اي حالة مرضية مزمنة لها مظاهرها الخاصة وتداعياتها الوخيمة علي الصحة ما لم يتم التحكم في مقدار الضغط الدموي في الشرايين ومتى ما لم تتم المتابعة السليمة للأعضاء الحيوية في الجسم والمستهدفة بالضرر نتيجة للإصابة به. وهي تحديداً القلب والدماغ والكلى والعينين.

وما يُحاول الباحثون اليوم هو جلاء حقيقة ما ترسب لدى الناس من مضار للقهوة أو للكافيين بشكل عام على الصحة، والتي لم تتمكن الدراسات الطبية السابقة من إثباتها بشكل قاطع. وفي دراستهم الحديثة، المنشورة في العدد الأخير من المجلة الأميركية للتغذية الإكلينيكية، وجد الباحثون الهولنديون أن المتابعة لمدة عشر سنوات متواصلة لتناول الأصحاء من النساء للقهوة بكميات عالية يومياً، وتحديداً ستة أكواب صغيرة من الحجم العادي أو ما يُعرف بـ «المغ» والمُقارب لحجم ثمانية أونصات (اي نحو 230 مليلترا)، لا يرفع في الواقع من احتمالات خطورة إصابتهم بمرض ارتفاع ضغط الدم مقارنة بالنساء اللواتي لا يتناولن القهوة مطلقاً. بمعنى أنه لا فارق في نسبة الإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم بين المكثرات من شرب القهوة وبين من لا يشربنها أصلاً! كما توصل الباحثون إلي أن النساء اللاتي يتناولن كميات قليلة أو متوسطة من القهوة، أي إلى حد ثلاثة أكواب يومياً، هن أكثر عُرضة للإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم مقارنة بكل من مجموعة النساء اللاتي يتناولنها بكثرة وكذلك مجموعة من لا يتناولنها بالأصل! أما بالنسبة للرجال، فإن احتمالات خطورة الإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم لا علاقة لها من قريب أو بعيد بتناول القهوة من ناحية الكمية المتناولة منها يومياً! لكن من لا يتناولونها علي الإطلاق هم أقل عُرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم بشكل ضئيل. وهذا ما حدا بالباحثين للقول بأنه لا تُوجد مؤشرات علمية على جدوى حث الناس على الامتناع عن شرب القهوة للوقاية من الإصابة بحالة ارتفاع ضغط الدم المرضية. وشملت دراسة الباحثين حوالي 6500 شخص من البالغين، وأعمارهم فوق الأربعين من العمر، ومن الجنسين. وتابعتهم حوالي إحدى عشرة سنة.

وقال الباحثون إن سبب تأثر ضغط الدم لدى من لا يتناولون القهوة بانتظام أو يتناولون كميات متوسطة منها، هو أن تناولها بكثرة وبشكل يومي يُنشئ حالة من التعود في الجسم على تأثيرات الكافيين، ما يُلغي أي تأثيرات له على ضغط الدم، بخلاف الأقل تناولاً لها والأقل انتظاماً في ذلك، حيث أن أجسامهم تظل حساسة للكافيين.

وليس من الواضح حقيقة التأثير الطفيف لارتفاع ضغط الدم لدى الرجال بتناولهم القهوة، خاصة مع الأخذ في عين الاعتبار بأن الدراسات الطبية قد فشلت حتى اليوم في إثبات أن تناول القهوة سبب في نشوء أي من إصابات أمراض شرايين القلب.

* تأثيرات الكافيين و يجب أن يُقرأ خبر هذه الدراسة بشكل صحيح و بالظروف التي تمت فيها. وتحديداً في أن الحديث هو تأثيرات تناول الأصحاء، السليمين من أي أمراض مزمنة، للقهوة. وهي لم تشمل بالدراسة مرضى ارتفاع ضغط الدم ولا المرضى المصابين بأمراض الشرايين أو من لديهم عوامل خطورة الإصابة بأي منهما. كما أنها لم تكن واضحة حول شمولها أو عدم شمولها للمدخنين أو قليلي الممارسة للرياضة البدنية أو من لديهم زيادة في الوزن. وهو ما يجب أن يكون محل الدراسات المستقبلية.

ويُعتبر الكافيين أحد المواد ذات التأثير المتوسط القوة في التنبيه العصبي. كما أنه يتسبب في ارتفاع مؤقت في مقدار قراءات كل من الضغط الانقباضي والانبساطي للدم، يتراوح في كل منهما ما بين 4 إلى 14 مليمترا زئبقيا. لذا فإن الإرشادات الطبية الخاصية بالكيفية السليمة لقياس ضغط الدم تحرص على النصيحة بعدم إجراء ذلك القياس إلا بعد نصف ساعة، على أقل تقدير، من تناول أي من المنتجات الغذائية المحتوية على الكافيين. أي القهوة والشاي والشوكولاتة والمشروبات الكولا والطاقة الغازية وغيرها. وليس من المعلوم طبياً تلك الآلية التي يُؤثر تناول الكافيين بها على ضغط الدم بشكل مؤقت، لأن الدراسات و الاختبارات تقول بأن ثمة فارق في تأثر ضغط الدم لدى المنتظمين في تناول القهوة بكميات عالية و بين غيرهم إذا ما تناولوها.

ويقول الباحثون من مايو كلينك إن إحدى الدراسات الطبية التي تابعت لمدة 12 سنة تناول حوالي 155 ألف امرأة لمشروبات الكولا المحتوية علي الكافيين أثبتت ارتفاع احتمالات إصابتهم بمرض ارتفاع ضغط الدم. بينما نفس الدراسات على تناول القهوة المحتوية على الكافيين لم تثبت ذلك مطلقاً.