إكثار الحوامل من تناول لحوم العجول يُقلل من عدد الحيوانات المنوية لدى أولادهن

تغذية الأبقار بالهرمونات بهدف تنشيط نموها ليست بلا أضرار

TT

في ما تُعتبر واحدة من الدراسات الطبية التي تجب قراءتها بحذر شديد، خاصة بخصوص استخلاص استنتاجات تُطبق كنصائح طبية على أرض الواقع، أثار الباحثون من جامعة روشستر موضوع تأثير تناول الأمهات أثناء فترات الحمل للحوم الأبقار التي تم إعطاؤها هرمونات إبتنائية anabolic hormones ، كإحدى وسائل تنشيط النمو وتكبير حجم اللحوم في أجسامها. وقالوا إن إكثار الحوامل من تناول لحوم الأبقار المزودة بالهرمونات له مضار على الأجنة لا تتبدى وتظهر بصورة كاملة إلا في مراحل تالية من أعمارها. والأضرار التي تصيب الأولاد على وجه الخصوص تتعلق بقدراتهم على الإخصاب وعلى نمو أعضائهم التناسلية وعدد الحيوانات المنوية لديهم.

* تأثيرات صحية ولا يُعرف السبب الحقيقي وراء ارتباط تناول الأمهات الحوامل للحوم الأبقار، التي غُذيت بالهرمونات تلك، سبع مرات في الأسبوع أو أكثر بعدد الحيوانات المنوية لدى أولادهن. لكن الباحثين قالوا ربما الهرمونات المُضافة أو المبيدات الحشرية أو غيرهما من المواد الكيميائية التي قد تكون الأبقار قد تعرضت لها ووصلت بالتالي إلى لحومها، ومن ثم تناولتها الأمهات الحوامل سبباً في وصولها إلى الأجنة والترسب في أجسامهم، ما أثر بشكل مباشر على نمو الخصيتين في المراحل الجنينية، الأمر الذي ظهرت تداعياته في مراحل ما بعد البلوغ لديهم من خلال تدني عدد الحيوانات المنوية التي يحتويها السائل المنوي.

وكانت مجلة تناسل البشر الصادرة في الولايات المتحدة قد نشرت نتائج الدراسة في عدد 28 مارس (اذار) الماضي. وقالت البروفسورة شانا سوان، الباحثة الرئيسة وطبيبة أمراض النساء والولادة بكلية الطب التابعة لجامعة روشستر في نيويورك، إننا لا نقول إن على الناس أن يمتنعوا عن تناول لحوم الأبقار، بل من المهم أن تحرص الحامل على تناول كمية كافية من البروتينات اللازمة لجسمها ولنمو جنينها بشكل سليم. ولكنها أضافت أن تناول الحامل للبروتينات ليس بالضرورة منحصرا في اللحوم، ولحوم الأبقار على وجه الخصوص. واستطردت بالقول إن كانت الحامل تود أن تفعل شيئاً إزاء ما تقوله نتائج الدراسة فإن عليها إما أن تحرص على تناول لحوم أبقار لم تتغذ على الهرمونات، أو أن تقلل من تناول لحوم الأبقار، أو تبحث عن مصادر للبروتينات غير لحوم الأبقار.

* هرمونات وأبقار والمعروف أن ثمة ستة أنواع مختلفة من الهرمونات الجنسية الابتنائية التي تُعطى للعجول في مراحل نموها المختلفة بغية الإسراع في تلك العملية من النمو وتكبير حجم اللحوم في أجسامها. وهذه الهرمونات الابتنائية التي تعمل على تحفيز النمو يتم استخدامها تحت غطاء قانوني يُضفى السماح بذلك، وعلى نطاق واسع، في قطاع تربية الأبقار في الولايات المتحدة وكندا. لكن استخدامها كان كذلك في دول أوروبا حتى عام 1988، حيث صدر الحظر القانوني لذلك الاستخدام نظراً للاعتراضات من جهات علمية شتى على ذلك السلوك خوفاً من الأضرار المحتملة على صحة مستهلكي لحومها أو ألبانها. لكن الهيئات المعنية بشأن سلامة استهلاك اللحوم في الولايات المتحدة تكتفي بتنظيم استخدام مربي الأبقار لهذه الهرمونات عبر القيام بقياس منسوب الهرمونات في العضلات والشحوم والكبد والكلى وغيرها من أعضاء الأبقار المُعدة لحومها كمنتجات معروضة للاستهلاك الآدمي.

وهذه الأنواع الستة من الهرمونات منها ما هو طبيعي ومنها ما هو صناعي. والطبيعي منها ثلاثة أنواع هي إسترادول estradiol و بروجيستيرون progesterone وتستوستيرون testosterone. والصناعية منها ثلاثة أيضاً، وهي زيرانول zeranol وترينبولون trenbolone و ميلينجيسترول melengestrol .

* حساسية الأعضاء التناسلية وبناء على نتائج الدراسة، وعلى ما هو معروف وثابت طبياً من أن نمو وتطور الأعضاء التناسلية وتراكيبها ووظائفها لدى الأطفال حساسة جداً لتأثيرات الهرمونات الجنسية عليها في المرحلة الجنينية وفي مراحل الطفولة وما قبل البلوغ. وهو ما دعا الباحثين إلى القول إن من الضروري مراقبة تناول الحوامل وتناول الأطفال لمنتجات لحوم الأبقار أو أعضائها المحتوية على تلك الهرمونات الجنسية. وتعتبر هذه الدراسة الأولى التي نظرت في شأن تأثير تناول لحوم الأبقار على نوعية مكونات السائل المنوي. وقام الباحثون فيها بتحليل عينات من السائل المنوي المأخوذ من حوالي 400 رجل، وهم مجموعة من الرجال الذين وُلدوا فيما بين عامي 1949 و 1983. وتمت أيضاً محاولات جادة ودقيقة، قدر الإمكان، في معرفة مدى الكمية التي تناولتها أمهاتهم من لحوم الأبقار أثناء الحمل بهم. وكذلك تمت متابعة حالة قدرات إخصابهم لشريكات حياتهم.

وتبين للباحثين أن تركيز الحيوانات المنوية لدى الرجل كان أقل كلما زاد تناول أمه، أثناء حملها به، أسبوعياً للحوم الأبقار. وتحديداً فإن أبناء الأمهات اللائي كن يتناولن لحوم الأبقار سبع مرات أو أكثر أسبوعياً كان تركيز تعداد الحيوانات المنوية لديهم أقل بمقدار يصل إلى 25% بالمقارنة للطبيعي لمن هم في أعمارهم من الرجال.

كما تبين للباحثين أن التدني في تعداد الحيوانات المنوية لدى مجموعة الرجال المشاركين في الدراسة، لم تكن له علاقة بمدى إكثار أو إقلال أمهاتهم تناول أنواع أخرى من اللحوم، وتحديداً لحوم العجول أو الأسماك أو الدجاج.

وبالرغم من عدم ملاحظة الباحثين أن أيا من هؤلاء الرجال مُصاب بحالة العقم وعدم القدرة على إخصاب شريكة الحياة، إلا أن 18% من الرجال الذين كانت أمهاتهم يُكثرن من تناول لحوم الأبقار لديهم عدد متدن من الحيوانات المنوية في سائلهم المنوي بدرجة تُصنف على أنها أقل من العدد اللازم للتخصيب وفق تعريف منظمة الصحة العالمية للأمر. وقال الباحثون انه في حين أن حتى الرجال الذين كانت أمهاتهم يتناولن لحوم الأبقار بكثرة، لا يُعانون من العقم التام وعدم القدرة على الإنجاب، إلا أن الوصول إلى تخصيب شريكة الحياة وبالتالي الإنجاب أخذ وقتاً طويلاً لتحقيقه مقارنة بما هو في العادة. كما أنهم راجعوا العيادات الطبية لصعوبات في إتمام التخصيب بنسبة الضعف مقارنة ببقية الرجال. وهي حقائق عقب الباحثون عليها بالقول إن من غير الصحيح إطلاق القول بأن سلوك أمهاتهم الغذائي في جانب تناول لحوم الأبقار لم يكن بالنتيجة مؤثراً على قدرات الإخصاب لديهم.

وأقر الباحثون بأنهم لا يعلمون هل الهرمونات الجنسية التي كانت تُعطى للأبقار التي كانت تتناولها الحوامل هي السبب في نشوء هذه الاضطرابات لدى أولاد أولئك الأمهات، أم ثمة مواد كيميائية أخرى من مبيدات حشرية وغيرها من المواد الصناعية، هي السبب. لكن عدم وجود التأثيرات هذه لدى من كانت أمهاتهم يُكثرن من تناول اللحوم الأخرى، ومع العلم أن الأبقار كانت تُعطى تلك الهرمونات في تلك الأعوام، تجعل الشكوك تزيد قوة حول دور سلبي محتمل للهرمونات تلك ولحوم الأبقار التي غّذيت بها في نشوء اضطرابات نوعية السائل المنوي المتقدمة.

وللمزيد من التأكد في العلاقة قال الباحثون إنهم يعتزمون إجراء الدراسة في المجتمعات الأوروبية، وبين الرجال الذين تم الحمل بهم في الفترة الزمنية التالية لعام 1988. أي بعد حظر استخدام الهرمونات في تربية الأبقار الأوروبية. وأضافوا القول «لو وجدنا نفس النتيجة، فإن ذلك معناه أن الهرمونات لا علاقة لها. وإن وجدنا عدم تأثر عدد الحيوانات المنوية فإن من المحتمل أن تكون الهرمونات هي السبب».

والواقع أن إجراء الدراسة في أوروبا ضروري، للتأكد من موضوع الهرمونات. أو للتأكد من أن السبب قد يتعلق بتناول لحوم الأبقار بذاتها.