حماية شرايين النساء بعد بلوغ سن اليأس لا تزال ممكنة

TT

افادت مجموعة من الباحثين في الولايات المتحدة أن بالإمكان تخفيف عُرضة إصابة النساء بأمراض شرايين القلب في مرحلة ما بعد بلوغ سن اليأس، عبر الاهتمام بتناول المنتجات الغذائية النباتية الغنية بالمركبات المضادة للأكسدة.

وبعد مراجعتهم لمعلومات ثلاثة من الإصدارات الحديثة لوزارة الزراعة الأميركية حول مقدار محتويات مجموعات المنتجات الغذائية النباتية من المواد المضادة للأكسدة، قام الباحثون بتحليل نتائج استبيانات حول عناصر مكونات الوجبات الغذائية لحوالي 35 ألف امرأة ممن تجاوزن سن اليأس. وهذه الشريحة الواسعة العدد من النساء هي بالأصل تشمل المشاركات في دراسة علمية واسعة تُدعى دراسة «أيوا لصحة النساء». وتبين لهم بالمحصلة أن الأغذية النباتية الغنية بمركبات فلافونويد flavonoids المضادة للأكسدة antioxidant compounds، كالتي في التفاح والكمثرى والشوكولاته الداكنة قد توفر ملجأ من الحماية لهؤلاء النساء في تلك المرحلة من العمر التي ترتفع الاحتمالات فيها بالإصابة بأمراض الشرايين.

* مركبات وقائية ومضادات الأكسدة من نوع فلافونويد هي مركبات كيميائية تُوجد بوفرة نسبية متفاوتة في الكثير من المنتجات الغذائية النباتية. والفرضية العلمية، التي ثبتت من جوانب شتى، تقول بأن لديها قدرة على وقاية شرايين القلب وبقية أجزاء الجسم من تبعات ارتفاع نسبة الكولسترول الخفيف الضار عبر خفض نسبته في الدم أولاً، وعبر منع ترسيخ ترسبه في جدران الشرايين ثانياً. والمعروف أن ارتفاع نسبة الكولسترول الخفيف وزيادة ترسيخ ترسبه على جدران الشرايين يُؤدي إلى نشوء تضيقات في مجاريها، ما يعمل على الحد من تدفق الدم من خلالها بسهولة أو حتى على سد مجاريها بالكامل. وهما حالتان تؤدي الأولى منهما إلى الإصابة بآلام الذبحة الصدرية، ويتبع حصول الثانية الإصابة بالنوبة القلبية، أو ما يُعرف عادة بجلطة القلب. كما أن ثمة مؤشرات علمية على أن مركبات فلافونويد المضادة للأكسدة لها قدرة على الحد من ظهور أو تفاقم عملية الالتهاب في تلك التضيقات الشريانية. والمعلوم أن وجود التضيقات الكولسترولية بحد ذاته قد يكون أمراً خاملاً، لكن إصابتها بحالة من التهاب التي تتضمن غزوها بخلايا مناعة الجسم قد يُؤدي إلى عدم الاستقرار في تركيبها وهيئة بنيتها، ما يُحفز ترسب وتجلط مكونات الدم عليها وتكوين خثرة دموية تعمل على إما مزيد من ضيق مجرى الشريان أو سده بالكامل. ولذا تظل لدى أطباء القلب وسيلة إعطاء أدوية تعمل على خفض مستوى هيجان عمليات الالتهابات مثل عقار الأسبرين، أحد أهم الوسائل في منع حصول تداعيات تضيقات الشرايين المتقدمة الذكر. وكانت الدراسات السابقة قد توصلت إلى نتائج غير حاسمة حول مدى تأثير نسبة وجود مركبات فلافونويد المضادة للأكسدة في الوجبات الغذائية المُتناولة يومياً على الوقاية من أمراض الشرايين القلبية أو غيرها، عبر طريق إما خفض نسبته في الدم، أو منع ترسيخ ترسب الكولسترول الضار الخفيف في جدران الشرايين، أو تخفيف حدة هيجان عملية التهابات فيها. ووفق ما تم نشره في عدد مارس من المجلة الأميركية للتغذية الإكلينيكية، فقد قامت الدكتورة باميلا مينك بمتابعة استمرت 16 سنة لتناول حوالي 35 ألف امرأة، ممن بلغن سن اليأس، مركبات فلافونويد المضادة للأكسدة. وما ساعد الباحثين هو النشرات الحديثة لوزارة الزراعة الأميركية في توفيرها معلومات دقيقة حول كمية وجود مركبات فلافونويد وسبعة مركبات أخرى من بين فئات أنواعها، ذات طبيعة عمل مضادة للأكسدة، في المنتجات الغذائية الشائعة التناول. ووجد الباحثون أن ثلاثة مركبات من فئات مشتقات مركبات فلافونويد مرتبطة بشكل مباشر وبصفة مهمة في جانبين، الأول تقليل خطورة الإصابة بأمراض الشرايين القلبية، والثاني في نسبة الوفيات بين المُصابين بها. وهذه المركبات الثلاثة هي أنثوسينيدين anthocyanidins و فلافانونين flavanones وفلافونيس flavones . وتحديداً وجد الباحثون أن تقليل خطورة الإصابة بأمراض الشرايين القلبية وخطورة الوفيات منها يتراوح بين 10% في تناول مركبات أنثوسينيدين، و 22% في تناول مركبات فلافانونين.

* أغذية غنية إن ثمة منتجات غذائية معينة لها تأثيرات إيجابية، على جانبي خطورة الإصابة وخطورة الوفيات، تتفاوت من منتج إلى آخر. وتحديداً فإن تناول نخالة القمح أو غيره من الحبوب كان هو الأفضل في خفض احتمالات الإصابة بأمراض شرايين القلب وخفض احتمالات الإصابة بالسكتة الدماغية نتيجة لتأثر شرايين الدماغ. في حين شكل تناول التفاح والكمثرى وسيلة أفضل لوقاية شرايين وأمراض القلب نفسه. وكذلك الحال مع الغريب فروت والفراولة والشوكلاته الداكنة.

وأثارت هذه النتائج في ملاحظة تأثيرات تناول المنتجات الغذائية عالية المحتوى من مركبات فلافونويد المضادة للأكسدة رغبة الباحثين في توسيع نطاق الدراسة، لتشمل عدداً أكبر من الناس، وفي فئات عمر مختلفة. والأهم أن تكون دراسة بحث استشرافي مستقبلي prospective في المتابعة وتحليل النتائج. والمعلوم أن هذا النوع من الدراسات أقوى من ناحية الترجمة العملية للنتائج كنصائح طبية تُقدم إلى الناس من قبل الوسط الطبي. وهذا أمر يجدر إدراك أهميته من ناحية فهم أخبار الدراسات الطبية ومدلولاتها العملية التطبيقية. وما قام الباحثون به في هذه الدراسة الأميركية مهم في تعريفنا أن ثمة ملاحظة علمية مفادها أن منْ يُكثرون تناول الثمار النباتية الطبيعية عالية المحتوى من مركبات فلافونويد، الملونة لشكل تلك الثمار، هم أقل عُرضة للإصابة بأمراض الشرايين القلبية وأقل عُرضة للوفاة بسببها. وهي ملاحظة قوية لا يجدر بالإنسان إهمالها وعدم العمل بها طالما أن من المعروف أصلاً والثابت علمياً مدى حاجة الإنسان الصحية في القلب وغيره لعناصر شتى متوفرة في الفواكه والخضار. أما التأكد العلمي الدقيق فيحتاج إلى معلومة إضافية تختبر نتيجة الإكثار من تناول مركبات فلافونويد تحديداً في المنتجات النباتية عبر دراسات تُصمم من البداية لمتابعة تناولها لمدة معينة، ثم يُنظر في نسبة إصابتهم بأمراض الشرايين والوفيات بينهم. وذلك من أجل وضعها كنصيحة طبية معتمدة في تشكيل الوجبات الغذائية للمرضى والسليمين، أي وسيلة علاجية.

* مضادات الأكسدة والأساس العلمي الطبي لفوائد مضادات الأكسدة هو أنها عبارة عن نظام لوقاية الجسم وحماية من مركبات كيميائية عدة ومؤثرات بيئية شتى ومنع تفاعلاتها الضارة على أنسجة الجسم وأعضائه وخلاياه. وهذا الدور في الحماية يختلف عن نظام جهاز مناعة الجسم الموجه بالدرجة الأولى نحو صد الميكروبات ومنع وصولها إلى داخل الجسم. تفاعل الجسم مع البيئة التي نعيش فيها والعناصر التي تشكلها هو ما نحتاج لمقاومته. وهذه التأثيرات السلبية تمر عبر طريق ما يُسمى بالجذور الحرة free radicals. وهي مواد قد تتمكن من أن تعيث فساداً في الجسم، ما لم تتم السيطرة عليها بالمواد المضادة للأكسدة.

ولأن الأكسدة هي عمليات من التفاعلات الكيميائية المتلفة Oxidative damage، التي تتطلب تحويل مجموعة من الإلكترونات من مادة إلى مادة مؤكسدة أخرى، فإن ما تفعله مضادات الأكسدة هو إبطاء أو منع حصول هذه التفاعلات، باعتبارها تفاعلات ضارة بالجسم. والكائنات الحية جميعها، سواء التي تتكون من خلية واحدة أو المكونة من مليارات الخلايا، لديها هذا النظام المعقد من مضادات الأكسدة كي تحافظ على كفاءة وسلامة القيام بعمليات منع الأكسدة. وما يُسبب ظهور الإصابة بكثير من الأمراض هو عدم قدرة الجسم على وقف أو إبطاء عمليات الأكسدة فيه. مثل ترسب مركبات الكولسترول داخل جدران الشرايين. وتغيرات نواة الخلايا لتظهر في الأنسجة خلايا سرطانية منفلتة في النمو والتكاثر. والتغيرات التي تعتري بشرة الإنسان وجلده مع التقدم في العمر. وتغير قدرات خلايا الدماغ على حفظ الذاكرة وعلى استرداد المعلومات من مخازنها في خلايا الدماغ، ما يُؤدي إلى ظهور حالات العته والخرف. ومضادات الأكسدة مواد مختلفة، ومتوفرة في الطبيعة على هيئة مركبات كيميائية مثل صبغات المنتجات النباتية التي تُكسبها الألوان المختلفة من الأحمر أو الأصفر أو البرتقالي أو البنفسجي أو الأخضر أو الأبيض أو البني أو غيرهم. كما أنها تتوفر على هيئة مجموعة من الفيتامينات، مثل فيتامين سي وفيتامين إي وفيتامين فوليت وفيتامين إيه وغيرها. والنظر الطبي متجه إلى المركبات الكيميائية الطبيعية من مضادات الأكسدة كشيء مفيد شكل عام للصحة. والأبحاث هي نحو فائدة أنواع منها في حالات مرضية معينة. مثل البحث الذي بين أيدينا حول تأثير مواد فلافونويد في أمراض شرايين القلب.

* نصيحة رابطة القلب الأميركية حول حبوب الفيتامينات المضادة للأكسدة > إقبال الكثيرين على تناول أنواع من الفيتامينات بشكل يومي على هيئة حبوب دوائية للوقاية من أمراض شرايين القلب يختلف في الحقيقة تماماً عن الإقبال على تناول هذه الفيتامينات في هيئتها الطبيعية الموجودة في الثمار النباتية وغيرها. وتقول رابطة القلب الأميركية إن الدراسات العلمية ركزت في الآونة الأخيرة على كيفية قيام الفيتامينات ذات الخصائص المضادة للأكسدة في تقليل احتمالات الإصابة بأمراض الشرايين القلبية. وتحديداً فيتامينات إي E و سي C و إيه A. وأضافت إنه بالرغم من عدم اكتمال الدراسات ووضوح نتائجها إلا أن 30% من الأميركيين يتناولون واحداً منها بشكل يومي. والموقف العلمي والطبي للرابطة على حد قولها هو أنها لا تنصح بتناول هذه الفيتامينات بهيئتها الدوائية على شكل حبوب حتى اكتمال النتائج العلمية. وهي في هذا لا تقصد الفيتامينات الطبيعية الموجودة في الثمار النباتية المختلفة، بل تقصد حبوب الفيتامينات الدوائية. ولذا عقبت الرابطة بالقول إننا ومع هذا ننصح الناس بتناول مجموعة مختلفة من الأطعمة الغنية بالعناصر الغذائية بشكل يومي. وقالت إن مجرد الحرص على تناول مجموعة المنتجات الغذائية التي تتميز بتدني محتواها من الدهون الحيوانية المشبعة أو الدهون المتحولة في زيوت القلي أو الكولسترول، كفيل بتوجيه الإنسان نحو تناول أطعمة تعمل على تزويد الجسم بالمصادر الطبيعية لهذه الفيتامينات المضادة للأكسدة، وأيضاً تزويده بالمعادن والألياف اللازمة لصحة القلب.

* الشوكولاته الداكنة بالسكر ومن دون سكر.. ومرونة الشرايين > ضمن فعاليات المؤتمر السنوي للكلية الأميركية لطب القلب، الذي عُقد هذا العام في نيو أوليانز بولاية لويزيانا الأميركية، عرض الباحثون من جامعة ييل في ولاية كونتيكيت الأميركية في السابع والعشرين من شهر مارس (اذار) الماضي نتائج دراستهم اختلاف تأثير تناول الشوكولاتة الداكنة، حينما تكون خالية من السكر أو حينما يُضاف إليها. والمعلوم أن ثمار نبات الكوكا، التي تُصنع منها الشوكولاتة بعد تحميصها وطحنها، غنية بمركبات فلافونويد المضادة للأكسدة. وهي المركبات الطبيعية التي تتحدث الدراسات الطبية عن جدواها في الوقاية وفي تخفيف حدة تداعيات أمراض شرايين القلب. وتتبع الباحثون في دراستهم تناول نوعي الشوكولاتة الداكنة من قبل مجموعة من الأشخاص بلغت 45 شخصا، ممن لديهم سمنة أو زيادة في الوزن. أي ممن تتراوح نسبة مؤشر كتلة الجسم ما بين 25 إلى 35%. وكان أن قام الباحثون بالطلب منهم تناول الشوكولاتة الداكنة الخالية من السكر، ثم قياس مدى تدفق الدم في أحد شرايين الجسم، الجاري فيما بين مفصل الكتف ومفصل المرفق، باستخدام تقنية الدوبلر لصور الأشعة ما فوق الصوتية. ثم دراسة تأثير تناول نفس الشوكولاتة الداكنة لكن المُضاف إليها السكر، بنفس طريقة القياس. وتبين للباحثين أن تناول الشوكولاتة الداكنة الخالية من السكر أفضل في زيادة تدفق الدم خلال الشرايين بنسبة حوالي 35% مقارنة بالتي فيها سكر.

وقال الباحثون إن نتائج الدراسة لا تعني أن على الناس الإكثار من تناول الشوكولاتة، بل تدل على أن للشوكولاتة، والمواد التي فيها، دور إيجابي في رفع كفاءة الشرايين وجريان الدم من خلالها.