تقليعات حميات خفض الوزن.. أكثرها فاشلة

دراسة أميركية تُثير زوبعة في طبق الطعام وتشير إلى ضرورة ممارسة التمارين الرياضية

TT

أكدت مجموعة من الباحثين الأميركيين، من خلال نتائج واحدة من الدراسات الجادة في التحليل والمراجعة، عدم جدوى اتباع الكثيرين لتقليعات او موضات الأنظمة المختلفة من حميات خفض الوزن التي لا تتبنى في مكونات عناصرها تأمين تلك الاحتياجات الفطرية للإنسان من الغذاء. والدراسة التحليلية الجديدة تحتاج إلى قراءة متأنية لأنها أثارت بالفعل زوبعة من الاحتجاجات في الوسط الطبي على نشرها بين الناس لما قد تسببه من بلبلة في التفكير والتطبيق لدى الكثيرين، لكنها في واقع الأمر خلاف ذلك لأنها لفتت النظر بشكل جاد إلى مدى معاناة من يتبعون طرقاً في خفض الوزن لا تُراعي حقائق الواقع في أسباب زيادة وزن الجسم ومدى مقاومة الجسم لأي محاولات لخفض وزنه.

ما أقدم الباحثون عليه ليس خطأ، بل هو نقل حقيقي لواقع ملموس ومُشاهد في متابعة كثير من الأطباء وأخصائيي التغذية لحالات السمنة ونتائج إتباع وسائل خفض وزن الجسم. والنتائج التي توصلوا إليها لم تكن وليدة اللحظة أو بعد إجرائهم دراسة خاصة بهم على مجموعة من الناس، بل كانت دراسة تحليلية جمعت نتائج ما توصل الباحثون الآخرون إليه عبر 31 دراسة علمية حديثة وسابقة حول جدوى تلك الحميات الغذائية وفوائدها المزعومة.

* *زوبعة في طبق والواقع أن قضايا زيادة وزن الجسم، ومحاولات خفض ارتفاعه عبر الحميات الغذائية أو العمليات الجراحية، هي من القضايا الطبية الساخنة اليوم، والتي يصدق القول عليها بأنها زوبعة في طبق الطعام وليس في فنجان كما يقول المثل. والزوبعة هذه لها ما يُبررها اليوم، لأن وسائل المعالجة للسمنة واقعة بين تحت ضغط سندان تفشي حالات السمنة بشكل غير مسبوق في أرجاء العالم كله وبنسب عالية تتجاوز 50% في بعض المجتمعات وفي مجموعات بعض الأعمار، وبين مطرقة الحقائق الطبية حول آثار السمنة البعيدة المدى على القلب وشرايينه والدماغ وضغط الجسم واحتمالات الإصابة بالأمراض المزمنة الأخرى من سرطان وسكري وغيره.

وما حاول الباحثون بنتائج دراستهم هذه قوله للناس وللوسط الطبي هو أن ثمة حقيقة لا يجدر التغافل عنها وهي أن الخفض الذي يحصل في البدايات لا يستمر طويلاً، الأمر الذي يعني أمرين، الأول هو ما هي جدوى إجهاد الناس باتباع وسائل علاجية لا تستمر فائدتها على المدى البعيد متى ما طُبقت بالطريقة التي يُنصح بها اليوم. والثاني هو ما هو الهدف الحقيقي لنا كأطباء وأخصائيي تغذية إزاء أوزان الناس التي نتمنى وصولهم إليها ابتغاء حمايتهم من السمنة وتداعياتها؟ أي بعبارة أخرى هل يصلح أن يكون هدف خفض وزن الجسم هو الوصول إلى الوزن الطبيعي لكل الناس، أم أن تحقيق خفض ثابت لنسبة معقولة من الوزن يكفي في تحقيق فوائد صحية تُبعد شبح خطر الأمراض عنهم.

* نتائج واقعية وكان ملحق الصحة في «الشرق الأوسط» قد عرض عدة دراسات عبر عدة أعداد منه، منها ما تحدث عن أن تكرار اتباع الحميات خفض الوزن، وبالتالي تكرار ارتفاع وانخفاض الوزن هو شيء ليس صحيا، بل هناك من المؤشرات الطبية التي تقول بأنه سبب في ارتفاع احتمالات الإصابة بحصاة المرارة مثلاً. ومنها ما تحدث عن أن مجرد نقص وزن الجسم بضعة كيلوغرامات يُؤدي إلي نتائج إيجابية، حيث أن بعضها قال إن فقد ثلاثة كيلوغرامات فقط يُقلل بنسبة عالية من احتمالات الوفاة بسبب السمنة. ومنها ما تعرضت إليه العدد من المصادر الطبية من القول بأن خفض 5% من وزن الجسم كفيل بتقليل احتمالات خطورة الإصابة بارتفاع ضغط الدم والسكري، وغيرها من الدراسات الأخرى التي تُحاول ضبط بوصلة التوجه الطبي إزاء الغاية العلاجية من خفض وزن الجسم والتعامل مع مشكلة السمنة وكيفية تحقيق ذلك.

ووفق ما عرضوه في عدد إبريل من المجلة الأميركية للصحة النفسية، فإن الباحثين من جامعة كاليفورنيا توصلوا إلي أن تلك الحميات الغذائية، التي يُحاول الناس بإتباعها تحقيق خفض وزن الجسم، تفقد فاعليتها في تحقيق تلك الغاية مع مرور الوقت. وأنه، بمتابعتهم طبياً لمدة خمسة سنوات، فإن حوالي الثلثين ممن ينقص وزنهم بإتباع هذه الحميات، لا تلبث أوزانهم أن تعود إلي سابق ارتفاعها الذي كانت عليه قبل البدء بها.

و أكد الباحثون من سان فرانسيسكو إن ما يحصل في البداية من نقص في الوزن هو شيء حقيقي ومُلاحظ. وأن البعض قد ينجح في خفض وزن جسمه بنسبة قد تتجاوز 10% خلال الستة أشهر الأولى من البدء في إتباع تعليمات التغذية فيها. لكن شهر العسل وفترة الفرحة هذه لا تدوم طويلاً على مسرح أحداث الواقع، كما يُقال.

و قالت البروفسورة تريسي مان، الباحثة الرئيسة في الدراسة وطبيبة النفسية بجامعة كاليفورنيا، ضمن تعليقها على دراستها ما نصه: لكن بعد فترة شهر العسل تلك، التي يعيشها من يفقدون شيئاً من الوزن خلال الأشهر الأولى، فإن وزن الجسم يعود إلي السابق، وربما أكثر. وأضافت إن قلة فقط تُحقق نقص وزن الجسم وتستمر في المحافظة على هذا الخفض.

وعلي حد وصفها فإنها استطردت قائلة إني أعلم حقيقة أن ما أقوله انعزالي وغريب على البعض سماعه، ولدينا اعتراضات كثيرة من الوسط الطبي بأن ما توصلنا إليه ربما يمنع الكثيرين من محاولة البدء في إتباع حمية خفض وزن الجسم وربما يحمل البعض على التوقف عن إتباعها.

* دراسة تحليلية وقام الباحثون بمتابعة نتائج 31 دراسة من التي تُوصف لدى المصادر الطبية بأنها دراسات طويلة الأمد في فترات المتابعة لتأثيرات الخضوع للحميات الغذائية الهادفة إلي خفض وزن جسم الإنسان. وعلي حد وصف الباحثين فإن غايتهم من الدراسة هي معرفة ما الذي يحصل لهؤلاء الناس الذين يتبعون أنظمة التغذية في تلك الحميات. ولذا عمدوا إلى متابعة نتائج الدراسات التي دامت ما بين سنتين إلي خمس سنوات دون غيرها التي اقتصرت المتابعة فيها مدداً زمنية أقل، وأظهرت كالعادة نتائج دعائية مفرحة للناس ومبررة للكسب المادي لواضعي أو مُقدمي تلك الحميات.

وتوصلوا إلى نتيجة بسيطة، وقاسية في نفس الوقت، وهي أن ثلثي الناس يعود بهم الوزن إلى سابق عهده، أو أكثر، بعد مضي سنوات من الالتزام بها! وقالت البروفسورة تريسي مان: إننا استنتجنا بأن الغالبية من الأفضل لهم عدم اتباع أو الاستمرار في تطبيق تلك الحميات، لأن الوزن في النهاية لن يختلف كثيراً باتباعها لسنوات، ولأن أجسامهم لن تتعرض لتبعات وتداعيات ومعاناة حالات تكرار الزيادة والنقص. والأوضح في كلامها كان قولها الحميات الغذائية لا تُؤدي إلى استمرار فقد الزيادة في الوزن، كما أنها لا تُؤدي إلى أي فوائد صحية للغالبية من الناس.

وأضافت إن الناس الذين نجحوا في الإبقاء على خفض الوزن، وهم قلة، كانوا ممن استمروا في ممارسة الرياضة البدينة، جنباً إلي جنب مع إتباع الحمية. وختم الباحثون دراستهم بالقول إن الأكل باعتدال هو النصيحة المناسبة، والواقعية، لكل الناس، بالإضافة إلى ممارسة الرياضة البدنية بشكل منتظم. وكان ملحق الصحة في «الشرق الأوسط» قد عرض الأسباب التي تُعزى إليها أسباب فشل الحميات في المحافظة على خفض دائم لوزن الجسم، وذلك عند حديثها عن سمنة النساء وتأثيراتها على أوزان أبنائها وبناتها.

* حقائق بسيطة وتقول نشرات المؤسسة القومية الأميركية للسكري وأمراض الكلى والهضم في نشراتها بأن على الإنسان ذي الزيادة في الوزن أن لا يشعر بأنه الوحيد في ذلك، بل إن 66% من البالغين في الولايات المتحدة وحدها لديهم نفس الشيء. وأن تحقيق وزن صحي للجسم يُمكن أن يُسهم في ضبط نسبة كولسترول الجسم ومقدار ضغط الدم ونسبة سكر الدم. كما يُمكنه أن يمنع الإصابة بالأمراض المرتبطة بالسمنة، كأمراض القلب والسكري والتهابات المفاصل وبعض أنواع السرطان.

إن أكل الكثير من الطعام أو عدم ممارسة قدر كاف من الرياضة البدنية هما سبب في نشوء زيادة الوزن. وللمحافظة على مقدار الوزن، فإن على المرء تناول عدد من طاقة الطعام (كالوري) مساوية للكمية التي يحرقها جسمه من الطاقة. ولفقد الزيادة في الوزن فإن على الجسم أن يحرق أكثر مما يتناوله من طاقة الطعام. وإستراتيجية ضبط وزن الجسم تتضمن:

ـ اختيار أطعمة قليلة الدسم وقليلة كمية الطاقة.

ـ تناول كميات قليلة من الطعام.

ـ شرب الماء بدل المشروبات المحتوية على السكريات.

ـ الحرص على أن يكون المرء نشيطاً بدنياً في الحركة.

وأضافت بأن موضات الحمية الغذائية ليست الوسيلة لخفض وزن الجسم، لأن موضات الحميات تلك غالباً ما تعد بخفض سريع في وزن الجسم وتتطلب الامتناع عن نوع معين من الأطعمة. وقد يتحقق خفض الوزن في البدايات، لكن هذه الموضات من التغذية يصعب تطبيقها، وتنهك من يلتزم بها، وسرعان ما يتوقف الكثيرون عن إتباعها، ويعودون إلي سابق الوزن. كما أنها قد تكون غير صحية لأنها تحرم الجسم من أحد العناصر الغذائية الأساسية التي هو بحاجة إليها. هذا بالإضافة إلي أن الفقد السريع للوزن يرفع من خطورة نشوء حصاة المرارة. والحميات التي تُعطي فقط 800 كالورى يومياً قد تتسبب في اضطرابات نبض القلب، التي قد تكون قاتلة.

وعقبت بأن الأبحاث أكدت بأن فقد ربع كيلو غرام أسبوعيا من الوزن، عبر اختيارات صحية في نوعية الغذاء، وتناول كميات معتدلة من الوجبات وممارسة الرياضة البدنية يومياً، هي طريقة صحية أفضل لخفض وزن الجسم وللمحافظة على ذلك الخفض في مقداره.