تقرير هارفارد: الهذيان .. أسبابه وأعراضه

قد تكون له تأثيرات دائمة على الدماغ لدى المسنين

TT

إن كنت تبحث عن كلمة الهذيان Delirium في القاموس الطبي، فإنه سيخبرك انها حالة من تغيير وضع الوعي لدى الانسان، الذي يشمل الاضطراب، وعدم التركيز، وعدم انتظام الذاكرة، والهلوسة. وسبب الحالة الامراض التي تؤثر مباشرة على الدماغ مثل التهاب السحايا والتوقف عن تعاطي الكحوليات بعد الاسراف فيها.

ولكن اذا بدأت الظاهرة في سن الـ 65 سنة، فلها اسباب متعددة مثل الاصابة بالعدوى، او السقوط على الارض، او الاصابة بكسر، او بالجفاف وفقدان السوائل، او نتيجة عملية جراحية، وكلها اسباب لا علاقة لها بالدماغ. وعلى الصعيد الجسدي يمكن للاشخاص المصابين بالهذيان ان يشعروا بالإثارة، وعدم الراحة، ونقص في الثبات والاستقرار، او العكس تماما أي الشعور بالكسل والتقاعس وفتور الهمة. وغالبا ما يستغرب الاهل والاصدقاء من تأرجح المصاب بين حالات الصفاء والإشراق والعودة الى الحالة الطبيعية، وبين الاضطراب الكلي والخروج عن الحالة الطبيعية تماما.

هذيان ارتعاشي

* والمواساة هنا، ان الحالة هذه هي مؤقتة، وان بمقدور الاطباء ان يؤكدوا ان تفكير المصاب سيعود صافيا «لان هناك اعتقادا راسخا بان الحالة هذه يمكن عكسها وارجاعها الى الحالة الطبيعية» كما تقول الدكتورة شارون إنويي الاستاذة في كلية الطب في هارفارد ومديرة مركز «أيجينغ براين» (المتخصص في دراسة هرم الدماغ) في مؤسسة «هبرو سينيور لايف» في بوسطن.

وحاليا شرعت الدكتورة إنويي والخبراء الآخرون في حالات الهذيان، في التساؤل عن صحة هذا الاعتقاد، فقد يزول الاسوأ، لكن الحالة هذه لدى المسنين قد تترك وراءها دماغا معطوبا بشكل دائمي، لذلك فهم يقومون بالتحري حول ما اذا كانت الحالة هذه قد تتسارع، او تبدأ ربما بإطلاق عملية انتكاسية في الدماغ.

ويلاحظ حصول الهذيان لدى الاشخاص الذين عولجوا في المستشفيات او غيرها، مثل المصحات. وتكون الادوية والعقاقير احيانا العامل المساهم حتى بالنسبة الى الاشخاص الذين يتعاطونها لفترة طويلة من الوقت من دون اي مشكلة.

ولا توجد اي فحوصات مختبرية، او مسح للدماغ لتشخيص الهذيان، بل هو تشخيص سريري يقوم به الاطباء عن طريق مراقبة السلوك وتقييم حالة المريض العقلية. ولا يمكن التعرف غالبا على الهذيان لأسباب عدة، منها تقلب الاعراض وغياب علاج واضح فعال بحيث يحول دون قيام الاطباء بالتركيز عليه، فضلا عن تعقيدات طبية اخرى قد تبدو اكثر الحاحا. وكانت الدكتورة انويي قد ابتكرت اسلوبا لتقدير مدى الاضطراب لمساعدة الاطباء على البحث.

ومما لا شك فيه ان الاصابة بالعته الذي هو اعاقة دائمة للوظائف العقلية تجعل الناس اكثر عرضة للهذيان لان ثلثي الذين يطورون هذه الحالة كانوا يشكون مسبقا منها. والسؤال الحرج هو العلاقة بين الهذيان والعته. ففي مراجعة نشرت في العام 2006 في مجلة «نيوانغلند» الطبية لاحظت الدكتورة انويي حالات من الهذيان الملح والمستمر، وأشارت وقتها الى ان الحدود الفاصلة بين الهذيان والعته الخرفي، مشوشة وغير واضحة. واضافت انها خلال العقدين من الابحاث الخاصة بهذه الحالات واجهت العديد من الحالات عندما شرع اصحابها في الهذيان، ولم يعودوا الى حالتهم السوية منذ ذلك الحين. وتابعت تقول ان المصابين بالعته الخرفي كانت درجة ادراكهم تتردى بشكل كبير بعد حالة من الهذيان.

تغيرات في الدماغ

* اما كيفية قيام الهذيان، او الامراض التي تسببه بتسريع العته الخرفي، فهي مسألة مفتوحة للنقاش. وهناك بعض النظريات التي تقول ان الهذيان ربما هو استجابة الدماغ الى الالتهاب المنهجي الذي قد يقوم بتشويش الحاجز الفاصل بين الدم والدماغ الذي يقي الدماغ من المواد المضرة التي تدور في الدم. وحالما يجري خرق الحاجز هذا تبرز احتمالات الهذيان اولا تعقبها تغيرات في الدماغ.

وفي العادة تتواصل الخلايا الدماغية احداها مع الاخرى بواسطة مواد كيميائية تدعى الناقلات العصبية. واذا ما انخفضت نسبة واحدة منها وتدعى «استيليكولاين» acytylcholine فقد تسبب الهذيان، اذ قد تكون للاضطراب الشديد الطويل الامد لـ«الدارات» (العصبية) التي تعتمد على الـ«استيليكولاين»، تأثيرات دائمة.

وينظر باحثون آخرون الى العلاقة بين الهذيان ووجود تجمعات، او تكتلات من بروتين «بيتا ـ اميلويد» في الدماغ التي يعتقد انها تسبب مرض ألزهايمر. كما انه من المعروف جدا ان التخدير العام قد يسبب احيانا الهذيان. ويقول الباحثون في مستشفى ماساتشوستس العام ان التخدير قد يسبب ايضا تلفا دائما عن طريق تحفيز انتاج هذا البروتين. وقد اظهرت فحوصاتهم التي اجروها على انابيب الاختبارات ان «ايسوفلوراين» isoflurane العقار الذي يستخدم في التخدير العام من شأنه ان يقتل الخلايا الدماغية ويزيد من انتاج البروتين المسبب لمرض ألزهايمر، لكن الامر يحتاج الى المزيد من الابحاث لاثبات هذه الفرضية.

ومثل هذه النظريات وغيرها قد تؤدي الى اختبارات تشخيصية وعلاجات فعالة للهذيان. وعلى سبيل المثال قد يساعد عقار «دونيزبيل (اريسيبت) donezepil Aricept الذي يستخدم للحفاظ على مستويات الـ«استيليكولاين» في مرضى ألزيهايمر في علاج الهذيان رغم ان نتائج الدراسات الاولية لم تكن مثيرة للاهتمام بشكل كاف.

في هذا الوقت فان افضل مسعى لعلاج حالة الهذيان هو تخفيض درجة الاضطراب والتشوش، وعدم التركيز وزوغان الفكر، والمظاهر الاخرى لهذه الحالة. وكانت الدكتورة انويي قد ابتكرت برنامجا للمرضى المقيمين في المستشفى يقلل من مخاطر تطور الهذيان. وقد جرى اعتماد اقسام من هذا البرنامج في المستشفيات في جميع انحاء البلاد. ويركز هذا البرنامج على جعل الناس مركزي التفكير عن طريق جعلهم يحتفظون بساعات وتقاويم في منازلهم، وان يكونوا مزودين بنظارات قراءة ومساعدات للسمع. كما يجري التشجيع على انماط منتظمة من النوم عن طريق تعريض المرضى الى ضوء النهار، ووضع جداول لهم بحيث لا يستيقظون في الليل. وبمقدور افراد العائلة تقديم يد المساعدة عن طريق قضاء بعض الوقت مع مرضاهم خاصة عندما يكونون في حالة الهلوسة.

وهناك وصف للبرنامج الذي وضعته الدكتورة انويي على شبكة الانترنت.. فقط اطبع hospital elder life program في احد محركات البحث مثل «غوغل» لتعثر على مرادك.

* خدمة هارفارد الطبية ـ الحقوق: 2005 بريزيدانت آند فيلوز ـ كلية هارفارد.