مقاومة البكتيريا هاجس طبي مقلق

التخبط وسوء استخدام المضادات الحيوية يؤديان الى آثار سلبية

TT

ضمن عدد العاشر من شهر فبراير (شباط) الماضي من مجلة «لانست» العلمية، صدرت دراسة للباحثين من مستشفى جامعة أنتيراب في بلجيكا تعزز صحة الاعتقاد العلمي الطبي بأن الإفراط في استخدام المضادات الحيوية يُمكنه أن يكون سبباً في اكتساب البكتيريا قدرات أقوى في مقاومتها لتأثيرات المضادة الحيوية عليها. وهذا ما يؤدي بالتالي الى فقد تلك المضادات الحيوية من فاعليتها، ويُجردها من أهميتها وجدواها في معالجة الناس من الأمراض الناجمة عن إصابتهم بأنواع البكتيريا المتطورة في القوة و القدرات. وأوضح بروفسور علم الميكروبات الطبي الدكتور هيرمن غووسين، الباحث الرئيس في الدراسة، بالقول إن الكثير من الدراسات الطبية قد ربطت بين استخدام المضادات الحيوية وظهور حالات مقاومة البكتيريا لها. لكن كل الدراسات تلك بُنيت على أدلة غير مباشرة، في إشارة منه إلي أنها لم تكن مُصممة بطريقة بحثية تعتمد أولا شوائية اختيار عينات شريحة البحث وثانياً المقارنة القوية في الدلالة عبر دراسة تأثير المادة الدوائية المُراد دراستها مع مادة أخرى مزيفة، و ثالثاً عدم معرفة الطبيب ولا المريض ما الذي يتناوله من إحدى المادتين التي تتم المقارنة بينهما. والمعروف أن هذه العناصر الثلاثة تُعطي البحث و نتائجه مصداقية علمية عالية.

* دراسة موثّقة وأضاف بأن الدراسة الجديدة هي الأولى التي بينت بشكل مباشر أن طريقة استخدام المضادات الحيوية تُؤدي إلى اكتساب البكتيريا مقاومة لتأثيرات تلك المضادات الحيوية التي يتم الإفراط وسوء الاستخدام لها من قبل الأطباء و الناس. واستطرد قائلاً، إن الدراسة أثبتت أيضاً أن ثمة تأثيرات سلبية كبيرة لتناول هذه المضادات الحيوية علي البيئة الطبيعية لمجتمعات البكتيريا الموجودة بشكل طبيعي وصحي في مناطق شتى من جسم الإنسان. وأن التأثيرات السلبية هذه قد تستمر لمدة تتجاوز ستة أشهر، ما يعني إلغاء الكثير من العمليات المفيدة للبكتيريا الطبيعية هذه داخل الجسم.

وشملت الدراسة مجموعة من الأشخاص السليمين من الإصابة بأي من الأمراض. وتم تقسيمهم إلي ثلاث مجموعات، تناول أفراد كل منها إما مضاد أزيثرومايسن azithromycin الحيوي، أو مضاد كلريثرومايسن clarithromycin الحيوي، أو عقاراً مزيفاً يبدو للمشاركين في الدراسة ولأطبائهم أنه مضاد حيوي، وهو ليس كذلك بالفعل. والمعروف أن هذين المضادين الحيويين هما من مجموعة ماكروليد macrolide للمضادات الحيوية، الشائعة الاستخدام في معالجة التهابات الجهاز التنفسي أو البولي أو الأمراض الجنسية و غيرها. ثم قام الباحثون، بشكل دوري، بتحليل عينات من بكتيريا عائلة ستريبتوكوكس Streptococcus المأخوذة من كل فرد في المجموعات الثلاث، ذلك بغية معرفة مدى تطور قدرات المقاومة والمناعة في هذا النوع من البكتيريا مع تناول المضادات الحيوية تلك. وكما كان متوقعاً، فلقد ارتفعت قدرات المقاومة لدى منْ تناولوا أحد المضادات الحيوية بمقدار تجاوز 50% بعد 8 أيام من البدء باستخدام كلريثرومايسن، وبمقدار 53% بعد أربعة أيام من البدء باستخدام أزيثرومايسن، في حين لم يطرأ أي تطور في قدرات البكتيريا التي في أجسام الذين لم يتناولوا مضاداً حيوياً حقيقياً. وبالإضافة إلي هذا تبين للباحثين أن تناول أي من المضادين الحيويين تسبب في خفض مستويات وجود البكتيريا الطبيعية في الفم. وهي أنواع من البكتيريا غير الضارة، بل المفيدة في الحد من تكاثر الأنواع الضارة من البكتيريا أو الفطريات في الفم.

* وصف المضادات الحيوية وخلص الباحثون إلي القول بأن الرسالة الواضحة من الدراسة هي أن على الأطباء وغيرهم الأخذ في الحسبان و إدراك ماهية الأصداء الواسعة التي تنجم عن وصف المضادات الحيوية واستخدام الناس لها.

ويتفق الخبراء الطبيون على أن الإفراط في استخدام المضادات الحيوية في حالات التهابات الجهاز التنفسي الشائعة أو غيرها هي السبب في تفشي ظهور أنواع من البكتيريا ذات قدرات عالية في مقاومة المضادات الحيوي المستهلكة بشكل عشوائي. وما يُحاول الباحثون الوصول إليه هو توفير وسيلة تخفف من لجوء الناس والأطباء إلى المضادات الحيوية. وهو أمر ممكن حال إثبات اختبارات معينة على المرضى أن السبب هو أحد الفيروسات وليس أحد أنواع البكتيريا. والمعروف أن المضادات الحيوية لا تُفيد في القضاء على الفيروسات مطلقاً، بل هي موجهة نحو القضاء علي البكتيريا. كما أن من المعروف أن الإصابة بكل من الفيروسات أو البكتيريا قد تتشابه في الأعراض التي تظهر على المرضى.

وفي هذا الشأن، كان الباحثون من مستشفى روشستر العام و كلية الطب بجامعة روشستر بولاية نيويورك في الولايات المتحدة قد نشروا في عدد 22 يناير (كانون الثاني) الماضي من مجلة أرشيفات الطب الباطني الأميركية نتائج دراستهم حول جدوى اختبار سريع يعمل علي تحديد نوع الميكروب المتسبب بحالات التهابات الجهاز التنفسي، مثل التي تصيب الأنف أو الحلق أو الجيوب الأنفية أو القصبات والشعب الهوائية أو أنسجة الرئة نفسها. وهي حالات شائعة جداً بين مختلف الناس في كافة الأعمار، وغالباً ما يتناول الكثيرون مضادات حيوية بغية التغلب عليها. لكن ما قاله الباحثون هو أن الكثير من العمل البحثي العلمي يجب إجراؤه قبل الوصول إلي إمكانية توفير هذه الوسيلة السريعة لكل المرضى الذين يُراجعون العيادات أو أقسام الطوارئ.

* نصائح طبية وتشير الأكاديمية الأميركية لطب الأسرة إلي أن ظهور خصائص و قدرات المقاومة علي البكتيريا يحصل بشكل أسرع حينما يتم تناول المضادات الحيوية دونما داع أو حينما يتم تناولها بطريقة غير صحيحة وعلى غير ما ينصح به الأطباء. وأن هذه الأنواع المتطورة في قدراتها تجب معالجتها آنذاك بمضادات حيوية قوية لم تتمكن البكتيريا تلك من تطوير أنظمة مقاومتها، وهي عادة تُعطى عبر الوريد في المستشفيات. هذا مع التنبه إلي أن ثمة أنواعاً بلغت قواها مرحلة السوبر، و لا تُجدي بالتالي أي مما هو متوفر في العالم من مضادات حيوية في القضاء عليها.

وقالت الأكاديمية، في حديث واقعي و منطقي وجهته إلي الآباء و الأمهات بالدرجة الأولى، إن من الواجب عدم توقع أن المضادات الحيوية قادرة على شفاء أي مرض. وتحديداً نصحت بعدم تناول المضادات الحيوية عند الإصابة بأحد الفيروسات كحالات نزلات البرد أو الأنفلونزا. وأضافت إن أفضل ما يُمكن فعله حال الإصابة بالتهابات الجهاز التنفسي مثلاً هو إعطاء هذه الحالات وقتها الطبيعي الذي تزول عادة بعده، وهو ما قد يطول إلي أسبوعين في بعض الأحيان. لكن لو ساءت الحالة خلال هذين الأسبوعين أو طالت المدة فإن الواجب أخذ مشورة الطبيب حول ضرورة البدء بالمضاد الحيوي.