تساؤلات حول الجوانب الصحية لوجبات الإفطار من الحبوب الجافة

مع الإقبال العالمي الواسع عليها وتنامي استهلاكها

TT

حسناً فعلت شركة «كيلّوغ Kellogg»، إحدى اكبر الشركات المنتجة لمجموعات مشتقات وجبات رقاقات الذرة «كورن فلكس» في العالم، حينما وعدت، هذا الشهر، بإعادة ضبط مكونات منتجاتها، خاصة تلك الموجهة للأطفال، نحو ما يتوافق مع المعايير الصحية للتغذية السليمة. وتحاشت بالتالي عواقب الإجراءات المترتبة على القضايا المرفوعة ضدها، من قبل جمعيتين للآباء والأمهات وجمعيتين عامتين أخريين في الولايات المتحدة، أمام المحاكم فيها، للشكوى من عدم توفر مكونات غذائية صحية في نصف أنواع تلك المنتجات الخاصة بوجبات الإفطار السريع. ويرى كثير من المراقبين المهتمين بشأني الصحة والتغذية أن التزامها هذا وإن كان متأخراً جداً إزاء كل تلك التنبيهات المتوالية التي صدرت عن جمعيات صحية عدة في العالم، إلا أنه يظل أفضل من لا شيء، ويُنظر إليه كخطوة أولية في مشوار طويل نحو توفير منتجات غذائية صحية للناس.

* نوع الحبوب

* وتُجمع المصادر الطبية ومصادر علوم التغذية الإكلينيكية على أن تناول الحبوب، بصفتها الطبيعية الكاملة غير المقشرة، هو سلوك صحي. وتشدد تعليمات الهرم الغذائي الاميركي ونشرات الأطباء من مايو كلينك والهيئات الصحية المعنية بالقلب والسمنة واضطرابات الكولسترول، على ضرورة تناول الإنسان للحبوب الكاملة غير المقشرة. وأن من أمثلة منتجات الحبوب الكاملة، كما تقول تلك الهيئات، الشوفان والقمح والأرز البري والفشار والخبز الأسمر وغيرها. ومن أمثلة منتجات الحبوب منزوعة القشور هي »الكورن فليكس» والخبز الأبيض والأرز الأبيض وأنواع المعكرونة المصنوعة من الدقيق الأبيض وغيرها.

والسبب وراء الحرص على تناول الحبوب الكاملة، احتواؤها على الألياف والفيتامينات والمعادن. وهي المكونات التي يحتاجها الجسم، وثبت دورها في تقليل الإصابات بأمراض القلب وارتفاع الكولسترول ومرض السكري وأنواع من السرطان. ويحتاج الإنسان البالغ ما بين 6 إلى 8 أونصة (الأونصة نحو 29 غراما) من الحبوب، والتي نصفها يجب أن تكون حبوباً كاملة غير مقشرة. الا ان المراهقين والمراهقات يحتاجون الى ما بين 5 إلى 7 أونصات منها. أما الأطفال ما بين عمر 2 إلى 3 سنوات فيحتاجون الى حوالي 3 أونصات، بينما من هم بين 4 إلى 8 سنوات، يحتاجون حوالي 5 أونصات. والأونصة تُقارب حصة غذائية واحدة. لكن الإشكالية في شأن تناول الحبوب عموماً ليست متعلقة بالكمية فقط، بل أيضاً في الكيفية والنوعية. وتتلخص الملاحظات الصحية علي المنتجات الحديثة للحبوب، والمتوفرة في عبوات الكورن فليكس ومشتقاته، بعدها الشديد عن تلك الجوانب الصحية التي من أجلها يُنصح بتناول الحبوب الكاملة غير المقشرة. وذلك نظراً لمحتوياتها العالية من السكر، ومن الملح، واعتمادها في الإعداد على الحبوب المقشرة الخالية من الأجزاء الصحية في الحبوب، وهي جوانب تُعيد الطرح الطبي العلمي لجدوى اعتماد الكثيرين على وجبات الإفطار المكونة مما تحتويه تلك العبوات، كوسيلة لنيل الصحة والعافية. هذا مع العلم أن إنتاجها بدأ قبل أن تستقر الإرشادات الطبية في جانب التغذية على النصح بتناول الحبوب الكاملة المقشرة. وهو ما يعني أن تسويقها لم يكن ذا علاقة البتة بالصحة في الأصل.

* توسع الاستهلاك الكبير

* ظهر الكورن فلكس لأول مرة في العالم عام 1906. ومع الوقت تفرع عن ذلك المنتج، من الأقراص الصغيرة الجافة للذرة، مجموعات من منتجات جديدة. أصبحت تتوالد بشكل شبه يومي، وتحت عدة مسميات، وبهيئات متنوعة من المكونات، وللكبار والصغار، لتجد بالتالي مكانها على أرفف متاجر الأطعمة في هيئة عبوات كرتونية تحتوي على مختلف أنواع الحبوب الأساسية، بتنويعات في الطعم وفي إضافات شتى أنواع الفواكه المجففة إليها.. وأيضاً بإضافات كميات عالية من الملح والسكر. وهي وإن كانت من التقليعات الغذائية للقرن العشرين، كأحد أنواع الأطعمة السريعة، إلا أنها اكتسبت، في الآونة الأخيرة، شهرة عالمية وسيطرت على سوق وجبات الإفطار. ولم يكن ذلك بسبب طعمها الشهي كالهمبرغر وقطع الدجاج أو البطاطا المقلية، بل بسبب الدعايات بأنها تُؤمن الحاجة اليومية للناس من تناول الحبوب الكاملة، كأحد مكونات الوجبات الصحية اليومية، وفي وجبة الإفطار بالذات.

وتتحدث اليوم التقارير الاقتصادية عن نمو دراماتيكي في الكيفية والكمية خلال الفترة ما بين 2002 وحتى اليوم لسوق منتجات وجبات الإفطار المكونة من الحبوب breakfast cereals، في مناطق شتى من العالم. وهي تقارير تتحدث ضمنياً عن ضرورة إلتفات منتجي تلك الوجبات إلى التدقيق في حقيقة الجدوى الصحية من تناولها، وفي أيضاً أن تكون مكوناتها موافقة لما تتضمنه الإرشادات الغذائية الصحية. وإلا فإن كل هذا النجاح في الإنتاج وانتشار الاستهلاك المبني بالدرجة الأولى على «فوائد صحية» منسوبة لها، سيتلاشى لا محالة في حال ثبوت عكس ذلك. وتُجمع تلك المصادر الاقتصادية على أن الفوائد الصحية، التي تُنسب إلى تناول وجبات إفطار من هذه النوعية، هي الباعث الرئيسي، بل الوحيد، في حصول هذا التوسع لسوق تلك المنتجات في العالم. بمعنى أن الإقبال العالمي على تناول وجبات الإفطار المكونة من الحبوب الجافة لم يكن بسبب لذة طعمها الشهي أو لأن تناولها لا يُقاوم، بل بسبب أن ثمة من يقول للناس إن تناولكم لهذه النوعيات من منتجات الحبوب، المُعدة كوجبات للإفطار، هو ذو مردود صحي عال ويُعطيكم آماناً من الإصابة بالأمراض المزمنة كالسمنة أو غيرها، بل وتتجاوز تلك النصائح في تعبيراتها إلى حد نُصح الآباء والأمهات بجعلها عماد وجبات إفطار أطفالهم بدءً من مراحل مبكرة في العمر! وتتمادى في إغراء الأطفال بها، عبر الدعايات التلفزيونية وملصقات صور أبطال أفلام الكرتون، وغيرهم، على عبواتها.

وكانت تقارير موقع الأبحاث والأسواق Research and Markets الصادرة في العاصمة الآيرلندية دبلن، قد أعلنت في 11 يونيو (حزيران) الحالي تفاصيل تقريرها حول سوق منتجات الحبوب لوجبات الإفطار، وذلك في المملكة المتحدة وحدها لعام 2007. وقالت إن سوق هذه المنتجات شهد نمواً سنوياً يُقارب 10% خلال الأعوام ما بين 2002 و2006. وأضافت بأن النمو هذا كان بالرغم من تحدي مزاحمة منتجات أخرى مصنوعة من تلك الحبوب، وبالرغم أيضاً من مواجهة الاعتراضات الطبية الجوهرية على احتواء منتجات الإفطار تلك على كميات عالية من الصوديوم ومن السكر.

* تسويق للأطفال

* وتحت تهديد طائلة القرارات التي قد تصدرها المحاكم الأميركية إزاء القضايا المرفوعة ضد شركات إنتاج وجبات الإفطار من الحبوب، أعلنت طواعية شركة كيللوغ ، في 13 يونيو الحالي، أنها ستعيد مراجعة برامجها الإنتاجية والتسويقية لمنتجاتها الموجهة للأطفال على وجه الخصوص. وهو ما تجاوبت معه الهيئات والمؤسسات، التي رفعت عليها الشكاوى، بسحبها من أمام القضاء الأميركي. وقالت كل من جمعية مركز العلوم التي تهم الناس Center for Science in the Public Interest (CSPI) والحملة من أجل طفولة خالية من المُؤثرات التجارية Campaign for Commercial-Free Childhood (CCFC) ، بأنهما لن يستمرا في ملاحقاتهم القضائية ضد الشركات المنتجة لأغذية وجبات إفطار الأطفال المكونة من الحبوب، والمتسببة في جانب مهم من تفشي مشكلة السمنة بين الأطفال.

وأعلنت شركة كيللوغ بأنها ستمتنع عن بث دعايات موجهة للأطفال ما دون سن 12 سنة، من خلال وسائل الإعلام، لأي منتجات لا يتوفر فيها الحد الأدنى من الشروط الصحية. وسيتم الإعلان فقط عن تلك التي تشتمل، الحصة الغذائية منها، على توفير 200 كالوري ( سعر حراري )، وبها أقل من غرامين من الدهون المشبعة، ولا تحتوي على أكثر من 230 مليغراما من الصوديوم، وأيضاً لا تتجاوز فيها كمية السكر حد 12 غراما. كما أعلنت امتناعها عن الاستمرار في إغراء الأطفال بوضع صور شخصيات أفلام الكارتون أو الألعاب في عبوات تلك المنتجات الغذائية. وتُمثل الدعايات الموجهة للأطفال، فيما بين سن 6 و 12 سنة، نسبة 27% من حجم ميزانية دعايات تلك الشركة لمنتجاتها المتنوعة. وقال ديفيد ماك كاي، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة كيللوغ، بأن المنتجات التي لا تتوافق مع الإرشادات سيتم إعادة تشكيل مكوناتها، والتي لا يُمكن فعل ذلك لها سيتم الامتناع عن الدعاية لها بين أوساط الأطفال وجعلها منتجات خاصة للكبار. وأضاف بأن الأمر يُعتبر تغييراً كبيراً، وستحاول الشركة فعل ذلك دون التأثير السلبي على طعم تلك المنتجات. ولأن الواقع أسوء مما يتصوره الكثيرون، فإن تطبيق هذا الالتزام سيتطلب لا محالة تعديل أو تغيير حوالي نصف أنواع منتجات الشركة المسوقة في شتى أنحاء العالم. لأنها ببساطة شديدة لا تتوافق في محتوياتها مع الإرشادات الصحية لتغذية الأطفال، باعتراف مديري الشركة نفسها! ولذا قالت الشركة بأن تطبيق هذا الالتزام سيكون بدأ من نهاية عام 2008، أي بعد الصبر على تجاوز عباب بحر السنة والنصف القادمة، وليس اليوم. كما أعلنت الشركة عن اعتزامها توسيع نطاق وضع ملخص لمحتوى عبوات منتجاتها، للعناصر الغذائية فيها، بطريقة واضحة للعيان وعلى وجه العبوة. لكن هذا سيشمل فقط أسواق الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، إضافة إلى أسواق بريطانيا وأستراليا، دون التزام واضح للمستهلكين الآخرين في أسواق بقية أرجاء العالم. وحذرت العديد من الهيئات المهتمة بالصحة العامة، خلال السنوات القليلة الماضية وبشكل متكرر، من التأثيرات الصحية للموجات المتلاحقة للدعايات الغذائية عبر وسائل الإعلام، وخاصة تلك الموجهة لإغراء الأطفال الصغار بتناولها، على اعتبارها أحد أسباب انتشار السمنة بين الأطفال بشكل وبائي مريع. وهذا ما حدا بالعديد من الدول إلى المنع المطلق أو وضع ضوابط صارمة لبث دعايات تلك المنتجات المثيرة للريبة والموجهة للأطفال الصغار. وعلى سبيل المثال أعلنت شركة والت ديزني في أكتوبر (تشرين الاول) الماضي أنها لن تسمح باستخدام شخصياتها الكارتونية في الدعايات لمنتجات غذائية، ما لم تكن تنطبق على تلك المنتجات الغذائية المعايير الصحية. كما أعلنت في عام 2005 شركة كرافت عن امتناعها بث الدعايات، الموجهة للأطفال دون سن الثانية عشرة، لنوعين من منتجاتها. وفي عام 2004 أعلنت شركة جنرال ميلس اعتزامها التحول إلى استخدام دقيق الحبوب الكاملة بدلاً من الدقيق المصفى في إنتاج منتجاتها الموجهة للأطفال.

لكن المؤسف حقيقة أن تلك الشركة لم تفعل شيئاً في السابق إزاء محتوى منتجاتها من السكر، في حين أنها في عام 2005، وتحت الضغوط أيضاً، قللت بنسبة 25% فقط من محتوى منتجات كورن فليكس من الملح، أو الصوديوم، لأن الشخص العادي لو تناول ثلاث حصص بوزن حوالي 90 غراما فقط من الكورن فليكس في وجبة الصباح، فإنه يتناول فعلياً كمية من الملح تساوي حوالي 30% من الحد الأعلى لكمية ملح الطعام اليومي المسموح تناوله من قبل الإنسان العادي، وليس الإنسان المُصاب بارتفاع ضغط الدم أو هبوط القلب أو فشل الكلى! وحتى هذا التقليل بنسبة 25% لا يزال دون المستوى المطلوب صحياً، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار كمية الملح المعتاد تناولها مع وجبات الغداء والعشاء والوجبات الخفيفة الأخرى.

* وجبات إفطار الحبوب.. ثلاث قضايا ساخنة

* المتتبع في الآونة الأخيرة لسوق منتجات وجبات الإفطار المعدة من الحبوب، والتي يتم تناولها باردة وبشكل سريع في الإعداد، يلحظ أن ثمة ثلاث قضايا صحية ساخنة تختص بها ويدور حولها النقاش على المستوى الطبي والصحي العالمي، مما تناقلته وكالات الأنباء صراحة في تقاريرها خلال الأسبوعين الماضيين. الأولى: تتعلق بالفوائد الصحية المنسوبة للاعتياد علي تناولها، إذ بالرغم من أن البشر عموماً لم يتعودوا على تناول الحبوب أو الفواكه المجففة كمكونات وحيدة لوجبات للإفطار، بهذه الكيفية الباردة، من قبل إلا أن التقارير الاقتصادية العالمية لا تزال تُشير صراحة إلى دور عامل الدعايات الصحية، لفوائدها، في تعليل انتشار إقبال تناولها من قبل البالغين، وجعلها وجبة إفطارهم المفضلة، خلال السنوات الأخيرة. والإشكالية ليست في هذا، بل في الخلط غير المبرر، وعن قصد، بين فوائد تناول تلك المنتجات وبين فوائد تناول الحبوب الطبيعية الكاملة، من النواحي الصحية، وإظهارها بالتالي للناس على أنهما سواء، برغم الفروق الجوهرية بين كلا النوعين، وهي التي لم ينتبه لها الكثيرون. الثانية: تتعلق بتلك الاعتراضات الصادرة عن هيئات صحية وعن هيئات حماية المستهلك العالمية، حول بعض من المكونات غير الصحية في تلك المنتجات. خاصة في ما يتعلق بمحتواها العالي من الصوديوم، الموجود عادة في ملح الطعام، ومحتواها العالي من السكر، ناهيك عن مدى صحة توفيرها للألياف الغذائية. وهي اعتراضات لم تردع الشركات المنتجة للكورن فليكس عن التمادي في إهمالها سوى وصول القضايا حولها إلى المحاكم. والملاحظ أن تلك الاعتراضات الصحية باتت تتكرر في بعض الدول، نظراً لإصرار الشركات المنتجة للكورن فليكس على أن الالتزام، وحتى الجزئي، ببعض من معايير تحسين بعض الجوانب الصحية في مكونات تلك المنتجات الغذائية في بعض الدول، لا يفرض عليها تطبيق ذلك في كل المجتمعات العالمية التي تُسوق فيها تلك المنتجات. وهو ما يتطلب بداهة أن يُكرر الناس في الأماكن الجغرافية المختلفة مطالبتهم للشركات الأم تحسين نوعية المنتجات المُسوقة لديهم محلياً. كما أصبحت القضايا تتوالى في نفس المكان الجغرافي، بحيث أننا شهدنا مثلاً في الولايات المتحدة عام 2005 قضايا تطرق جانب تخفيف محتواها العالي من الملح، وفي عام 2006 تم البدء في طرق جانب محتواها العالي من السكر، وخاصة الأنواع المخصصة للأطفال، ليصل تشعب الأمور إلى درجة أن تتبنى بعض تلك الشركات ما يُسمى «حلولاً وسطاً»، نتيجة عدم تحقيقها المعايير الصحية في كامل مكوناتها ومختلف أنواع منتجاتها. وهو ما تمثل في وقف بث دعايات بعض من منتجاتها، التي لا تُراعي الجوانب الصحية. وغدا التزام الشركات بعدم بث الدعايات الموجه، ليس لكل الأطفال، بل لمن هم فقط دون سن الثانية عشرة من العمر! وهذا ما يثير استغراب الكثير من المراقبين الطبيين والمهتمين بشأن التغذية الصحية حول مبررات تلك السلوكيات المملة في المماطلة وعدم الالتزام الجاد والشامل بتوفير منتجات صحية لكل الناس من تلك الوجبات. وحول ما الذي يضمن لنا أن الدعاية الموجهة إلى أطفال فوق الثانية عشرة من العمر، لن يتأثر بها من هم دون ذلك؟ وهو ما يفتح موضوع الدعايات التلفزيونية للمنتجات الغذائية الموجهة لإغراء الأطفال بتناولها، خاصة ضوابط اعتماد نوعية ووقت بث البرامج، كأساس في تحديد نوعية وأعمار المشاهدين. وهي ضوابط فضفاضة جداً، سبق لملحق الصحة بـ«الشرق الاوسط» التطرق إليها، مع الانفلات الحاصل في جدوى رقابة الأهل على مشاهدات الأطفال للبرامج التلفزيونية.

والثالثة: لعلها هي الأهم في الأمر برمته، وتتعلق بالمراجعات الموضوعية العلمية للجدوى الصحية لتناول تلك الوجبات التجارية المكونة من الحبوب في أوقات الإفطار بالذات. وهي ما تمثل الجانب الأساسي والرئيسي في إقبال الكثيرين في العالم على تناولها، خاصة مع عدم تقبل الكثيرين لطعمها وعدم توفر عناصر الطعم الشهي فيها حينما يتم تناولها باردة على وجه الخصوص، كما هو الغالب.

* إفطار الحبوب.. وتقليل الوزن

* السؤال الذي يتبادر إلى الذهن مباشرة إزاء رؤية هذا الإقبال العالمي الواسع على تناول وجبات إفطار من الكورن فليكس أو من أشكال مختلفة لإعداد الحبوب، هو: هل الناس المعتادون على تناول تلك النوعية من الفطور هم أقل وزناً من غيرهم الذين لا يتناولونها؟

ولعل أفضل من يُمكنه الإجابة على هذا السؤال هو دراسة تحليلية تجمع نتائج الدراسات الطبية التي بحثت في جدوى هذا السلوك الغذائي. وهو بالضبط ما صدر في عدد شهر يونيو (حزيران) الحالي من مجلة مؤسسة التغذية البريطانية.

ووجد الباحثون أن تسع دراسات جادة قد تم إجراؤها في السابق وتناولت هذا الجانب بالبحث. ولاحظوا بعد تحليل مجمل نتائجها، وفق معايير بحثية متفق عليها في مثل هذه النوعية من الدراسات التحليلية، أن جميع الدراسات أكدت على جانب إيجابي مهم، وهو أن اعتياد تناول وجبات إفطار مكونة من الحبوب، بشكل منتظم، لا يُؤدي إلى ظهور السمنة لدى الناس، ما يعني أن تناول هذه الوجبات لا يجعل من أحدنا أثقل وزناً.

لكن في المقابل، فإن النظر إلى هذه الدراسات بشكل فاحص يقول لنا كلاماً ونتائج متباينة فيما بينها حول دورها في خفض وزن الجسم. ذلك أن:

ـ إحدى الدراسات التي شملت حوالي 5000 فرنسي، وجدت أن الرجال الذين يتناولون تلك النوعية من الفطور بانتظام، هم أقل وزناً من الرجال الذين لا يتناولونها إلا نادراً. لكن نفس الشيء لا ينطبق على وزن النساء. ـ في مقابل ذلك، قالت دراسة أميركية شملت حوالي 4200 شخص، بأن النساء المعتادات على تناول وجبات الفطور تلك، على الأقل في يوم إجراء المسح الإحصائي للدراسة وليس في غالب الأيام أو بشكل منتظم، هن أقل وزناً من النساء اللواتي لا يتناولنها. في حين أن لا فرق بين وزن الرجال الذين يتناولون تلك الوجبات أو لا يتناولونها. ـ ولم تُعط إحدى الدراسات الأميركية، التي شملت حوالي 16 ألف شخص، أي ميزة لتناول إفطار مكون من الحبوب بالذات، إذْ قالت بأن عموم من يتناولون وجبات الإفطار هم أقل وزناً ممن لا يتناولون الفطور بالأصل أو يتناولون البيض واللحم أو مشتقات الألبان في الفطور. وشملت مجموعة من «يتناولون الفطور» كل من الذين يفطرون على تناول الكورن فليكس أو غيرها من وجبات الحبوب، أو من فواكه وخضار، أو من حبوب مطبوخة، أو من الخبز، أو من العصائر، أو من الخبز ومعجنات الحلويات. مع عدم ملاحظة الدراسة أي فروق بين الجنسين.

ـ الدراسة الرابعة كانت أشد غرابة. وشملت 52 امرأة من السمينات بمقدار متوسط. ووُضعن على حمية غذائية مكونة من إجمالي 1200 كالوري يومياً لمدة 3 أشهر. وطلب من نصفهن تناول إفطار مكون من الحبوب، ومن نصفهن الآخر عدم تناول الفطور. هذا مع الطلب من جميعهن تناول وجبتي الغداء والعشاء. ووجدت الدراسة أن المعتادات على عدم الإفطار بالأصل حينما بدأن بتناول وجبات الفطور خلال الدراسة فإن وزنهن نقص بمقدار 1.7 كيلو غرام مقارنة بمن لم يكن معتادات على عدم الإفطار. وأن المعتادات على الإفطار قبل الدراسة، حينما تركن تناول الإفطار خلال الدراسة فإنهن فقدن 1.7 كيلوغرام مقارنة بمن تناولن الإفطار في أثناء الدراسة. بمعنى أن فائدة تناول الإفطار المكون من الحبوب لم يستفد منه سوى غير المعتادين على الإفطار بالأصل. وأن المعتادين على الإفطار بالأصل لم يستفيدوا منه.

ـومن بين الدراسات الخمس الأخرى، ثلاث أُجريت على الأطفال. وتبين من نتائجها أن الأطفال الأقل في تناول الحبوب والأطفال الذين لا يتناولون الفطور، هم أكبر وزناً، لكنهم أيضاً أقل أكلاً طوال اليوم. وهذا يعني أن متناولي الإفطار، من تلك الحبوب أو غيرها، كانوا يحرقون كميات أعلى من الطاقة يومياً.