فصائل الدم.. وأهميتها الطبية

دراسات حول دورها الحيوي وفرضيات غير مؤكدة عن علاقتها بالتغذية

TT

قبل القرن العشرين كان الاعتقاد السائد هو أن الدم نوع واحد، لذلك كانت نهايات معظم محاولات نقل الدم مأساوية. وإحدى أكثر الحوادث شهرة، هي حادثة مرض بابا الفاتيكان انسنت الثامن في عام 1492، عندما أصيب البابا بمرض حار الأطباء في علاجه فاقترح أحدهم نقل دم من ثلاثة شبان أصحاء إلى البابا علها تشفيه. والنتيجة، كما هو متوقع، هي أن البابا توفي بعد العملية مباشرة.

وتتالت المحاولات وكانت معظمها تبوء بالفشل مما أدى إلى تحريم نقل الدم في أوروبا لعقود طويلة لما سببته من وفيات كثيرة. واستمر الأمر على ما هو عليه حتى عام 1902، حين اكتشف العالم النمساوي كارل لاندشتاينر أن الدم يتكون من فصائل مختلفة رمز لها فيما بعد ب و و و. وحقق هذا الاكتشاف ما يعتبره الكثير ثورة في علم الطب الحديث استحق عليه كارل لاندشتاينر بجدارة جائزة نوبل للطب عام 1930. لم تنحصر أبعاد هذا الاكتشاف على المجال الطبي بل تعدته لتشمل أيضا مجالات أخرى كعلم الطب الجنائي. وليس هذا فحسب بل يعتقد الكثيرون الآن أن لفصائل الدم علاقة بالتغذية ونوعية الشخصية أيضا. وفي ما يلي نبذة مبسطة عن فصائل الدم واستخداماتها الطبية وغير الطبية.

* أهمية فصائل الدم السؤال الأول الذي يتبادر للذهن هو ما الفرق بين فصائل الدم المختلفة؟ ببساطة الفرق هو وجود أو غياب، ما يمكن تجاوزا تسميتهما، «مركبين» و على سطح كريات الدم الحمراء. وإذا كانت الكريات تحمل المركب ففصيلة الدم هي وإذا كانت تحمل المركب ففصيلة الدم هي ، أما إذا كانت تحملهما معا ففصيلة الدم هي . أما إن لم تكن تحمل أيا منهما ففصيلة الدم هي(O) وترمز لكلمة nhh بالألماني والتي يمكن ترجمتها إلى: لا شيء.

لو أن قصة فصائل الدم انتهت عند هذا الحد لما كانت مهمة لهذه الدرجة، لكن سبب حدوث الوفاة عادة لدى نقل دم غير متطابق، هو أن نقل كريات دم حمراء تحمل مركبا لا تحمله خلايا دم الشخص المستقبل، يؤدي إلى تفاعلات خطيرة لأن الجسم يتعرف على هذه الخلايا على أنها أجسام غريبة وبالتالي يجب محاربتها، كما يحدث مثلا مع البكتيريا. لكن على النقيض مما يحدث عادة عند مهاجمة البكتيريا، فإن هذه الحرب المناعية قوية لدرجة أنها لا تنتهي بتكسير الخلايا الغريبة المنقوله والقضاء عليها فقط بل أيضا تدمير ساحة المعركة، والساحة هنا هي الشخص الذي يستقبل جسمه الدم! لتوضيح الأمر أكثر فإن الشخص الذي فصيلة دمه لا يحتوي جسمه على المركب . لذا عندما يتم نقل دم فصيلته إلى شخص فصيلة دمه سيتم التعرف على هذه الكريات الحمراء على أنها أجسام غريبة وبالتالي ستتم محاربتها، الأمر الذي يؤدي إلى مضاعفات تودي بحياة الشخص. هذه هي الفكرة الأساسية خلف أهمية تطابق الدم. وإذا وضعنا هذه الفكرة في مخليتنا سنستطيع وببساطة تحديد فصيلة الدم المناسبة لكل شخص.

* فصائل دم أخرى

* هل هناك فصائل دم أخرى؟ نعم، فسطح خلايا الدم الحمراء يمكن أن يحمل عددا كبيرا من «المركبات» الأخرى غير و لكن أهميتها أقل، لكون أن عدم تطابقها لا يؤدي لمضاعفات خطيرة كما هو الحال مع و.

المجموعة الثانية في الأهمية هي Rh، وهي ببساطة التي تحدد علامة السالب أو الموجب التي نجدها تكتب بجانب فصيلة الدم. أما لماذا يحمل شخص علامة الموجب بجانب فصيلة دمه، وآخر يحمل علامة السالب فهو إما لوجود (+) أو عدم وجود(-) مركب يعرف بـRh على سطح الخلايا الحمراء. وعادة، لا يتم نقل دم (+) لشخص (-)، لكن يمكن أن يتم العكس. ذلك لأن الخلايا فاقدة المركب لا تؤدي إلى أي مضاعفات (كما هو الحال مع فصيلة الدم ).

* الدم وعلم الجريمة

* لعقود طويلة مضت قبل تطوير اختبارات الحمض النووي، كانت فصائل الدم تلعب دورا هاما في علم الطب الجنائي، اذ اغن تحديد فصيلة بقعة من الدم على جسد الضحية مثلا، قد يساعد في إدانة أو تبرئة المتهم. لو افترضنا مثلا أن فصيلة دم المتهم هي وكانت فصيلة بقعة الدم مختلفة، فهذا على الأقل، إن لم يساعد في تبرئة المتهم، سيشير إلى وجود شخص آخر في مسرح الجريمة. وفي الوقت الحاضر يعتبر تحليل الحمض النووي أكثر دقة ومصداقية من تحليل فصائل الدم، الأمر الذي أدى لتقليل الاعتماد على تحليل فصائل الدم في علم الطب الجنائي.

هناك أيضا استعمالات أخرى لفصائل الدم ليست بالضرورة تتعلق بعلم الجريمة. وبما أن فصائل الدم تحدد وراثيا، فان من أهمها هو استخدام فصائل الدم في تحديد الأبوة. لذلك نجد أن فصائل الدم تستخدم في بعض الأحيان لتحديد الأبوة المتنازع عليها، أو في المستشفيات عندما يحصل خلط بين الأطفال حديثي الولادة. الجدير ذكره هو أن تحليل فصائل الدم لا يمكن الاعتماد عليه وحده في كل الأحيان لتحديد الأبوة.

* التغذية وفصائل الدم

* نظرية العلاقة بين فصائل الدم والتغذية طورها الدكتور بيتر دي ادامو قبل عدة عقود. وهي تفترض وجود علاقة بين مركبات تسمى ليكتينات (أو بروتينات صمغية) في الغذاء تتفاعل مع فصائل الدم المختلفة مما قد يتسبب في مضاعفات صحية. الدكتور دي ادامو يفترض أن الأشخاص يجب أن يتناولوا المأكولات التي تحتوي على ليكتينات متطابقة مع فصائل دمهم، فهو يعتقد أن هناك أنواعا من اللكتينات قد تتناسب أو لا تتناسب مع الشخص بناء على فصيلة دمه. لذلك فقد قام دي ادامو بتبسيط الموضوع أكثر لنا وخرج بقائمة طويلة من المأكولات التي تتناسب مع كل فصيلة دم. وقد كون دي ادمو ثروة وشهرة كبيرتين من خلال هذه النظرية وألف عشرات الكتب تناقش كلها تقريبا ذات الموضوع.

لكن السؤال هو ما رأي المتخصصين في علم التغذية في هذا النوع من الحمية؟ الحقيقة أن هذه النظرية لا تستند الى أساس علمي كما أن كثيرا من أخصائيي التغذية لا ينصحون به لكونه نظاما غذائيا غير متوازن. الجدير ذكره أن الكثير من الهيئات الصحية العالمية لم تعترف بهذا النوع من الحمية بل إن هيئة الغذاء والدواء السعودية حذرت من إتباعه.

أما سبب نجاح هذه الحمية مع بعض الأشخاص فهو ببساطة أنه بعد التدقيق في قائمة المأكولات التي يقترحها الدكتور دي ادامو نجد أن المأكولات التي يوصي بها للأشخاص الذين فصيلة دمهم أو هي قاسية (على العكس من فصيلتي الدم و). وبما أن الإحصائيات تشير إلى أن أغلبية الأشخاص يحملون فصيلة الدم أو فليس من المستغرب أن يشيع نجاح هذا النوع من الرجيم في انقاص الوزن.

الخلاصة أنه ليس هناك دراسات علمية محكمة تثبت هذه العلاقة، بل إن بعض العلماء يشككون في أمانة الدكتور دي ادموا العلمية حيث أنه ذكر في كتبه الصادرة قبل أكثر من عشرين سنة أنه في الأطوار الأخيرة من دراسات إكلينيكية تثبت ما يدعيه لكنه إلى الآن لم ينشر أيا منها، فالسبب إما أن نتائج الدراسات كانت عكس ما يدعيه ولذلك أثر أن لا ينشرها، أو أنه لم يعمل أي دراسات إكلينيكية أصلا.

* وداعا فصائل الدم

* نعم قد نودع يوما فصائل الدم. والسبب أن فريقا دنماركيا توصل إلى طريقة يتم فيها إزالة المركبات و من على سطح الخلايا الحمراء باستخدام انزيم معين مما يجعلها تتشابه مع خلايا الدم الحمراء من فصيلة الدم وبذلك يمكن نقلها إلى أي شخص بأمان. هذه الدراسة، والتي نشرت في مجلة «نيتشر بايوتكنولوجي» في هذا العام، قد تساعد في المستقبل (بالطبع بعد إجراء الدراسات اللازمة) في المشكلة الأزلية في بنوك الدم وهي عدم توفر الكميات اللازمة دائما من كل فصائل الدم.

* طالب دكتوراه سعودي في جامعة أكسفورد متخصص في علم نقل الدم