فشل محاولات تصنيف الهوس بألعاب الفيديو كإدمان

جدال طبي حول الظاهرة واعتراف بعمق تداعياتها وانتشارها

TT

ليست ثمة أدلة علمية كافية كي يتم تصنيف سلوك الإفراط في استخدام ألعاب الفيديو بأنه نوع من أنواع الإدمان. هذا ما قالته أعلى هيئة للأطباء في الولايات المتحدة، وأقوى الهيئات الطبية العالمية، يوم السابع والعشرين من شهر يونيو (حزيران) الماضي خلال تصويت عام للمندوبين في الرابطة الطبية الأميركية، إبان انعقاد اللقاء السنوي لها في شيكاغو بولاية إلينوي.

وتضارب الآراء حول الأمر، حتى بعد التصويت، أدى إلى التوصل لنوع من الحلول الوسط، وذلك بالمطالبة بإجراء مزيد من الدراسات الواسعة حول هذا الموضوع.

* تسلية ام إدمان؟

* وكانت إحدى اللجان الفرعية لرابطة الأمراض النفسية الأميركية قد أعدت ورقة عمل اقترحت فيها ضم التعلق بألعاب الفيديو إلى القائمة الرسمية للاضطرابات العصبية السلوكية، بتصنيفها كحالة إدمان ضمن مواد الكتيب الأميركي لإحصائيات وتشخيص الاضطرابات النفسية الذي تعتمد إصداره رابطة الأمراض النفسية الأميركية، لتكون بذلك مثل إدمان تناول الكحول والإدمان المرضي للقمار، الا انها تراجعت عن اقتراحها، قبل بدء فعاليات المناقشات ضمن اللقاء السنوي. وعليه فسيكون على الباحثين دراسة الأمر بشكل أوسع خلال السنوات الخمس المقبلة، وإذا ما تم الاتفاق على هذا التصنيف الإدماني فإنه حينذاك سيُضاف ضمن طبعة 2012، وإلا يبقى الحال على ما هو عليه اليوم. وهذا يعني، على حد قول الدكتور رونالد ديفس، رئيس الرابطة الطبية الأميركية، أن الأمر لا يزال محل بحث. وقال إنه بالرغم من أن المطلوب هو مزيد من الدراسات التقويمية لاحتمالات الإدمان على ألعاب الفيديو، إلا أن الرابطة الطبية الأميركية لا تزال مهتمة بوجه خاص حول التأثيرات السلوكية والصحية والاجتماعية لألعاب الفيديو وزيادة استخدام الإنترنت.

ولاحظت هيئة الأطباء أن ثمة تراكما للمعلومات التي تربط ما بين تعرض الأطفال لمشاهد العنف في وسائل الإعلام من جهة، وبين ارتفاع معدلات العنف في سلوكياتهم. وأنها تقوم بمراجعة أنظمة تصنيف تلك المشاهد، في الأفلام والعاب الفيديو وغيرها، للعمل على تقليل تعرض الأطفال لمشاهدتها. وهو ما علق الدكتور ديفيس عليه بالقول إننا نود أن نرى أنظمة تصنيف أفضل للمواد الإعلامية المحتوية على مشاهد العنف، كي يتمكن الآباء والأمهات من التنبه إلى محتويات ألعاب الفيديو وأعمار اللاعبين المناسبة لاستخدامها، وبالتالي يُقرر الوالدان ما إذا كانت مناسبة لعمر طفلهما كي يلعبها.

والمعلوم أن الحجم العالمي لسوق ألعاب الفيديو يبلغ أكثر من 30 مليار دولار سنوياً. وأعلنت رابطة البرامج الإلكترونية الترفيهية، المستفيدة الأولى من القرار العلمي، ترحيبها بنتائج التصويت وتأييدها القول بأن أبحاثاً أكثر يجب إجراؤها قبل الجزم بتصنيف التعلق بألعاب الفيديو على أنه إدمان، يُعامل كأحد الاضطرابات النفسية. لكن كثيراً من الأطباء لا يزالون يرون أن الأمر «مشكلة»، وتتأثر به وتيرة نظام الحياة اليومية للشخص. وأن ثمة عناصر شبيهة بالتي في حالات الإدمان كإنكار صعوبة التوقف عنها بالرغم من عدم القدرة على ذلك عند القيام بالمحاولة الفعلية للإقلاع عنها.

وبالرغم من عدم الجزم بأن الأمر إدمان، إلا أن الرابطة الطبية الأميركية ورابطة الأمراض النفسية الأميركية، تدعمان الإرشادات الحالية للأكاديمية الأميركية لطب الأطفال، والتي تتضمن اقتصار عدد الساعات التي يُسمح للطفل بمشاهدة ما يُعرض على الشاشة، في حدود ساعتين فقط يومياً. سواء كان ذلك برامج تلفزيونية أو الكومبيوتر أو ألعاب الفيديو.

* تعلق شديد

* وقال الدكتور ستيوارت غيتلو، عضو المجمع الأميركي لطب الإدمان من كلية مت سيناي للطب بولاية نيويورك، إنه لا يُوجد ما يدل على أن الأمر حالة فسيولوجية مرضية معقدة، أسوة بتعاطي الكحوليات أو غيرها من المواد التي يُدمن البعض عليها. وبالتالي فإنه لا يُوجد مبرر لربط كلمة «إدمان» بألعاب الفيديو.

وتشير المصادر الطبية إلى أنه بالرغم من الاستخدام المتقطع، ومن آن لآخر، لألعاب الفيديو قد لا يكون ضاراً بالضرورة، بل ربما مفيداً في بعض الحالات، كمن لديهم مرض التوحد. إلا أن كثيراً من الأطباء يرون أن الإفراط في قضاء الوقت فيها قد يُشغل الإنسان عن أداء ضروريات حياته اليومية، مثل العمل أو الاستحمام، أو حتى تناول الطعام بشكل صحي.

وهو ما يرى الدكتور توماس إلين، من مركز أوسلر الطبي في تاوسن بولاية ماريلاند، بأن العمل على معالجة المرء من هذا التعلق الشديد بألعاب الفيديو، لا يختلف عن العمل مع مدمن الكحول لمساعدته على التخلص من عادة شربه، لأن في كلا الحالتين هناك نفس الإعراب من الشخص بإنكار أن يكون لديه مشكلة تتعلق بالأمر، هذا مع مواجهة المرء في كلا الحالتين صعوبات في التوقف والإقلاع.

ومع اعتراف الدكتور لويس كراس، عضو الأكاديمية الأميركية لنفسية الأطفال والمراهقين وطبيب النفسية في كلية الطب بجامعة رش الأميركية، بأن من غير الواضح حتى اليوم ما إذا كان التعلق بألعاب الفيديو، إدمانا، إلا أنه قال إنه ليس من الضروري أن يكون المحك في اعتبار ذلك وجود علاقة «السبب والتأثير»، فيما بين الإنسان وبين الإفراط باللعب بها. وأضاف أنه سواء كان الأمر إدماناً أم لم يكن، فالواقع هو أنه كلما قضى الطفل وقتاً أطول في استخدام الألعاب تلك قل الوقت المتوفر لمعاشرة الناس أو لقاء أفراد الأسرة أو لممارسة الرياضة البدنية. والاهم على حد وصفه بأن الطفل قد يُعوض النقص الدراسي، لكنه لن يستطيع تعويض النقص في الاختلاط الاجتماعي بالناس.

* كبار وصغار

* ووفق ما كانت قد تضمنته ورقة العمل المقترحة، فإن إحدى الدراسات البريطانية التي ستُنشر قريباً، شملت أكثر من 7000 لاعب، ووجدت أن 12% منهم تتطابق أوصاف سلوكياتهم لممارسة ألعاب الفيديو مع عناصر تعريف حالة الإدمان السلوكي وفق المعايير الواردة في التقارير العلمية لمنظمة الصحة العالمية.

وأشارت إحصائيات رابطة البرامج الإلكترونية الترفيهية عام 2005 أن ما بين 70 إلى 90% من الأطفال في الولايات المتحدة يُمارسون ألعاب الفيديو. وأن اللاعب العادي لها بسن الثلاثين من العمر يقضي ما بين سبع إلى ثماني ساعات أسبوعياً في ممارسة ألعاب الفيديو تلك. لكن اللافت للنظر هو ما تضمنته ورقة العمل المذكورة من أن الإفراط في قضاء الوقت بألعاب الفيديو إنما يقع من الذين يُمارسونها عبر الإنترنت ضمن مجموعات اللعب الجماعي «على الخط».

وعرف الأطباء في ورقة العمل مُصلح الاستخدام الثقيل للعب، بأنه الذي يتجاوز في المدة ساعتين يومياً.

وإحدى الفرضيات المطروحة لتعليل وقوع البعض في الاستغراق لساعات «على الخط» أو «بدون الخط» للعب بهذه الألعاب، هو تفضيلهم ما يُمارسونه في أحداثها الوهمية الافتراضية، على ما يستطيعون ممارسته في الحياة الحقيقية ومجريات أحداثها. لأنهم ببساطة يُحسون بالسيطرة على ما يجري معهم. لكن جني الإحساس بالسيطرة هذا له ثمن، وهو دخول كميات كبيرة من مشاهد العنف في نفوسهم.

ووفق ما يراه الباحثون النفسيون، فإن جوانب العنف على وجه الخصوص تهدد النمو الطبيعي لصغار السن. وهو ما يرون أنه سبب مرتبط بملاحظة ارتفاع سلوكيات العنف بين الصغار وتدني السلوكيات الإيجابية الداعمة للآخرين، فيما بينهم. هذا بالإضافة إلى ارتفاع احتمالات السنة نتيجة الكسل وقضاء الساعات دون بذل مجهود بدني.