إرهاق العمل بنظام المناوبات ناجم عن اضطراب كيمياء الدماغ

محاولة علمية لتعليل الإجهاد

الاجهاد والتوتر يؤدي الى اضطرابات النوم (كي آر تي)
TT

الناس الذين يعملون بنظام المناوبات والورديات المختلفة، عبر العمل ليلاً لعدة أيام ثم العمل نهاراً لأيام أخرى وتكرار تقلب ذلك، كثيراً ما يُصابون بالإجهاد البدني والنفسي والذهني نتيجة لذلك النمط من تغير أوقات العمل بصفة متعاقبة. وحاول الباحثون الطبيون إيجاد تفسيرات علمية لتلك الحالات التي تعتريهم، لكن دونما جدوى.

وما حاول الباحثون من الأرجنتين قوله في نتائج دراستهم المنشورة بعدد أغسطس من مجلة "النوم" العلمية الصادرة في الولايات المتحدة هو أن السبب في حالات الإجهاد تلك هو اضطراب أنظمة كيميائية في الدماغ. وتحديداً لدى منْ يُمارسون أنظمة العمل بالمناوبات المختلفة الأوقات عبر الأيام الأسبوعية مستوى متدن من مادة سيروتونين في خلايا الدماغ.

وقام الباحثون من جامعة بوينس أيرس بمراجعة نتائج تحاليل حوالي 700 رجل. وقارنوا في ما بين اختلاف نسبة مادة سيروتونين لدى حوالي 440 منهم ممن يعملون بنظام العمل اليومي المعتاد بما لدى حوالي 260 شخصا يعملون بنظام المناوبات المتغيرة خلال أيام الأسبوع. وكانت المناوبات النهارية تبدأ عند السادسة صباحاً، والمناوبات الليلية تبدأ عند السادسة مساء.

* اضطرابات الدماغ ووفق ما ذكروه في نتائج دراستهم فإن لدى من يعملون بنظام العمل اليومي المعتاد نسبة أعلى من مادة سيروتونين مقارنة بمن يعملون بنظام المناوبات المتغيرة، سواء منها النهارية أو الليلية.

وقال الباحثون إن هذه الملاحظة العلمية قد تُسهم في تفسير وفهم الآليات المرتبطة بتغيرات النظام اليومي، للساعة البيولوجية في الدماغ وغيرها من الأنظمة اليومية للتغيرات في الجسم كحرارة الجسم وإفراز الهرمونات وغيرهما. وهي مما تختلف في ساعات النهار عن ساعات الليل بشكل طبيعي لدى الإنسان العادي الذي ينام بالليل ويستيقظ بالنهار، والتي يفرض حصول اضطرابات فيها القيام بالعمل بنظام المناوبات المتغيرة بين الليل والنهار واختلاف أوقات النوم تبعاً لذلك.

وأضاف الدكتور كارلوس بيرولا، الباحث الرئيس في الدراسة، ان تلك النتائج ربما أيضاً تقود إلى اكتشاف علاج جديد وأفضل في معالجة حالات الإجهاد التي تعتري العاملين بنظام المناوبات. والمعلوم أن العاملين بهذا النظام يخسرون في الغالب إلى حد حوالي أربع ساعات يومياً من النوم كجزء من اضطرابات نوم العاملين بنظام المناوبات. وان المصادر الطبية تشير إلى أن حوالي 5% من الناس يُعانون من هذه المشكلة خاصة مع انتشار الأعمال المتطلبة للخدمة طوال الأربع وعشرين ساعة على مدار اليوم في الحياة اليومية المعاصرة. وهذا ما يجعل الكثيرين منهم يُعانون من القلق أو الاكتئاب إضافة إلى الإرهاق والإجهاد. وهو ما بالتالي يُؤدي إلى ارتفاع احتمالات حصول الإصابات أثناء العمل وتأثر نوعية أدائهم الوظيفي.

* مادة السيروتونين ومادة السيروتونين هي إحدى المواد الناقلة ما بين خلايا الجهاز العصبي المركزي، وأيضاً بين خلايا داخلية معينة في أجزاء من الجهاز الهضمي. وتلعب دورا مهما في تنظيم المزاج لدى الإنسان إضافة إلى بعث الرغبة الجنسية. وثمة من يُلقي عليها اللوم في ظهور أعراض مرض الصداع النصفي، أو الشقيقة.

وكان للتعرف على هذه المادة دور في علاج حالات مرض الاكتئاب، لأنه تمت ملاحظة أن لدى نسبة عالية من المصابين به تدني نسبة مادة سيروتونين عن المعدل الطبيعي لها في الدماغ. وهو ما أدى إلى اعتماد الأطباء على نوعية الأدوية التي تقوم برفع مستوى مادة السيروتونين في الدماغ. وبالرغم من أن استمرار المناقشات العلمية حتى اليوم حول كيفية تأثير مادة السيروتونين على تنظيم مزاج الإنسان إلا أن الاعتقاد الشائع في الوسط الطبي هو أن السيروتونين تلعب دورا لا يمكن إغفاله في الشعور بالراحة النفسية لدى متناولي تلك الأدوية المؤدية إلى رفع مستواه في الدماغ.

لكن تمت أيضاً ملاحظة أن عند ارتفاع مستوى السيروتونين أكثر من اللازم، فإن المرء يشعر بارتباك وعدم قدرة على التركيز وابتهاج غير طبيعي وعدم القدرة على الهدوء والاستقرار وقد تحدث حمى وقشعريرة وغثيان وارتفاع في معدل نبضات القلب وضغط الدم والأرق.